وكالة مهر للأنباء - مريم معمارزاده : يستلهم جميع الاحرار بقضية الامام الحسين (ع) كأسوة للنضال والاستقامة. لم تكن الثورة الحسينية لعصر محدد أو لفترة زمنية محددة، كما إنها لم تكن لجغرافيا محددة، بل إن صداها بقي وسيبقى على مدى التاريخ والاعصار حيث اكتسحت هذه النهضة الحدود الجغرافية لتصل الى مسامع الناس في أقصى نقاط العالم.
وتعكس مسيرة اربعينية إمام الحسين حقيقة ان الحسين ليس لزمن محدد ولمكان محدد، عندما نرى العشاق والموالين من مختلف الالوان ومختلف الشعوب ومختلف المذاهب والانتماءات الفكرية، يتوافدون ليضموا صوتهم الى صوت ابى الاحرار ويمشون على الاقدام عشرات الكيلومترات حتى يصلوا الى مضجعه الشريف.
في هذا السياق أجرت وكالة مهر للأنباء مقابلة مع فضيلة الشيخ "محمد الزعبي" عضو المجلس المركزي في تجمع العلماء المسلمين في لبنان وخطيب مسجد الخلفاء الراشدين في طرابلس لنبحث اكثر مختلف ابعاد قضية الامام الحسين (ع) ومكانته عند اهل السنة وأسباب تأجيج الفتنة الطائفية بين أبناء الامة الاسلامية. يأتي نص المقابلة الكالتالي:
س: اين مكانة الامام الحسين في احاديث اهل السنه؟
ج: الامام الحسين (ع) في أحاديث اهل السنة والجماعة وكما ورد في صحيح البخاري، أن النبي عليه الاف الصلاة والسلام قال: "أن الحسن والحسين هما ريحانتاي من الجنة"، كما أنه اخبرنا عليه الصلاة والسلام في رواية صحيحة: "إن هذا مَلَكٌ لم ينزل الأرض قط قبل هذه الليلة استأذن ربه في أن يسلم علي ويبشرني أن فاطمة هي سيدة نساء العالمين وأن الحسن والحسين سيدا شباب اهل الجنة". هذه الرواية عظيمة جدا، حيث ان هذا الملَك لم يجد الدافعية في عدة أحداث وقضايا حصلت مع الانبياء لأن ينزل، في سبيل المثال انه لم ينزل ليبشر موسى بغرق فرعون.
وفي رواية صحيحة أخرى عن شهادة الامام الحسين رضي الله عنه، كما ذكر الهيثمي وقال إسناده ثقات في مجمع الزوائد : "أن جبرئيل أتى الى النبي عليه الاف الصلاة والسلام، فأغلق النبي الباب واوصى أم سلمة بألا تسمحي لأحد بالدخول، لكن الحسين (ع) إستغفلها ودخل دون أن تنتبه، فقالت يا رسول الله أنه الحسين فقال دعيه، وبدأ رسول الله يقبله ويعانقه فقال له جبرئيل اتحبه يا محمد؟ أجاب النبي نعم، قال جبرئيل لكن أمتك ستقتله، وإن شأت اشممتك التربة التي يقتل فيها، فقبض جبرئيل بيده قبضة من تراب كربلاء، فأخذها النبي (ص) وشمها وصار يبكي، وأخذت أم سلمة ذالك التراب وحفظته في خمارها".
أذن وفقا لهذه الروايات الصحيحة نجد أن النبي (ص) يشم تربة كربلاء، كما أن أم سلمة تحتفظ بالتراب في خمارها، ذلك يبين لنا أن التبرك بتراب كربلاء هو وارد في كتب السنة، المسألة الاخرى هي البكاء على الحسين؛ كما نعرف أن الانسان يبكى على فقيده بعد إن يمت لا قبله، لكن لأهمية البكاء على الحسين ولأن الرسول لم يعش حتى يستشهد الحسين (ع)، فبكا عليه ليُعلم المسلمين أن البكاء على الحسين هو قربة الى الله عز وجل.
كل ذلك ورد عن رسول الله في الكتب الصحيحة ليُعلم للناس من بعده، ولكي يأتي أحد ويبتدع ويعيب على البعض أن يحتفظوا ويتبركوا بتربة كربلاء ويتهمم بالشرك، كما يفعله الوهابيون والسلفيون، لأن هذا الفعل هو فعل نبوي.
هذه الرويتان هي ما يحضرني الان من بين العديد من الروايات الواردة في كتب السنة عن أهمية ومكانة اهل البيت (ع).
س: ما هي رسالة الامام الحسين عليه السلام ودور النهضة الحسينية في حل القضايا العربية سيما القضية الفلسطينية؟
ج: هذا السؤال ذكرني برواية أخرى صححها ايضا الامام الهيثمي في مجمع الزوائد عن الزهري حيث قال: "قال لي عبد الملك أيّ واحد أنت إنْ أعلمتني أيّ علامة كانت يوم قتل الحسين بن عليّ؟ قلت لم ترفع حصاة ببيت المقدس إلا وجد تحتها دم عبيط، فقال لي عبد الملك إنّي وإيّاك في هذا الحديث لقرينان (متفقان) رواه الطبراني ورجاله ثقات".
هنا نسأل ما هي العلاقة بين بيت المقدس وشهادة الامام الحسين (ع)، كما أن في ذلك العصر لم يكن بيت المقدس قضية من قضايا الأمة، كانت مدينة عادية أسري بالنبي (ص) اليها، ولم يكن بيت محتل من قبل عدو الله، لماذا يوجد دم الحسين تحت حجارة بيت المقدس في ذلك الزمن؟
من وجهة نظري أن اي تفسير من قِبَل مفسري الاحاديث لهذه الرواية في ذلك الزمن لم يكن تفسيرا صحيحا، لأننا لم نجد عظمة الدم الحسيني إلا في عصرنا هذا. الله سبحانه وتعالى هو الذي شرع دين الاسلام، وأن الله لاينحصر بالزمن. المقاومة الاسلامية قبل أن تستلهم الدم الحسيني كانت تبذل جهودا جبارة ومأجورة وجميع شهدائها في رضوان الله بإذنه، لكن لم ترعب العدو كما ترعبه اليوم بعد ما بدأت هذه المقاومة بإستلهام الدم الحسيني.
بعد إن أصبح شعار المقاومة "لبيك يا حسين" صارت قادرة على إحداث توازن رعب وأصبحت يدها عليا في مواجهة العدو الصهيوني. فهنا نرى أن ثورة الحسين تأتي ثمارها. الحسين لا يفعل في زمن محدود، بل إنه يفعل الى يوم القيامة.
الانتصارات التي حققتها المقاومة والرعب الذي تحدثه في قلوب العدو الصهيوني، هي تفسير ذلك الدم العبيط الذي وجدوه تحت حجارة المسجد الاقصى في الرواية التي صححها الهيثمي.
س: كيف يمكن أن يجمع الحسين (ع) وحبه بين الشيعة والسنة وجميع ابناء أمة الاسلام؟
ج: أولا إني ارى أن التفرقة الموجودة بين المذاهب هي ليست إلا تفرقة إستعمارية، وتحتاج الى أن نقرأ حقيقة الاسلام كما نزل على الرسول (ص). وثانيا ان بعض العلماء الطائفيين من أهل السنة الذين يتهمون الشيعة بالشرك، هم في الحقيقة تورطوا بمشروع التخريب الأمريكي لبث التفرقة بين المسلمين، حيث تجدهم يقولون ان الشيعة يبالغون في حب الحسين (ع). فإنهم لو قرؤوا ماصح من رواياتهم لوجدوا ربما مبالغة أكثر وهي ليست مبالغة في الحقيقة، إذ توجد هناك الكثير من الأحاديث عن عظمة الحسين (ع)، البعض منها ذكرت في الاعلى.
إن بلّغ العلماء هذه الروايات للناس ربما يتفق الناس ويجمع أبناء الامة الاسلامية على حب الحسين عليه السلام. حين يصبح معشوقنا واحد، تصبح جميع الخلافات الفقهية، كمثل أين يجب أن تضع اليد أو الجبهة في الصلاة وكيفية الوضوء وما الى ذلك، لا قيمة لها مادام عشقنا واحدا.
عند الامام الشافعي تبطل الصلاة إن لم يصل على آل النبي، حتى لو صلى على محمد (ص) دون آله
نستطيع أن نجتمع سنة وشيعة مازال عشقنا واحد، والذي هو عشق رسول الله وآله، الذين يصلي عليهم كل السنة في كل صلاة على الاقل خمسة مرات، بل أنه عند الامام الشافعي تبطل الصلاة إن لم يصل على آل النبي، حتى لو صلى على محمد (ص) دون آله.
من ناحية أخرى لابد أن نبغض قاتلي الإمام الحسين (ع)، لأننا لو إلفتنا الى الاحاديث التي حذرت من بني أمية، حيث قال عليه الصلاة والسلام: "أن أهل بيتي يلقون من بعدي من أمتي قتلا وتشريدا، وإن ابغض الاحياء الينا هم بني أمية وبني ثقيف وبني حنيفة". لذلك علينا أن نبحث في التراث السني والتراث الشيعي حيث سنتفق جميعا أن هؤلاء ما كانوا يريدون نصرة الاسلام، بل كانوا يريدون محاربة اسلام محمد صلى الله عليه واله وسلم.
لم تكن قضية بني أمية قضية شخصية كما لم تكن قضية آل البيت قضية شخصية. آل البيت كانت قضيتهم أن يدافعوا عن الاسلام وبني امية كانت قضيتهم أن يسكتوا الاسلام الذي يريد أن يصيب عدلا وينفي ظلمهم ويمنعهم في أن يتحكموا في رقاب الناس كما يشاؤون.
لكن يجب أن نلتفت الى هذه النقطة أن البُغض بحد ذاته ليس له وزن إن لم يكن هناك بحث علمي وتقصي وتتبع عن كل التفصيل في الرويات التي القاها بني أمية ونسبوها الى الرسول، كي يصنعوا اسلاما على قياس مصالحهم وظلمهم وعدوانهم.
س: يقول ابن تيمية حول استشهاد الامام الحسين "وكان في خروجه وقتله من الفساد ما لم يكن حصل لو قعد في بلده. إنَّ ما قصده من تحصيل الخير ودفع الشر لم يحصل منه شيء ، بل زاد الشر بخروجه وقتله، ونقصَ الخير بذلك وصار ذلك سبباً لشرٍّ عظيم". ما هو تعليقكم؟
هذا النقل متواتر في كتب ابن تيمية وليس آحاداً وحتى لو تابعنا هذا النقل نصل الى هذا المقطع "ﻭﻫﺬﺍ ﻛﻠﻪ ﻣﻤﺎ ﻳﺒﻴﻦ ﺃﻥ ﻣﺎ ﺃﻣﺮ ﺑﻪ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﺼﺒﺮ ﻋﻠﻰ ﺟﻮﺭ ﺍﻷﺋﻤﺔ ﻭﺗﺮﻙ ﻗﺘﺎﻟﻬﻢ ﻭﺍﻟﺨﺮﻭﺝ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻫﻮ ﺃﺻﻠﺢ ﺍﻷﻣﻮﺭ ﻟﻠﻌﺒﺎﺩ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻌﺎﺵ ﻭﺍﻟﻤﻌﺎﺩ ، ﻭﺃﻥ ﻣﻦ ﺧﺎﻟﻒ ﺫﻟﻚ ﻣﺘﻌﻤﺪﺍ ﺃﻭ ﻣﺨﻄﺌﺎ ﻟﻢ ﻳﺤﺼﻞ ﺑﻔﻌﻠﻪ ﺻﻼﺡ ﺑﻞ ﻓﺴﺎﺩ ﻭﻟﻬﺬﺍ ﺃﺛﻨﻰ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺤﺴﻦ ﺑﻘﻮﻟﻪ : " ﺇﻥ ﺍﺑﻨﻲ ﻫﺬﺍ ﺳﻴﺪ ﻭﺳﻴﺼﻠﺢ ﺍﻟﻠﻪ ﺑﻪ ﺑﻴﻦ ﻓﺌﺘﻴﻦ ﻋﻈﻴﻤﺘﻴﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ " ﻭﻟﻢ ﻳﺜﻦ ﻋﻠﻰ ﺃﺣﺪ ﻻ ﺑﻘﺘﺎﻝ ﻓﻲ ﻓﺘﻨﺔ ﻭﻻ ﺑﺨﺮﻭﺝ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﺋﻤﺔ ﻭﻻ ﻧﺰﻉ ﻳﺪ ﻣﻦ ﻃﺎﻋﺔ ﻭﻻ ﻣﻔﺎﺭﻗﺔ ﻟﻠﺠﻤﺎﻋﺔ."
يعني في هذا الكلام طعن بالحسين بأنه خرج عن امر رسول الله واصابه ما اصب وهذا كله يعبر عن حالة من النصب اي معاداة وبغض اهل البيت. وتعصب ابن تيمية غير المبرر ضد الشيعة جعله ان يقول عن علي عليه السلام "ان علياً مخذول اينما توجه واسلم صبيا والصبي لا يصح اسلامه وهو قاتل للرئاسة" ودائماً كان يطعن في اهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم. هناك كتاب ألفه الدكتور محمود سعيد يشرح كيف سعى ابن تيمية الى طعن في رسول الله واهل بيته. وكيف يمكن القبول بكل الاحاديث التي رويت عن رسول الله بشأن "من يشم تربة كربلاء" لرجل خالف أمره وهل يزيد يجب طاعته؟ طبعا ابن تيمية يرى ذلك. يعني يزيد الذي يشرب الخمور والذي قال هذه القصيدة عندما إوتي براس الحسين الى قصر الامارة : ليت أشياخي ببدر شهدوا ***** جزع الخزرج من وقع الأسل ... لعبت هاشم بالملك فلا ***** خبر جاء ولا وحى نزل.
ولما وصلت الرؤوس الى منطقة اسمها "جيرون" كان يزيد جالساً في منظره ولما رأى السبايا والرؤوس على أطراف الرماح وقد اشرفوا على ثنية جيرون نعب غراب فأنشأ يزيد يقول: لـما بـدت تلك الحمول وأشرقت / تلك الرؤوس على شفا جيرون .... نـعب الغراب فقلت قل او لا تقل / فـقد اقتضيت من الرسول ديوني.
في حديث ورد بسند حسن يقول الرسول بحق علي وفاطمة والحسن والحسين: "أنا حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم".
كأنه لديه ديون من الرسول وهو يوفيه الآن بقتل اقاربه. والحسين عليه السلام كان يعرف انه سيكون مقتولا في المدينة او خارج المدينة وهو قال انه خرج حتى لا يراق دمه في الحرم ولمثل يزيد لابد ان يقتل مثل الحسين، فالشر كل الشر في تولية معاوية ليزيد... هنا بدأ الشر. لانه الرسول صلى الله عليه وسلم قال في حديث راوه البلاذري بستة طرق كل رجاله رجال البخاري ومسلم مع ذلك تجاهلوه تعصباً. يقول عليه الصلاة والسلام "اذا رايتم معاوية على منبري فقتلوه". لكن الله سبحانه وتعالى قدر استشهاد الحسين كما أخبر رسول الله بما سيصيبه وفي حديث ورد بسند حسن يقول الرسول بحق علي وفاطمة والحسن والحسين:"أنا حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم". جمع هؤلاء الأربعة ولنتساءل من حارب هؤلاء الاربعة في زمن النبي؟ لا احد. فلماذا يقول رسول الله هذا الحديث؟ من اجل ألا يأتي احد بعد قتل ال البيت ليقول "ﺗﻠﻚ ﻓﺘﻨﺔ ﻗﺪ ﻃﻬﺮ ﺍﻟﻠﻪ ﻣﻨﻬﺎ ﺃﻳﺪﻳﻨﺎ، ﺃﻓﻼ ﻧﻄﻬﺮ ﻣﻨﻬﺎ ﺃﻟﺴﻨﺘﻨﺎ". لا لن نطهر السنتنا لاننا سنقزم على رسول الله. نحن حرب لمن حاربهم وسلم لمن سالمهم وهكذا كان ينبغي ان يفعله ابن تيمية الا وانه وقف في صف من حارب رسول الله واهل بيته.