يرى الشيخ الشهيد مرتضى مطهري أن "وقائع عاشوراء واضحة المعالم تماماً ومليئة بالفخر والعزة والمجد ولكننا شوّهنا هذه الصفحة التاريخية المشرقة وارتكبنا خيانة كبرى بحق الإمام الحسين (عليه السلام) بحيث أنه لو ظهر إلى عالم الوجود المادي اليوم لاتّهمنا بقلب حقيقة الواقعة".

وكالة مهر للأنباء: كتاب "الملحمة الحسينيَّة"، للشيخ مرتضى مطهري، يتكوَّن من محاضرات قيّمة ألقاها الشيخ الشهيد، متحدثاً في الجزء الأوّل من الكتاب، عن التّحريف في سرد واقعة كربلاء، محذّراً من جملة الانحرافات الّتي أدخلت عليها، لما لذلك من أثر سلبيّ في الأمّة، لجهة الارتباط الأصيل بهذه القضيّة ومعانيها.

 ومن هذا المنطلق يدعو مطهري إلى التمسّك بمضمون هذه الحادثة كما هي، وبشكل موضوعيّ، بعيداً عن إعمال الوهم والانفعالات والخيال في عرض الأدوات المتّصلة بها، ما يؤدّي إلى ضرر فادح يطاول الأمّة، التي تحتاج إلى التّفاعل مع رموزها ومحطاتها الدينيّة والتاريخيّة بالشّكل الّذي يحفظ لها توازنها وأصالة حضورها، معتبراً أن النظرة الصحيحة الى السّيرة الحسينيّة يصوّب للأمّة تفاعلها، ويأخذ بيدها نحو الفهم الحقيقيّ لغايات الثّورة ورموزها، وهو ما ينعكس إيجاباً على الواقع الإسلامي ككلّ.

وهنا ننقل لكم مقطعا من كتاب "الملحمة الحسينية" والذي يعكس وجهة نظر الشهيد مرتضى مطهري بشأن ضرورة إجراء النقد الموضوعي البنّاء، لتصحيح أو تصويب ما تعرّضت له السيرة الحسينيّة من تشويه ومغالطات وتحريف، أساءت إلى النهضة الحسينيّة من الناحية التأريخيّة، ولصقت بعض الأحداث بها:

"إن الشيء الذي يحز في القلب هو كون واقعة كربلاء من أغنى الوقائع التاريخية المدعمة بالوثائق والأسناد المعتبرة. في السابق كنت أتصور أن سبب كل هذه الأكاذيب التي ألصقت بهذه الحادثة يكمن في عدم معرفة الوقائع الصحيحة للواقعة. ولكنني بعد المطالعة والتدقيق لاحظت أنه ربما كانت واقعة كربلاء واحدة من أندر الوقائع التاريخية المدعمةبكل تلك الأسناد التاريخية الباقية منذ ذلك التاريخ البعيد أي منذ اربعة عشر قرناًخلت. فالمؤرخون الإسلاميون المعتبرون دوّنوا ونقلوا لنا وقائع عاشوراء بالأدلة والوثائق الدامغة منذ القرن الأول والثاني. والروايات الموجودة في هذا الشأن إما متطابقة أو قريبة جداً من التطابق مع بعضها البعض ويبدو أن أسباباً معينة كانت وراء حفظ كل تلك التفاصيل من عوامل التزوير والإختلاق، وربما كانت الخطب الكثيرة أحد الأسباب التي جعلت وقائع القضية محفوظة في التاريخ من جهة، وأهدافها معروفة للجميع من جهة أخرى. فالخطبة في ذلك الزمان كانت بمثابة بيان رسمي أو إعلان حكومي للدولة في الوقت الحاضر. تمامً كما هي حال البيانات الرسمية التي تصدر عن الدول بشأن الحروب ووقائعها والتي تعتبر أفضل وثيقة تاريخية كانت حال الخطب آنذاك. ولذلك نرى أن الخطب التاريخية الأساسية سواء الخطب التي وردت قبل دخول المعركة أو خلالها وكذلك خطب آل بيت النبوة في الكوفة والشام أو غيرها من المدن، بعد انتهاء الواقعة، كلها تُبين بوضوح اهداف معركة وخط سيرها الأساسي. يضاف الى ذلك، أن هدف أهل البيت من القاء تلك الخطب، كان تسليط الضوء على أسباب وقوع حادثة وعرض تفاصيلها للناس و شرح أهدافها لهم، وهذا بحد ذاته يشكل سبباً من أسباب بقاء تفاصيل الواقعة في الوثائق التاريخية بشكل مدون...

ولذلك فإن وقائع المعركة التاريخية واضحة المعالم تماماً ومليئة بالفخر والعزة والمجد ولكننا شوّهنا هذه الصفحة التاريخية المشرقة وارتكبنا خيانة كبرى بحق الإمام الحسين (عليه السلام) بحيث أنه لو ظهر إلى عالم الوجود المادي اليوم لاتّهمنا بقلب حقيقة الواقعة رأساً على عقب ولقال:إنني لست ذلك الحسين  الذي رسمتموه في خيالكم وعلي الأكبر الذي رسمتموه في مخيلتكم ليس هو ذاك الابن الأصيل من صلب الحسين، والأعوان الذين تتحدثون عنهم ليسوا بأعواني واصحابيفي يوم عاشوراء....

من هنا نستطيع القول بأننا لم نعمل شيئاً يذكر اذا ما اسسنا مثل هذه الحسينية ( أي حسينية الارشاد في طهران) باسم هؤلاء بعد مرور اربعة عشر قرناً. لأنه لو كان الأمر لا يتعدى أمنيات العرس والزواج لشخصية تاريخية مثل القاسم لما كان المطلوب صرف كل تلك الجهود والأموال وتاسيس كل تلك الحسينيات وإلقاء المحاضرات. لكن القضية غير ذلك تماماً، فهؤلاء كانوا جوهرة الإنسانية ومصداق الآية الكريمة: (إني جاعل في الأرض خليفة) إنها شخصيات ملائكية بل ما فوق الملائكة"./انتهى/