واستعرض قائد الثورة الاسلامية في بيانه المسيرة الفاخرة التي قطعتها الثورة الاسلامية خلال العقود الاربعة الماضية والتي ادت الى ايصال ايران الى ما هي عليه من المكانة المرموقة اللائقة بالشعب.
واكد آية الله خامئني في بيانه الاستراتيجي على التحلي بالامل المشفوع بالنظرة الواقعية حيال المستقبل والدور منقطع النظير للشباب على صعيد اتخاذ الخطوة العظيمة الثانية باتجاه تحقيق التطلعات، مخاطبا الشباب وجيل المستقبل في ايران منوها الى ان هذا الجهاد العظيم رهن بتحقق سبع نقاط اساسية.
وفي هذا البيان قال قائد الثورة الإسلامية "قلما تلجأ الشعوب المضطهدة الى الثورة ومن بين هذه القلة من الشعوب التي لجأت الثورة قلما تنجح في تحقيق أهدف الثورة ومبادئها، لكن الثورة الاسلامية للشعب الايراني التي هي أكبر وأكثر الثورات الحديثة شعبية كانت الثورة الوحيدة التي استطاعت أن تتجاوز الأربعين عاما دون أن تخون مبادئها".
وأكد قائد الثورة الاسلامية ان الثورة الاسلامية استطاعت أن تنهي مرحلة من الانحطاط والتبعية للآخر ، مشيرا الى ان البلد في حقبة القاجاريين والبهلويين قد شهد تحقيرا وتخلفا كبيرا والآن وبعد الثورة الاسلامية اصبح يسير في مسار التقدم والرقي.
وحث قائد الثورة في هذا البيان الاستراتيجي على الامل الحقيقي بالمستقبل ودور الشباب منقطع النظير في اتخاذ الخطوة الكبرى الثانية نحو الاهداف وخاطب الشباب وصناع المستقبل لايران المقتدرة، مبينا ضرورات هذا الجهاد الكبير في 7 فصول اساسية.
وعدد قائد الثورة الإسلامية أهم انجازات الثورة وما حققتها خلال العقود الأربعة من عمرها المبارك وهي :
أولا : استطاعت الثورة أن تضمن الامن والاستقرار وأن يحافظ على سيادة البلد والحفاظ على حدوده بعد أن كانت معرضة للتحديدات والمخاطر كما استطاعت أن تخلق معجزة انتصار ايران في الحرب المفروضة على نظاك البعث وداعميه من الأمريكيين والغربيين.
ثانيا: استطاعت الثورة أن تكون بمثابة محرك لتقدم البلاد في المجالات العلمية والتكنولوجيا وإحداث البنى التحتية والاقتصادية والعمرانية في البلاد ونشهد ثمرات هذا التقدم يتسع يوما بعد يوم من خلال انتشار الواسع للشركات المعرفية وآلاف مشاريع البنى التحتية والهامة في البلاد في قطاعات النقل والعمران والصناعة والمعادن والصحة والزراعة والمياه وغيرها".
ثالثا: ساهمت الثورة في نشر المعايير الأخلاقية والمعنوية في المجتمع بشكل واسع، وكان لسلوك الإمام الخميني خلال فترة كفاحه وسلوكه بعد انتصار الثورة الاسلامية دور أساسي لهذه الظاهرة الاجتماعية.
قد تعززت مشاركة الشعب في القضايا السياسة مثل الانتخابات، مواجهة الفتن الداخلية، المشاركة في الميادين الوطنية، ومحاربة الاستكبار، وأيضا ازدادت المساعدات والنشاطات الخيرية التي بدأت إبان الثورة الإسلامية، وإن المواطنين الإيرانيين شاركوا بعد الثورة في منافسات تتمثل في مدّ يد العون والمساعدة إلى المتضررين جراء الكوارث الطبيعية والافتقار الاجتماعي بحرص وإيمان.
رابعا: وتسبب في رقيّ التوجه السياسي لعامة الشعب ونظرتهم إلى القضايا الدولية بشكل مذهل. وأخرج قدرة التحليل السياسي وفهم القضايا الدولية في أمور كجرائم الغرب خاصة أميركا،وقضية فلسطين، والظلم التاريخي عليهم، وقضية إشعال فتيل الحروب وممارساتها الرذیلة وتدخلاتها فی شؤون الشعوب وما إلی ذلک، أخرجتها من حصریة شریحة محدودة ومعزولة اسمها المستنیرون، فانتشرت مثل هذه الاستنارة بین عموم الشعب وفی کل البلاد وعلی کل مستویات الحیاة، وأضحت مثل هذه القضایا واضحة ممکنة الفهم حتی من قبل الأحداث والیافعین.
خامساً: رجحت کفة العدالة فی توزیع خیرات البلاد العامة. ینبغی أن لا یفهم من عدم رضای عن فاعلیة العدالة فی البلاد لأن هذه القیمة السامیة (العدالة) یجب أن تتألق کجوهرة فذة علی جبهة نظام الجمهوریة الإسلامیة، وهو ما لم یحصل بعد، ینبغی أن لا یفهم منه عدم حصول شیء من أجل تکریس العدالة. والواقع أن مکتسبات الکفاح ضد اللاعدالة خلال هذه العقود الأربعة لا یمکن مقارنته بأی حقبة أخری فی الماضی. فی نظام الطاغوت کانت أکثر الخدمات والدخول فی البلاد تختص بفئة صغیرة من سکان العاصمة أو أمثالهم فی مناطق أخری من البلاد. وکان أهالی معظم المدن وخصوصاً المناطق النائیة والقری والأریاف فی نهایة القائمة وغالباً ما کانوا محرومین من احتیاجاتهم الأولیة والأساسیة والخدمیة. وتعد الجمهوریة الإسلامیة من أنجح الحکومات والدول فی العالم فی نقل الخدمات والثروة من المرکز إلی کل أنحاء البلاد ومن مناطق المرفهین فی المدن إلی مناطق المحرومین. وإن الإحصائیات والأرقام الکبری لمد الطرق وبناء البیوت وتشیید المراکز الصناعیة وإصلاح الشؤون الزراعیة وإیصال الکهرباء والماء والمراکز العلاجیة والوحدات الجامعیة وبناء السدود ومحطات الطاقة وما إلی ذلک فی أقصی مناطق البلاد لهی أرقام تبعث علی الفخر والاعتزاز حقاً. ولا شک أن کل هذا لم ینعکس فی الإعلام الناقص للمسؤولین ولم تعترف به ألسنة الخصوم الخارجیین والداخلیین، إلا أنه واقع قائم وموجود وهو حسنة للمدراء الجهادیین المخلصین عند الله وعند الناس. طبعاً العدالة المتوقعة فی الجمهوریة الإسلامیة التی ترغب أن تعرف باتباعها للحکومة العلویة أکثر من هذا بکثیر، وأعین الأمل فی تحقیقها مسمرة علیکم أیها الشباب، وهو ما سوف أتطرق له فی تتمة الکلام.
سادساً: رفعت من مستوی المعنویة والأخلاق فی أجواء المجتمع العامة بشکل ملحوظ. سلوک حضرة الإمام الخمینی وطباعه طوال فترة الکفاح وبعد انتصار الثورة کان له السهم الأوفر فی إشاعة هذه الظاهرة المبارکة. لقد تولی ذلک الإنسان المعنوی العارف الورع المنزه عن الزخارف الدنیویة رئاسة بلاد أرصدة إیمان شعبها ذات جذور عمیقة للغایة. مع أن ید تطاول الدعایات المروجة للفساد والتحلل طوال العهد البهلوی وجه لهذه الأرصدة ضربات شدیدة وجلب مستنقعاً من الأدران الأخلاقیة الغربیة إلی داخل حیاة الناس المتوسطین وخصوصاً الشباب، إلا أن المنحی الدینی والأخلاقی فی الجمهوریة الإسلامیة اجتذب القلوب الموهوبة والنورانیة ولا سیما الشباب فتغیرت الأجواء لصالح الدین والأخلاق. وقد ترافق جهاد الشباب فی المیادین الصعبة بما فی ذلک ساحة الدفاع المقدس مع ذکر الله والدعاء وروح الأخوة والإیثار، وأحیی أحداث صدر الإسلام ووضعها نصب أعین الجمیع. وقد ضحی الآباء والأمهات والزوجات بفعل شعورهم بالواجب الدینی عن أحبائهم الذین سارعوا لجبهات الجهاد المتنوعة، وبعد ذلک عندما واجهوا جثامینهم الدامیة أو أجسامهم المعاقة أرفقوا المصیبة بالشکر. واکتسبت المساجد والأجواء الدینیة ازدهاراً غیر مسبوق. وامتلأت طوابیر الاعتکاف من آلاف الشباب والأساتذة والطلبة الجامعیین والنساء والرجال کما امتلأت طوابیر المخیمات الجهادیة وجهاد البناء وتعبئة البناء من آلاف الشباب المتطوعین المضحین. وازدهرت أعمال الصلاة والحج والصیام والمشی للزیارة والمراسم الدینیة المختلفة والإنفاقات والصدقات الواجبة والمستحبة فی کل مکان وخصوصاً بین الشباب، وهی إلی الیوم فی ازدیاد وازدهار مطرد من حیث العدد والنوعیة. وقد حدث هذا کله فی زمن حشر فیه السقوط الأخلاقی المتزاید للغرب وأتباعه ودعایاتهم الهائلة لجر الرجال والنساء إلی مستنقعات الفساد، حشر الأخلاق والمعنویة فی زوایا العزلة فی مناطق کثیرة من العالم، فکانت هذه معجزة أخری للثورة ونظامها الإسلامی الناشط الریادی.
سابعاً: برز أکثر یوماً بعد یوم الرمز العظیم المجید المهیب للصمود بوجه العتاة والمتعسفین والمستکبرین فی العالم وعلی رأسهم أمریکا الناهبة المجرمة. طوال هذه الأعوام الأربعین کان عدم الاستسلام وحمایة الثورة وصیانتها وعظمتها وهیبتها الإلهیة ورأسها الشامخ المرفوع مقابل الحکومات المتکبرة والمستکبرة، کان دوماً سمة معروفة لإیران والإیرانیین وخصوصاً شباب هذا البلد. وقد اعترفت القوی الاحتکاریة فی العالم، والتی وجدت حیاتها دوماً فی التطاول علی استقلال باقی البلدان وسحق مصالحها الحیویة لأجل أهدافها المشؤومة، اعترفت هذه القوی بعجزها مقابل إیران الإسلامیة الثوریة. واستطاع شعب إیران فی أجواء الثورة المنعشة أولاً طرد عمیل أمریکا والعنصر الخائن للشعب من البلاد، وبعد ذلک وإلی الیوم حال بکل اقتدار وشدة دون عودة هیمنة العتاة العالمیین علی البلاد.
أیها الشباب الأعزاء، هذا جزء بسیط من العناوین الأساسیة لماضی الثورة الإسلامیة الممتد علی مدی أربعین عاماً، الثورة العظیمة الراسخة المتألقة التی ینبغی علیکم بتوفیق الله أن تقطعوا الخطوة الواسعة الثانیة للتقدم بها.
وها هی حصیلة جهود أربعین عاماً أمام أنظارکم الآن، بلد وشعب مستقل حر مقتدر ذو عزة ومتدین ومتقدم فی العلوم وصاحب تجارب ثمینة وواثق ومتفائل وله تأثیر الأساسی فی المنطقة وصاحب منطق متین فی القضایا العالمیة وصاحب الرقم القیاسی فی سرعة التقدم العلمی، وصاحب رقم قیاسی فی الوصول إلی المراتب العلیا فی العلوم والتقنیات المهمة من قبیل الطاقة النوویة والخلایا الجذعیة والنانو والفضاء والطیران وغیر ذلک، وممیز فی نشر الخدمات الاجتماعیة، وممتاز فی الدوافع الجهادیة بین شبابه، وبارز فی نسبة شبابه المؤهلین الکفوئین، والکثیر من الخصوصیات الأخری الباعثة علی الفخر، وکلها من ثمار الثورة ونتیجة التوجهات الثوریة والجهادیة. واعلموا أنه لو لا عدم الاهتمام بالشعارات الثوریة والغفلة عن السیاق الثوری فی فترات من تاریخ الأربعین عاماً ـ وهو ما حصل للأسف وتسبب فی بعض الخسائر ـ لکانت مکتسبات الثورة أکثر من هذا بکثیر، ولکان البلد متقدماً أکثر بکثیر فی طریق الوصول إلی المبادئ الکبری، ولما کانت الکثیر من المشکلات الموجودة الیوم.
تواجه إیران المقتدرة الیوم أیضاً کما فی بدایة الثورة تحدیات یخلقها لها المستکبرون، ولکن بفارق ذی مغزی کبیر. إذا کان التحدی مع أمریکا فی ذلک الحین حول تقصیر أیدی عملاء الأجانب أو إغلاق سفارة الکیان الصهیونی فی طهران أو فضح وکر التجسس، فالتحدی الیوم سببه تواجد إیران المقتدرة علی حدود الکیان الصهیونی وإنهاء النفوذ غیر الشرعی لأمریکا فی منطقة غرب آسیا ودعم الجمهوریة الإسلامیة لکفاح المجاهدین الفلسطینیین فی قلب الأراضی المحتلة والدفاع عن الرایة الخفاقة لحزب الله والمقاومة فی کل هذه المنطقة. وإذا کانت مشکلة الغرب فی ذلک الحین الحیلولة دون شراء أسلحة بدائیة لإیران فإن مشکلته الیوم الحؤول دون نقل الأسلحة الإیرانیة المتطورة لقوات المقاومة. وإذا کانت أمریکا فی ذلک الحین تظن أنها ستستطیع بعدد من الإیرانیین البائعین لذممهم وبعدة طائرات ومروحیات التغلب علی النظام الإسلامی وشعب إیران، فإنها الیوم تجد نفسها لمواجهة الجمهوریة الإسلامیة سیاسیاً وأمنیاً بحاجة إلی تحالف کبیر من عشرات الحکومات المعاندة أو المرتعبة، وطبعاً سوف تنهزم فی المواجهة مع ذلک. إن إیران بفضل الثورة تقف الآن فی مکانة سامقة ولائقة بالشعب الإیرانی وفی أنظار العالم، وقد تجاوزت الکثیر من المنعطفات الصعبة فی قضایاها السیاسیة.
بید أن الطریق الذی تم السیر فیه وطیه سابقاً لیس إلا جزءاً من المسار المجید نحو المبادئ السامیة لنظام الجمهوریة الإسلامیة. أما تتمة هذا المسار والذی لن یکون علی أغلب الظن بصعوبة الماضی، فیجب أن یسار ویطو بهممکم ویقظتکم وسرعة مبادرتکم أیها الشباب. المدراء الشباب والمسؤولون الشباب والمفکرون الشباب والناشطون الشباب فی کل الساحات السیاسیة والاقتصادیة والثقافیة والدولیة وکذلک فی مجالات الدین والأخلاق والمعنویة والعدالة یجب أن یتحملوا أعباء المسؤولیات علی عواتقهم وینتفعوا من تجارب الماضی وعبره ودروسه، ویعتمدوا النظرة الثوریة والروح الثوریة والعمل الجهادی، ویجعلوا من إیران العزیزة نموذجاً تاماً للنظام الإسلامی المتقدم.
النقطة المهمة التی ینبغی علی صناع المستقبل أن یأخذوها بنظر الاعتبار هی أنهم یعیشون فی بلد نادر النظیر من حیث الإمکانیات والطاقات الطبیعیة والبشریة، والکثیر من هذه الإمکانیات بقیت غیر مطروقة وغیر مستفاد منها أو قلما استفید منها بسبب غفلة العاملین. وستستطیع الهمم العالیة ودوافع الشباب الثوریة أن تفعل هذه الإمکانیات وتثمرها وتخلق قفزة فی التقدم المادی والمعنوی للبلاد بالمعنی الحقیقی للکلمة.
الطاقة الأهم الباعثة علی الأمل فی البلاد هی الکوادر الإنسانیة الموهوبة والکفوءة التی تتحلی ببنیة تحتیة إیمانیة ودینیة عمیقة وأصیلة. نسبة الشباب دون الأربعین من السن بین سکان إیران وهی نتیجة الموجة السکانیة التی عمت فی عقد الستینیات [الثمانینیات من القرن العشرین للمیلاد] تعد فرصة قیمة للبلاد. 36 ملیون نسمة تتراوح أعمارهم بین 15 و 40 عاماً، وقرابة 14 ملیون نسمة یحملون شهادات دراسات علیا، والمرتبة الثانیة عالمیاً فی خریجی العلوم والهندسة، وحشود الشباب الذین تربوا علی الروح الثوریة وهم مستعدون لبذل المساعی الجهادیة فی سبیل البلاد، والعدد الملحوظ للشباب الباحثین المحققین والمفکری العاملین فی مجال الإبداعات العلمیة والثقافیة والصناعیة وغیر ذلک، هذه کلها ثروات عظیمة للبلاد لا یمکن أن تقارن بها أیة ذخائر أو أرصدة مادیة.
وكلما تنامى الشعور المعنوي والضمير الاخلاقي في المجتمع، فإنه سيثمر عن مزيد من البركات؛ وهذا لا شك بحاجة الى الجهاد وبذل الجهود، وبدون تعاون الحكومات المتعاقبة لن يحقق كثيرا من النجاح. وبالطبع فإن الاخلاق والمعنويات، لا يمكن ترسيخها بإصدار الأوامر، لذلك لا يمكن للحكومات ان توجدها بالقوة القهرية، ولكن عليها اولا ان تتحلى بالنهج والسلوك الاخلاقي والمعنوي، وثانيا ان توفر الارضية لترويجها في المجتمع، وان تفسح المجال بهذا الشأن للمؤسسات الاجتماعية وتقدم لها العون، وأن تحارب المراكز المعادية للمعنويات والاخلاق بالاسلوب المعقول، وخلاصة الكلام ان لا تسمح للجهنميين أن يدخلوا الناس الى جهنم بالقوة والخديعة.
إن وسائل الاعلام المتقدمة والشاملة وضعت امكانيات خطيرة للغاية بتصرف المؤسسات المناهضة للمعنويات والاخلاق كما يلاحظ استهدافات الاعداء بشكل متزايد لقلوب الشبان واليافعين وكذلك الصبيان باستخدام هذه الوسائل.
إن الأجهزة الرسمية تضطلع بمسؤوليات كبيرة في هذا الموضوع حيث ينبغي التحلي بالوعي والمسؤولية بشكل كامل تماماً ومن البديهي أن ذلك لايعني دفع المسؤولية عن الاشخاص والمؤسسات غير الحكومية، وينبغي، خلال المرحلة المقبلة إعداد خطط شاملة قصيرة ومتوسطة الأمد وتنفيذها بإذن الله.
3) الاقتصاد: يعد الاقتصاد موضوعاً رئيسياً ومصيرياً. إن الاقتصاد المتين يشكل عنصراً للقوة ودفع الهيمنة والتغلغل في البلاد كما إن الاقتصاد الضعيف يمهد للتقويض وتغلغل الاعداء وتدخلهم وهيمنتهم. إن الفقر والثراء يتركان تأثيراتهما على الشؤون المادية والمعنوية للبشرية. لايعدّ الاقتصاد هدفاً للمجتمع الاسلامي إلا أنه أداة لايمكن تحقيق الهدف دونها. ينبغي التأكيد على توطيد اقتصاد مستقل للبلاد يقوم على الانتاج الممتاز على الصعيدين الكمي والنوعي والتوزيع العادل والاستهلاك بشكل معتدل من غير إسراف والعلاقات الادارية القائمة على العقلانية والتي حازت على تأكيدي مرات عديدة خلال الاعوام الاخيرة بسبب التأثيرات المذهلة التي يتركها الاقتصاد على شؤون الحياة في المجتمع اليوم وغداً.
إن الثورة الاسلامية عرضت لنا طريق الانقاذ من الاقتصاد الضعيف والتبعية والفساد في عهد الحكم الملكي السابق إلا أن الإدارة الضعيفة في اقتصاد البلاد جعلت اقتصاد البلاد تواجه تحديات من الداخل والخارج. إن التحديات الخارجية تتمثل بالحظر ومكائد الاعداء حيث إنه في حال اصلاح المشكلة الداخلية سيضعف تأثيراتها بل ستزول. إن التحديات الداخلية تتمثل بالنقائص الهيكلية والضعف الإداري.
إن النقائص الأهم في اقتصاد البلاد تتمثل بالتبعية للنفط والهيمنة الحكومية على جوانب منه، والنظرة الى الخارج بعيدا عن الطاقات والقدرات الداخلية، والاستخدام الضعيف للكوادر الانسانية، والميزانية الناقصة وغير المتزنة وفي النهاية عدم استقرار السياسات الاقتصادية التنفيذية وعدم الاهتمام بالأولويات والنفقات الإضافية والبذخية أحياناً في المؤسسات الحكومية وفي النتيجة أسفرت عن بروز مشاكل معيشية كالبطالة لجيل الشباب وقلة العوائد لدى الشرائح الفقيرة ونظائرها.
إن سبل حلول هذه المشاكل تتمثل بخطة الاقتصاد المقاوم والتي ينبغي إعداد برامجها التنفيذية في جميع المجالات ومتابعتها ومن قبل الحكومات. إن الإنتاجية الداخلية للاقتصاد والمعرفية والشعبية والحد من هيمنة الحكومة والتوجّهات الخارجية باستخدام الطاقات التي أشير إليها سابقا تشكل جوانب مهمة من هذه الحلول. لاشك أن مجموعة من الخبراء المؤمنين الشبان والمطلعين على المعارف الاقتصادية في داخل الحكومة يستطيعون نيل هذه الأهداف. إن المرحلة المقبلة ينبغي أن تكون ساحة لنشاط مثل هذه المجموعة.
على شباننا الأعزاء في جميع أرجاء البلاد أن يعوا أن جميع الحلول تكمن في داخل البلاد. إن التصور الذي يقوم على إن "المشاكل الاقتصادية ناجمة عن الحظر فقط والذي سببه يعود الى المقاومة المناهضة للاستكبار وعدم الاستسلام في مواجهة الأعداء لذلك فإن الحل يتمثل بالرضوخ أمام الأعداء وتقبيل مخالب الذئب" تعد خطيئة لاتغتفر. إن هذا التحليل الخاطئ كلّه رغم أنه يصدر من أفواه وأقلام بعض المغفلين في الداخل أحيانا إلا أن مصدره يعود الى مراكز التخطيط والتآمر الاجنبية والتي توحي بها ألسنة صناع القرار والمنفذين في الداخل.
4) العدل ومكافحة الفساد: إن هذين الأمرين متلازمان. إن الفساد الاقتصادي والاخلاقي والسياسي، غدّة خبيثة في البلدان والأنظمة وفي حال إصابة هيكل الحكومات بها فان زلزالا مدمراً وصفعة أليمة ستطال شرعيتها وتعد أكثر جدية وعمقاً لنظام الجمهورية الاسلامية الايرانية الذي يتطلب شرعية تفوق الشرعيات التقليدية وأكثر بنيوية من حالة الرضا الاجتماعي. إن وساوس المال والمناصب والرئاسات أصاب البعض بالهزات في أسمى الحكومات طيلة التاريخ أي حكومة أمير المؤمنين (علي بن أبي طالب عليه السلام)، لذلك فأن مخاطر ظهور مثل هذا التهديد في الجمهورية الاسلامية التي كان مسؤولوها ومدرائها يتسابقون في الاتصاف بالزهد الثوري والبساطة في العيش يوماً ليس أمراً مستبعداً وهو مايتطلب تواجد جهاز كفوء يتسم بنظرات ثاقبة ونشاطات حازمة في السلطات الثلاث بشكل دائم ويكافح الفساد بشكل حقيقي لاسيما داخل الاجهزة الحكومية.
إن حجم الفساد بين المسؤولين في حكومة الجمهورية الاسلامية مقارنة بالكثير من البلدان الأخرى وكذلك النظام الملكي السابق الذي كان غارقاً فيه ويربّي عليه أقل كثيراً وإن المسؤولين في هذا النظام صانوا أنفسهم في معظم الحالات بفضل الله تعالى، إلا أن ماهو موجود لايعد مقبولاً. على الجميع أن يعي أن النزاهة الاقتصادية تعد شرطاً لشرعية جميع مسؤولي الحكومات في الجمهورية الاسلامية. على الجميع توخّي الحذر من شيطان الأطماع والابتعاد عن تناول المحرمات وطلب العون من الله تعالى بهذا الشأن وعلى جميع الاجهزة الرقابية والحكومية مكافحة انعقاد نطفة الفساد ونموها بحزم وحساسية بالغة. إن هذا الكفاح يتطلب حضور أشخاص يتسمون بالايمان والجهاد والإباء يعملون بأيادي طاهرة ويحملون قلوباً نيرة. إن هذا الكفاح يعد الجانب المؤثر من الجهود الشاملة التي ينبغي لنظام الجمهورية الاسلامية القيام بها في سبيل ارساء العدل.
إن العدل يعد على رأس الاهداف الابتدائية للبعثات النبوية كما إنه يتبوأ في الجمهورية الاسلامية ذات المكانة والشأن وهو الكلمة المقدسة في جميع الأزمنة والأمصار ولن يتوفر بشكله التام سوى في حكومة الإمام الحجة المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف) إلا إنه يعد فريضة على الجميع لاسيما الحكام وأصحاب القوى بشكل نسبي في كل مكان وجميع الأزمان على حد الإمكان.
إن الجمهورية الإسلامية الايرانية قامت بخطوات جبارة في هذا الطريق والذي أشير إليه بشكل مختصر والذي ينبغي القيام بالمزيد من النشاطات لشرحها وإيضاحها وهو مايحبط المؤامرات الرامية لقلب الحقائق أو الصمت وإخفاء الحقائق والتي تعد مخططات جادة من قبل الإعداء.
ومع كل هذا فإنني أقول بصراحة لشباننا الأعزاء الذين يعدون أملا لمستقبل واعد للبلاد إنّ ثمة فجوة كبيرة تفصل بين ماتحقق مع ماكان ينبغي أن يتحقق. إن قلوب المسؤولين في الجمهورية الاسلامية الايرانية ينبغي أن تنبض باستمرار من أجل العمل على إزالة الفقر إلى جانب الحذر بشدة من وقوع الفوارق الطبقية الكبيرة. إنّ حيازة الثروة في الجمهورية الاسلامية لاتعدّ جريمة فحسب بل يحفز لتحقيقها، إلا أن التمييز في توزيع الثروات العامة ومنح الفرص للانتهازيين والتسامح مع المتلاعبين بالاقتصاد والذي يسفر عن إزاحة العدل ممنوع بتاتاً، كما إنّ تجاهل الشرائح من ذوي الحاجة للدعم غير مقبول مطلقاً. هذا التصريح قد تكرر عدة مرات ضمن أطر السياسات والقوانين إلا أنّ الأمل يحدو بكم أنتم الشباب لتنفيذه وفي حال تحويل زمام أمور البلاد إلى شريحة الشباب المؤمن والثوري المتعلم والكفوء والذين ليسوا قلة بحمد الله فانّ هذا الأمل سيتحقق بإذن الله.
5- الاستقلال والحرية: الاستقلال الوطني بمعنى تحرر الشعب والحكومة من املاءات وغطرسة القوى السلطوية في العالم، والحرية الاجتماعية تعني الحق في اتخاذ القرار والتصرف والتفكير لجميع أفراد المجتمع، وكل هذه قيم إسلامية وهدايا الهية للبشرية، وليست فضلا من الحكومات على الشعوب، والحكومات ملزمة بتوفير هذين الامرين، وإن مكانة الحرية والاستقلال يعتبرها أولئك الذين ناضلوا من أجلها، والشعب الايراني بجهاده طيلة اربعين عاما كان من ضمن هذه الشعوب، والاستقلال والحرية الحالية في ايران الاسلامية إنجاز ، جاء نتيجة دماء مئات الآلاف من الاشخاص العظماء والشجعان والمضحين، واغلبيتهم من الشباب، ولكنهم جميعا في المراتب الرفيعة من الانسانية، وهذه ثمرة الشجرة الطيبة للثورة ليست معرضة للخطر من خلال التفسيرات الساذجة والمغرضة في بعض الأحيان، وعلى الجميع وخاصة حكومة الجمهورية الاسلامية مكلفة بالحفاظ عليها بكل كيانها، ومن البديهي أن "الاستقلال" لا ينبغي أن يعني حبس السياسة واقتصاد البلاد داخل حدودها، ولا ينبغي تعريف "الحرية" بانها تتعارض مع الأخلاق والقانون والقيم الإلهية والحقوق العامة.
6- الكرامة الوطنية والعلاقات الخارجية وتعيين الحدود الفاصلة مع العدو: وهذه الامور الثلاثة هم فروع لمبدأ "العزة والحكمة والمصلحة" في العلاقات الدولية، والساحة الدولية تشهد اليوم ظواهر تحققت او على وشك الظهور: التحرك الجديد لحركة الصحوة الاسلامية قائم على انموذج المقاومة في مواجهة الهيمنة الأميركية والصهيونية، فشل السياسات الأميركية في منطقة غرب آسيا، وعجز الخونة المتعاونين معهم في المنطقة، توسيع التواجد السياسي المقتدر للجمهورية الاسلامية في غرب آسيا وانعكاسها الواسع في جميع أنحاء عالم الهيمنة. ، هذه هي جزء من مظاهر عزةلجمهورية الاسلامية التي لم تتحقق إلا بشجاعة وحكمة المدراء الجهاديين، وقادة نظام الهيمنة قلقون، مقترحاتهم تتضمن عادة الخداع والأكاذيب، واليوم فان الشعب الايراني يعتبر إضافة إلى أميركا المجرمة، عددا من الدول الأوروبية مخادعة وغير جديرة بالثقة. ويجب على حكومة الجمهورية الاسلامية ان تصون حدودها مع هذه الدول، وان لا تتراجع خطوة واحدة عن قيمها الثورية والوطنية، ولا تخشى تهديداتهم الفارغة، وفي جميع الأحوال، ان تأخذ بنظر الاعتبار كرامة بلادها وشعبها، وبحكمة وبنظرة ثاقبة، وبالطبع من موقف ثوري، ان تسعى الى حل مشاكلها القابلة للحل معهم. وبشأن اميركا فانه لا يوجد تصور لحل أي مشكلة، والتفاوض معها لن يسفر الا عن ضرر مادي ومعنوي.
7- اسلوب الحياة: هناك الكثير من الحديث عن هذا الامر، سأتحدث عنه في فرصة أخرى، واكتفي بهذه الجملة وهي أن محاولة الغرب لترويج أسلوب الحياة الغربية في ايران تسببت في وقوع خسائر لا يمكن تعويضها على الاصعدة المعنوية والاقتصادية والدينية والسياسية لبلادنا وشعبنا. ومواجهة ذلك هو جهاد شامل وذكي يتطلب عقد الآمال عليكم انتم الشباب.
وفي الختام اشكر المشاركة المشرفة والفخورة للشعب العزيز والمحطمة لهيبة الاعداء في 11 شباط/فبراير الذكرى الأربعين لانتصار الثورة الاسلامية العظيمة، واسجد لله تعالى شكرا، السلام على بقية الله (ارواحنا فداه)، السلام على الارواح الطیبة للشهداء الابرار والروح الطاهرة للامام الخميني (رض(، والسلام على جميع الشعب الايراني العزيز وسلام خاص الى الشباب.
السيد علي الخامنئي
11 شباط/ فبراير 2019