فالثورات الاصيلة لها بعدها الانساني، والنضالي، والاخلاقي، والحضاري، وهدفها تغيير الانظمة الحاكمة الديكتاتورية المبنية على القمع والاضطهاد والفساد ونهب ثروات الشعوب. وكي تضمن نجاحها لا بد ان يكون لها قائد او مجلس قيادة يأخذ على عاتقه تحريك وتصويب الجماهير الثائرة نحو تحقيق الهدف، وكسب تأييد الشارع الجماهيري.
اما في لبنان والعراق نجد ان حراك الشعبين يفتقد الى ابسط سبل تحقيق الاهداف التي يحلم بالحصول عليها، نظرا لفقدانهما القيادة الحكيمة البارزة، إضافة الى عدم وحدانية المطالب والشعارات، بل نجد اكثرها فوضاوية وغير اصلاحية، وغير أخلاقية.
المشهد بات واضحا، ولا يحتاج الى كثير من النباهة لمعرفة الحقائق وراء ما يسمى " بالثورة " في لبنان والعراق.
هناك مقاومة وقيادة حكيمة في لبنان متمثلة بحزب الله وامينه العام السيد حسن نصرالله وحلفائه، مطلوب تحجيمهم وعزلهم واسقاطهم وتشويه صورتهم في المجتمع اللبناني والعربي والدولي مع تعذر المواجهة العسكرية معهما. وهناك حشد شعبي، ومرجعية دينية في العراق مطلوب تنحيتهم وعزلهم في الشارع العراقي، فالحشد الشعبي ضمانة امن العراق وقوته، والمرجعية الدينية العليا صمام الامان له في كل المراحل السياسية الحساسة التي عصفت بالبلاد.
لذلك نرى ونشاهد على شاشات الفضائيات والتواصل الاجتماعي ان " الثورة " التي يفترض ان تكون حمامة سلام ومحبة وقوة ومقاومة، تحولت الى "فورة" سباب وشتائم واعتداءات، طالت كل المقامات والرموز الدينية والاسلامية والجهادية، مما يؤكد لنا ان هدف انطلاقها واستراتيجيتها منذ بدايتها هو الوصول الى هذا الحد من الاسفاف والهبوط الاخلاقي.
شاهدنا حفلات المجون والرقص والطرب. شاهدنا حلقات السباب والشتائم والهريج.
شاهدنا توزيع الاموال على المتظاهرين في العراق ولبنان لضمان الاستمرار في تواجدهم في ساحات الغوغاء.
شاهدنا قطع الطرقات واهانة المواطنين من قبل قطاع الطرق الذين لا يمكن تسميتهم ووصفهم بالثوار بل بالفجار.
شاهدنا الاعتداءات الارهابية من قبل " الفجار " على ابطال الحشد الشعبي الذي حمى الوطن والارض والعرض.
شاهدنا مسرحيات تمثيلية حقيقية لواقعة كربلاء في العراق، ولاول مرة نرى الشمر، وحرملة وابن زياد.
شاهدنا مسيرات يقودها معممين " شيعة " يسيرون خلف يافطات تندد وتشتم الجمهورية الاسلامية الايرانية التي قدمت كل إمكانياتها وشبابها لمواجهة الارهاب في سوريا والعراق ولبنان للحفاظ على امنهم واستقرارهم.
شاهدنا الفجور الاعلامي العربي " العبري " الذي يحرض على مواصلة الردح بالسباب والشتائم والعبارات البذيئة.
وحتى لا نُتهم بالنظر بعين واحدة، شاهدنا متظاهرين سلميين حضاريين ايدناهم ودعمناهم منذ البداية، لكن باتوا اقلية وسط هذا الموج العارم من الفوضى والعبثية.
وحين طرح هذه الحقائق والمشاهدات امام بعض الناس يأتيك الجواب " ان هؤلاء مندسين " وليسوا من الثوار !!!.
وانا ارى حقيقة الامر ان الشرفاء هم " المندسين " اذا صح التعبير في تلك المظاهرات الغوغائية العشوائية، الكثيرون تركوها بعد ان لمسوا حقيقة اهدافها، ولا يستطيع احد بعد اليوم ان يوهمنا ان هذه الجماهير خرجت لطلب الاصلاح ومحاربة الفساد، فالفاسد لا يستطيع ان يواجه فاسد مثله، فاقد الشيء لا يعطيه.
حان الوقت ليفهم من غُرر بهم في ساحات المظاهرات والاعتصامات ان قوى اقليمية شريرة تقودها السعودية، ودولية تقودها امريكا هدفها زعزعة الامن والاستقرار في البلدين لبنان والعراق وتركهما ساحات للفتن المذهبية والعشائرية والسياسية من اجل استقرار وسلامة الكيان الصهيوني، وتمرير صفقة القرن.
بالحكمة والبصيرة يمكن تفويت الفرصة على الاعداء المتربصين بدول محور المقاومة، وتقليل الاضرار المادية والمعنوية والاجتماعية والسياسية من خلال تظافر الجهود بين المحتجين السلميين والحكومة لتقديم كل الضمانات لاعطائهم حقوقهم المشروعة، ولوضع حد لدول الشر من الوصول الى اهدافهم لتدمير البلدين من خلال ثغرة الفساد في إدارة شؤون الدولة.
حسين الديراني