وكالة مهر للأنباء - محمد مظهري: السلطنة بموقعها الاستراتيجي في منطقة الخليج الفارسي وشبه الجزيرة العربية وإطلالها أيضاً على المحيط الهندي ينتظرها مستقبل اقتصادي مشرق ودور اقليمي هام في مجال النقل والتجارة. وتسعى الحكومة العمانية اليوم وراء لفت الأنظار إلى مميزاتها الاقتصادية في مجال الخدمات اللوجستية والاستيراد والتصدير والموانئ، بالإضافة إلى الجانبين السياحي والصناعي، خاصة الصناعات الثقيلة القائمة على النفط والغاز.
استضافت مسقط خلال الأسبوعين الماضيين النسخة الثانية والثلاثين من مؤتمر النقل الطرقي الذي اشرف عليه الإتحاد الدولي للنقل الطرقي (IRU) بمشاركة ما يقارب ثلاثين متحدثاً حكوميا و 1000 ضيف تم اختيارهم من بين 80 دولة، إلى جانب العديد من الشركات البارزة في النقل على غرار VOLVO ،AXA ،PWC ،Mercedes Benz ،MAN ،IBM ،Virgin Hyperloop وذلك لإظهار الموقع المتميز والمستقبل المشرق لسلطنة عمان في القطاع اللوجستي في سياق تطلع السلطنة إلى جذب الاستثمارات المحلية والأجنبية ورفع مساهمة القطاع في إجمالي الناتج المحلي لتطوير اقتصادها.
وشمل المؤتمر الذي حمل شعار "الابتكار في النقل" مداخلات من شخصيات بارزة من قطاع الأعمال والحكومات، اجتمعوا لتبادل الأفكار والتناقش بشأن مسائل قطاع النقل وطرح حلول وتحديد مستقبل النقل والتنقل والعمل اللوجستي والتجاري؛ من خلال بحث سبل تسهيل التجارة وفاعلية استهلاك الوقود وإزالة الكربون والتطلعات الى النقل الطرقي الآلي، وآخر التطورات والابتكارات في مجال النقل واللوجستيات.
ووفقاً ل«كرستيان لابرو» رئيس المنظمة العالمية للنقل الطرقي، خلال كلمته أمام المؤتمر، أن اختيار السلطنة لاستضافة هذا المؤتمر العالمي جاء بسبب الموقع الاستراتيجي الذي تتمتع بها السلطنة في قلب أهم الممرات الدولية في العالم، فهي تتوسط ثلاث قارات أي آسيا وإفريقيا وأوروبا، كما استطاعت استغلال كل الفرص لديها لتطوير منظومة النقل لديها لتكون بمواصفات عالمية.
التنافس الاقليمي للاستحواذ على حركة النقل
يجدر الاشارة إلى أن هناك تنافساً قوياً داخل مجلس التعاون للريادة في مجال الخدمات اللوجستية في منطقة الخليج الفارسي، وأضف إلى ذلك مطار اسطنبول الجديد الذي دخل غمار التنافس ليستحوذ على حركة الطيران والمسافرين بمطارات إقليمية ودولية، وتحديداً مطار دبي، الذي بات يشكل تهديدا له.
هذا وعوّلت أبوظبي على إبقاء ميناء عدن في اليمن خارج الخدمة حتى تتحول الناقلات بخياراتها إلى موانئ الإمارات "ميناء راشد وميناء جبل علي" ليتكفل الميناءان بتقديم الخدمات للناقلات العملاقة التي تمر عبر باب المندب متجهة إلى شرق آسيا وجنوبها والعكس.
أما موانئ "عُمان"، فهي الأخرى تشكل هاجساً للإمارات في حال وجود ميناء لا يعمل في عدن؛ فموانئ "عُمان" أقرب لهذه الناقلات من "موانئ دبي"، ذلك لأن التوقف في الموانئ العمانية أسهل وأقل تكلفة من مشقة عبور مضيق هرمز للوصول إلى الموانئ الاماراتية للتوقف والتزود بالوقود والزيت وغيرها من الخدمات، وبالتالي فإن الإمارات لا ترغب أن تنافس شبكة الموانئ العمانية السبعة موانئها بأي حال من الأحوال، وهذا ما تخشاه أبوظبي من مسقط التي لديها خطط لتمييز نفسها عن المدن التجارية القريبة مثل ابوظبي ودبي والدوحة من خلال استغلال جغرافيتها الطبيعية والاستثمار في قطاعها السياحي.
التكامل الايراني-العماني:
أما بالنسبة لإيران التي تتمتع بموقع جغرافي متميز وقدرات لوجستية ممتازة للربط بين آسيا وأوروبا من جهة وبين روسيا ودول القوقاز والخليج الفارسي من جهة اخرى، فإنها تواجه حاليا العقوبات الأمريكية، مما جعلتها تبحث عن شريك يلعب الدور التكاملي معها في تسيير حركة نقلها، خاصةً أنه ليست لديها تجربة ناجحة مع دبي بسبب توتر العلاقات السياسية مع دول الخليج الفارسي والتي القت بظلالها على الشراكة الاقتصادية بين البلدين خلال السنوات الاخيرة.
هذا وتعتبر قطر وعمان الدولتان الخليجيتان الوحيدتان اللتان يمكن لإيران ان تتعامل معهما اقتصاديا في الخليج الفارسي، وأيضا تركيا تترشح لتحل مكانة الامارات في عملية نقل البضائع إلى ايران، إلا أن عمان لها الأولوية بالنظر الى العلاقات التي تربط بين السلطنة وإيران، وهي ليست وليدة اليوم وإنما هي قديمة ولاسيما خلال السنوات الأخيرة، فقد كانت لمسقط دور كبير في ابرام الاتفاق النووي بين إيران والقوى الكبرى عام 2015 وهي كانت دوماَ ولازالت مترشحة للاضطلاع بدور الوسيط لتذليل الخلافات، بينما تركيا - رغم علاقاتها الاقتصادية مع ايران - تعد خصماً لها في المشاريع السياسية، وكذلك قطر التي لا تعول على شراكة استراتيجية مع ايران، وانما تنظر الى طهران كنافذة أساسية على العالم الخارجي بعد المقاطعة التي فرضت عليها من قبل السعودية والامارات والبحرين.
مميزات عمان التنافسية:
جغرافياً تشكل عمان حلقة وصل للمستثمرين الراغبين في الوصول الى الأسواق الاقليمية، فضلا عن جهود السلطنة في تطوير المطارات وإنشاء الموانئ الصناعية والربط بالسكك الحديدية والعمل على تفعيل سياحة المؤتمرات.
ويجب هنا الإشارة إلى مشاريع السلطنة في إقامة المناطق الاقتصادية المتكاملة، كمنطقة الدقم الاقتصادية الخاصة التي تعتبر واحدة من أكبر المشاريع التجارية المقبلة في عمان بالسنوات المقبلة.
وفي هذا السياق يؤكد عضو مجلس الشورى العماني توفيق اللواتي في حديث لوكالة مهر للأنباء، على امتلاك السلطنة ثلاثة مواقع استراتيجية في صحار" و"دقم" و"صلالة"، بالإضافة إلى منطقة رابعة في "صور" التي يوجد فيها مراكز للغاز المسال وبعض الصناعات البتروكيماوية كاليوروا والامونيا، موضحاً ان هذه المناطق تعتبر صناعية واستراتيجية، ثلاث منها تتمتع بوجود موانئ على المستوى العالمي تستقبل السفن العملاقة مما يمكن السلطنة القيام بدور أكبر مما هي عليه الآن.
وسياسياً رسخت عمان مكانتها في المنطقة باعتبارها وسيطا موثوقاً لا ينجر في الصراعات، وتفهم طبيعة التوازنات في المنطقة، ولهذا تقف على مساحة واحدة من كل الأطراف الاقليمية.
خلافاً للسعودية والامارات اللتان تورطتا في مستنقع اليمن حتى استنزفت هذه الحرب الفاشلة اقتصادهما، اتخذ السلطان قابوس سياسة ذكية وهي النأي بالنفس عن مجريات الأحداث في الخليج الفارسي من خلال رفض المشاركة في التحالف الذي تقوده السعودية والإمارات، ليوظف قدرات بلاده في سبيل تحقيق المخططات التجارية واللوجستية واستراتيجية الرؤية المستقبلية للاقتصاد العماني في منطقة تعصف بها حروب وصراعات عبثية.
اليوم وفي ظل تصاعد الشجار داخل البيت الخليجي، وفرض الحصار ضد قطر من جهة والمغامرات التي تخوضها الإمارات والسعودية في العديد من الملفات الخارجية من جهة أخرى، سواء في ليبيا أو اليمن من جهة أخرى، وبالتالي نزيف اقتصاديات هذه الدول، باتت عمان الدولة الخليجية الوحيدة التي بقيت آمنة وبعيدة عن الصراعات ومرشحة لاستقطاب الاستثمارات الأجنبية، بينما يرى المراقبون ان "دبي" التي طرحت نفسها بوصفها "سويسرا الخليج الفارسي"، صارت اليوم ضحية للمنافسات العنيفة في الشرق الأوسط.
باختصار يمكن اعتبار السلطنة مرشحة لاضطلاع دور عالمي في قطاع النقل واللوجستيات في المستقبل القريب؛ وذلك بالنظر الى ميزاتها التنافسية الاقتصادية لجذب الاستثمارات الاقليمية والعالمية، وموقعها الجغرافي، وسياساتها الوسطية التي ترتكز على جلب المصالح الاقتصادية بدلا من التورط في المغامرات والصراعات.
السلطنة تتطلع الى تنويع مصادر دخلها وتعزيز قطاعها السياحي من خلال تطوير الموانئ وخطوط السكك الحديدية التي سيتم تربطها بدول مجلس التعاون، إلى جانب تنمية مطاراتها، والاستثمار في البنية التحتية وخاصة في مجال الطرق والنقل/انتهى/