واجرت اسبوعية "بيت المقدس "حوارا مع الأسيرة الأردنية المحررة هبة اللبدي . فيما يلي نص الحوار:
السؤال الأول: عرفوا متابعينا عن حضرتكم ؟
أنا هبة اللبدي ، أردنية من أصول فلسطينية ، تخرجت بتخصص محاسبة من جامعة عمان الأهلية و التي تقع في مدينة جميلة جداً في الأردن أُحبها وهي مدينةالسلط و التي تشبه مدينة القدس في الكثير من تفاصيلها . أنا أحب الرياضة وأمارسها باستمرار وقد شاركت في العديد من الماراثونات في الأردن وركضت لمسافات ١٠كم و ٤٢كم وكذلك شاركت في ركوب الدراجات الهوائية ضمن فريق من البحر الميت إلى العقبة . أنا أحب التصوير وأتابع الأخبار باستمرار وأتفاعل مع قضايا الأمة العربية والإسلامية. أنا اليوم حرة بعد أن أمضيت 77يوماً في السجون الصهيونية. الحمد للله و كل الشكر لجلالة الملك عبد الله الثاني و للشعب الأردني العظيم و لكل من وقف معي من أحرار العالم و ساعدني لأحصل على حريتي.
السؤال الثاني: كيف تعرفتم على القضية الفلسطينية و كيف تعلقتم بها؟
هي ليست معرفة فقط ، هي تخلق فينا وثم في أهلنا ان يرووا لنا التاريخ إنه فلسطين أرضنا الا ان الصهاينة احتلوها وسرقوها وكبرنا وعشنا . هذا الإحتلال ، لن انسى كان عمري ١٣ سنة لما رأيت مشهدا كيف الصّهاينة بطخّوا الطفل محمّد الدُّرّة كيف أبوه كان يحضنه ، هذا المشهد انطبع بذاكرتي ولن يذهب وأنا أصلاً طبعي يكره الظّلم ، وانطلاقاً من كل هذا ، شيء طبيعي نتعلق بالقضيّة ونتوارث هذا التعلّق ونورّثه للأجيال القادمة .
السؤال الثالث: متى دخلت الى فلسطين لأول مرة.. ماذا شعرت وقتها؟
من لمّا كنت طفلة بِحُضن أمي لحد الآن تربيت بروح للأرض المحتلة بحُكم إنّي مواطنة فلسطينية وهذه أرضي ، كل سنة أزورها ، أشعر فيها إنّي موجودة بسجن كبير وداخله سجون ومعتقلات ، أشْعر بِغصّة وحزن وألم ينحفر بروحي من أجل أرضي المحتلة وشعبي المقهور .
السؤال الرابع: عندما تشرفت بزيارة المسجد الأقصى ماذا شعرت؟ صفي لنا تلك اللحظات ...
أوّل مرة زرت فيها المسجد الاقصى كانت السنة الماضية، بشهر رمضان ، زرتها أنا واختي ، لأن الإحتلال يسمح للبنات كل يوم جمعة من رمضان ان يزوروا الأقصى بالهوية ومن دون تصريح زيارة ، نزلت الساعة ٨ الصبح من الأردن والساعة العاشرة والنصف كنا بالمسجد الأقصى ، ولما وصلنا صرنا مثل الأطفال نصيح ونثب بسبب السّعادة والدّهشة وثم مشينا بباب العامود وبالحارات القديمة ، حسيت وقتها بروحي عصافير بضحك ، كان الشعور خرافي ، المشهد عظيم وآسر ، جَمال أخّاذ ، صلّيت الظهر وبقيت بالأقصى لصلاة العصر ، كنت صائمة وكان يجب علينا ان نخرج المساء لأن ممنوع نبقى لتاني يوم عشان الإحتلال بيسمح بالزيارة ليوم واحد ، ما كان بدي أترك القدس عشان كان في قوّة خفيّة بتحكيلي خلّيكي عشان كل الفنادق صهاينة وفشرو إني أنفعهم ، ذهبت ووجدت ديرا مسيحيا فلسطينيا ، استقبلوني ونمت فيه ، والفجر الصبح صليته بالأقصى ، وما من صباح أجمل من صباح القدس وتمشيت بشوارعها القديمة بوقت كانت فاضية ويخيم عليها الصّمت والهدوء من اجل أشبع من بيوتها وشوارعها ، وبعدها ركبت التاكسي الأصفر حتى يعيدني الى الأردن ، أوّل ما توجهنا نحو الشمال اتذكّرت آخر كم بيت من قصيدة من تميم البرغوثي في القدس ولما رايت كيف تغيرت ألوانها بالشمس تماما متل ما وصفها تميم اصبحت ان أبكي كثيرا ، طول الطريق أقول ومن في القدس إلّا أنت !
السؤال الخامس: ماذا كان سبب اعتقالك؟ كيف تعامل معك الصهاينة طيلة الأسر؟
وصلنا الحدود الأردنيّة الفلسطينيّة المحتلّة السّاعة التّاسعة صباحاً ، لم يفصح العدو عن سبب اعتقالي في البداية ، كنت أنا وأمّي وخالتي عند معبر الكرامة الحدودي كنّا ذاهبات إلى نابلس لحضور زفاف إبنة خالتي .عند التّدقيق في هويّتي الفلسطينيّة وعلى شاشة الكومبيوتر قال لي الصّهيوني : " أنتَ مُخَرّب ، أنت موقوف " !!! ؛ ثمّ جاء دور ضبّاط المخابرات وحقّقوا معي وكانت أسئلتهم كالتّالي : ( عرفينا عن حالك ، ما هي الأشياء التي أخفيتها علينا؟!! ) و كان ملفتاً للنّظر أنّهم يتقنون اللهجة الفلسطينية بلكنتها الفلّاحيّة ، وكانت أجوبتي أنّه لا شيء لدي أخبرهم به ، وقلت لهم : " إسألوا بجاوبكم لا أخبّىء شيء " .
وقال لي المحقّق جملة ستبقى في ذاكرتي لن أنساها أبداً : " نحن على عِلْمٍ مسبَق أنّك ستزورين فلسطين يوم ٢٠_٨ _٢٠١٩ !!! ، وننتظرك بفارغ الصّبر ، من الممكن أن يكون أو أن لا يكون عليك شيء ، فحاولي أن لا نطيل الإنتظار في معرفة كل تلك الأمور وإلّا ستتفاقم الأمور ولن يكون هذا الشّيء في مصلحتك ، وأصعب ما في هذه اللحظة أنّني كنت أشاهد والدتي وبدورها كانت تشاهدني أيضاً ولا نستطيع أن نتواصل ، ثم حاولت مجنّدة تفتيشي بطريقة عارية، طبعاً رفضت الأمر لكنّهم أجبروني تحت الضّغط على ذلك ، ثمّ أعادوني إلى غرفة التّحقيق وأعادوا تفتيشي أربعة مرّات بنفس الطّريقة ، هذا الشّيء جعلني أحلّل شخصيّتهم ، هم يعيشون حالة خوف لا تنتهي ، فالسّارق يعيش دوماً حالة رعب لما اقترفت يديه ، هم الّذين احتلّوا أرضنا وسرقوها واستوطنوها فأبسط الأمور أن يعيشوا تلك الحالات ؛ ثمّ أدخلوني غرفة أخرى وأقفلوا الباب بالمفتاح ، عندها شعرت أنّني موجودة بين عصابة ، فالمنطق يفرض أن تملك أيّة دولة جيشاً إلّا أنهم جيشاً يسرق، ويحتلّ، أرضاً ودولة ليست لهم ، وشعرت أنّني مخطوفة !! وبعد ذلك طلبوا من الجيش اعتقالي وأنا لا أعلم ما هي تهمتي !! كانت السّاعة ١٢ ظهراً عندما أجبروني على ركوب الجِيب العسكري فانكسرت (بكلة شعري) حديديّة من رأسي وكنت محاطة بثمانية جنود ، وعندما أردت أن أرمي البكله في سلّة مهملات هجموا نحوي لأخذها فوضعوها في كيس كي يتمّ فحصها !!!
وبعد أسبوعين أعادوها إليَّ في معتقل بيتا حتيكفا وهي في الكيس ، فانفجرت ضاحكة على هذا التّصرّف ؛ فوضعوا القيود على رِجلَيَّ وكانت ثقيلتان ومؤلمة كذلك وضعوا على يديّ وعصّبوا عيني فكان تصرّفهم هذا عدواني همجي ، ركبت الجيب أحاطتني داخله مجنّدتين وبعد مسافة ربع ساعة وصلنا إلى قاعدة عسكريّة أنزلوني فأجلسوني على كرسيٍّ خشبيّ تحت أشعّة الشّمس الحارقة مدّة ساعة مقيّدة ومعصّبة العينين ثمّ أدخلوني غرفة وجاءت مجنّدات فتّشنني أيضاً بنفس الطّريقة ، وكنت بحاجة للدّخول إلى المرحاض فدخلت معي مجنّدة بالرّغم أنّه ليس بوسعه استيعاب سوى شخص واحد وهذا انتهاك للخصوصيّة وكان رشّاش المجنّدة مصوّب باتّجاه رِجلَيَّ !! وأحسست لحظتها باحتلالهم الغاشم ، ثمّ ركبت جيب عسكري آخر باتّجاه معتقل المسكوبيّة ، وفكّوا عصبة العيون وطول الطّريق كنت أشاهد جمال أرضي وجبالها المتوّجة بالخَضار الفاقع ، مشاهد آسرة لأوّل مَرّة أشاهدها ، ثمّ لاحت من بعيد قبّة الصّخرة ، كانت لحظة فرح جنونيّة ، و وصلنا إلى المسكوبية فوضعوني فيه لمدّة ثلاثة ساعات وأعادوني إلى الجيب العسكري فأحضروا معي "أسيرة" فلسطينيّة لم أرتح لها وشعرت أنّها تدّعي كرهها للإحتلال لتخدعني ربّما وكأنّها عميلة أو ربّما مجنّدة تخدم في لواء المستعربين ! كانت تسألني لكنّني بقيت صامتة دون أن أجيب ، وهي استغربت هذا التّصرّف مِن قِبَلي وبقيت طول الطريق هكذا ، وصلنا السّاعة الثّامنة مساءً بتاح تيكفا ، وطول الطّريق لا ماء ولا طعام.
عندما وصلت إلى بتاح تيكفا مساءً في أوّل يوم لي كأسيرة شعرت روحي وقتها بظلمة الأسر و وَحشة الإنتظار والبُعْد عن أهلي وداري .
وأذكر أنّه عندما وصلنا بيتاحتيكفا مشينا في ممر طويل وحواجز حديديّة وادخلتني المجنّدة غرفة صغيرة وناولتني كنزة وبنطالاً ذو لون رمادي كي أرتديهما تفوح منهما رائحة بشِعة ، واخذت ملابسي الّتي كنت أرتديها وجميع أغراضي الّتي أتيت بها إلى فلسطين ، ثم عصّبوا عينيّ مرّة أخرى لكنّني استطعت من خلالها مشاهدة العديد من الغُرَف لونها أبيض حيث كنّا نمشي في ممرٍّ في وسطها ، فأدخلوني في غرفة وأجلسوني على كرسيٍّ محفورٍ بالأرض يسمّى بالشّبح وأداروا المكيّف بدرجة حرارة منخفضة أشعرتني ببرودة ثمّ جاء نفس المحقّق وقال لي أنّه مسؤول عن ملفي ، إسمه "إدري" طبعاً هو إسم وهمي ، كان ضخم الجثّة مفتول العضلات ذو لحية وطويل القامة أصلع الرّأس.
وأردف قائلاً : " نحن مش جايبينك عشان تكتبي عالفيسبوك وما بهمنا شو بتكتبي " ؛ ومن خلال مجريات التّحقيق تبيّن لي أنّ تقريراً كاملاً كان قد فُبرِك لي أو كما يسمّونه ملفّاً سِرِّيّاً يتمحور حول شبهاتٍ بالتّعامل مع أحزاب وطبعاً نفيت ذلك في التّحقيق وقد تبيّن عدم صحّة هذا الأمر حيث لم يستطيعوا تقديم لائحة اتّهام واحدة ، هم تعوّدوا أن يعتقلوا أسرى فلسطينيين ينتسبون لأحزاب وعلى أساس حزبهم يتعاملون معه لكن كنت أنا حالة جديدة بالنّسبة لهم ، فأنا لم أنتسب ولست تابعة لأي حزب وهذا ما جعلهم تائهين في التّعامل مع حالتي كأسيرة ، لم يستطيعوا استيعاب حالة جديدة ، روح وطنيّة غير متحزّبة سوى لقناعاتها الشّخصيّة كما وحاولوا اتّهامي بأنّني أنتسب لحزب الله اللبناني ، ليلتان مضت لم أنم فيهما سوى ثلاثة ساعات ، قاموا بإحضار ٢٤ صورة لقادة من حزب الله وطلبوا منّي أن أتعرّف عليهم ، يصرخون بوجهي ويسألون من التقيتي منهم؟ وكانت إجابتي طبعاً لا أعرف أحداً منهم وقمت بنفي جميع الإتّهامات ، كنت أشعر بالتّعب ، تبادل المحقّقون الأدوار ، فالتّحقيق عبارة عن مسرحيّة ، تارّة يأتي محقّق سيّء وشتّام وتارّة أخرى يأتي محقّق يدّعي المرونة ، طبعاً كان قد وُضِعَ لي فخّاً ، حاولوا إقناعي بالإعتراف "بجُرمٍ" لم أرتكبه وقالوا أنّ القاضي العسكري لا يأمر بسجن مواطنة أردنيّة فترة طويلة ، لكن إن استمرّيتي بعنادك هذا ستطول فترة اعتقالك في الأسر ، طبعا هي حالتي كحالة الفراشة تشاهد النّار فتعتقد أنّها ضوء ثمّ تدخل فتحترق ، أساليب ضغط متعدّدة مارسوها بحقّي ، ادّعوا أنّهم اعتقلوا والدتي ، قلت لهم هذا الشّيء ليس مستغرباً فَكَم من أمٍّ فلسطينية داخل معتقلاتكم ؟ أنتم قوّة احتلال لا أستغرب ما تحاولون فعله ، وبالرّغم من جميع محاولاتهم وبمختلف أساليب الضغط لم ينجحوا ولو بمحاولة واحدة كي أعترف بتهمة واحدة تحت التّهديد والوعيد ، كانت أعمار المحقّقين تتراوح ما بين ال ٣٥ و ال ٤٥ سنة ، كلامهم كان خادشاً للحياء وكانت ردّة فعلي هي أنّني لن أصل إلى مستواكم هذا .
كان تحقيقا مرهِقاً ومتواصلاً حتّى ساعات الفجر ، كنت إذا شعرت بالنّعاس منعوني من إغماض عينيّ ، وقتها قمت بخديعة كي أرتاح من إرهاق تحقيقهم وكي أنام ولو كان ذلك في زنزانة تملأها صراصير وحشرات .
وبعد مرور وقت لا يقلّ عن ٣ ساعات تخلّله رمي التّهَم وَ كَيْل الشّتائم والتّهديد والوعيد قلت للمحقّق هذا كل ما لدي ، ثمّ قال من الأفضل أن تعترفي دون أن نُحضِر الدّليل !!
كان التّحقيق يزداد قساوة في آخر أسبوع لهم معي ، فكانوا يلهثون وراء معلومة واحدة قد تخرج من فمي ، حتّى أنّهم لم يستوعبوا فشلهم هذا أمامي ، فجاء دور الكولونيل وهو مدير التّحقيق شخصيّاً ، كان إلى جانبه شخصين لا حياة في وجوههم دورهم كان فقط دراسة أجوبتي ومقارنة صراحتي و"كذبي" عليهم طبعاً ، يعيدون طرح الأسئلة نفسها لكن بطريقة أخرى كحيلة اعتقدوا أنّني قد لا أعرفها ، ثم سألني الكولونيل عن طريقة تعامل محقّقينه معي ، فجاوبته عن كل واحد منهم ، فحم البذيء ، وبيسون المنطقي الّذي لا يمارس صراخه للوصول إلى نتيجة ، طبعا ليس حبّاً به إنّما لأنّني أحتاج إلى فاصل راحة ، عندها بقي بيسون يحقق معي مدة ثلاثة أيام وهكذا أنا كنت مديرة الإيقاع بالرّغم من القيود ، موقف آخر أيضاً أفقدهم أعصابهم فكنت أنا بطلة المشهد فيه ، قلت لهم أريد أن تُحضِروا لي حقيبتي السفر وبعد ثلاثة أيام دون طعام عندها أحضروها فأخذت منها العطر واستخدمته ، ثمّ أرجعته إلى المحفظة ، وهكذا فرضت إيقاعي مَرّة أخرى ، هو بالفعل عدوّ ضعيف ، بعد ذلك أرسلوني إلى سجن مجدو ثم سجن الجلمة ، حيث جواسيس العدو يلعبون دور الأسير ، وأنا طبعاً لم أثق بأحد منهم فكنت صامتة طيلة الوقت وأخيرا أرسلوني إلى سجن الدامون ، حيث الأسيرات المدانات بتهمٍ أمنيّة ، ولدى وصولي أفجعتني صورة إسراء جعابيص ، بقيت يومين دون أكل ، فتيات صغيرات ومحكومات لفترات طويلة ، أجسادهنّ كلّها شظايا ، طعامهم يشبه أيّ شيء سوى الأكل ، باختصار ثمانية أيام في السّجن كانت أصعب من التّحقيق والإضراب عن الطّعام نفسه .
خلال وجودي في معتقل الدّانون كان مسموحاً لنا الخروج في أوقات محدّدة إلى ساحة السّجن الصّغيرة المغطّاة بشباك حديدي نشاهد من خلاله السّماء ، كانت مملوءة بالكاميرات ما أثار حفيظتي ، فتوجهت للأسيرات كي ننفذ اعتصاما اعتراضا على وجود الكاميرات دون ان ألقى نتيجة . ما خفّف عني قليلا وجود مكتبة في السّجن فقرأت فيها الكثير من الرّوايات والكتب والأبحاث ، الأسيرات الفلسطينيات في السجون الصهيونية يعانين ، جروح ، شظايا ، تشويه الوجوه ، ومثال على ذلك جعلبيص وطقاطقة التي تعاني من شظايا في مختلف انحاء جسدها وتعاني من حقد وكذب السّجّان . كانت فترة وجودي في السجن تتخلّلها زيارات للمحاكم فكانت وسيلة النقل عبرها هي البوسطة التي تتجسد فيها حقد العدو ، داخلها قفص ومكيّف ساخن وفترة الإنتقال فيها تتراوح ساعات فقط تعذيبا للسجين ؛ وعندما استلمت القرار بالحكم الإداري قرّرت وقتها ان أضرب عن الطعام وأبلغت السجينات بقراري هذا ، ففي لحمي الحي وحده أستطيع مواجهة العدو ، حاولوا تخويفي ففشلوا ، فقلت لهم إعزلوني ، كانت ظروف الزنازين تفتقد للحد الأدنى من الإنسانية ، كل زاوية مكشوفة للكاميرات وهذا انتهاك لخصوصيتي كأنثى ، طبعا ذلك كان عقابا على قراري ، مرحاض السّجن كان مكشوف للكاميرات فلم استطع الإستحمام فترة طويلة ، كانت الصراصير تملأ المكان ، بدأت صحتي بالتّراجع وشعرت بوخزات في قلبي بسبب نقص نسبة البوتاسيوم في جسمي ، وضعفت عضلة البلع في حنجرتي، لكن بالرغم من كل ذلك استطعت أن أبقى قوية وبقيت مدة ٤٣ يوما مضربة عن الطعام وخلال هذا كلّه وصلت قضيتي للإعلام الدّولي حتّى ، حاولوا في الفترة الأخيرة عقد صفقة ، قالوا لي ما هو الشيء الذي تطابيه مقابل ان تفكي إضرابك فقلت لهم إعادة هوية أبوي وان يسمح له زيارة أرضه مرة أخرى ، وافقوا لكنني انا أصرّيت على إضرابي بالرغم من موافقتهم وقلت للضابط شوف قديش نفسي أبوي يدخل فلسطين بس حتى هاد ما راح يخليني أفك اضرابي وصرخ بوجهي عنيده عنيده
أثمر صمودي على إجبار العدو أن يخرجني من سجنه .
أصعب شيء واجهته خلال هذه التجربة أنني تواجدت إلى جانب عدوي في نفس المكان ، إنه احتلال من نوع آخر .
عند اعتقالي في البداية لم يتم الافصاح عن اي سبب و لكن من مجريات التحقيق تبين لي أن هناك تقريراً او كما يسمونه ملف سري حول شبهات معينة عن التعامل مع احزاب و هو ما نفيته وتبين عدم صحته (لم يتم تقديم لائحة اتهام) و قد كان تعامل الاحتلال قبيحاً كجوهر الاحتلال فقد حرمت من حريتي و منعت من حضور حفل زفاف ابنة خالتي و مررت و أهلي بظروف صعبة جداً و كانت تجربة قاسية على الصعيد النفسي و الجسدي و خصوصاً مع الشبح على الكرسي و التحقيق القاسي لساعات طويلة و الاضراب عن الطعام و العزل الانفرادي و ظروف الزنزانة السيئة و الغير آدمية و حرماني من النوم و الاستحمام و انتهاك خصوصيتي كأنثى و غيرها من الممارسات البغيضة كهذا الإحتلال الهمجي
السؤال السادس:انت تحدثت في السابق عن حبك للسماحة السيد حسن نصرالله.. لماذا تحبين سيد المقاومة؟ و كيف حصلت هذه المحبة؟
لان المقاومه في لبنان حررت القسم الاكبر من ارضها وخلقت توازن رعب و ردع مع هذا العدو المتغطرس.
أحب السيد حسن نصر الله لأنه صادق و قائد عظيم عنده ملكة الخطابة وقد قدم ابنه شهيداً دفاعاً عن وطنه و شخصيته قريبة من القلب و هذا يظهر لي من خلال متابعتي لخطاباته السياسية
السؤال السابع:لماذا لجأت الى الاضراب عن الطعام؟ بماذا كنت تفكرين طيلة الإضراب عن الطعام؟
هي الوسيلة الوحيدة التي يلجأ إليها الأسير بعد أن يكون قد استنفذ جميع الوسائل في الدّفاع عن نفسه وفي التّعبير عن حقوقه، فأنا بطبيعتي متمرّدة و روحي ترفض القيود وأعشق الحرّيّة ، وانطلاقا من ذلك كنت أمام خيارين لا ثالث لهما إمّا الشّهادة وإمّا التّحرّر ، خالفت جميع أوامر السّجّان فهو عدوّ لا يفهم سوى لغة القوّة ، واجهته باللحم الحي لكسرِ غطرسته وظلمه لي ، وفضّلت الإستشهاد مضربةً عن الطّعام على أن أموت بقهره لي فوجودي في المعتقل ظلما كان سيقتلني قهراً .
لم أكن أفكّر بشيء يكسر إرادتي في الصّمود ، أو أي شيء آخر أتزحزح بسببه عن قراري في الإضراب عن الطّعام ، حتّى التّفكير بعائلتي لم يكن وارداً في قاموس المواجهة ، و كنت كل يوم أرسم خطّة للهروب من الأسر .
السؤال الثامن: كيف اثر الأسر على عقيدتك؟
لم يزدني الأسر إلّا إصراراً على التّحدّي والصّمود كما وزادني تمسّكاً بقناعاتي وعقيدتي ، وأذكر أنّه عندما كنت في معتقل بيتا حتيكفا وخلال ٣٥ يوماً من التحقيق تحت الأرض في دهاليز الزنازين ، وكلّما كانوا يحضرون لي الأكل كنت أفتُّ الخبز وبها أكتب على حائط الزنزانة الإسمنتي الخشن ، ليس معك إلّا الله فَكُن مع الله ولا تبالي :)
السؤال التاسع: برايك هل الشباب مثلك سيشهدون تحرير فلسطين؟
سأقتبس جمله من السيد حسن نصر الله : "بحسب المنطق والزمن وليس بعلم الغيب لدينا فرصة كي نصلي في القدس" وأنا أُضيف انشاءالله قريباً.
السؤال العاشر: ما رايك بالجمهورية الإسلامية الإيرانية و الشعب الإيراني؟ ماذا تريدين ان تقولي للشعب الإيراني؟
أنا لم أزر ايران حتى الآن و بالتأكيد أتمنى ذلك في المستقبل، فمن الصور التي أراها ايران بلد جميل وفيه صناعات جميلة جداً معروفة لدينا في الأردن كالسجاد الإيراني المعروف بجودته و ألوانه الزاهية .
الجمهورية الإسلامية الإيرانية تتبنى موقفاً واضحاً و ممتازاً من القضية الفلسطينية و تدعم حركات المقاومة وتولي قضية القدس مكانة خاصة جداً (يوم القدس العالمي) لذلك أنا أشكر من قلبي الجمهورية الاسلامية الايرانية وكذلك الشعب الإيراني على هذه المواقف والأفعال وأتمنى أن تتخطى الجمهورية الاسلامية الايرانية و الشعب الايراني كل العقوبات الاقتصادية ويتمتعوا بالأمن والازدهار الاقتصادي.
السؤال الحادي عشر: والكلمة الأخيرة؟
بالاراده القويه يتحقق النصر ✌️
كُلفة المقاومة أقل بكثير من كُلفة الإستسلام ./انتهى/