أَعُــوْذُ باللهِ مِـن الشَّيْطَـانِ الرَّجِـــيْـمِ..
بِـسْـــمِ اللهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ..، (الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ، يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ، إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)، (مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)، وأشهَدُ أن لا إلهَ إلّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له ولا كفؤَ له، كما شهد لنفسه وشهدت له ملائكتُه وَأولو العلم من خلقه، (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)، وأشْهَدُ أَنْ سَيِّدَنا مُحَمَّداً عبدُه ورَسُــوْلُه أرسَلَه بالهُدَى ودِين الحق بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، فبلّغ رسالاتِ الله البلاغَ المُبينَ وأقام الحُجَّة لله على العالَمِين وجلّ بالنور كُلَّ الظلمات ودمَغَ بالحقِّ كُلَّ الأباطيل والضلالات، (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)، اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــدٍ وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــدٍ، كما صَلَّيْتَ وبارَكْتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ إنك حميدٌ مجيدٌ، وسَلِّمْ على مُحَمَّـدٍ وعلى آلِ مُحَمَّـدٍ كما سلّمتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ في العالمين، وارضَ اللهم برِضَاك عن أصحابِهِ الأخيارِ من المهاجرين والأنصارِ وعن سائرِ عبادِك الصالحين.
شعبُنا اليمنيُّ المسلمُ العزيزُ، أَيُّهَا الإِخْوَةُ والأخوات في ساحة الاحتفالِ المبارَكِ من كُلِّ أطياف الشعبِ، وفي طليعتهم العلماء الأجلاء، السَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه، ومبارِكٌ لكم ولكل أُمَّتنا الإسْـلَامية هذه المناسبة العزيزة والذِّكْـرَى المقدسة المجيدة، ذِكْـرَى مولد خاتم النبيين وسيّد المرسلين وصفوة الله من العالمين مُحَمَّـد بن عبدالله بن عَبدالمطلب بن هاشم صَلَّى اللهُ وسَلَّمَ عليه وعلى آله، ذِكْـرَى القُدومِ المبارك الميمون الذي جَعله الله منقذاً للبشرية ورحمةً للعالمين، (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ، فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ).
وإن لشعبنا اليمني المسلم العزيز شرَفُ التميُّز في تفاعُلِه مع هذه الذِّكْـرَى؛ لأنه يمنُ الإِيْـمَـان، يمنُ الأنصار، وهو من جيلٍ إلى جيل توارَثَ هذا الإِيْـمَـان، مبادئ حق يتمسّكُ بها وأخلاقًا كريمة يتحلى بها وروحاً طيبة يحملُها ومحبةً وإجلالاً وتوقيراً لرَسُــوْل الله صَلَّى اللهُ عَلَـيْهِ وَآلَــهُ وَسَلَّـمَ ولم تفلح جهودُ ومساعي القوى الظلامية الضالة المخذولة في تغيير هذه السجية الطيبة وهذا الانتماء الأصيل لهذا الشعب المسلم، كما أن معاناةَ شعبنا من العُـدْوَان الأمريكي السعودي الهمجي الظالم لم تُثْنِه عن الاحتفالِ بهذه الذِّكْـرَى في العام الماضي وفي هذا العام؛ لأنها مناسبةٌ تربطُنا بها وشيجةُ الإِيْـمَـان وتزيدُ الأحداثُ والتحدياتُ من أهميتها، فهي مناسبةٌ معطاءةٌ غنية بأهمِّ الدروس والعِبَرِ التي تحتاجُ إليها الأُمَّـةُ اليومَ وتستفيدُ منها البشرية بكلها في تصحيحِ وضعها وإصلاح واقعها ومواجَهة الأخطار بعد أن تفاقمت مشاكلُ البشرية بفعل قوى الطاغوت والاستكبارِ الظلامية الظالمة التي تسعى في الأرض فساداً وتملأُها ظُلماً وجَــوْراً.
لقد كان مولدُ رَسُــوْلِ الله صَلَّى اللهُ عَلَـيْهِ وَآلَــهُ وَسَلَّـمَ في عامِ الفيل، تلك الحادثة العجيبة، وكان للحادثة بنفسها علاقةٌ بإرهاصات القُدوم المبارك لخاتم الأنبياء، قال الله تعالى بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ، أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ، وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ، تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ، فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ) صدق اللهُ العلي العظيم، قَبلَ مبعَثِ الرَّسُــوْل صَلَّى اللهُ عَلَـيْهِ وَآلَــهُ وَسَلَّـمَ كان العالَمُ بكله بشتى أنحاء الأرض يعيشُ جاهليةً جهلاءَ تعاظَمَ فيها الضلالُ واشتد العمى وطغت الحيرةُ والتِّيْـــهُ واستحكمت فيها هيمنةُ القوى المستكبرة بقوتها وجبروتها، تضلُّ وتظلمُ وتضاءلت في الأرض دائرةُ النور وأطبق عليها الظلامُ ظلامُ الجهل بالحق والحقيقة وظلامُ الخُرافة وظلامُ الباطل وظلامُ الفساد وامتلأت ظُلماً وجوراً وعُـدْوَاناً، وفقدت البشرية الوعيَ بهدف وجودها بهدفِ وجودها المقدَّس ومسؤوليتها في الحياة، وأصبح الإنْسَـان تائهاً لا يعي دورَه ولا يحمِلُ من اهتمام إلا أن يأكُلَ ليعيشَ وأن يعيشَ ليأكُلَ كالأنعام السائمة، وتمكّنَ المجرمون المستكبرون المتسلطون الجائرون أن يجعلوا من الخرافة عقيدةً، ومن الانحراف والفساد سلوكاً وعادةً، ومن الجهالات والأباطيل عاداتٍ وتقاليدَ، وحرّموا حلالَ الله وأحلّوا حرامَه، وأشركوا به وبلغوا بإضلالِهم لعبادِ الله وتوحُّشهم إلى تفريغِ الإنْسَـان من عاطفته الإنْسَـانية (وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ)، أوصلوهم إلى أن يباشِرَ الأبُ ذبحَ طفلِه وقتلَ مولودتِه، إماً خوفاً من الفقر أَوْ احتساباً لها منقصة، وتحوّلت كُلُّ تلك الخرافات والمفاسد والجهالات إلى معتقدات يقدّسونها ويدينون بها ويتشبثون بها أشدَّ تشبُّثٍ، وعادات يتعصّبون لها تطبّعت عليها أجيالٌ، يموت عليها جيلٌ ويحيا عليها جيلٌ آخر، وطغت على حياةِ الناس واستحكمت وتمكّنت حتى أصبحت مُسَلّماتٍ وثوابتَ مع كُلّ ما ترتب عليها ونشأ من خلالها من نتائجَ سيئةٍ في واقع الحياة من عناء وشقاء وقهر وظلم، وشتات وفرقة، وتناحُر ونزاع وبؤس وضعة، ومع حاجة المجتمع البشري إلى التغيير، إلا أنها مهمة لن تكون سهلةً تجاه واقع وصل إلى هذا الحد، وفيه قوى الطاغوت تحمي وترعى ذلك الانحراف، وتزيدُ منه، ومعالِم رسالة الله تعالى في الأنبياء والرسل السابقين انمحت معالِمُها في منتسبيها فأضاعت اليهودُ معالِمَ رسالة الله تعالى إلى موسى وأنبياء بني إسرائيل، وأضاعت النصارى ميراثَ عيسى من الهُدى والأخلاق، ولم يتبقَّ للجميع إلا طقوسٌ وشكلياتٌ مفرَّغة من كُلّ معنى، وفاقدةٌ لأي تأثير، وأصبحوا جزءاً من الواقع لا صالحين ولا مصلحين، بل منحرفون ومحرِّفون، ضالون ومضلون، فاسدون ومفسدون، وحوّلوا كُتُبَ الله إلى قراطيس يُبدونها ويخفون كثيراً منها، وحوّلوها إلى عبارات مكتوبة معطّلة عن التنفيذ، وموقفة عن الاهتداء بها والعمل بما فيها، وحرّفوها؛ سعياً منهم إلى تحويلها إلى وسائلَ للتضليل بها والافتراء على الله الكذبَ باسمها، فضلّوا وأضلوا كثيراً وضلوا عن سواء السبيل.
وفي ذروةِ استحكامِ قبضة الطاغوت وسيطرة المستكبرين تحَـرّك أصحابُ الفيل؛ بهدفِ القضاءِ على ما يعتبرونه تهديداً مستقبلياً، فالآثارُ والأخبار والمؤشرات قد عرفوا منها أن مبعَثَ النور والخلاص آتٍ بقدومِ خاتمِ الأنبياء من مكة البيت الحرام في ذلك العام، فتحَـرّكوا بجيشهم، يريدون السيطرةَ المباشرةَ ووأد المشروع الإلهي في مهده، والقضاء على الرسالة الإلهية، تَمَاماً كما فعل فرعونُ في سعيه للحيلولة دونَ المشيئة الإلهية في أمر موسى عليه السلام ففشل وخاب، ويسعون أَيْـضاً إلى هدم الكعبة بيت الله الحرام المقدّس ومَعْــلَــم الشعائر الدينية والرمز المتبقي في اجتماع كلمة العرب آنذاك على تقديسه، مع اختلافهم في كُلّ أمورهم الأخرى، وفي مقدمة جيشهم اصطحبوا فيلاً ليرعبوا به العربَ ويخيفوهم بهذا الكائن غير المألوف لديهم والحيوان الكبير، الذي رأى فيه الكثير أنه أمرٌ لا يقاوم.
ومع قداسة البيت الحرام لدى العرب التي توارثوها من عهدِ نبيّ الله إبراهيم الخليل وابنه نبي الله إسماعيل عليهما الصلاةُ والسلامُ، وارتباطهم بشعائر الحج، إلا أنهم نتيجةً للفُرقة والاختلاف والشتات الذي كانوا فيه والمفاهيم الظلامية التي سيطرت على تفكيرِهم ورُؤيتهم على الأمور والخَلَل الذي كانوا يعانون منه في كُلِّ واقعهم وفقدانهم الأملَ في الله تعالى، لم يتحَـرّكوا بجديةٍ في مواجَهةِ أصحابِ الفيل، وغلبت عليهم الهزيمةُ واليأسُ، وهربوا من المواجَهة وقالوا في الأخير: (للبيتِ رَبٌّ يحميه)، فحمى اللهُ بيتَه الحرامَ، وأنفذ مشيئتَه بقدومِ المولود المبارك مُحَمَّـد صَلَّى اللهُ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِـهِ وسلم، واللهُ غالبٌ على أمره، ولكن أكثرَ الناسِ لا يعلمون، أما أصحابُ الفيل فأهلكهم، وأما كيدُهم ومكرُهم فبَطُلَ وضَلَّ وانتهى ولم يتحقق لهم ما أرادوا، فمشيئةُ الله تعالى ورحمتُه بعباده أتت بالخَلاصِ وبالفَرَجِ بعد أن بلغ الضلالُ ذروتَه، واستحكمت سيطرةُ الطاغوتِ والاستكبارِ في كُلِّ أقطار الدنيا، وملأت بظلامها قلوبَ البشرية، فأعمت بصائرَهم، وبظلمها واقعهم، فأشقت حياتهم، فكان أن غيّرت الرسالة الإلهية في حركة النبي صَلَّى اللهُ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِـهِ وسلم بها بعد مبعثه الشريف هادياً ومعلماً ومربياً، مجاهداً وصابراً ومضحياً، غيّرت الواقعَ بكُلِّه، على الجزيرة العربية بكلها، لتمتدَّ آثارُ ذلك التغييرِ وبمستويات متفاوتة إلى أرجاءِ الدنيا بكلها، والأُمَّةُ التي كانت متفرقةً وجاهلةً وظلاميةً، وأخافها في يومٍ من الأيام فيلٌ واحدٌ في مقدمةِ جيش تغير واقعُها بعد إسْـلَامها بعد أن تنوَّرت بالنور، واستبصرت بالهدى، وزكت بالقُـرْآن وبتربية الرَّسُــوْلِ صَلَّى اللهُ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِـهِ وسلم، فواجهت جيوش الامبراطوريات والدول الكبرى المستكبرة، ولم ترهب جيوشها التي كانت تأتي بأعداد كثيرة من الفيلة، كانوا يتوقعون أن يخافَ المسلمون مجدداً إذا شاهدوا الفيلةَ كما خافوا قبلَ إسْـلَامهم من فيل واحد، فأتوا بالكثير من الفيلة فلم تَخَف، لم يَخَفِ المسلمون فيما بعدُ، وقَوِيَتْ عليها بقوة الحق، وانتصرت بنصرِ الله، حينما تحوّلت إلى أمة حملت أعظمَ مشروعٍ وأقدس قضية، وحينما تحوّلت إلى أملٍ لكل المستضعفين في الدنيا غير مؤطرة بعنوان جُغرافي ولا بلون ولا بعِرق ولا بقومية بل بخطاب القُـرْآن لكلِّ الناس الذي يقول فيه (يَا أَيُّهَا النَّاسُ) لقد استطاع الرَّسُــوْلُ صَلَّى اللهُ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِـهِ بحركةِ بالقُـرْآن وبما منحه اللهُ تعالى من مؤهلاتٍ عاليةٍ وكمالٍ عظيمٍ، وبتأييدِ اللهِ تعالى أن يصنعَ تغييراً مفصلياً في التأريخ، وأن يُؤسِّسَ لعهدٍ جديدٍ ختم به رسالات الله تعالى إلى الأنبياء، ومن معجزاتِ الرسالة الإلهية أن رافعتَها وحَمَلَتَها وأتباعَها وأنصارَها والمنتصرين بها هم المستضعَفون وليس المستكبرين، لم يكن انتصارُ الرسالة الإلهية مرهوناً بقوى الاستكبار، بل كانوا هم على الدوام أعداءَها والمختلفين معها؛ لأنها تُناقِضُ أطماعَهم وطغيانَهم واستعبادَهم للبشرية، بل كان المستضعفون هم الذين يؤمنون بها ويعتزون بها ويقوون بها ويتغيّر واقعُهم بها بعدَ أن يغيّروا ما بأنفسهم.
والرسالةُ الإلهيةُ هي المشروعُ الوحيدُ، ليس هناك أَيُّ مشروعٍ آخرَ، هي المشروعُ الوحيدُ القادرُ على إحداثِ التغييرِ الحقيقي للواقع البشري، لتقديمِ الحلول الواقعية للبشر؛ لأنها مشروعٌ شاملٌ يتجهُ للإنْسَـان نفسِه، فيغيّر ما بنفسه من ظُلمة ودنس، فإذا صَلُحَ الإنْسَـانُ صلحت الحياةُ بكلها وصَلُحَ واقعُه؛ لأنها مشروعٌ يصنعُ الوعيَ ويزكّي النفسَ ويأخُذُ بيدِ الإنْسَـان في الحَياة في الطريق السويّ ويهدي للتي هي أقوم، قال اللهُ تعالى (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَىٰ صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ)، وقال تعالى: (هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَىٰ عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ، وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ)؛ ولأنه مشروعُ الله لكل عباده ليس من قومٍ حسبوا حسابَ أنفسهم وحسابَ مصالحهم على حساب قوم آخرين ولا لعِرق على عِرق ولا للون على لون ولا لقومية على قومية، بل هو الكلمةُ السواءُ التي يمكنُ أن يلتقيَ عليها جميعُ البشر، وهو المشروعُ العالمي الحقيقي الصالحُ القائمُ على العدل، والعدلُ دعامةٌ أساسيةٌ في بنيانه، قال الله تعالى) :قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ)، وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ)، ثم هو حُجَّة الله تعالى على عباده؛ لأنه هو الذي خلقهم، هو رَبُّهم هو ملكهم وألهمهم الحق وإليه مصيرهم وحسابهم وجزاؤهم، وقد قدم نداءَه إليهم منذ بداية وجودهم على هذه الأرض، فقال تعالى مخبراً بندائه واحتجاجه (يا بني آدم) خطاب الله إلى البشر في كُلّ الأجيال التي قد خلت (يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي، فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ، وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ، هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)، ولذلك فلا خلاصَ اليوم للبشرية بأيِّ بديل عن رسالةِ الله تعالى ولا حَلَّ يُغيِّرُ الواقعَ بكله إلا الانفتاحُ على الرسالة الإلهية، على رسالةِ الله ونورِه، ولا صلاحَ لآخر الأُمَّـة إلا بما صَلُحَ به أَوَّلُها.
ثبت أن قوةَ الاستكبار اليومَ، وعلى رأسها أمريكا وإسرائيل، تُفَاقِــمُ مشاكلَ البشرية وتُفسِدُ في الأرض وتعتدي على الشعوب وتنهَبُ الخيرات وتصنعُ الحروبَ والأزمات ولا تقدّمُ للبشرية إلا المزيدَ من المآسي والنكبات، وزاد من سُوء الأمر في عالمنا الإسْـلَامي خُصُـوْصاً في المنطقة العربية التبعيةُ العمياءُ من بعض الدول التي تقدِّمُ نفسَها على أنها تمثِّلُ الإسْـلَامَ كما هو حالُ النظام السعودي المنافق، الذي جعل من نفسه أداةَ الشر لتنفيذِ مؤامرات الأعداء وهَدْمِ كيان الأُمَّـة من الداخل، وهو بلا شك امتدادٌ ظلاميٌّ ظالمٌ لقوى الاستكبار، ويمثِّلُ حالةَ الانحراف والتحريفِ داخل الأُمَّـة التي ائتلفت مع شبيهاتها من حالة الانحرافِ والتحريفِ في شريعة موسى وشريعة عيسى عليهما السلام.
إنَّ القُـرْآنَ الكريمَ يجعَــلُ من التبعيةِ لأعداءِ الأُمَّـةِ من المستكبرين خروجاً عن الحَقِّ وزيغاً عن الهُدُى وخيانةً للأمة وهو يقول: (وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ، إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)، وإن أكبرَ معاناة تعانيها الأُمَّـةُ اليومَ هي هذه التبعيةُ التي مثّلت حالةَ اختراق كبير ومُؤذٍ ومخرِّبٍ في داخل الأُمَّـة، ويجبُ أن تحذرَ منها الأُمَّـة، وأن تتحصَّنَ منها بالوعي، وأن تواجهَ مؤامراتِها ومكائدَها بكامل المسؤولية، ومآلُ أولئك الخونة المنحرفون، مآلُهم إلى الخُسرانِ مصداقاً للوعدِ الإلهي في سورة المائدة، والأُمَّةُ في مواجَهة التحدّيات الداخلية مع قوى النفاق، والخارجية من قوى الطاغوت والاستكبار معنيةٌ بالاعتصام بالله سَبْحَـانَـهُ وَتَعَالَـى، والارتباطِ الوثيقِ برسالته، فبها تتقوَّى وبتعاليمِها تُفْــلِحُ وبالتمسُّكِ بها تنتصر؛ لأنها رسالةٌ في مضمونها من التعاليم والتوجيهات والحكمة عناصر القوة، عناصر القوة ذاتية فيها، وبالتمسُّك بها تحظى الأُمَّـةُ بنصرِ الله وعَونِه قال الله تعالى: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُوله بِالْهُدَى وَدِين الْحَقّ لِيُظْهِرهُ عَلَى الدِّين كُلّه وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ).
وقد كان لشعبنا اليمني الشرَفُ الكبيرُ، بدءً بالأنصارِ، في إِيْـمَـانه وجهادِه وتفاعُلِه مع رسالةِ الله تعالى حتى نال وسامَ الشَّــرَف الكبير فيما روي عن رَسُــوْل الله صَلَّى اللهُ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِـهِ بشأنه: (الإِيْـمَـانُ يمان والحكمةُ يمانية)، وبهذا الإِيْـمَـان كان ثابتاً ومتماسكاً في مواجهة العُـدْوَان الأمريكي السعودي بالرغم من حجمِ المعاناة نتيجةَ القتل والحصار والتدمير، وبوعيه لم يتأثر بأبواق التضليلِ، وما عدا الخونة والمنافقين والمرتزقة فإن جماهيرَ شعبِنا بعظيم الصبر والصمود والعطاء قدّمت إلى العالم أجملَ صورةٍ عن عظمةِ قِيَمِ الإسْـلَام وأثر الإِيْـمَـان، فأُسَرُ الشهداء والجرحى وأبطالُ الميدان من الجيش واللجان الشعبية، وجماهيرُ الشعب من كُلّ أطيافه أثبتوا للجميعِ أن القوَّةَ هي قوّةُ المبادئ وقوة القيم والأخلاق وقوةُ الاعتماد على الله والتوكل عليه.
ولذلك فإن شعبَنا اليومَ، وبميثاقِ الإسْـلَام الذي قدَّمَه في صدر الإسْـلَام لرَسُــوْل الله مُحَمَّـد صَلَّى اللهُ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِـهِ؛ إِيْـمَـاناً ونُصرةً وإيثاراً، يؤكِّدُ اليومَ، بالقوةِ وبالفعلِ، الاستمرارَ على النهجِ والمواصَلة للسير في الطريقِ والسعي المستمر للاستبصار والارتقاء الإِيْـمَـاني إن شاء الله تعالى، ونؤكّدُ في هذه المناسبة على التالي:
أولاً: إنَّ خيارَ شعبنا المسلم العزيز في مواجَهة هذا العُـدْوَان الإجرامي الوحشي الذي يقتُلُ البشرَ ويحتلُّ الأرضَ وينتهكُ الحُرُماتِ وينشُرُ الفُرقة ويحاصر الشعبَ في قُوته ومعيشته ويستهدفه في مقدراته ومصالحه، هو الصمودُ والثباتُ والمواجهة، فلا وَهنَ ولا ذُلَّ ولا استسلامَ، يأبى اللهُ لنا ذلك ورَسُــوْلُه والمؤمنون، فنحن شعبٌ عزيزٌ بعزّةِ الإِيْـمَـان، ولله العِــزَّةُ ولرَسُــوْلِه وللمؤمنين، وطالما استمر هذا العُـدْوَانُ فلن نألوَ جُهداً في التصدّي له بكُلِّ عزمٍ وجِــدٍّ، وبالتوكُّل على الله تعالى وبثقتنا به وبوعده لنا بالنصر، ولذلك فالجميعُ في بلدنا معنيون بحُكم المسؤولية، بالحِفاظ على وَحدة الصَّــفِّ الداخلي وحَشْدِ كُلِّ الطاقات والإمكانات للتصدَّي لهذا العُـدْوَان، لا يخرُجُ عن هذه الأولويةِ ويتجاهَلُ هذا الجانبَ إلا مارقٌ، مُتَبَلِّــدُ الإحساس عديمُ الوعي، مُفَرَّغٌ ومفلسٌ من الشعور الإنْسَـاني.
ثانياً: إنَّ شعبَنا، من واقعِ انتمائه الإسْـلَامي وهُويته الإِيْـمَـانية وإنْسَـانيته، متمسكٌ بقضايا الأُمَّـة، لن يبعدَهُ عنها انشغالُه بمواجَهة العُـدْوَان، وبمشاكِلِهِ الكثيرةِ، وفي مقدَّمتها القضية المركزية المتمثلة بمظلوميةِ الشعب الفلسطيني واحتلال الأقصى والمقدّس
وأرض فلسطين، وما يمثّله العُدوُّ الإسرائيلي من خطر على الأُمَّـة بكلها، ولذلك فإننا نؤكِّدُ على الدوام وقوفَنا الصادقَ إلى جانب الشعب الفلسطيني ومقاومته وإلى جانبِ المقاوَمة اللبنانية.
ثالثاً: ندعو شعوبَ المنطقةِ بكلها إلى الحَذَرِ واليقظة وتحمُّل المسؤولية في مواجَهة الخطر التكفيري، الذي هو بلا شك صناعةٌ أمريكيةٌ إسرائيليةٌ يُوظِّفُ ويُستثمرُ لضربِ الأُمَّـة من الداخل وتفكيكِها وبعثرتها، وفي طليعتها الأنظمة التي ترعاه وتقدم له كُلَّ الدعم المادي والسياسي والإعلامي، كما نبارِكُ لأشقائنا في العراق وسوريا الانتصاراتِ الكبيرةَ في مواجَهة هذا الخطر، ونسألُ اللهَ النصرَ لشعبِنا اليمني أَيْـضاً الذي يواجِهُ قوى الشر مجتمعةً، الأنظمةَ الداعشية والمجاميعَ الداعشية بكُلِّها بشكلٍ مباشر.
رابعاً: ندعو كُلَّ الدول الحُرَّةِ إلى الوقفةِ الإنْسَـانيةِ إلى جانبِ شعبِنا في محنتِهِ ومظلوميتِه، وإلى التفاعُلِ المسؤولِ مع حُكُومتِه التي منحها مجلسُ نُوَّابه الثقةَ، وهي بحسبِ الأنظمةِ والدساتيرِ والقوانينِ الحكومةُ الشرعيةُ التي تُعبِّرُ عن الشعبِ وتمثِّلُه، وهي وليدةٌ لإرادة حُــرَّةٍ، لإرادة شعبية حُرَّةٍ، بدون أَيِّ تدخل خارجي.
وأدعو الحكومة إلى أن تبذُلَ كُلَّ جُهُودِها لخدمةِ شعبها، والعنايةِ باحتياجاتها بكُلِّ ما تستطيعُ، والعنايةِ بالجيش واللجان الشعبية، وبكُلِّ ما من شأنه تعزيز الصمود في مواجَهة العُـدْوَان.
وأدعو الشعبَ العزيزَ إلى الوقوفِ إلى جانبِ الحكومةِ والتعاونِ معَها، والتفهُّمِ لظروفِها التي تُعاني منها نتيجةً للحصار والعُـدْوَان.. وبالصبرِ والمثابَرَةِ والصدقِ والأمانة والتوكُّل على الله يمكنُنا أن نتغلَّبَ على التحدّيات.
ونؤكّدُ أَيْـضاً على أن تسعى الأجهزةُ الرقابيةُ لتفعيلِ دورِها للحَدِّ من أَي فساد، ونؤكد أننا لن نكونَ مظلةً حاميةً لأيِّ فاسد يخونُ أمانتَه، سيما والمعاناةُ كبيرةٌ، والمرحلة حسّاسة، ولن نكونَ مظلةً حاميةً لأي مجرم يرتكبُ أَيَّةَ جريمة بحق شعبه، سواء أكان منتسِباً للجان الشعبية أَوْ الأجهزة الأمنية، أَوْ منتمياً إلى أَي مكون، وعلى الجميعِ الالتزامُ بالصدْق والأمانة في تحمُّلِ المسؤولية.خامساً: نُنَبِّهُ إلى ضرورةِ الحَذَرِ من الشائعات المُغرضةِ والدعايات الكاذبة الهادفة إلى إلهاء الشعب عن مسؤوليته الأساسية في التصدّي للعُـدْوَان، وعلى الإعلاميين مسؤوليةٌ كبيرةٌ في أن يكونوا هُم بقَدْرِ المسؤولية وعياً وتعاطياً وممارسةً، وأن يجعلوا أولويتَهم المطلقةَ هي التصدّي للعُـدْوَان.
سادساً: نَحُثُّ الجميعَ، وفي مقدمتهم ميسوري الحال، على العناية بالفقراء والمعوزين والمحتاجين والاهتمام بالتكافُل الاجتماعي، وشعبُنا اليومَ مَعنيٌّ، وهو شعبٌ كريمٌ سخيٌّ معطاءٌ، بالتضامُنِ مع فقرائه وأيتامِه أكثرَ من أَي وقت مضى حتى يُفرِّجَ اللهُ بمشيئتِه وينصُرَ شعبَنا بنصره.
وفي الختام أوجّهُ نُصحي إلى السعودي جارِّ السوء: استمرارُك في العُـدْوَان لن يزيدَك إلا خُسراناً، وعبءُ ذلك كبيرٌ عليك في الدُّنيا والآخرة، من مصلحتِك ومصلحةِ المنطقة بكُلِّها أن توقفَ عُـدْوَانَك، هذا العُـدْوَان العبثي المستهتر، إن اللهَ لا يُحِبُّ المعتدين، وهو نصيرُ عبادِه المستضعفين.
أسألُ اللهَ تعالى أن يرحَــمَ شهداءَنا الأبرارَ، وأن يشفيَ جرحانا، ويُفَرِّجَ عن الأسرى، وأن ينصُــرَ شعبَنا المظلومَ.
السَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ تَعَالَى وَبَرَكَاتُه. /انتهى/