وكالة مهر للأنباءـــ أحمد عبيات: جاءت زيارة وزير الخارجية الألماني هايكو ماس إلى طهران يوم الاثنين 10 يونيو حزيران بعد الجولة التي قام بها إلى الأردن والعراق والإمارات العربية المتحدة، حيث التقى أولاً بوزير الخارجية الإيراني "محمد جواد ظريف" ثم التقى بالرئيس حسن روحاني. وفقًا للتقارير الإخبارية، كانت محادثات وزيري الخارجية الألمانية والإيرانية مكثفة للغاية، وحسب بعض وسائل الإعلام الألمانية، إن هايكو ماس عرض على إيران جملة من المقترحات كما استدعى طهران لضبط النفس في ظل التصعيد القائم بين المسؤولين الإيرانيين والأميركيين.
في واقع الأمر، كان الهدف من زيارة وزير الخارجية الألماني، إلى طهران، هو الحفاظ على الاتفاق النووي وتقديم ضمان قوي ومؤكد للآلية المالية للتعامل مع إيران، ولكن بالرغم من تأكيد الأخير على سعي الترويكا الأوروبية (فرنسا، ألمانيا، وبريطانيا) لاتخاذ جميع الخطوات اللازمة لتحقيق هذا النظام المالي، إلا أنه ألمح بأنه من الصعب للغاية تحقيق المصالح الاقتصادية وتحقيقها مع الجانب الإيراني بدون أخذ الولايات المتحدة بعين الاعتبار.
بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي، أعلن الأوروبيون مرارًا وتكرارًا أنهم عازمون على دعم الاتفاق النووي وسيبذلون قصارى جهدهم لتقليل آثار العقوبات الأمريكية على إيران. ثم بعد شهور من منح الوعود المتكررة لإنشاء الآلية المالية الأوروبية، في نهاية المطاف يوم الخميس 31 يناير 2019، تم تسجيل القناة المالية المسماة "إينستكس" في فرنسا، وإيران بدورها قد أعلنت أيضا على لسان محافظ البنك المركزي الايراني عبدالناصر همتي في 16 آذار 2019 أنها ستطلق قريبا تسجيل آلية مالية ايرانية متوائمة ستسمى "STFI" مع الالية المالية الاوروبية الخاصة المسماة "اينستكس" للتعامل المالي مع طهران.
في هذه الآلية، ستتم عمليات التبادل باليورو، لكن النقطة التي يجب إثارتها هنا هي أنه في هذه الآلية، ليس من المفترض أن تتلقى إيران أموالًا، لكنها ستوفر النفط للدول الأوروبية، وفي المقابل ستتلقى العناصر التي يحتاجونها، ومن المقرر أن تعمل هذه الآلية بفرعين في إيران وأوروبا، وستعمل ككيان وسيط لتسوية الشركات الدائنة والمديونة على كلا الجانبين.
وحذر وزير خارجية إيراني، أوروبا من طرح قضايا غير متصلة بالاتفاق النووي ولا علاقة لها بخطة العمل الشاملة المشتركة، وذلك قبل يوم واحد من زيارة نظيره الألماني إلى طهران. هذا على الرغم من أن إيران حذرت الأوروبيين مرارًا وتكرارًا من أنهم لن يكون لهم الحق في إبداء الرأي على القضايا الأخرى المتنازع عليها، بما في ذلك البرنامج الصاروخي الإيراني والقضايا الإقليمية، حتى يضمنوا مصالح إيران المستقبلية بالاتفاق النووي.
بدأت المحادثات بين "محمد جواد ظريف" و"هايكو موس" خلف أبواب مغلقة يوم الاثنين 10/حزيران 2019، وكانت إيران نوعا ما تطالب أوروبا بشأن التزاماتها حيال خطة العمل الشاملة المشتركة وعدم تنفيذها لتعهداتها كما تساءلت عن الخطوات التي اتخذت من قبل المسؤولين الأوروبيين لمواصلة الحفاظ على الاتفاق النووي بعد انسحاب الإدارة الأميريكية منه.
وأثناء ذلك أعلن وزير الخارجية الإيراني في المؤتمر الصحفي المشترك مع نظيره الألماني أنه فيما يخص القضايا التي تطرحها الولايات المتحدة وأوروبا فإنها تمثل نقطتين مهمتين: أولاً، أن الاتفاق النووي جاء بعد عامين من المفاوضات المكثفة و12 عامًا من الجهد الدبلوماسي. وتساءل إذا ما كانوا حتى الآن قد نفذوا هذا الاتفاق حتى يتكوَّن لديهم التوقع للتحدث حول قضايا أخرى؟ وقال، يجب عليهم (الأوروبيين) إظهار هل أنه من المفيد إجراء مفاوضات مع الولايات المتحدة، ثم بعدها ليطلبوا بإجراء مفاوضات أخرى.
ثمة نقطة هامة أبعد من الاتفاق النووي تؤذي أفكار الأوروبيين وتثير مخاوفهم، وهو هل أن إيران ستتوقف في تنفيذ التزاماتها بخصوص خطة العمل الشاملة المشتركة، لأن الحفاظ على الاتفاق النووي مهم للأوروبيين على الساحة الدولية، كما أنهم في الوقت نفسه، يسعون ليكونوا لاعبين فاعلين في الحد من التوتر بين إيران والولايات المتحدة.
ويعتقد بعض الإصلاحيين الإيرانيين أن الأوروبيين لا يزالون يمتلكون القدرة على دفع ثمن انسحاب واشنطن ويمكنهم الحصول على دعم فعال من شركاتهم الكبرى والتصرف بشكل مستقل، دون العودة إلى ربيبتهم أميركا، لكن منتقدو الاتفاق النووي يرون أنه يتعين على أوروبا أن تدفع ثمن الانسحاب الأميركي وألا تماطل بذلك لإثبات حسن نواياها والتزاماتها وأن تتخذ قراراتها بعيدا عن الدائرة الأميركية المغلقة نحو إيران.
ويقول منتقدو الاتفاق النووي إذا كان لدى أوروبا هوية مستقلة، فإذن لا يمكنهم أن يلعبوا دور الوسيط نظرا إلى أنهم هم طرف الاتفاق النووي المبرم مع إيران وليسوا جهة ثالثة، لذا يسخرون من حديث المسؤولين الإيرانيين بالنسبة إلى الأوروبيين في أنهم يتصرفون بشكل مستقل عن الولايات المتحدة وقولهم أنهم يبذلون قصارى جهدهم لصون الاتفاق النووي دون العودة إلى الولايات المتحدة والعمل للتعويض عن الأضرار التي لحقت بإيران جراء حُزم العقوبات الأميركية بدءا من الدولار والذهب والمعادن الثمينة والصلب والسيارات التي فرضت في آب/أغسطس 2018 وحتى الحظر الأخير على الشركات البتروكيماوية.
ومع ذلك، في الوقت الحالي، تبقى الكرة في أرض الأوروبيين، ويتوقع الإيرانيون الذين علقوا آمالهم على أوروبا أن تتخذ الأخيرة خطوات عملية وجديةً للأمام وأن تستثمر الفرصة المتبقية قبيل دخول إيران في الخطوة الثانية بعد قرارها في زيادة إنتاجها من اليورانيوم المنخفض التخصيب بمعدل أربعة أضعاف حجمه الحالي، لأن عدم التزامهم يعني امتداد الفضاء الفارغ بين إيران وأوروبا وانهيار جسر الثقة بينهما وهو ما بدا في الشارع الإيراني ولدى المسؤولين الإيرانيين بعد تصريحات وزير الخارجية الألماني حول أنهم (الأوروبيين) لا يمكنهم صنع معجزات جراء انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي./انتهى/