بعيدا عن العواطف وردّات الفعل الصاخبة، يجب أن نتحدث بثقة واضحة بأنّ الجمهورية الاسلامية في ايران لن تسكت عن دم شهدائها في الأهواز. هذا أمر لا يستحق أن نطيل النقاش فيه، ولكن السؤال الذي يطرحه الكثيرون هنا، وخاصة الأصوات المطالبة بالردّ الفوري دون تأخير، هو كيف سيكون الردّ؟ وأين ومتى وفي أي اطار؟

وكالة مهر للأنباء ـــ سهام محمد: هي أسئلة مشروعة أكيد، ولكن من يتابع ويفهم سياسة الجمهورية الاسلامية، يدرك تماما أنّها لا تبني قراراتها على ردات الفعل الفورية، وأنها حريصة على التحضير لكل خطوة، حتى تكون النتيجة مناسبة وناجعة ودقيقة. من الضروري بما كان القول هنا، أنّ ايران لديها من المقوّمات والادوات الثابتة للردّ على هذه العملية الارهابية وعلى منفّذيها وداعميهم. والقيادة الايرانية اليوم حريصة كل الحرص على أن يعرف كل العالم أنّ الانتقام للشهداء والجرحى، لن يكون بعيدا. فكل المعلومات اليوم باتت مؤكدة ومكشوفة، اضافة الى الأهداف من هكذا عملية ارهابية.

انّ التأكيد على سبل الوحدة والانسجام بين مختلف مكوّنات المجتمع الايراني بكل أطيافه وعلى كامل اراضيه من شمالها، الى شرقها، الى غربها، الى جنوبها، دليل اضافي على حكمة وتبصّر القيادة الرشيدة في ايران. وهذا السلوك هو أوّل ضربة توجه الى العدو الارهابي الذي حاول من خلال اختياره لمكان وزمان الاعتداء الارهابي، بثّ روح الشقاق والفرقة بين مختلف مكونات المجتمع الايراني في الأهواز وخارجها. لقد لعب اعلام العدو دورا هاما في تشويه الحقيقة، بل في صرف الناس عن فهم ما حصل بنشر الأكاذيب والخدع، وهذا اعلام قائم تصرف عليه ملايين الدولارات، خدمة للمشروع الأمريكي الاستكباري في المنطقة. انّ ما يسمى باعلام الكذب، والذي بات يمثل استراتيجية واقعية تقوم عليها مؤسسات اعلامية ضخمة تعمل على تنفيذ حرب ناعمة، الهدف منها احباط المشاهد وبث روح الانهزام والضعف، وتصديق كل ما يروج من معلومات دون الحصول على امكانيات صلبة لتمييز الكذب فيها عن الصدق.

انّ اعلام الكذب هذا جزء لا يتجزأ من الحرب المفتوحة على محور المقاومة في المنطقة، وعلى رأسه الجمهورية الإسلامية انّه اعلام لا يتوقف عند فبركة الاخبار والصور أنما يتخطاها للتحريض والفتنة ودعم التفرقة بين الشعوب، وحتى في اطار مكونات الشعب الواحد.

انّ أول ردّ حقيقي على هذه المؤامرة، هو اعلاء صوت الاعلام المقاوم، الذي يتحمل مسؤولية كبيرة في دحض هذه الأكاذيب من جهة، وفي توجيه الرأي العام العالمي لإدراك حقيقة من يقف وراء الإرهاب ومن يدعمه ويموله ويعتمده كأداة لتخريب الأمن والسلم في دول العالم. لابد على اعلام المقاومة أن يكشف العبث الامريكي ومحاولاته المتكررة بنشر الفوضى بين صفوف الشعب الواحد.

أمّا الردّ العسكري الاستراتيجي، فله مقومات وأبعاد مختلفة، بالنظر لطبيعة الصراع القائم اليوم في المنطقة، نحن أمام موقف حسّاس بكل المقاييس. فالتصريحات التي ظهرت عقب العملية الارهابية في الاهواز من بعض المسؤولين في دول الخليج الفارسي خاصة، تثبت بما لا يدع مجالا للشكّ تورط تلك الدول بشكل مباشر أو غير مباشر في هذه الاعمال الارهابية، ان كان على مستوى الدعم اللوجستي للارهابيين الذين نفذوا العملية، أو الدعم الاعلامي والسياسي، وصولا الى الدعم الواضح للمشروع الامريكي في المنطقة، والذي تعدّ ايران أكبر مواجه له على جميع الأصعدة.لكن قوى الاستكبار تدرك تمام الادراك قدرة إيران على إلحاق الأذية بهذا المشروع الارهابي الذي هزمته فعليا في عدة جبهات مثل العراق وسوريا،  وأنها تملك من الامكانات من ضمنها استخدام الصواريخ والقوة الجوية والقدرات البحرية، هذا اضافة الى حلفاءها في المنطقة،  القادرة على احداث خلل ليس فقط في مقدرات هذه القوى المعادية، بل ايضا تدمير ادواتها في المنطقة.

تحاول امريكا باستخدام ادواتها، تجنب المواجهة المباشرة مع ايران، لانها تعلم جيدا أن الثمن سيكون باهضا جدا، على المستوى العسكري والجيوسياسي. فأي مواجهة مباشرة مع ايران ستكون كلفتها فوق كل التصورات. لهذا السبب تعتمد السياسة الامريكية على وكلائها في المنطقة، المكلفين ضمنيا بالقيام بالأعمال الارهابية التي من شأنها احداث ارباك وفوضى في داخل اي دولة مستهدفة من قوى الاستكبار. أنه مشروع الارض المحروقة الذي من شأنه  أن يمهد لهذه القوى ان نجحت في خططها الدخول والاستيلاء على ثروات ومقدرات هذه الدولة أو تلك.  نفذوا هذا المشروع في عدة دول واستطاعوا في مرحلة ما تحقيق جزء من اطماعهم ولنا في ما حصل في سوريا والعراق وما يحصل في ليبيا واليمن مثال. لكن القيادة الايرانية واعية تماما بكل تفاصيل هذا المشروع وادواته في المنطقة، وهي بالتأكيد لن تقف مكتوفة الايدي أمام هذه المحاولات المتكررة من قوى الاستكبار للضغط عليها.

ان ما تقدمه ايران اليوم من دعم لقوى المقاومة في العراق وفلسطين وسوريا ولبنان وغيرها من المناطق، جزء لا يتجزأ من المعركة، بل هو أساس المعركة وجوهرها، فمقاومة الكيان الصهيوني الغاصب لارض فلسطين ومن وراءه امريكا الداعمة له ، جزء من عقيدة ثابتة لدى الايرانيين لن يقبلوا المساومة عليها.

وعليه، فانّ القيادة الايرانية اليوم مدركة تمام الادراك لحتمية الردّ على الارهاب وصانعيه وداعميهم في المنطقة، ليكون الردّ ذكيا ومحكما وفاعلا ومدمرا لمشاريع الاستكبار.

اليوم نحن أمام قيادة تعمل بصمت وثبات، تملك من الادوات والمقومات والخيارات الكثير، وهي قادرة على تغيير كل المعادلات في المنطقة، لانها لاعب اقليمي ودولي فاعل لا يمكن تجاوزه. اللافت أنّ قوى الاستكبار يدركون ذلك ويفهمونه جيدا ولهذا السبب يكتفون بالتلاعب من وراء ستارة الارهاب القذرة علهم يحدثون خرقا ما يساعدهم على فرض شروطهم على القيادة الايرانية بأي شكل من الاشكال. لكن الغريب أنّ ادواتهم في المنطقة وخاصة في الخليج الفارسي، لا يدركون ذلك أو على الأقل لا يقرأون جيدا مفاصل اللعبة الاستراتيجية والتغيرات الجيوسياسية التي من المحتمل، بل من المؤكد أنها ستجعلهم أولى ضحايا الاستهتار والفوضى، يدفعون ثمن خياراتهم الخاطئة والغبية لانهم باختصار وضعوا مستقبل وجودهم في يد امريكا، التي ستبيعهم في أول مواجهة تفاوضية لأجل مصالحها.