وكالة مهر للأنباء- حسين شيعتو: "ما هي إلا ساعات قليلة حتى تدخل مقررات زيارة الرئيس الإيراني الشيخ حسن روحاني إلى العراق حيز التنفيذ".
الزيارة التي استمرت ثلاثة أيام بدأها الرئيس الإيراني والوفد المرافق له نهار الاثنين في مقام الامامين الكاظم والجواد في محلة الكاظمية (بغداد) وانهاها الاربعاء في دارة المرجع الأعلى للبلاد آية الله السيد علي السيستاني (دام ظله) في النجف الاشرف.
لم تكن هذه الزيارة الدبلوماسية الأولى فقد اعتاد الطرفان على تبادل الزيارات والوفود من حين إلى آخر انما أقل ما يقال عنها انها كانت الأقوى والأخصّ لما حملته من نية واضحة من الطرفين لرفع العلاقات السياسية والتجارية وحتى الأمنية إلى حد الذروة إضافة إلى المقررات الكثيرة والمختلفة والعابرة للحدود في شتّى الميادين مما جعلها توصف بالزيارة "الأمثل" في شكلها ومضمونها .
بداية شكّل وصول الرئيس الإيراني من مطار بغداد الى العتبة الكاظمية المقدسة بشكل مباشر وقبل أي اجتماع رسمي أو تمثيل دبلوماسي رسالة واضحة للعالم أن ما يجمع إيران بالعراق هو بعد ديني عقائدي اكبر واعمق من العلاقات السياسية التي تنشأ بين الدول وخاصة تلك المشتركة الحدود، رسالة حرص الايرانيون أن تصل بالعنوان العريض حيث انهم أنهوا زيارتهم ايضا بضيافة المرجع الديني آية الله السيد علي السيستاني (دام ظله) الذي لم يعتد على استقبال الوفود السياسية أو الاجتماع برؤساء الدول الامر الذي لاقى حفاوة كبيرة من محور الجمهورية وأثار امتعاض نائب وزير الخارجية الأمريكي ليسرع مغرّدا منتقداً الزيارة والاستقبال المبالغ فيه على حد قوله.
لم يكن البعد العقائدي وحده سيد الموقف فبعد الدبلوماسية والسياسة والأمن والصحة تصدّر الاقتصاد لائحة الاتفاقيات والمسودات التي تمت مناقشتها ولوحظ إصرار مشترك من الطرفان على فتح باب التبادل المالي والتجاري على مصرعيه وقد عكس ذلك اولى البنود التي تمت مناقشتها وخلصت إلى جعل تأشيرة الدخول بين البلدين الجارين "مجانية" فضلا عن العودة إلى تنفيذ اتفاق الجزائر عام ١٩٧٥ ورفع الجمرك عن البضائع وجعل الأدوية الإيرانية ودفاتر التأمين الصحي عابرة للحدود وبالسعر الموجود في الجمهورية الإيرانية نفسها.
كل هذا واكثر كان متوقعا وإن بدرجة أقل ولكن ما حمله اليوم الثاني من الزيارة شكّل مفاجأة اقتصادية تجلّت برفع الصادرات الإيرانية إلى العراق البالغة حالياً ١٢ مليار دولار سنويا إلى ٢٠ مليار دولار ورفع صادرات النفط والغاز والطاقة والكهرباء على وجه الخصوص من ٤ الى ٨ مليار دولار سنوياً مع العلم أنه خلال الزيارة سددت العراق القسم الأول من ديونها في هذا المجال وتمت جدولة المستحقات المتبقية على فترة زمنية قصيرة حددت بين الرئيسين، ويشكل هذا الحجم من الصادرات النفطية نسبة تفوق احتياجات العراق بحسب ما يشرح خبراء الاقتصاد في هذا المجال، الأمر الذي يترك تساؤلات حول اذا ما كنا سنشهد تسويق للنفط الإيراني عبر البوابة العراقية في ظل ما تعانيه إيران من عقوبات اقتصادية جديدة بعد نكث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للاتفاق النووي المبرم عام ٢٠١٥ وفرض عقوبات جديدة وتقليص صادرات إيران والتضييق اكثر على جانب الطاقة والنفط الذي يشكل القسم الأكبر من عائدات البلاد.
لم يعد مستغربا اذاً مضي إيران في مواجهة الأزمة النفطية بزيادة الانتاج رغم تقليص صادراتها، فبات واضحا أن أسلوب الصدمة النفطية الذي اعتمدته السعودية بغطاء امريكي في مواجهة الاتحاد السوفياتي في ثمانينيات القرن الماضي وأدّى الى انهياره لن يجدي نفعا مع الجمهورية الإسلامية، فبعد الاستثناءات السبعة التي أعطتها امريكا لسبعة دول في بنود العقوبات الجديدة المدرجة نهاية عام ٢٠١٨ تتوالى الاتفاقات الثنائية في شراء النفط الإيراني نظرا لعدم وجود فائض في اي مكان في العالم واستخدام السعودية وامريكا لكميات كبيرة من احتياطها النفطي في سبيل الحفاظ على الأسعار المتدنية، وبعد اليابان والصين وكوريا وغيرها من الدول تنطلق إيران اليوم لإيجاد حلول جديدة للتصريف الذكي استهلتها من البلد الجار في الوقت نفسه الذي تعمل فيه الجمهورية على الاقتصاد المقاوم الذكي الذي ينص على رفع معدل الصادرات غير النفطية والخروج من الاعتماد الكلي على قطاع الطاقة للحفاظ على التوازن الاقتصادي داخل البلاد.