أعرب الباحث والأكاديمي المتخصص في الدراسات الإيرانية البروفيسور فيليب كريين بروك، عن اعتقاده بأن رسالة النبي "الزرادشت" قد أثرت على الإغريقيين الذين كانت لهم اتصالات كبيرة مع الإيرانيين في الفترة الإخمينية ، وقال إن رسالة هذه الديانة ربما أثرت على كبار الفلاسفة ك"أفلاطون".

وكالة مهر للأنباء ــــ محمد مظهري: يعتبر بعض الخبراء بشان تاريخ الزرادشتية ، أن كتاب "افيستا" لا يمثل تعاليم وفلسفة الزرادشت ، معزين ذلك إلى حقيقة أنه في الفترة الساسانية وطيلة 300 عام تم تجميع شتات هذا الكتاب ، وفي نهاية المطاف يشكل مجموعة من المعتقدات والأصول والشعائر والمناسك المتداولة بين الديانات والمذاهب في إيران القديمة ، وعليه فإن هذا الكتاب لا ينظر إليه بصفة سماوية وأنه لا يمثل أفكار الزرادشت ومنظومته التعاليمية قط ، وانما "الغاثا" هي التي تمثل التعاليم الزرادشتية وهي عبارة عن أناشيد تحمل رسائل من الزرادشت .

ومن أجل إضفاء الطابع العلمي على ما يراه بعض الباحثين بشان دخول الخرافات والطقوس التي لا ترتبط بتعاليم الزرادشت في هذه الديانة أجرى مراسل وكالة مهر للأنباء ، حواراً مع الأكاديمي الأوروبي المختص في الدراسات الإيرانية البروفيسور "فيليب جي كريين بروك" ، وفي هذا السياق ذكر الخبير أن الغاثا (أناشيد تحمل رسائل من الزرادشت) هي الوحيدة التي تمثل رسالة "الزرادشت " الذي قام بتأسيس الديانة الزرادشتية ، لافتاً إلى أن النصوص الزرادشتية الأخرى أو تم تحويرها حسب تعاليمه أو نشأت بعده.

وتابع كريين بروك : تشكل هذه النصوص "اللاحقة" الطريقة التي فهم بها أتباع الزرادشت تعاليمه في ضوء ثقافتهم وتجاربهم المعاصرة فيما كان من الصعب دراسة مثل هذه التعاليم الدينية القديمة ، لاسيما تعاليم الزرادشت اذ أنه ليس من السهل للزرادشتيين الاستغناء عن النصوص اللاحقة . وعلى مر العصور تم الاعتراف بهذه النصوص اللاحقة على أنها تعبيرات ورسائل مقدسة لدى الزرادشتية من قبل المجتمعات الإيرانية والهندية التي تعتنق الديانة الزرادشتية. ومع ذلك ، فإن أي شخص حرّ في الاختيار لمأْسَسة معتقداته الدينية على رسالة "الزرادشت " (الغاثا) وحدها ، كما يفعل بعض الزرادشتيين في الوقت الراهن.

كما أعرب المختص في الدراسات الإيرانية عن اعتقاده بأن أكبر ثورة في التفكير الإنساني الذي استزدنا به من خلال رسالات الزرادشت هو الاعتراف بأن هذا العالم لم يكن محض جبر فرضه الله على خلقه ، فيما الديانات التي تتسم بالقدمة يعتقد متبنوها أن الملابسات والظروف في هذا العالم تمثل إرادة "الآلهات" ، وأن جلّ ما يقوم به الكائن البشري هي محاولة من أجل إقامة الصداقات مع الآلهات بحيث لا تتسبب لهم أضرارا.

ومضى بالقول : إن زرادشت كان يذهب إلى أنه لم يكن هناك من آلهات سوى ربّ سماوي نقيّ خلق (المانترا) أو ما نسميها ب"الخوارزميات" لعالم مثالي. وإن القوانين الإلهية لم يتسنَ لها في أن تتحقق بشكل صحيح في هذا العالم ، ذلك بأن القدرة الشيطانية موجودة. إن مهمة الإنسان كانت تتمثل في الامتثال لإرادة الإله (آهورامزدا) وإن الملائكة تمثله في هذه الدنيا من أجل خلق العالم أكثر مثاليًا.

وأردف الأكاديمي الأوروبي بالقول : قد ساهمت هذه الرؤية الجديدة  (أو الرسالة الإلهية) في تعزيز التفكير البشري (باعتبار أن تفكير الكائنات البشرية وأعمالها قد أخذت اهتمامها لدى المفكرين على أنها مهمة بالدرجة الأولى) وانتشارها على نطاق كبير وواسع. ويظهر ذلك جليا وبكل وضوح في الديانة المسيحية ثم في وقت لاحق بالمنظومة العقدية الإبراهيمية . 

وأشار إلى أن رسالة زرادشت يبدو أنها قد أثرت على الإغريقيين الذين كان لهم احتكاك كبير مع الإيرانيين في الفترة الإخمينية ، ثمّ أثرت على أفلاطون (ليس هناك أي اتفاق حول هذه القضية بين المتخصصين في هذا المجال) . ، وقال "أنا لا أرى بأن أرسطوطاليس قد تأثر بهذه الرسالة ، لأنني لست متخصصا في القضايا المتصلة بالفلسفة الإغريقية". 

كما نوه المتخصص في الدراسات الإيرانية بأن نيتشه كان على علم بتعاليم الزرادشت بسبب أنه كان صديقا مقربا من "ليو آندرس سالومه" زوجة أندريس . "أندريس كان باحثا في الدراسات الإيرانية وسلفي في جامعة "غوتنغن " ، وهو عمل على النصوص الإيرانية القديمة" . كان نيشته يصف "الزرادشت " بالأخلاقي الأول (بما أن الإنسان يختار بين الخير والشر ) كما يعتبر نفسه اللاأخلاقي الأول وجراء ذلك قد اختار عنوان كتابه بإسم "هكذا قال الزرادشت ".

وعلى نفس المنحى أوضح بأن الزرادشت قد شقّ لنفسه طريقا مختلفا عن الديانات المتصلة بالهندو الأوروبية السابقة  منذ حوالي 3000 حتى عام 2000 قبل الميلاد ، كان الهنود والإيرانيون شعبًا واحدًا ، وكانت لهم تقاليدهم الدينية الخاصة. حوالي عام 2000 قبل الميلاد ، انفصلت هاتان المجموعتان ، واحتفظ كل منهما بدين مشترك بين الهند وإيران. كان الزرادشت كاهنًا متضلعا جدًا في الديانات الهندوالأوروبية السابقة ، ولكن ربما بسبب الضغوط الاجتماعية في مجتمعه ، قدّم تفسيرا جديدا قد أشرت إليه سابقًا. لم يرفض التقليد الهندي الإيراني بكامله ، ومع ذلك ، إنه كان يعتقد بأنه لم يكن هناك سوى مجموعة واحدة من "الملائكة" وهي "الديفا" ، التي ارتبطت بسلوك غير شرعي وشرير ، حيث تعكس طرق الرجال المستبدين الذين لا يهتمون بالأخلاقيات إطلاقا. للمرة الأولى ، كان الزرادشت يعظ بأن هناك إلها واحدا كان فوق كل "الملائكة" الأخرى (إيزاد) ، والذي يعتبر جيدا بكينونته.

وقال : بحسب وجهة نظر الزرادشت ، فإن الله خالق نقي ويترفع جدًا بحيث لا يتدخل مباشرة في هذا العالم الذي يتسم بالنجاسة. فقط الملائكة يمكنهم القيام بذلك ، عن طريق التواصل مع البشر. يساعدهم على ذلك الملاك الكبير ، آلهة الخير ، الذي يدعى (سبينتا ماينيو) ، وخصمها يسمّى (أهريمن) آلهة الشرّ . مع مرور الوقت ، أصبح من الصعب على الناس العاديين فهم الفرق بين الله وهذا الملاك المقدس ، ونتيجة لذلك اعتقد الزرادشتيون بأن الاثنين (أي ، الإله والملاك المقدس) متطابقان. وظنوا أن (أهورامزدا) هي الخصم المباشر ل(أهريمن) ، مما يدل على أنهم يتمتعون بمكانة مماثلة. أدى ذلك إلى الاعتقاد بأن - بدلاً من الإله المطلق في الكون ونوعين من "الأرواح" في هذا العالم - كان هناك قوتان إلهيتان متساويتان. وهذا أدخل طريقة تفكير ثنائية الخير والشر في الديانة الزرادشتية.

وفي ختام حديثه عرّج على أن الأفكار والإيديولوجيا الزرادتشتية قد انتقلت إلى الأديان الإبراهيمية ، وقال إن النظرة إلى أن هذا العالم ليس كما هو جبر محض من الله هو خطوة أساسية في التفكير البشري بحيث يبدو أنه قد تم قبوله من قبل العديد من أولئك الذين يهتمون بهذا الشأن ، مبينا أنه "من الفترة الأخمينية فصاعدا كانت هناك اتصالات وثيقة بين الزرادشتية واليهودية في بابل وأماكن أخرى. قد ساهمت هذه الاتصالات في توسع هذه النظرة "الأخلاقية". على أية حال ، يجب أن تكون هذه الفكرة مقبولة بشكل كامل في البيئة بحيث تؤدي إلى ظهورها في المسيحية ، والتي لا يمكن فهمها من سياقات غيرها"./انتهى/

المترجم : أحمد عبيات