يظن القائمون على "صفقة القرن"، أنهم يستطيعون حل الصراع الفلسطيني، كما تحل القضايا العائلية، ولا يرون أن الصراع هو صراع تاريخي وايديولوجي.

وكالة مهر للأنباء: كتب رئیس تحریر صحيفة طهران تایمز محمد قادري مقالاً لصحيفة الثورة السورية تناول فيها أبعاد صفقة القرن على فلسطين والمنطقة، جاء فيه:  منذ عام 1967 بُذلت كثير من المحاولات بين «اسرائيل» وفلسطين، بهدف تسوية الصراع وإيجاد حل يُرضي طرفي الصراع، وقد تبع الرئيس الأميركي سيرة أسلافه في تقديم خطة لتسوية الصراع لكن هذه المرة أكثر جدية وأعظم خطراً على الشعب والقضية الفلسطينية، نظراً لما يشوب هذه الدعوات من غموض وسرية. وبما يمثل - هذا الخطر- من حذف لفلسطين عن الخارطة العالمية.
يظن القائمون على هذه الصفقة، منهم الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وصهره اليهودي جورد كوشنر، أنهما يستطيعان حل الصراع الفلسطيني، كما تحل القضايا العائلية، ولا يريان أن الصراع هو صراع تاريخي وايديولوجي.
لم يع ترامب وصهره كوشنر أن الصراع بين «إسرائيل» والدول الإسلامية ليس موضوعاً يمكن حله بين الولايات المتحدة و»اسرائيل»، وقد يصعب على ترامب وكوشنر فهم حقيقة الصراع من الناحية السياسية رغم ما بذلت من جهود دولية لإيجاد حل سياسي لقضية عمرها عشرات السنين وهي قضية آخذة بالتعقيد عاماً بعد آخر.
على عائلة ترامب أن تدرك أن القضية الفلسطينية قد انعجنت مع القرار 242 للأمم المتحدة، وبالتالي على إسرائيل الانسحاب من مرتفعات الجولان السوري، ونهر الأردن، وقطاع غزة، والضفة الغربية. من جهة أخرى نجد أن مقاومة الشعب الفلسطيني التي بدأت بالحجارة وصلت اليوم إلى صواريخ متطورة، وأصبحت ذات قوة رادعة أمام «اسرائيل».
حتى وإن افترضنا أن الفلسطينيين سيتخلون عن قضيتهم - وهو ما لن يحصل - فإن قضية المسجد الأقصى بصفته أولى القبلتين وثالث الحرمين، تحولت إلى قضية أيديولوجية وغير مناطقية، وهذا الأمر ضاعف من عزيمة المقاومة وإصرارها على المضي قدماً فيما هي بصدد تحقيقه.
قدم كوشنر خطة جديدة لتسوية الصراع. وأثناء ورشة المنامة ناشد الإسرائيليين والفلسطسنيين، الموافقة على خطته التي تَعد الفلسطينيين باستثمارات تقدر بالمليارات، إذا وافقوا على حل سياسي دائم. أما الفلسطينيون فلم يشاركوا في ورشة المنامة لأنها لن تناقش قضايا سياسية حساسة مثل الوضع في القدس المحتلة.
وفي الأثناء تبرعت الدول المانحة في نيويورك بنحو سبعة وتسعين مليون دولار لوكالة الأونروا التابعة للأمم المتحدة التي تقدم الدعم لللاجئين الفلسطينيين. وتعليقا على خطة السلام الأميركية التي قدمها كوشنر في المنامة كتبت صحيفة «لوموند» الفرنسية قائلة: «إن خمسة وثلاثين صفحة من خطة كوشنر تتحدث عن فرص التنمية في المناطق الفلسطينية، دون ذكر مصطلح «احتلال» مرة واحدة. وتخاطب الخطة الاقتصادية التي تقدم بها كوشنر، أشباحاً وهمية افتراضية، وتذر الرماد بالعيون بمبلغ ضخم يبلغ خمسين مليار دولار.
في خطة كوشنر تكون فلسطين عبارة عن نطاق جغرافي دون شعب وحكومة وجيش، وكذلك دون حدود معينة، وتصبح فلسطين هي عبارة عن قطاع غزة والضفة الغربية التي يتم ربطها عبر سكة حديدية.
في خطة كوشنر يصور الفلسطينيين وكأنهم عجزة وغير أصحاء، وتم التأكيد على أنهم بحاجة إلى اقتصاد سليم وأناس سليمين كذلك.
في صفقة القرن يتحدثون عن الحكومة ومسؤوليتها تجاه الشعب، في حين يصمتون عن الأرض والنظام الذي سيحكم فلسطين، وكان هناك مجرد تأكيد على أن فلسطين ستشكل بدعم واستثمار من الخارج، ويبدو أن ما ينويه كوشنر هو تأسيس منطقة تشبه المناطق الاقتصادية الحرة، وليس دولة ذات سيادة، وحدود، وهوية مستقلة، إن صفقة القرن هي عبارة عن خطة لتحويل دولة إلى مشروع عمراني تحت إشراف ورقابة إسرائيلية.
وقد كان نصيب الفلسطييين في خطة كوشنر قليلا جداً، وهو فاقد للأهمية إذا ما عرفنا أن حصة الفلسطينين من الاستثمارات المقررة بهدف خلق المساواة والعدالة في الشركات الحديثة التأسيس والقروض فقط 100 مليون دولار من مجموع 52 مليار دولار، والذي سيذهب معظمها إلى الشركات الأميركية المقاولة.
وبالنظر إلى تبعات هذه الصفقة بالنسبة لـ «إسرائيل» والعالم، نجد أنه يصب في مصلحة الكيان الصهيوني فقط، فهي ستُنهي مفاعيل القرار 242، كما ستحصل إسرائيل على جغرافيا جديدة، وستستمر في بناء المستوطنات، وتعزز أكثر من السابق أمنها القومي.
كما ستحصل أميركا على فرصة جديدة بعد قيامها بالاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لـ «إسرائيل»، وبالمقابل ستحرم فلسطين من فرصة الاعتراف بالقدس عاصمة لها، وبذلك يجب حسب الفهم والرغبة الأميركية أن تكون صفقة القرن سداً منيعاً أمام ما يُدعى «التوسع الإيراني»، وكذلك وسيلة لتحقيق مصالح أميركا وإسرائيل في المنطقة.
الدول العربية، عليها حسب الخطة أن تدفع ما نسبته 50 مليار دولار للشركات الأميركية والاسرائيلية، ليتحول هذا البلد المقدس إلى منطقة تشبه سنغافورا، أو هونغ كونغ، ويكون محلاً لدور الفاحشة والقمار التي يملكها ترامب وعائلته.
بعض دول الرجعية العربية تتوقع أن تكون هذه الصفقة فرصة جديدة لخلق تحالف بين هذه الدول من جهة، وأميركا وإسرائيل من جهة أخرى، ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية. لكن ينبغي القول: إن هذه الصفقة ورغم ما يصاحبها من زخم إعلامي، إلا أنها مملوءة بالثغرات التي أثارت انتقادات ترامب نفسه ووزير خارجيته، وقد كسبت هذه الصفقة في المحافل الإعلامية والرأي العام الأمريكي مصطلح»تحالف المرحلة».
على الرغم من النجاح النسبي الذي حققته صفقة القرن في جمع ممثلين عن الدول العربية و»إسرائيل» على طاولة واحدة، إلا أنها لم تحقق النجاحات المطلوبة، وبل بالعكس قد تكون لها تبعات سلبية أكثر مما ذكر.