أشار الباحث والخبير في الشؤون السياسية الأستاذ "جهاد مغربي" إلى أن الحصار الاقتصادي وسيلة ضغط تدفع ظاهرياً للاحتجاج وباطنياً هي سيف مسلّط للابتزاز السياسي تمهيداً لإعادة توزيع جديد للخارطة السياسية في لبنان.

وكالة مهر للأنباء،عبادة عزت أمين: بدأت في تاريخ 17/أكتوبر/2019 الأزمة اللبنانية، ونزل الناس في لبنان إلى الشوارع مطالبين بمطالب عديدة منها، إصلاح الوضع الإقتصادي والسياس وغيرها، حيث وصلت في نهاية المطاف إلى إسقاط الحكومة. كثرت النظريات والتخمينات حول العوامل التي دفعت الناس للنزول إلى الشوارع، فمنهم من قال إن حاجة الناس واستيائهم هو من أنزلهم، ومنهم من قال ان أياد خارجية كان لها الدور الأكبر في إنزال الناس إلى الشوارع وخاصة بسبب تزامن الازمة في لبنان مع أزمات دول أخرى في الإقليم، ومنهم من قال ان ما أنزل الناس هي الحاجة وان الأيادي السوداء الخارجية والداخلية ركبت تلك الموجة لتحرف الناس عن وجهتهم وتشيطن مطالب الجماهير. 

يقول المثل العربي "أهل مكة أدرى بشعابها" وعليه اجرت وكالة مهر للأنباء حوارا مع الباحث والخبير في الشؤون السياسية الأستاذ "جهاد المغربي" ليطلعنا بدوره على ما حصل ويحصل في لبنان، 

وإليكم نص المقابلة:

س:يتحدث الكثير عن ضلوع الكيان الغاصب وقوى الإستكبار العالمي في تأجيج الأزمات الأخيرة في لبنان والعراق على غرار سابقاتها كسوريا وليبيا مثلاً، ما سمي "بالربيع العربي" وذلك لإضعاف محور المقاومة من الداخل، كيف ترون هذه النظرية في ظل وجود وثائق تثبت ضلوع أيادي في إشعال الثورة الفرنسية الكبرى "أم الثورات"؟، كيف تترجمون الواقع اللبناني وهل حقاً هناك من استغل حاجة الشعب اللبناني لخلط الاوراق؟
ج: يمكننا إعتبار الاحتجاجات التي حصلت مؤخراً أنّها بدأت لأسباب وظروف اجتماعية واقتصادية متراكمة ومزمنة ثمّ تدرحرجت لتنحو رويداً رويداً وتأخذ الطابع السياسي أكثر،فلبنان بطبيعته عرضة للتدخلات الخارجيّة، وبالتالي كلّ الاطراف داخلة في الصراع دون استثناء ، ومن الطبيعي أن يكون هناك من يريد استثمارها لصالحه سواء كانت جهات داخلية من أحزاب سياسية وأجهزة أمنية أو من جهات خارجيّة عربية أو دولية وخصوصاً مع وجود ملفات لبنانيّة مرتبطاً أصلا بالصراع في المنطقة أبرزها صفقة القرن ومندرجاتها، وهذا ما أدّى إلى إنحراف الاحتجاجات من الجانب المطلبي واستغلالها في الصراع السياسي في الداخل وعلى صعيد المنطقة حيث يتمّ استعمال الحصار الاقتصادي كوسيلة ضغط تدفع ظاهرياً للاحتجاج وباطنياً هي سيف مسلّط للابتزاز السياسي تمهيداً لإعادة توزيع جديد للخارطة السياسية في لبنان.

س: راح البعض إلى ان المستهدف الاول مما حصل في لبنان هو حزب الله والمقاومة بشكل عام ما نسبة صحة هذا الأمر  برأيكم؟
ج:
يعتبر البعض أنّه بعد الانسحاب السوري من لبنان تحوّل مفتاح القرار السياسي الرئيسي بلبنان إلى حزب الله وبالتالي يعتبر البعض أنّ هذا الأمر دفع الى عدم وجود توازن حقيقي في رسم السياسة اللبنانيّة ويحاولون بالتالي العمل على إضعاف هذا المسار للوصول الى نوع من شراكة أكبر في صناعة السياسة في لبنان

وقد أتت هذه الاحتجاجات اليوم متزامنة مع سلسلة العقوبات الأمريكيّة على حزب الله والتي تأثّر بها المجتمع اللبناني ككل لتساهم في عمليّة الضغط السياسي لتحقيق ما ذكرنا وعليه نجد اليوم المطالبة بحكومة تكنوقراط من شخصيّات مستقلّة كمؤشّر لمحاولة إضعاف تأثير حزب الله في مركز القرار التنفيذي.

س: لفت انتباهنا جملة في أحد  التقارير لكاتب لبناني قال فيها أن المصارف في لبنان تمثل دولة ضمن دولة وان لبنان يحتل المرتبة الآولى من حيث تعداد المصارف حيث تملك 62 مصرفاً داخل لبنان كما جاء في التقرير. ما هو دور المصارف في الازمة اللبنانية وخاصة بعد الإزدحام عليها من قبل الاهالي، وهل من الممكن أن تتفاقم الأزمة للتحول إلى مواجهات بين الناس والمصارف تؤدي في النهاية إلى إغلاق بعضها كما يخمن البعض؟
ج: لقد تبيّن من خلال مسار الأمور حالياً إلى هشاشة البنية الاقتصاديّة في لبنان والقائمة على الاعتماد على المصارف والخدمات والضعف في ميدان التنوّع الاقتصادي القائم على الانتاج وليس الاستهلاك، هذه الهشاشة التي ترافقت مع الاجراءات الصارمة التي تقوم بها المصارف أضعفت الثقة بينها وبين المودعين ممّا شهدنا عدّة إشكالات مع الموظفين أدّت إلى الطلب من القوى الأمنية حماية المصارف، يضاف إلى ذلك شعور حزب الله وحتى قبل الاحتجاجات أنّ حاكم المصرف يتعامل مع الحزب بالضغط عليه ويقوم بإجراءات أكثر مما تطلبه الإدارة أمريكية كلّ هذه الامور تدفع إلى فقدان الثقة اليوم بالمصارف دفعت بالكثيرين إلى سحب أموالهم منها وإبقائها في المنازل، إلاّ أنّ هذا لا يعني إغلاقها نهائيّاً لأنّ التعاملات المالية من معاشات وتداول ما زالت مرتبطة حتى الان بالمصارف

س: كيف تقدرون اختيار حسان دياب لتشكيل حكومة جديدة في لبنان؟ هل هو اختيار موفق وسيتسنى له الخروج من الازمة؟ هل تم اختيار الشخص المناسب للمكان المناسب ام لا ؟

ج: ما زال حتى الآن مسار الوضع الحكومي في مرحلة الضبابيّة وقد أتى التكليف عنواناً لمرحلة تفاوض جديدة ولا نستطيع الحكم عليه سلباً أم إيجاباً قبل ظهور تشكيلته الحكومية ليبنى على الشيء مقتضاه

فالتكليف لا يعني شيئاً ما لم تنل تتألّف الحكومة وتنال ثقة المجلس النيابي، ولكن يمكن القول إذا كان تكليف دياب أتى ضمن تفاهمات محلّية، إقليميّة ودوليّة فإنّ مسار التأليف سينجز وفق هذا التفاهم أمّا إذا لم يكن موجوداً فإنّ تحوّل حكومة دياب عندها إلى حكومة مواجهة ستدخل البلاد في مرحلة تأزيم جديدة. 

س: كيف هي معنويات الشعب اللبناني ونظرته للقادم؟

ج: الشعب اللبناني اليوم يعيش حالة اللااستقرار ، لقد مرّ على اللبنانيين حروب وفراغ بالسلطة السياسيّة طويل لكن لم تكن هناك من ضائقة إقتصاديّة ترافق هذه الاحداث أمّا اليوم فإنّ الضغط الاقتصادي والخوف من استمرار الأزمة وحصول نقص في السيولة أكثر ونقص في المواد الغذائيّة إضافة الى الأدوية وارتفاع نسبة البطالة في الأشهر القادمة عوامل ضاغطة على الشعب اللبناني إن لم تتشكل الحكومة بأسرع وقت وتأخذ الثقة الداخلية والخارجية التي تساهم في إدخال الاموال والهبات فإنّ انفجاراً إجتماعياً ربّما سيظهر من جديد لكن هذه المرّة سيكون أشدّ وأعنف، نسأل الله أن يجنّب لبنان هذا المشهد وأن يلهم قواه السياسيّة التفكير الرشيد لحمايته والحفاظ عليه. "آمين يا رب العالمين". /انتهى/