وكالة مهر للأنباءــــ أحمد عبيات: هناك من لم يأخذ بالأسباب ويريد أن يجلب الهوان والاستذلال لذويه ووطنه عبر تكرار الحكايات المثبطة وأيضا إلقاء اللائمة على من يطلب الرقيّ والتطور، كمتابعين نشاهد بين الفينة والأخرى وخاصة في الفترة الأخيرة تصاعد الأصوات المعارضة للمشروع النووي التي تعتبر الاتفاق النووي على أنه خطة انتهازية لإيران لردم الهوّة الاقتصادية فيها ومحاولة لابتزاز الغرب وأميركا بالتحديد لنيل بعض مطالبها.
لا يختلف اثنان في أن الشعوب الإسلامية هي المستهدفة أساسا وبتخطيط ممنهج وتكتيكات قد اعتاد الغرب على اللعب عليها في مثل هذا الكلام، وثمّة أصداء متجاوبة للانعكاسات الغربية في هذه الدول التي تتغازل مع بعض منها وتتبرم من أخرى إسلامية، والتي تهدف وراء ذلك دقّ إسفين الاختلاف والانشقاق بين العالم الإسلامي.
وإن ابتزّت إيران الدول الغربية والولايات المتحدة الأميركية بالمشروع النووي فهذا ينبغي أن يكون مدعاة لابتهاج الشعوب الإسلامية، والصحافة العربية، بالدرجة الأولى، إذ لطالما تحتكر هذه الدول العلوم والصناعات والتكنولوجيا الحديثة وتسعى دائبة أن تستأثر بها دون الآخرين، وها نحن نرى أن إيران تحافظ على برنامجها النووي وتبني محطات الطاقات وتفاوض الغرب على أساس قاعدة الندّ بالندّ، حيث ضاعت منّا هذه الصورة ورأيناها كأضغاث أحلام.
تهديدات إيران بخفض تعهداتها إزاء الاتفاق النووي
وضعت الدول الأوروبية، طهران، بعد انسحاب الولايات المتحدة الأميركية من الاتفاق النووي بين سندان السير على عملية الحفاظ على الاتفاق النووي، ومطرقة عودة قرارات مجلس الأمن إذا ما انسحبت من الاتفاق النووي، الأمر الذي دعا الجمهورية الإسلامية أن تكظم غيظها وتتحفظ بإبدائها موقفها الحقيقي حيث تلقت أضرار موجعة وبالغة إثر عودة العقوبات الأميركية على القطاعات الاقتصادية.
وبدلا عن الانخراط والسقوط بالدوّامة التي صممّتها الدول الأوروبية وأميركا ببراعة، استطاعت طهران، بصبر استراتيجي (حسب وصف مسؤوليها) أن تعدل الأوضاع الاقتصادية وتسيطر على الموقف حتى سنة واحدة، ثمّ لتعلن للغرب أنها ستبدأ أولا في تخزين يورانيوم مخفض التخصيب وأيضا زيادة مستوى تخصيب اليورانيوم إلى مستويات تتجاوز نسبة 3.67% التي حددها الاتفاق.
لكن لماذا أعلنت إيران خفض تعهداتها، وتحديد مهلة 60 يوما في الخطوة للاطراف الموقعة على الاتفاق النووي، لتنفذ التزاماتها وخاصة في مجال النفط والتبادل المالي، يأتي الجواب بسبب أن الغرب لم يردّ على انسحاب أميركا غير القانوني في مايو/ أيار 2018 بالشكل المتعارف لانتهاك وخرق المعاهدات والاتفاقيات والمواثيق الدولية، وبدأ يزيد الضغط على إيران للالتزام بالاتفاق النووي، ويناور بدبلوماسية ماكرة في تأسيس الآلية للتعامل المالي مع الجمهورية الإسلامية، حيث أخذ يماطل في تسهيل مدفوعات مالية لطهران لشراء السلع الإنسانية.
هذا يأتي إلى جانب سعة بالهم ونفسهم الطويل لمحاولة الاستفادة بين الشدّ والجذب والتصعيد والتهديد الذي كان يشتدّ بين المسؤولين الإيرانيين والأميركيين، وأيضا إظهار الأوروبيين أنهم ليس لديهم القدرة على إجبار شركاتهم الخاصة للبقاء في إيران بعد أن بدأت الواحدة تلو الأخرى الخروج من هذا البلد ومغادرة المشاريع منقوصة بتراء.
كل هذه التطورات، جعلت صبر طهران ينفد، وتعلن نيتها خفض تعهداتها إزاء الاتفاق النووي، ذلك بالرغم من أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية قد اصدرت لحد الان خمسة عشر تقريرا اكدت فيه التزام طهران بالاتفاق النووي، وجاءت هذه الخطوة لمنح فرصة للاطراف المتبقية في الاتفاق النووي وخاصة الدول الاوروبية التي كانت تعد بتعويض ايران عن خروج اميركا من الاتفاق، بأن تنفذ التزاماتها ضمن هذا الاتفاق.
لم تجانب إيران المسار الدولي المتعارف ولم تخرق القوانين وكانت جميع إجراءاتها وفق بنود خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي)، كما أن سياساتها في التعامل مع هذا الملفّ يجب أن تكون موضع إشادة واستحسان الصحافة العربية، وأيضا درس للذين تعلمّوا الانبطاح والخنوع للغرب الآمر الناهي، حيث ظهرت كندّ ونظير للغرب./انتهى/