خطاب قائد الثورة الإسلامية سماحة السيد علي الخامنئي الأخير والذي تطرق فيه إلى الأوضاع في لبنان والعراق فهمه البعض على غير المراد منه، فهو أراد التأكيد على أهمية الحفاظ على الأمن مع الأخذ بالوسائل القانونية للمطالبة بالحقوق.

تصريحات قائد الثورة الإسلامية السيد علي الخامنئي يوم الأربعاء الفائت، حول التطورات في لبنان والعراق، في مراسم تخريج جامعات ضباط الجيش، ورغم أنها کانت موجزةً وجاءت في سياق موضوع آخر، لكنها لقيت أصداءً كثيرةً في هذين البلدين، وبالطبع كان البعض "سعيداً للغاية" بها، والبعض الآخر "غاضباً".

ولكن ما ورد في كلامه، وعلى عكس ما قاله معارضو الجمهورية الإسلامية، لم يكن الدخول في الاصطفافات الحالية في لبنان والعراق، ولم يرجِّح کفة الميزان لصالح جهة محددة على حساب جهة أخرى. وما قيل في هذه الکلمة، كان من الضروري والمفيد إيلاء الاهتمام به من قبل جميع الأطياف اللبنانية والعراقية.

الإهتمام بالأمن يصب في صالح الجميع

إنّ لفت السيد الخامنئي الانتباه إلی مقولة "الأمن"، وأن الجميع يجب أن يأخذ الوسائل القانونية بعين الاعتبار، لن يضر المتظاهرين الذين خرجوا إلى الشوارع من أجل المطالبات المعيشية.

ومن المفارقة أن إضفاء الطابع الأمني علی الأجواء أو تجاهل التهديدات الأمنية، سيهددان في المقام الأول حياة أولئك الذين قاموا بهذه المظاهرات، كما رأينا في الأيام الأخيرة، ونتيجةً للاشتباكات بين فئات من المتظاهرين مع فئات أخرى في العراق ولبنان، قُتل أعداد من الطرفين.

كما أن إسقاط نظام أو منظومة سياسية قبل أن تكون هناك خطة بديلة صالحة، ليس في مصلحة أحد.

السيد الخامنئي في کلمته، کما في مواقف مماثلة، دعم أمن الشعب وسيادته على بلده، کما دافع عن استقلال وسلامة أراضي وحياة الشعوب في العراق وسوريا ولبنان وفلسطين واليمن وأفغانستان، في أعقاب الهجمات الأميركية والإسرائيلية والسعودية والجماعات التكفيرية ضد دول وشعوب المنطقة، دون أن يکون بالإمکان التعبير عن هذا الدعم بالكلمات الشائعة التي يشار بها إلی المستبدين.

طوال هذه الفترة، تمكنت تحذيرات السيد الخامنئي من خفض الکلفة البشرية والمالية التي تدفعها الشعوب والحكومات في أوقات الأزمات أو مؤامرات الدول المعادية، وزادت في المقابل تكاليف أعدائهم بشكل كبير، وأجبرتهم على قبول الفشل.

ما جاء في خطاب السید علي الخامنئي فيما يتصل بمقولة الأمن، کان في الواقع لفت الانتباه إلی الخطر الذي يواجه لبنان والعراق. فمن ناحية، لا يعني ذلك أن خطر انعدام الأمن على نطاق واسع بات فعلياً في هذين البلدين، ومن ناحية أخرى، يعبر عن خطرٍ أصبح يهدد هذين الشعبين، ويجب القيام بفعل شيء للحيلولة دون حدوثه.

لم يمضِ وقت طويل علی تحذير المرشد الإيراني لبعض الحكومات الصديقة في المنطقة من خطر حدوث انعدام الأمن على نطاق واسع، وهو التحذير الذي انعکس علی أرض الواقع، لأن المخاطَب لم ينتبه لأبعاد التحذير، وبالتالي أشغل شعباً وحکومته لسنوات، وأعاق مسيرة التقدم وكلفهم الكثير من النفقات الباهظة.

الحيلولة دون استنساخ السياسات الاستعمارية

ومن هذا المنطلق يأتي تأکيد السيد الخامنئي على الحفاظ على الحكومات والهياكل القانونية في لبنان والعراق. وهذا على الرغم من أن رئيس وزراء لبنان بعيد عن إيران، بينما رئيس وزراء العراق قريب من إيران، ولهذا فإن تأکيد السيد الخامنئي على متابعة المطالب الاقتصادية مع الحفاظ على الحكومات، لا يعني فرض حزب أو جماعة أو حتى فرض تيار ديني محدد.

إن تجربة العقود الثمانية الأخيرة في الدول العربية في شمال أفريقيا وغرب آسيا، وضياع الإنجاز في انهيار الحكومات، والانحراف في مطالب الناس، وتوفُّر الأرضية لاستنساخ السياسات الاستعمارية الأجنبية، واستمرار انعدام الأمن وقتل الناس، كما نرى في ليبيا ومصر، تظهر أن هاجس الحفاظ على الهياكل، ليس هاجس الانحياز لشخص أو طرف محدد، بل هو نفس الانحياز لصالح المطالب الشعبية، لأنه إذا لم تكن هناك حكومة فلا توجد طريقة لتلبية هذه المطالبات./انتهى/