اوضح الباحث السياسي "أنطوان شاربنتييه"، أن الاحتجاجات الفرنسية تهدد مستقبل "امانويل ماكرون" السياسي ومستقبل السياسيين اجمعهم كما انه ليس هناك سياسي واحد في فرنسا لديه مشروع واضح وصريح ومقنع ليستطيع أن يحل محل ماكرون او فعل اكثر منه.

وكالة مهر للأنباء شيرين سمارة: في بادئ الأمر كان عفوياً ويريد الفرنسيون اظهار غضبهم على سياسة ماكرون الاقتصادية وحبه وخدمته للاغنياء وعدم الاكتراث كثيرا للطبقات الوسطى والفقيرة ولكن كان هناك من استغل الاحتجاج كاليمين واليسار المتطرفين لأنهم مشاركون في المنظومة السياسية الفرنسية والأوروبية ولديهم نواب ورؤساء بلدية وفي الوقت عينه يرسلون مناصريهم إلى الشارع ليحاولوا أخد السلطة بقوة الشارع وقلب الطاولة على الجميع. لالقاء الضوء على ما حدث في فرنسا وابعاده قامت وكالة مهر للأنباء، باجراء حوار مع  الباحث السياسي اللبناني "أنطوان شاربنتييه". وكان نص الحوار كالتالي:

1- ما  هو السبب الحقيقي وراء ارتفاع سعر الوقود؟

قام الرئيس الفرنسي "مانويل ماكرون"، بإلغاء عدد من الضرائب وخصوصا الضريبة على الثروة التي اخسرت الخزينة الفرنسية حوالي خمسة ملايين يورو ومن هذا المنطلق يريد أن يعوض عن هذه الضريبة وفرض عدة ضرائب على الطبقات الوسطى والفقيرة مما ازعج الكثير من الفرنسيين وارتفاع سعر الوقود مخطط له لان من 60 إلى 70 بالمئة من سعر ليتر البنزين او المازوت هو ضريبة للدولة الفرنسية والناس بحاجة ليسخدموا سياراتهم للذهاب إلى عملهم وخاصة في الريف وفي اطراف المدن مما ادى إلى الاحتجاجات لان غلاء الوقود يؤدي إلى صرف الراتب من أجل التردد إلى اعمالهم. كما ان ماكرون قام بالغاء ضرائب في مكان ما ووضعها في مكان أخر فلجأ إلى الوقود والغاز والكهرباء والسلع اليومية.
 

2_ کیف تم التعامل مع هذه الاحتجاجات؟

 التعامل بعض الشيء كان لينا في بداية الاحتجاجات وقد رأينا في البداية أن 80 بالمئة من الشعب الفرنسي من جميع الطبقات الاجتماعية وكل الاعمار ومنذ بادئ الامر حين بدأت الاحتجاجات تم تسكير الطرقات من قبل السترات الصفراء ووضع الحواجز واهانة الناس غير المشاركين في الاحتجاجات، قد يكون كل الشعب غاضب ومحتج ولكن لن ينزل الجميع إلى الشارع وحصل الكثير من الاعمال الشاذة كتسكير الطرقات والحواجز الاعتداء على الناس وعلى ممتلكاتهم كما تم الاعتداء على القوى الأمنية التي لم تكن شديدة في بداية الأمر ولكن بفعل الشغب الذي حصل والاحتجاجات التي خرجت عن إطار التظاهر الحضاري اصبح هنا حالة من الافراط في الإجراءات الأمنية. النقطة المهمة التي غفل عنها المحتجين إلى أن رجل الأمن مواطن فرنسي أيضا وهو حاله كحال المحتجين متضرر من الغلاء وعليهم جذبه إليهم لا تحميله أكثر. لذلك كان هناك من اراد أن يستغل الاحتجاجات لاهداف غير المطالبات الاجتماعية مما دفع الأمر إلى التصادم بين قوى الأمن والمحتجين مما اخرج جميع الشعب الفرنسي من الشارع. الا انه انتهت حاليا بقرب الأعياد .

3_هل هناك من دفع المحتجین لهذه الاحتجاجات مثل خصوم ماكرون السياسيين ام كان عمل شعبي عفوي؟

في بادئ الأمر كان الأمر عفوياً ويريد الفرنسيون اظهار غضبهم على سياسة ماكرون الاقتصادية وحبه وخدمته للاغنياء وعدم الاكتراث كثيرا للطبقات الوسطى والفقيرة ولكن كان هناك من استغل الاحتجاج كاليمين واليسار المتطرفين الذين يمارسون النفاق السياسي لأنهم مشاركون في المنظومة السياسية الفرنسية والأوروبية ولديهم نواب ورؤساء بلدية وفي الوقت عينه يرسلون مناصريهم إلى الشارع ليحاولوا أخد السلطة بقوة الشارع وأخذ الشعب الفرنسي رهينة وتصفية الحسابات مع ماكرون وقلب الطاولة على الجميع ودفعه إلى الاستقالة ووضع انتخابات مبكرة في محاولة لأخذ السلطة.وعندما فهم الفرنسيون ان هناك من يستغل الحراك العفوي لذلك خرجوا من الشارع. ينبغي التنويه هنا إلى أن الفرنسيين لم ينتخبوا ماكرون حباً به او حباً بسياساتها او ان هناك توافق مع مشروعه السياسي هم انتخبوه بنسبة 66 بالمئة كي لا يصل اليمين المتطرف.

اليمين واليسار المتطرفين وبعض المشاغبين اجتمعوا في الشارع واردوا اخذ السطة بالقوة وهكذا خرجوا عن إطار اللعبة السياسية الديمقراطية الحضارية الفرنسية وهذا كان قد يؤدي إلى شيء يشبه سيناريو الربيع العربي مما أدى إلى اللجوء إلى الافراط في القوة الأمنية لأن الامور لم تعد تحتمل كما انه لن يكون معهم الحق في كل ما يتصرفون به وكذلك الأمر لا يمكن اعطاء الحق بالكامل للقوى الأمنية لان الاحتجاجات تحولت من مطالبات عفوية وغضب فرنسي إلى صراع حول السلطة وتصفية حسابات مع ماكرون.

4_ لماذا اغلب الاحتجاجات في فرنسا تنتهي باعمال عنف وتخريب للاماكن العامة. هل هي اشكالية في المجتمع ام هناك رسالة معينة للحكومة؟

 اعتقد أن الفرنسيين كأغلب شعوب العالم  ومن هذا المنطلق للاسف الفرنسيون لا يعرفون التظاهر بحضارة حتى وأن كانت فرنسا تريد أن تنشر ثقافة الحضارة وتظهر بانها بلد حضاري على الرغم من انها بلد حضاري ولكن هناك موجة من الشعب لا يعرف ادوات الاحتجاج التي يستعملها، وطرق الاحتجاج التي يتبعها صارت قديمة ولا تجدي بأي نفع وإنما ترتد عليهم ولا تؤدي احتجاجتهم إلى هدف معين بل تنتهي كما انتهت السترات الصفراء. ولسوء الحظ إنهم لا يعرفون التظاهر بما يليق بفرنسا وشعب فرنسا.

5_ هناك من شبه التظاهرات بالربيع العربي ما رايكم بذلك؟

نعم كان هناك سيناريو ربيع عربي لان المحتجين كانوا يريدون الدخول إلى الإليزي كما حل في تونس عندما دخلوا إلى القصر الرئاسي ولو حصل ذلك لشهدنا ما شهدناه في تونس وليبيا وسوريا وذلك قد يؤدي إلى حرب أهلية كما قلت سابقا للاسف أن الشعب الفرنسي لديه الأرضية لهذا النوع مثل الحرب الاهلية لان ما حصل من خلال السترات الصفراء أدى إلى شرخ كبير ما بين فئات الشعب الواحد وتصادم وفتح فرنسا على مصاريعها بالاضافة إلى الشرخ ما بين فئات الشعب وسياسيه بالمجمل هي عملية ثقة يحاول ماكرون ولكنه يرمي الفتات ويوهم الفرنسيين انه سيحسن امورهم  وسيصغي إليهم لانه لو تكلم لا يقنع الفرنسيين وهذا الشرخ ما بين الشعب الفرنسي والسياسيين قد يؤدي إلى انفجار شبيه بانفجارات الربيع العربي. ونتمنى ان يتدارك الجميع من شعب و سياسيين الامر لكي لا يدخلوا في هذا الاتون.

6_هل تهدد هذه الاحتجاجات مستقبل ماكرون السياسي؟

نعم تهدد هذه الاحتجاجات مستقبل ماكرون السياسي ومستقبل السياسيين اجمعهم لان اليوم ليس هناك سياسي واحد في فرنسا لديه مشروع واضح وصريح ومقنع ليستطيع أن يحل محل ماكرون او فعل اكثر منه. فرنسا مقيدة بالاتحاد الأوروبي وهو الذي يملي عليها السياسات الاقتصادية وغيره كما انها مقيدة بالهيمنة الأميركية ومن هذا المنطلق أيضا هناك انحطاط ثقافي وسياسي واجتماعي في فرنسا. ما يهدد مستقبل في حال كان هناك مستقبل ويهدد الأخرين. لذلك المستقبل سيكون متأزم بعض الشيء بالاضافة إلى التداعيات السلبية على مستقبل فرنسا بشكل عام ماكرون بشكل خاص حتى لو انهى ولايته لايمكن نسيان الانتخابات الأوروبية القادمة والانتحابات البلدية وهذا ممكن ان يخرج ماكرون من الحياة السياسية الفرنسية إلا إذا كان هناك تغيير جذري بسياست.  امس مثلا خطب معايدا الفرنسيين والاستطلاعات تقول إن ستة فرنسيين من اصل عشرة لن يقتنعوا بما قاله. من قبل تحدث في خطاب حول احتجاجات الصفراء وتأخر كثيرا في الحديث لعله كان ينبغي عليه مخاطبة شعبه منذ البداية ولكنه لم يكن مكترثا على الرغم من انه قال سيرفع الاجور ولكنه في  الحقيقة اوهم الرأي العام الفرنسي والعالمي على انه اصغى إلى احد مطالب السترات الصفراء لكنه في الحقيقة رفع المكافئة على العمل بمقدار 100 يورو وهذه المكافئة مشروطة وتخص فقط خمسة ملايين عائلة فرنسية تقتضي الحد الادنى من الاجور./انتهى/