الإمام جعفر الصادق (ولد يوم الأحد 17 ربيع الأول 83 هـ في المدينة المنورة وتوفي فيها عام 149 هـ) هو أبو عبد الله جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين السبط بن فاطمة الزهراء بنت النبي محمد (ص). لقب بالصادق لأنه لم يعرف عنه الكذب .

يعتبر الإمام السادس لدى الشيعة و إليه ينسبون انتشار مدرستهم الفقهيه. و لذلك يطلق على الشيعة بالجعفرية نسبة للإمام جعفر الصادق. بينما ينكر أهل السنة ذلك، ويعتبرون نسبة المذهب الجعفري إليه افتراء.

استطاع أن يؤسس في عصره مدرسة فقهية وتتلمذ على يده العديد من العلماء. ويعتبر من أوائل الرواد في علم الكيمياء حيث تتلمذ عليه جابر بن حيان.

وقد كني الإمام الصادق بعدة كنى منها أبو عبدالله (وهي أشهرها) وأبو إسماعيل وأبو موسى. ولقب بالصادق، والفاضل، والطاهر، والقائم، والكامل، والمنجي. وكان يوصف بأنه ربعة، ليس بالطويل ولا بالقصير، أبيض الوجه، أزهر له لمعان كأنه السراج، أسود الشعر، جعده، أشم الأنف قد انحسر الشعر عن جبينه فبدا مزهراً، وعلى خده خال أسود.

 أبناؤه

كان لأبي عبد الله (الصادق) عشرة أولاد هم إسماعيل وعبد الله وأم فروة -وأمهم فاطمة بنت الحسين-، وموسى بن جعفروإسحاق ومحمد -وأمهم أم ولد-، والعباس وعلي العريضي وأسماء وفاطمة. اسمه: جعفر.

لقبه: الصادق، الفاضل الطاهر، الكافل، الصابر.

كنيته: ابو عبدالله، أبو اسماعيل، ابو موسى.

ولادته: ولد سنة 83 هـ في 17 ربيع الاؤل في المدينة.

والده: الامام الخامس من ائمة الهدى الباقر(عليه السلام)

والدته: فاطمة بنت القاسم بنت محمد بن ابى بكر و تكنى «أم فروة»

جده: الامام الرابع من ائمة المسلمين السجاد(عليه السلام)

ملوك عصره: منهم ابراهيم بن الوليد ـ و مروان الحمار آخر ملوك بني أمية و عاصر ملوك الدولة العباسية منهم السفاح و المنصور الدوانيقي.

امامته: استلم مهام الامامة العظمى و له من العمر 34 سنة، سنة 17 هـ أيام و سنين امامتة.

فضائله: و هي كثيرة منها بالسند المتصل إلى النبي(صلى الله عليه وآله) انه قال: اذا وُلد ابنى جعفر بن محمد بن على بن الحسين بن على بن ابي طالب فسموه الصادق، فانه سيكون في ولده سمّى له، يدعي الامامة بغير حقها و يسمى كذاباً.

مكانته: لقد كان(عليه السلام) من الفضل بمكان يقرله العدو و الصديق ألتف حوله كافة العلماء و الفقهاء و القراء كلهم كانو يجلسون تحت منبر درسه و ينهلون من رحيق أنفاسه علماً و ادباً و حكمة، فكان اعلم الامة في زمانه بلامنافس.

عمره: 65 سنة.

استشهاده: استشهد (عليه السلام) متأثراً بسم دسه اليه المنصور العباسي و دفن في البقيع قرب قبور آبائة.

زوجاته: فاطمة بنت الحسين بن على بن الحسين الشهيد(عليه السلام) و حميده البربرية و هي أم الامام الكاظم (عليه السلام).

اولاده: كان للامام الصادق (عليه السلام) عشرة أولاد، اسماعيل الاعرج وهو اكبر ولد ابيه و توفي زمانه، و ادعت فرقة ضالة ان الامامة فيه فاُطلق عليهم «الاسماعيلية».

الامام الكاظم (عليه السلام)، عبدالله، العباس، علي، اسحاق، محمد، فاطمة الكبرى، ام فروة، اسماء.

عصر الامام الصادق (عليه السلام)

لقد عاش الامام الصادق(عليه السلام) أهم مرحلة في تاريخ الاسلام و هو سقوط الدولة الاموية الظالمة و قيام دولة بني العباس فهذه المرحلة الانتقالية كانت لها ايجابيّات و سلبّيات و إفرازات و إنقسامات و تجدد و تغيّر طرأ على هيكل الامة الاسلامية ككل في البدء كان العباسيون في طليعة أنصار آل محمد(صلى الله عليه وآله) بل رفعوا شعارهم ضد بني أمية «الرضا من آل محمد» و رد حقوقهم و أخذ ثاراتهم من ظلم الامويين، و لكن سرعان ما تغير كل شيء و ظهر دجل بني العباس و ما كانت شعاراتهم تلك إلا لخداع الناس و تضليلهم فما ان إستلموا زمام السلطة حتى بدأت حملاتهم الاجرامية الدموية ضد الشيعة و آل محمد(صلى الله عليه وآله) ايضاً و بدأت مرحلة جديدة من الاضطهاد و الظلم.

فقد كانت الفترة التي حكم فيها ابو العباس السفاح أول ملوك بني العباس فترة الثورات و ملاحقة بني أمية، فتُرك الشيعة و تُرك اهل البيت (عليه السلام) فاستغّل الامام الصادق(عليه السلام) هذه الفرصة للتدريس و فتح جامعته الضخمة في مسجد جدّه رسول الله(صلى الله عليه وآله) فأخذ ينشر العلوم التي منعها الامويّون و كتَّم عليها الظالمون... فانتشر علم آل محمد في الافاق و جاءت القوافل من طلبة العلم بالمئات إلى المدينة ليحضروا دروس الامام الصادق (عليه السلام)، فقد قدّر العلماء طلبة هذه الجامعة الضخمة بأربعة آلاف شخص كلّهم اخذوا العلم من الامام العظيم، و كانت حلقات هذه الدروس متنوعة كالفقه و الاحكام الشرعية مع مناقشة الادلّة، و كعلم الكلام و تناول بعض المسائل الاعتقادية و معالجة الشبهات الدخيلة، و كعلم الطب و الكيمياء و تفسير القرآن و علوم الحديث...و غيرها.

فاستطاع الامام الصادق (عليه السلام) ان يصنع طبقة كبيرة جداً من المثقفين و العلماء واستطاع خلال هذه الفترة المختصرة من الحرّية ان ينشر من العلوم ما ملىء الخافقين و إلى يومنا هذا.

الامام الصادق(عليه السلام) في المواجهة

قلنا انّ عصر الامام إمتاز بالانقسامات السياسية و المذهبية خصوصاً في عهد المنصور الدوانيقي الذي نشر ظلمه و جوره في البلاد فتعددت الحركات الثورية من العلوييّن وغيرهم ضد بني العباس، و في ظل هذه الثورات كان بنو العباس قد إنغمسوا في الملذات و الترهات و الليالي الحمراء و الاسراف على المغنيات و الراقصات و المضحكين و الشعراء و من جهة أخرى طالت يدهم الظالمة إلى الابرياء من آل محمد(صلى الله عليه وآله)

و امتد النفوذ النصرانى و اليهودي في البلاط العباسي، من خلال الاصباء و المنجمين والقصاصين و اصحاب الترجمة فانتشرت الافكار المظلّه و الاسرائيليات في صفوف المسلمين و تدخلت البدع في المذاهب الاسلامية لتحتل مكان السنة، و تحولت السنة إلى بدع و اليك بعض الامثلة التاريخية عن شكل الحياة إبان عصر الامام الصادق (عليه السلام).

اولاً: ظهر القياس في مذاهب اهل السنة و أول من أصلَّهُ و ركَّزه و جعله دليلاً مقابل القرآن و السنة أبو حنيفة، و هو زعيم أهل الرأي الّذين يفتون و يفسرون القرآن و الاحكام برأيهم الشخصي.

ثانياً: و لقد كان في كل بلد إمام و مذهب يُنسب اليه و تختلف آراء هؤلاء العلماء بما يولِّد الاختلاف بين بلد و آخر و مدينة و اخرى منهم، الحسن البصرى، و سفيان الثوري، و سفيان بن عيينة، و الشعبي، و المذهب الحنفي، و المالكي، و الشافعي، و الحنبلي، و صارت كل فرقة تكفّر الاخرى.

ثالثاً: و كانت السلطة ترفع هذا و تخفض ذاك و تمنع المذهب الفلاني لانه يصطدم و مصالحها و تؤيد المذهب الفلاني لانه يضمن لهم مواقعهم و مصالحهم و هكذا، و لان الخط الجعفرى هو الاسلام الاصيل المتوارث من سيد المرسلين فهو ضد الظلم و لا يؤيد أعمال بني العباس، بل يدعو للثورة ضد الجبابرة و مكافحة البدع... فنُحِّي هذا المذهب و اتباعه عن مسرح الحياة و اُقتيد رجاله إلى منصة الاعدام و الذبح.

فواجه إمامنا الصادق(عليه السلام) هذه الحياة التي ملؤها الانحراف والاجحاف، و التعدي، و الظلم، مواجهة علمية، أدبية، حوارية، قائمة على أسس العقل و المنطق و الكتاب و السنة، وكان(عليه السلام) يؤيد بعض الثائرين المخلصين سراً و يدعو لهم بالنصر و لا يطعن و لايفتي ضدهم ابداً و حارب الامام الصادق(عليه السلام) المذاهب المنحرفة بإظهاره سُنة و سيرةالنبي(صلى الله عليه وآله)و سعى لتأصيلها في القواعد الشيعية بكل قوة حتى إستطاع ان يحفظ هذا الدين من الانحرافات و البدع، و امتاز الجعفريون بالاصالة الاسلامية و الاتباع الخالص لسنة سيد الرسل(صلى الله عليه وآله) و ضل هذا المذهب خالي من التنازعات الداخلية، لان الشيعة تقتدي بالامام المعصوم بعد المعصوم، بينما نجد القاضي المالكي الحارث بن مسكين يفتي باخراج الحنفية و الشافعية من المسجد بينما افتى الاخرون ضد المالكية و هكذا تعددت عوامل الفرقة و ماج الناس في هذه الفتن المذهبية و السياسية.

و لكن من بين هؤلاء حافظ الامام(عليه السلام) على المذهب الحق و غذي به الافراد المخلصين و استطاع ان يوصله الينا عبر كل هذه الاحداث و الانحرافات و الاهواء.

رجال صنعهم الامام الصادق(عليه السلام)

لقد تخرج من تحت يد الامام الصادق(عليه السلام) علماء عليهم الاعتماد و المعول في أمر الدين فكانوا جهابذة العلم و افذاذ قلَّ نظير هم فحملوا العلم ممزوجاً بالعمل و التقوى و خدموا دينهم خدمة جليلة تشهد بها الكتب إلى اليوم.

يقول هشام بن سالم كنا عند ابى عبدالله(عليه السلام) جماعة من أصحابه فورد رجل من أهل الشام فاستأذن بالجلوس فأذن له، فلما دخل سّلم فأمره ابو عبدالله(عليه السلام) بالجلوس ثم قال له: ماحاجتك أيها الرجل؟ قال: بلغني أنك عالم بكل ما تسأل عنه فصرت اليك لأناضرك، فقال ابو عبدالله(عليه السلام) فيماذا؟ قال: في القرآن، فقال ابو عبدالله(عليه السلام) يا حمران بن أعين دونك الرجل، فقال الرجل: انما اريدك انت لا حمران فقال ابو عبدالله(عليه السلام): إن غلبت حمران فقد غلبتني فأقبل الشامي يسأل حمران حتى ضجر ومل و حمران يجيبه ،فقال ابو عبدالله(عليه السلام) كيف رأيت يا شامي؟ قال: رأيته حاذقاً ما سألته عن شيء إلا أجابني ثم قال الشامى: اريد ان اناظرك في العربية، فالتفت ابو عبدالله(عليه السلام) فقال: يا أبان بن تغلب ناظره، فناظره حتى غلبه، فقال الشامي: اريد ان أناظرك في الفقه فقال ابو عبدالله: يا زرارة ناظره، فناظر حتى غلبه فقال الشامي: اريد ان أناظرك في الكلام فقال الامام(عليه السلام): يا مؤمن الطاق ناظره، فناظره فغلبه، ثم قال: اُريد ان أناظرك في الاستطاعة فقال الامام(عليه السلام): يا هشام بن سالم كلمه فكلمه فغلبه، ثم قال: اريد ان اتكلم في الامامة فقال الامام(عليه السلام): لهشام بن الحكم كلمه، فغلبه ايضاً فحارَّ الرجل و سكت.

و اخذ الامام يضحك فقال الشامي له: كأنك اُردت ان تخبرني أن في شيعتك مثل هؤلاء الرجال؟

فقال الامام(عليه السلام): هو ذلك، نعم كان هولاء ابطال العلم في ميدان العمل كل واحد منهم يمثل الشموخ الشيعي في بلدته و زمانه.... فلنكن مثلهم في العلم و العمل.

1 ـ من المناظرات.. يقول ابن شبرمة: دخلت أنا و أبو حنيفة على جعفر بن محمد الصادق(عليه السلام) فقلت: هذا رجل فقيه من العراق، فقال لعله الذي يقيس الدين برأيه أهو النعمان بن ثابت؟ فقال له ابو حنيفة: نعم انا ذلك أصلحك الله، فقال له جعفر الصادق(عليه السلام): اتق الله و لا تقس الدين برأيك فان أول من قاس برأيه ابليس اذا قال انا خير منه فأخطأ بقياسه فَضَل، ثم قال له: أخبرني يا ابو حنيفة لم جعل الله الملوحة في العينين و المرارة في الاذنين و الماء في المنخرين و العذوبة في الشفتين؟ قال: لا أدري، قال الامام: ان الله خلق العينين فجعلها شحمتين و خلق الملوحه فيهما مناً منه عليه و لو لا ذلك لهجمت الدواب ـ يعني الحشرات و الديدان ـ فأكلت دماغه، و جعل الماء في المنخرين ليصعد منه النفس و ينزل و يجد منه الريح الطيبة من الريح الرديئة، و جعل العذوبة في الشفتين ليجد ابن آدم لذة المطعم و المشرب، ثم قال لابي حنيفة أخبرني عن كلمة أولها شرك و آخرها ايمان؟ قال: لا أدري ،قال: جعفر الصادق(عليه السلام) هي كلمة «لا إله إلا الله» فلو قال لا اله، ثم سكت كان مشركاً ثم قال: أخبرني أيما أعظم عند الله اثماً قتل النفس التي حرم الله بغير الحق اوالزّنا؟ قال ابو حنيفه: بل قتل النفس، فقال الامام: ان الله تعالى قد قبل في القتل شهادة شاهدين و لم يقبل في الزنا الاّ شهادة أربعة فأنى يقوم لك القياس؟ ثم قال: أيما أعظم عند الله الصوم او الصلاة؟ قال ابو حنيفة: الصلاة، فقال الامام: فما بال الحائض تقضي الصوم و لا تقضيى الصلاة؟ اتق الله يا عبدالله و لا تقس الدين برأيك(32).

و بهذا الشكل كان يدحض الامام الصادق(عليه السلام) أقوال أهل القياس و الرأي بالنقاش العلمي الواضح و يلقمهم احجاراً فلايستطيعون جواباً، مع العلم ان مثل هذه المحاورات كانت تحدث وسط الجماهير و على مرأى و مسمع من بعض رجال الدولة العباسية و بقية وعاظ السلاطين و علماء السوء، فكانوا لهذا السبب لا يورطون أنفسهم في مناظرة الامام إلا ما تفرضه طبيعة الاحداث.

الثورة بسلاح العلم

ان الحركة العلمية التي أوجدها الامام الصادق(عليه السلام) بما فيها من دروس و مناظرات و حوارات و تأليف الكتب و محاربة البدع و الباطل....

كانت تمثل أقوى حركة اجتماعية و سياسة فأهتم بها المنصور العباسي أيما اهتمام و اعتبرها أهم من الثورات و الحروب، و لذلك سعى لتصفية الامام الصادق جسدياً والانتها منه لتتوقف هذه الحركة العلمية الواسعة النطاق، لان كل بلد و مدينة كان يبعث وفداً و بعثة إلى الامام الصادق(عليه السلام) ليدرسوا عنده و يتعلموا منه معالم الدين، مما وسَّع الحركة الثقافية التي لا تروق للمنصور، الذي يهدف إلى التظليل الاعلامي و تكتيم الحق و احياء البدع، و لذلك كانت عدة محاولات و محاولات لاغتيال الامام الصادق(عليه السلام) و نحن نحاول ان نذكر بعض ما تعرض له إمامنا الصادق(عليه السلام) من المنصور العباسي من الاضطهاد و الارهاب:

1 ـ يروى محمد بن عبدالله العسكري قال: كنت من جملة ندماء المنصور وخواصه و صاحب سره دخلت عليه يوماً فرأيته مغتماً و هو يتنفس نفساً بارداً فقلت ما هذه الفكرة يا ابا جعفر، فقال: لقد هلك من اولاد فاطمة مقدار مائة وقد بقي سيدهم و إمامهم.

فقلت له: من ذاك؟

قال: جعفر بن محمد الصادق.

فقلت له: انه رجل انحلته العبادة وإشتغل بالله عن طلب الملك و الخلافة.

فقال: يا محمد قد علمتُ انك تقول بإمامته و لكن الملك عقيم و قد آليت على نفسي ان لا أمسي عشيتي هذه أو أفرغ منه «اي بقتله» فأمر بإحضاره و قال للسيّاف «الذي يضرب الاعناق» إذا أنا عملت الحركة الكذائية بيدي فأضرب عنقه.

فدخل الامام الصادق و هو يحرك شفتيه كأنه يتلو شيئاً فلما رآه المنصور رحب به واعتنقه واجلسه على سريره و قال له: يابن رسول الله ما الذي جاء بك في هذه الساعة؟ فقال الامام(عليه السلام) جئتك طاعة لك فقال المنصور: ما دعوتك و الغلط من الرسول.

فقال الامام: لا تدعوني لغير شغل ثم قام فأنصرف، فصرفَ الله تعالى كيد المنصور بدعاء الامام(عليه السلام).

2 ـ و مرة أخرى أراد المنصور الفتك بالامام و لكن هذه المرة بشكل آخر إذ استدعى قوماً من الاعاجم لايفهمون شيئاً و لا يعقلون و كانوا من الملحدين الذين لايعرفون اي شيء، فالبسهم الملابس الفاخرة و أعطاهم المال و قال المنصور للمترجم ان يقول لهم: إن لي عدواً يدخل عليَّ في هذه الليلة فاقتلوه اذا دخل، فأخذوا اسلحتهم ووقفوا كما أمرهم وفي الليل استدعى المنصور جعفراً (عليه السلام) فدخل الامام و لما رأوه تعاووا عوي الكلب ورموا أسلحتهم و خرّوا سجداً و مرغوا وجوههم على الارض، فتعجب المنصور من ذلك و خاف على نفسه و قال له: ما جاء بك.

فقال الامام (عليه السلام) أنت. فقال له: إرجع راشداً إلى بيتك.

ثم قال المنصور للمترجم ان يسأل هؤلاء لماذا لم يقتلوه، فقالوا: نقتل وليّنا الذي يلقانا كل يوم و يدبر أمرنا كما يدبر الرجل ولده....

فأمر بإخراجهم بعد ان خشى على نفسه منهم.

الامام يفوَّت الفرصة على المنصور

لما وصل العمر بإمامنا الصادق إلى نهاياته وإدرك الامام انه على و شك الرحيل إلى ربه، بعث المنصور العباسي برسالة إلى عامله في المدينة ذكر فيها ما يلي:

أنظر إلى من اوصى جعفر الصادق فأضرب عنقه، ويقصد بذلك وصي الامام الصادق(عليه السلام).

و كان الامام قد أُلهم ذلك و عرف بمؤامرة المنصور، فكتب وصيه وذكر أن وصيّه و ذكر أن وصيه خمسة افراد وهم:

محمد بن سليمان و اي المدينة، و عبدالله الافطح إبنه و هو اكبر من الامام الكاظم و لكن كان ذا عاهة، وزوجته حميدة، وولده الاخر موسى الكاظم، و الخامس المنصور العباسي نفسه.

فتعجب الوالي و كذلك إستغرب المنصور من هذه الوصيّة و كتب إلى عامله: ليس إلى قتل هؤلاء سبيل، و أمرهُ أن يترك هذه الامر و بهذه الخطه المحكمة دفع الامام الصادق الموت و الخطر عن الامام الذي بعده إنه ولده موسى الكاظم(عليه السلام).

الى الرفيق الاعلى

فبعد حياة ملؤها المعاجز و العلم و التربية و الجهاد الفذ في الحقل الثقافي والاجتماعي، و بعد برامج الامام الصادق الاصلاحية و التغييريه،ها هو ذا الامام في المقطع الاخير من حياته الحافلة بالمآثر والمآسي يودعنا على أمل المضي على نهجه في مقارعة الظالمين بإسلوب يتلائم و العصر، و السير على خطاه في إصلاح المجتمع و رعاية أفراده.

لقد عرف المنصور ان أفضل طريقة للخلاص من الامام الصادق(عليه السلام) هي دس السم اليه عبر الوكلاء على طريقة معاوية بن ابي سفيان، فقام محمد بن سليمان و الي المدينة بسمِّ الامام الصادق في الخامس والعشرين من شوال عام 148 هـ فمضى أبو عبدالله(عليه السلام) ضحية المجرمين، و تم تشييع جثمانه المبارك و دفن في البقيع. وهكذا أفل نجم من نجوم آل محمد(صلى الله عليه وآله) و أسدل الستار على نور من أنوار هم الباهرة ليقوم مقامه نجم آخر و نور ثاني.

المصدر : الكوثر