ولاحظت الصحيفة في التقرير الذي أعده أندرو إنغلاند وأحمد العمران المصاعب في مدينة جدة الساحلية، حيث وجد عدد من أصحاب المتاجر صعوبة في مواصلة أعمالهم وأغلقوها.
ففي الأزقة والشوارع المرصوفة في المدينة القديمة هناك 20 محلا مغلقا ومعروضة للإيجار، فيما اشتكى التجار في المحلات اللصيقة بها والذين يبيعون كل شيء من العباءات إلى المخدات والفرش، الساعات الصينية إلى العطور والبهارات من هبوط المبيعات نتيجة لرحيل 1.7 مليون من العمالة الأجنبية وزيادة الكلفة على التجارة والسياسات الحكومية الجديدة.
وعبر محامٍ سعودي عن حالة التشاؤم السائدة لدى التجار قائلا إن مكتبه القانوني تولى قضايا تتعلق بإغلاق 50 محلا خلال الـ18 الماضية. وقال إن السبب في الإغلاقات هو نقص السيولة النقدية وليس ديمومة أو جدوى التجارة. وأضاف: “زادت حالات الإغلاق عن العام الماضي”.
وتعلق الصحيفة أن الصورة مختلفة في الجانب الغربي حيث تلتقي أسواق بيع الجمال والمواشي مع الصناعة الحديثة. وعبر عن سامي الصفران، المدير التنفيذي لشركة “مبكو” التي تعد من كبرى شركات إنتاج الورق في المنطقة عن تفاؤل واضح. وهي مثل بقية الشركات السعودية عانت خلال السنوات الخمس الماضية من فتور في النمو وسياسات التقشف الحكومية.
وتخلت مبكو وفرعها للتدوير عن أعداد من العاملين لكي تتجنب أثر الرسوم المفروضة على العمالة الأجنبية والتكيف مع المناخ التجاري المتغير. ولكن الصفران يتطلع لتوسيع قدرات شركته والتعامل مع آثار إصلاحات محمد بن سلمان التي تشمل على زيادة إعادة تدوير النفايات والتي قد تفيد شركته.
وقال: “لا أرى أي وجهة بل للأعلى” مضيفا: “ستكون هناك مشاكل ولكن هذا واقع جديد، والتغير قادم ويجب أن تكون جزءا منه وهذا ليس خياري”.
وتعلق الصحيفة أن هذين الموقفين المتناقضين أصبحا واقعا منذ الإعلان خطة الإصلاحات المعروفة بـ”رؤية 2030″ قبل ثلاثة أعوام.
وفي الوقت الذي يتحدث فيه سعوديون عن أملهم يهمس آخرون معبرين عن قلقهم الذي زاد مع القتل الشنيع للكاتب السعودي جمال خاشقجي في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي.
وتقول الصحيفة إن المزاجين هذين يقعان في قلب أكبر امتحانات محمد بن سلمان وهي: هل يستطيع الحاكم الفعلي تأمين دعم القطاع الخاص المكدوم ويعيد تشكيل الإقتصاد ويولد فرص عمل للشباب الذين يعانون من بطالة مستشرية.
واحتوت رؤية 2030 منذ البداية على ملامح تؤكد على زيادة دور القطاع الخاص في الناتج المحلي العام من 40% إلى 65% وخلق 450.000 وظيفة غير حكومية بحلول عام 2020 بالإضافة لتقليل نسبة البطالة من 12.5 حاليا إلى 9%. وقال مدير تنفيذي غربي “لن يتم تحقيق أي من هذا بدون القطاع الخاص”.
وتضيف الصحيفة أن الشركات السعودية هي التي تحملت العبء الأكبر من سياسات محمد بن سلمان الواسعة والتي ضمت قطع كبير للدعم على الطاقة وتشريع ضريبة القيمة المضافة والتي أثرت على القدرة الشرائية لأصحاب البيوت.
وبعد انهيار سعر برميل النفط عام 2014 والذي منع الحكومة من دفع مليارات الدولارات للشركات التي وقعت معها عقودا. كما أن الرسوم التي فرضت على العمال الأجانب ومرافقيهم- يشكلون 90% من العمال في القطاع الخاص- أدت لزيادة كلفة الإنتاج وتراجع الأرباح، وهو ما دفع أعدادا كبيرة منهم للخروج. وأدى تراجع طلب المستهلك إلى انكماش الاقتصاد. وبحسب مدير شركة أجنبي “هناك 7.000 شركة صناعية في السعودية تخسر معظمها أو لا تحقق الربح الكافي”.
ولا يزال بعضها يعاني من آثار “حملة مكافحة الفساد” التي سجن فيها ولي العهد أكثر من 300 أمير ورجل أعمال في فندق ريتز كارلتون بالرياض عام 2017 مما جعل أصحاب الأعمال الخاصة الحفاظ على السيولة النقدية أو بحثوا عن ملاجئ آمنة في الخارج.
وفي الوقت نفسه بدأت هيئة الاستثمار العامة التي وسعت صلاحياتها بالبحث عن عقود خارجية وشركاء جدد وأعلنت عن مشاريع بمليارات الدولار في المملكة وافتتاح شركات جديدة. ويبدو الأمير محمد مصمم على تطوير قطاع خاص معتمدا على هيئة الاستثمار العامة وتجاوز الشركات التقليدية التي ينظر إليها باحتقار ويتهمها بالإثراء من عقود الدولة والعمالة الأجنبية الرخيصة. إلا أن الحسابات هذه بدأت على ما يبدو بالتغير في أعقاب جريمة قتل جمال خاشقجي الشنيعة والتي دفعت كبار الممولين والمستثمرين الخارجيين للتفكير مليا حول مخاطر الإستثمار في المملكة. ولهذا بدأ ولي العهد محاولات اجتذاب الشركات المحلية.
وقال المدير التنفيذي الأجنبي: “أصبحت الآن محترمة (الشركات) مع أنه بصق عليها في الماضي”. بل وقام الديوان الملكي بإنشاء مجموعة على “واتس آب” تضم الوزراء والقادة الصناعيين وبقية المسؤولين البارزين لتحسين التواصل فيما بينهم.
وقال مصرفي سعودي: “في ظل غياب التأكيدات وعدم الوضوح كان من الطبيعي أن يتبنى الأشخاص منطق الإنتظار” و”لكننا شاهدنا في الأشهر الأخيرة تغيرا مهما في المواقف”. ومثل بقية الداعمين للإصلاح فقد قال إن “الأخطاء” متوقعة.
وأصبح هذا المصطلح كناية عن كل شيء يعتبر سلبيا من مقتل جمال خاشقجي إلى الشجار مع كندا إلى معاملة المعتقلين في ريتز كارلتون. وتحاول الحكومة وضع مقتل خاشقجي وراء ظهرها، خاصة أن المخابرات الأمريكية استنتجت أن العملية صدر الأمر بها من ولي العهد.
وتشجعت من خلال الطلب على 12 مليار دولار على شكل سندات أصدرتها شركة النفط (أرامكو) في نيسان (أبريل) فيما يؤكد المسؤولون السعوديون أن عملية تسجيل الشركة في السوق المالي ستحدث في حدود عام 2021. ولا تزال المملكة تجتذب استثمارات في القطاعات التقليدية مثل النفط والبتروكيمايات.
وأعلنت شركة “إينوس” البريطانية أنها ستنفق ملياري دولار على بناء ثلاث مصانع كيماوية في المملكة. وأظهر كبار المصرفيين والممولين استعداد للتحرك مدفوعين بوعد صفقات بمليارات الدولارات. فمدير شركة بلاك روك، لاري فينك، شارك زميله مدير بنك “أتش أس بي سي” جون فلينت، في المنصة إلى جانب وزير المالية السعودي أثناء المؤتمر المالي الذي عقد في الرياض في نيسان (إبريل) وكانا من بين الذين قاطعوا مؤتمر هيئة الإستثمار العامة عقب مقتل خاشقجي. لكن القطاعات الأخرى التي تعد حيوية لخطط تنويع الاقتصاد أظهر المستثمرون الخارجيون ترددا.
ويقول المدير التنفيذي الأجنبي إن “هناك الكثيرون ممن يريدون الاستثمار لكنهم يتعرضون للفضح” وأضاف: “كان كل واحد ينتظر كيف ومتى وأين عندما حدثت جريمة قتل خاشقجي”. وفي غيابهم أصبحت الرياض أكثر اعتمادا على المستثمرين المحليين.
ويؤكد وزير المالية محمد الجدعان أن الأمور تسير حسب المخطط، مؤكدا على وجود تعاون بين الحكومة والقطاع الخاص. مع أن هناك عدد من الشركات تشتكي من عدم سداد الحكومة الديون عليها. وقال الجدعان إن الحكومة دفعت ديوان خلال العامين الماضيين بقيمة 43 مليار دولار ولم يتبق عليها سوى 9 مليارات ريال سعودي. وهي أرقام يرى البعض أنها ليست دقيقة. واعترف أن الإصلاحات تسببت بمصاعب لكن الشركات “الدينامية” انتعشت.
وأكد أن الحكومة أخبرت القطاع الخاص بالمصاعب التي ستحصل نتيجة إعادة تشكيل الإقتصاد. ويجب على أصحاب الشركات إعادة تشكيل تجارتهم بحيث تتواءم مع الواقع الجديد.
وفي الوقت الذي أكد فيه صندوق النقد الدولي أن الاقتصاد السعودي بدأ يظهر إشارات إيجابية في القطاع غير النفطي وزيادة نسبة المرأة في سوق العمل، إلا أن النمو هش ويعتمد على أسعار النفط، مع أن أساس رؤية 2030 هو التخلص من إدمان البلد على البترودولار.
ورغم سياسة التقشف القاسية إلا أن الحكومة لم تتقدم على صعيد الإصلاحات الأخرى مثل الخصخصة التي وعدت بها.
ويقول مصرفي سعودي متقاعد إن عدم رضى الشركات أو سخطها ليس من الإصلاحات بل من سرعة الإصلاحات المالية وغياب الإصلاح الإقتصادي. وأشار إلى عدد قليل من الشراكات بين القطاع الخاص والعام والغياب الكامل للخصخصة.
وتشير الصحيفة إلى أن سياسات الإصلاح انتجت رابحين وخاسرين، فمن الخاسرين مجموعة بن لادن التي كانت الوسيلة المفضلة لدى حكام السعودية للإعمار، لكنها عانت من تراجع بعد انخفاض أسعار النفط، وكان مديرها من بين معتقلي الريتز وسيطرت الحكومة على حصة منها. وبالمقابل حصلت مجموعة نسمة القابضة التي أنشأها صالح التركي عمدة مدينة جدة على سلسلة من العقود الحكومية ومن مؤسسات الدولة الأخرى.
وأشارت الصحيفة إلى أن جدة، العاصمة الاقتصادية للمملكة تأثرت عائلاتها التجارية العريقة من السياسات التي تبناها محمد بن سلمان. ونقلت عن أحد أعضاء عائلة ثرية سجن اثنين من ابنائها في الريتز قوله “هناك تعديلات كثيرة- فقد ضرب سوق العقارات من كل زاوية، وترك خروج أعداد ضخمة من العمالة الوافدة فراغا فيما تقوم الرياض بأخذ كل من لديه خبرة عالية” ومع ذلك فهو يدعم الإصلاحات ويرى أن النظام التقليدي الأبوي القائم على الرعاية لم يعد صالحا.
ويرى رجال الأعمال الشباب فرصا في التكنولوجيا والترفيه، ويدعمون الإصلاحات التي سمحت للمرأة قيادة السيارة وفتح مجالات عمل جديدة. ولم تعد المطاعم تفصل بين الرجال والنساء، والموسيقى حاضرة في بعض المقاهي الشبابية الجديدة.
وحتى الذين يتحفظون على طريقة بن سلمان في القيادة، يرون أن البلد بحاجة للإصلاح من أجل تحقيق الإستقرار، خاصة أن نسبة 70% من سكانه هم تحت سن الـ35 عاما وتصل نسبة البطالة بينهم إلى 35%.
ويقول المدير التنفيذي الأجنبي: “العقل يقول إنهم (التجارة التقليدية) تعيش على الوقت المقترض. لكن القلب يقول: هل يجب أن تكون مؤلمة وهل يجب أن يدوسوا على أعناقنا وإهانتنا؟ وهل يجب أن تكون بهذه الطريقة غير الحضارية؟”.
وهذه المشاعر منتشرة بين تجار جدة التي تقع في الحجاز البعيدة عن الرياض المحافظة وتم سجن العديد من أبنائها في ريتز كارلتون. قال رجل أعمال في جدة “لا تجارة إلا في الرياض والناس في فقر ولا توجد محاسبة”. واتهم الدولة بتبذير أموال هيئة الإستثمار العامة.
وهناك خلاف حول هذا الصندوق السيادي الذي يراه البعض ضروريا لتطوير قطاعات جديدة فيما يراه آخرون وسيلة بيد محمد بن سلمان لمزاحمة القطاع الخاص.
وقال مدير تنفيذي في السعودية إن ولي العهد لم يحصل على المعلومات الصحيحة عن دور رأسمال الدولة في دفع اقتصاديات مثل الصين وكوريا الجنوبية والمؤسسة التي تمثلها مثل هيئة الإستثمار العام فيما يتم إضعاف القطاع الخاص الذي لا يمكن الثقة به وينظر إليه كقطاع طفيلي.
وأضاف “عليك ألا تتوقع دعمهم وأنت تقوم بتطهيرهم، وكل هذا عن السيطرة، فهو يريد التحكم بكل مفاصل الإقتصاد”.