يجب أن ترى الأربعين في عيون سيدة مسنة تجلس على كرسي متحرك كل ما تملكه عبارة عن بضع حبات تمر مزينة بالراشي، تحملها في طبق وتقدمها للعابرين معها نحو كربلاء.

وكالة مهر للأنباء - حامد حجتي: الحضارة هي عبارة عن تراكمات للخبرات الانسانية التي تشكلت عبر تجارب صغيرة، والحضارة التي لا تقوم على هذا الاساس ليست حضارة. يمكن النظر للمسيرة المليونية في ذكرى الأربعين الحسيني من وجهة نظر علم الاجتماع على أنها مراسم دينية تتميز ببعض الخصائص والضرورات الخاصة، فمعظم الطقوس والمراسم الدينية هي مجموعة السلوك الجمعي المقترنة بشعور وهدف محدد وتقام بشكل مستمر.

الأربعين تمنح الشيعة هوية وروح، كما أن أهل الشيعة في هذه المراسم يواكبون سيد الشهداء الامام الحسين (ع) في فكرته، وهنا لاحياء الذكرة والعزاء صلة جوهرية بالموضوع.

التربية الاخلاقية بالاستناد إلى الاخلاق الاجتماعية إحدى وظائف المسيرة الاربعينية حيث تعتبر من فضائل ومحاسن الأربعين الحسيني.

أقل ما يمكن قوله عن مسيرة الأربعين من هنا من طريق كربلاء إن كل شيء غير اعتيادي، التفاصيل كلها مميزة وتفوق الوصف، البشر العاديون يصبحون استثنائيين محبين يشع منهم النور، في مسيرة الأربعين يمكنك أن ترى خصائل البشر الخفية فالجميع يعود إلى الطينة الحميدة الأولى التي نشأ منها، هذه الحركة الاستثنائية تزكي الروح وتحنن القلوب وتقوي العواطف، هنا كل شيء يجبرك على أن تكون شجاعا.

بدون شك، إحدى أهم خصال الأربعين الحسيني هي "خدمة الآخرين" الأمر الذي يجعل من هذه المراسم أعجوبة، يرفع الجميع هنا شعار اقترن بالمسيرة الكربلائية "خدمة زوار الحسين، شرف لنا" كل المشاركين من بلدان مختلفة تصيبهم الدهشة من خدمات العراقيين للزوار أو "المشائين" كما يحبون تسميتهم.

المشاة في مسير الأربعين يتلقون الخدمات اينما أرادوا فلا داعي لأن تبحث عما تريده، كل شيء يأتي إليك في كل محطة وكل ما يقدم في سببيل خدمة الزوار يعتبره العراقيون فضل من الزوار عليهم.

عليك أن ترى الأربعين في عيون سيدة مسنة تجلس على كرسي متحرك كل ما تملكه عبارة عن بضع حبات تمر مزينة بالراشي، تحملها في طبق وتقدمها للعابرين معها نحو كربلاء، تترجى المشاة لتناول ما لديها مبتسمة فرحةً وإذاما تناولت منها حبة تهمس "الحمد الله".

مستقبل كل شعب مرهون بتضحياته، والعراق يبني مستقبله بهذه التضحيات التي يقدمها في مسيرة الأربعين، فالعالم اليوم يتعطش للأمور الروحية والملاحم العقلية والعواطف الانسانية. وزيارة الأربعين تروي كل هذه الحاجات، وتظهر الحقيقة للعالم.

يستضيف العراق في الأربعين هواة الحرية وعقلائه، ويبدو الأمر وكأنه استعداد لحكم عالمي للمظلومين مركزه العراق.

(حرر في مدينة الديوانية 22 تشرين الأول 2018.)

/انتهى/.