انطلقت مظاهرات شعبية عارمة في العراق مع بداية شهر أكتوبر الجاري, وما زالت متواصلة في المناطق الجنوبية من البلاد وصولا الى العاصمة بغداد, يمكن ان نطلق عليها ثورة شعبية او انتفاضة المحرومين والمستضعفين في وجه السلطة التي تجاهلت مطالبهم وحقوقهم المشروعة في تحسين الأحوال المعيشية, وتأمين سبل العيش الكريم, وتوفير فرص العمل في الدوائر الحكومية العامة, ولا يمكن لاي منصف وعاقل يحمل صفات الإنسانية إلا ان يؤيد مطالبهم المحقة المشروعة, ويدعم خطواتهم الاحتجاجية ضد تقصير الحكومة وليس قصورها.
فهؤلاء أبناء العراق وعوائل الشهداء الذين ضحوا بفلذات اكبادهم لإبعاد شبح الإرهاب عن العراق, وهؤلاء اخوة القوات الأمنية والجيش العراقي والحشد الشعبي, ويستحقون كرامة العيش قبل غيرهم من المناطق الأخرى التي كانت حاضنة للإرهاب, ولا اريد الخوض في اسمائها وجغرافيتها.
أسبوع مر على تلك الاحتجاجات والتظاهرات, ذهب ضحيتها العشرات من الشهداء والجرحى من كلا الطرفين, المتظاهرين والقوات الأمنية, واغلب الضحايا سقطوا برصاص قناصة مجهولي الهوية ترمي على الطرفين لإشعال فتنة لا تنتهي إلا بتدمير الوطن, وكأن العراق بحاجة لمزيد من الدمار بعد سنوات من الحرب الأخيرة مع التنظيمات الإرهابية الممولة أمريكيا وسعوديا, نريد ان نضع العاطفة جانبا, ونخوض في النتائج والتحليل وأخذ العبر.
أولا : ليست المرة الأولى التي تخرج تظاهرات شعبية عارمة في العراق تدعو الى الإصلاح, ومحاربة الفساد, وكان للتيار الصدري مظاهرات شعبية قبل سنوات يقودها زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر, تنطلق عندما يأمر وتنتهي عندما يأمر, فعندما يكون للتظاهرة قيادة تستطيع ان تتحكم بتوقيتها ونتائجها فلا خوف عليها من الانحراف وإشاعة الفوضى والدمار.
ثانيا : هذه التظاهرات التي خرجت مؤخرا بسرعة, ولها أسبابها الموضوعية كما ذكرنا, ليس لها قيادة ميدانية شعبية تستطيع ان تتحكم بها وتفاوض وتناور وتنهيها متى تشاء, فالحركة الشعبية من دون قيادة تصبح عبيثة وفوضوية وغوغائية حتى ولو كانت تملك كل الأسباب المحقة للتظاهر, وتسمح للمتربصين والانتهازين أعداء الدولة والشعب من ركوب موجتها.
ثالثا : توقيتها بالاول من أكتوبر يجعلنا نشتبه بمحريكيها الضباع الذين تديرهم السفارات المعادية للعراق وشعبه وإستقلاله, ولنا ادلتنا على ذلك, وسوف نبينها في مقالنا هذا, وقد يقول البعض : " أنكم دائما تذهبون الى نظرية المؤامرة, وتتخلون عن الضحية وتتهمونها بالعمالة ", وهذا غير صحيح, لأننا الاحرص على مساندة الشعب المستضعف لنيل حقوقه المشروعة بطرق سلمية حضارية, فهم أهلنا واخوتنا واحبتنا ونريد لهم كل الخير والصلاح والفلاح, فألمهم المنا, ووجعهم وجعنا, وفرحهم فرحنا , وحزنهم حزننا.
رابعا: نعم إنها مؤامرة على ثورة الجياع يقودها ضباع برية شرسة, مخالبهم ما زالت تنزف دما من أجساد أبناء واهل المتظاهرين, انتهزوا فرصة انتفاضتهم العفوية للانقضاض عليهم, وعلى انجازاتهم وتضحياتهم, الأول من أكتوبر هو الذكرى السنوية لمقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي الذي تم تقطيعه اربا اربا في القنصلية السعودية في اسطنبول بأمر من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان, وبدل ان تتوجه انظار الاعلام العالمي نحو قضية مقتل خاشقجي توجهت نحو المظاهرات الدامية في العراق. الأول من أكتوبر هو بداية إنطلاق مسيرة أربعين الامام الحسين عليه السلام العالمية نحو مدينة كربلاء المقدسة, مسيرة الأربعين التي أصبحت تقض مضاجع المستكبرين في العالم, ولهذه الأسباب توجه الاعلام العالمي المعادي لتشويه صورة المسيرة وتوهينها, وتوهين المذهب من خلال عرض تقارير مشينة وكاذبة. الأول من أكتوبر تزامن بعد الانتكاسة العسكرية التي منيت بها السعودية وشل اقتصادها بضربة يمنية حوثية مباركة بعصبها الاقتصادي في أرامكو, وبعد العملية العسكرية اليمنية المباركة " نصر من الله " الأولى والثانية حيث تم سوق الاف الجنود السعوديين ومرتزقتهم اسرى كالأغنام في سوق الماشية. وإشارات الاتهامات السعودية ان القصف جاء من العراق !!!.
لكل هذه الأسباب نجد ان السعودية سخرت كل اعلامها التحريضي على مواصلة التظاهرات, وعرض المشاهد الدموية كما كانت مهمتها في سوريا وليبيا ومصر.
حتى امراء السعودية الذين ظنوا ان إحراق العلم الإيراني في العراق من قبل بعض الموتورين المندسين يشفي صدورهم الحاقدة , ويعوضهم عن الهزائم النكراء التي مُنيوا بها في جميع معاركهم العدوانية الارهابية, فيقوم الامير " سطام بن خالد ال سعود " مغردا على تويتر, معلقا على صورة إحراق العلم الإيراني بعبارة " اجمل صورة معبرة في عام 2019 ", مع ان الصورة يعود تاريخها قبل عام 2018 في البصرة.
خامسا : المحرضون على مواصلة التظاهر والعنف في الخارج والداخل, الضباع الشرسة, غيث التميمي عميل الموساد في بريطانيا, أنور الحمداني اعلامي بعثي صدامي, فائق دعبول نائب صاحب لسان قذر, احمد البشير صاحب المواقع الاباحية, ناجح الميزان, محمد جمال الدين, رعد السلمان, والمعمم المرتد اياد جمال الدين, رغد صدام المقبور, ستيفن نبيل والعشرات من النكرات أعداء الشعب العراقي الأصيل, وما كان ينقص هؤلاء الضباع إلا الصهيوني ايدي كوهين ليكون على رأس المحرضين على مواصلة التظاهرات لإسقاط النظام السياسي في العراق. هؤلاء لا يبكون على جراح المتظاهرين بل يضحكون عليها ويتلذذون بأوجاعهم, هؤلاء مطالبهم واهدافهم غير مطالب واهداف المتظاهرين, المتظاهرون تريدون من الحكومة العراقية ان تنصفهم وتقدم لهم حقوقهم المشروعة, وهم يريدون إسقاط الحكومة التي لم تحقق رغبات الإدارة الامريكية كما تشاء وترغب.
في التفاصيل : حكومة عادل عبد المهدي خذل الشعب نعم, ولكن هجمة الضباع التي تدعي الوقوف الى جانب الشعب تريد خرابهم ودمارهم وسلب تضحياتهم, والرقص على جراحهم, عادل عبد المهدي خذلهم بإصراره على فتح معبر البوكمال بين سوريا والعراق الذي يعتبر معبرا حيويا اقتصاديا يفيد البلدين, وخذلهم في الإعلان عن تحميل إسرائيل مسؤولية قصف مقرات الاسلحة للحشد الشعبي العراقي, خذلهم بالذهاب الى الصين لعقد عشرات العقود التجارية بين البلدين خلافا للمصالح الامريكية. خلاف الشعب مع حكومة عادل عبد المهدي خلاف مشروع يحسب لهم, وخلافهم مع حكومة عادل عبد المهدي يحسب له. فعلى الشعب المظلوم ان لا يكون عونا وسندا للمحتلين والمتآمرين والمتربصين بالعراق العزيز.
سادسا : خلال أسبوع من المظاهرات والاحتجاجات داخل العراق, خرجت مظاهرات مماثلة في خارج العراق بالدول الأجنبية تدعي مساندة المتظاهرين في الداخل تدعو الى إسقاط النظام, وحل الحشد الشعبي العراقي, وعودة الصداميين الدمويين الى الحكم, فهل هذا ما يريده المتظاهرون في العراق ؟. وهذا ما يؤكد لنا نظرية المؤامرة على العراق.
ومن اخطر ما شاهدناه مظاهرة في " بوسطن " الامريكية حمل المتظاهرون اعلام العراق و علم " الجيش السوري الحر " الإرهابي , وأعلن احد المتظاهرين دخول اكثر من 150 ( مجاهد ارهابي ) من سوريا الى العراق لتعلوا صيحات التكبير بين المتظاهرين!!!, مما يؤكد ما ذكرناه في مقالنا السابق والذي لم يتطرق اليه احد من المحللين السياسيين, وهو تصريح ترامب الذي هدد به قبل أسابيع عن اطلاق سراح الاف الاسرى من تنظيم " داعش " الإرهابي حسب ما تقتضيه المصلحة الامريكية, فهل هؤلاء ال 150 إرهابي اطلق الرئيس ترامب سراحهم إنتقاما من حكومة عادل عبد المهدي بسبب رفضه لإملاءات الإدارة الامريكية والإسرائيلية؟.
أخيرا : نريد ان نبين حقيقة إضافية على نظرية المؤامرة على العراق, وهي ان جميع مواقع التواصل الاجتماعي وخصوصا " الفايسبوك " متشدد جدا من عرض أي صورة او مقطع فيديو يظهر به اثار عنف ودماء, ويقوم فورا بحظر المستخدمين ومسح الصور والفيديوهات, لكن إدارة الفايسبوك قررت السماح للضباع من نشر كل الصور والفيديوهات التي تشجع على مواصلة التظاهرات في العراق, ونشر الأفلام الدموية المثيرة الكاذبة والتي يعود حدوثها قبل أعوام وليس في العراق, وكذلك موقع التويتر الذي تم الكشف عن " تراند العراق_ينتفض " ان نسبة 79 بالمئة من إعادة انتشاره كان من السعودية التي لا يسمح بها حتى التنفس الاعتراضي على النظام الدموي داخل السعودية, ناهيك عن أي تظاهرة شعبية.
سنبقى مع حركة الشعب العراقي المضحي المستضعف سندا وعونا حقيقيا, وسنواصل كشفنا للمؤامرة على هذا الشعب, وتعرية المتربصين به والانتهازين عملاء الصهيونية العالمية, وكلنا امل بان هذا الشعب كما انتفض على الطبقة الحاكمة لنيل حقوقه المشروعة, سوف يقتلع انياب الضباع التي تدعي مساندته وترقص على جراحه.
حسين الديراني
المقال يعكس رأي كاتبه ولا يعبر عن موقف وكالة مهر للأنباء