كتب رجل الاستخبارات الأمريكية السابق "بروس ريدل" مقالا لصحيفة المونيتور جاء فيه أن استقرار السعودية أصبح أكثر هشاشة مع الشك المتزايد في حُكْم ولي العهد الشاب وكفاءته، حيث يتمتع "محمد بن سلمان" بسجل حافل من القرارات المندفعة والمتهورة معتبرا ان هجوم 22 سبتمبر/أيلول في الأهواز سيؤجج التوترات الطائفية في جميع أنحاء المنطقة وداخل السعودية.

وفيما يلي نص المقال:

صراعات عائلية

خلال نصف القرن الماضي لم يكن استقرار السعودية موضع شك جدي، وبعد أن قام الملك "فيصل" بإبعاد شقيقه "سعود" غير المؤهل عن العرش عام 1964، كان خط الخلافة واضحاً وغير متنازع عليه، وفي ظل حكم "فيصل"، نما الاقتصاد، خاصة عندما رفع الحظر النفطي لعام 1973 أسعار النفط بشكل كبير.

ولم يغير اغتيال "فيصل" لاحقا أو حتى الاستيلاء على المسجد الكبير في مكة من قبل حفنة من المتعصبين عام 1979 من ذلك الاستقرار التاريخي للمملكة، حيث تعاملت البلاد مع تلك الحوادث بهدوء.

وفي بداية هذا القرن واجهت المملكة هجوماً حازماً من "أسامة بن لادن" وتنظيم القاعدة، لكن الأجهزة الأمنية الفعالة التي قادها "محمد بن نايف"، نجحت في حصار التهديد.

وحتى الربيع العربي لم يكن له تأثير كبير على استقرار المملكة، حيث أنفق الملك "عبدالله" أكثر من 130 مليار دولار في زيادات الرواتب وغيرها من الفوائد لإسكات أي معارضة بالمال، وكانت العائلة المالكة متحدة وراء "عبدالله"، وتدخّل السعوديون في البحرين لضمان هدوء دول الخليج الفارسي؛ ولا تزال قوات المملكة ترابط في الإمارة الصغيرة إلى اليوم.

ولم يكن صعود الملك "سلمان بن عبدالعزيز آل سعود" إلى السلطة في عام 2015 أقل سلاسة، وكان من المقرر أن يخلفه الأمير "مقرن"، الأخ غير الشقيق للملك.

ولكن الآن تمت إزالة كل من "مقرن" ولاحقا "محمد بن نايف" من خط الخلافة دون تفسير، ووضع الملك نجله كولي للعهد، وتسببت هذه التغييرات في تنفير وإغضاب أجزاء كبيرة من الأسرة المالكة.

سياسة عدوانية

ثم هناك مبادرة ولي العهد الأكثر وضوحا وهي الحرب في اليمن.

وقد ألقى أمير كبير في العائلة المالكة، وهو شقيق الملك "أحمد بن عبدالعزيز"، باللوم علنًا على "محمد بن سلمان" في الحرب في مقطع فيديو تم التقاطه له هذا الشهر في لندن، وقال الأمير "أحمد" علانية ما قاله كثيرون غيره سراً عن الحرب خلال السنوات الماضية.

وتقطع الحرب الآن عامها الرابع ولا نهاية في الأفق، وقد أطلق الحوثيون أكثر من 60.000 مقذوف عبر الحدود، مجبرين المملكة على إخلاء أعداد كبيرة من القرى الحدودية السعودية، كما أطلقوا قرابة 200 صاروخ باليستي على المدن السعودية، بما في ذلك الرياض، بينما قامت القوات الجوية الملكية السعودية وشركاؤها بتدمير البنية التحتية الضعيفة في اليمن وتسببت في عشرات الهجمات الدموية ضد المدنيين.

وقالت الأمم المتحدة هذا الشهر إن ثلاثة أرباع اليمنيين معرضون لسوء التغذية والمرض، و8 ملايين شخص لا يعرفون من أين ستأتي وجبتهم القادمة، وقد ينضم 5 ملايين آخرين منهم قريباً إلى هذه الفئة من سوء التغذية الشديدة والمخاطر.

ويعد هذا كله نتيحة للحصار السعودي الذي فرضه "بن سلمان"، وينبغي أن يساءل عنه، وقد أنتجت الحرب رد فعل معاديا للسعودية في جميع أنحاء العالم.

وكان حصار قطر كارثة سياسة خارجية أخرى لولي العهد، كما تم إلقاء القبض على رجل دين بارز وربما يتم إعدامه بسبب انتقاده للحصار، الذي وضع مجلس تعاون الخليج الفارسي على حافة الانهيار.

وهناك الكثير من التكهنات بأن السعوديين كان لهم دور في هجوم 22 سبتمبر/أيلول في الأهواز بإيران، وقد قال ولي العهد علناً ​​إنه يريد نقل المعركة داخل إيران، ومن المؤكد أن الهجوم سيؤجج التوترات الطائفية في جميع أنحاء المنطقة وداخل المملكة.

وفي الداخل، أدت حملة اعتقالات لسعوديين بارزين في الخريف الماضي في فندق ريتز كارلتون إلى هروب رؤوس الأموال وتراجع الاستثمار الأجنبي، حيث يبدو أن الثقة في الاقتصاد وطريقة معالجة ولي العهد للقضايا الاقتصادية آخذة في الانخفاض.

وقد أجهز الملك على خطة نجله الاقتصادية المميزة وقام بإلغاء الطرح المقرر لشركة أرامكو، ويقوم ولي العهد اليوم بقمع أي صوت مستقل، حتى لو كان مؤيدًا للسماح للنساء بقيادة السيارة، وهو الإجراء الذي ينسب ولي العهد الفضل فيه لنفسه وحده.

أقل استقرارا

ويقال إن ولي العهد يقضي الكثير من الليالي على يخته الذي تبلغ قيمته نصف مليار دولار والراسي قبالة جدة، خوفاً على أمنه، ويعدل هذا اليخت قصرا عائما يتجاوز طوله ملعب كرة قدم ويمكن استخدامه كمنفذ هروب محتمل.

وطالما ظل "سلمان" على العرش، فإن "محمد بن سلمان" سيظل على الأرجح الوريث المحتمل، ولكن إذا مات الملك فجأة قريباً، فقد يحدث تنازع عنيف حول الخلافة، ولا تزال المملكة تحتاج إلى الكثير من الوقت وبعض السياسات الناجحة من أجل تمرير شرعية الملك إلى نجله الشاب بشكل هادئ.

ولم يكن الرؤساء الأمريكيون قلقين بشأن استقرار السعودية منذ عهد "جون كينيدي"، ولكن الآن يجب عليهم ذلك.

وقد بقيت المملكة لمدة 50 عاما متوقعة ومستقرة، وكان خط الخلافة فيها معروفاً وواضحاً وحاسماً كما هو الحال في أي نظام ملكي مستقر، لكن هذا ليس هو الحال اليوم.

وأعطت إدارة "ترامب" السعودية شيكًا على بياض ودعمت حربها في اليمن، وقد أشاد البيت الأبيض بولي العهد، وهو نهج "أحمق وخطير".

ويحتاج السعوديون إلى دعم أمريكي ودولي لإنهاء الحرب في اليمن والتي تكلفها 5 مليارات دولار شهريًا وتؤدي إلى تآكل استقرار المملكة، وقد راهن ولي العهد بسمعته على ربح مستنقع الحرب بتكلفة بشرية مروعة، ويجب على أصدقائه الأمريكيين أن يبحثوا له عن نهاية مشرفة وسريعة لهذه التراجيديا قبل أي شيء آخر.

المصدر | المونيتور