صرح الخبير في شؤون التركية الدكتور " محمد نور الدين" ان تركيا تتابع بحذر ماجرى من عملية  استهداف "قاسم سليماني"...وتسعى لاحياء الهيمنة العثمانية من خلال تدخلها العسكري في منطقة شمال افريقيا وخاصة ليبيا .

مكالة مهر للأنباء، خولة الجابري : اثر احتدام الصراعات في المنطقة وخاصة في ليبيا وتدخلات العسكرية تركية في البلدان العربية ومنها ليبيا ومصر ، وبعد لقاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بنظيره الجزائري عبد المجيد تبون وتضارب المصالح في شمال إفريقيا ،  أجرت وكالة مهر للأنباء حوارا مع الخبير في الشؤون التركية الدكتور " محمد نور الدين".

إليكم نص المقابلة:

1 - إلى ماذا تصبو تركيا بتدخلها  المتواصل في صراعات خارج أرضها ؟ ربما نجد لها مبررا في تدخلها في الشؤون السورية بإعتبار يوجد حدود مشتركة بينها وبين سوريا ، لما تدخلها في ليبيا وبماذا تفسرونه ؟

 بإستثناء التدخل التركي في قبرص في العام 1974 ، والتي تعتبرها تركيا كما لو انها طفلها الصغير ،وبالتالي هي جزء من الوطن الكبير ، بإستثناء هذا التدخل العسكري فإن كل سياسية تركيا بعد الحرب العالمية الثانية ، كانت تنطلق من منطلق حماية الأمن القومي التركي ضمن الحدود التي رسمتها معاهدة الاوزان واكتملت عشية الحرب العالمية الثانية ،اي حدود الجمهورية التركية الحالية ويمكن القول إن منطلقات هذه الإستراتيجية كانت قومية،تركية ، على علمانية،  نظرا لأن كل الانظمة او السلطات التي تعاقدت  في تلك العقود بعد الحرب العالمية الثانية كانت حكومات أحزاب علمانية بصورة شبه كاملة .

لكن مع وصول حزب العدالة والتنمية الي السلطة عام 2002، تغيرت منطلقات السياسة الخارجية التركية، واذ حافظت على منطلقيها القومي التركي الذي يجمع كل القوى السياسية في تركيا قوميين او اسلاميين او علمانيين او يساريين او يمانيين لكن مع حزب العدالة والتنمية اضيف بعد جديد لم يكن سابق إلا بالنظر القليل  خصوصا في عهد " تورغوت اوزال " وهو البعد الايديولوجي المرتكز على احياء الهيمنة العثمانية على المناطق التى كانت  تابعة سابقا  للدولة العثمانية ، وتحررت واستقلت عن الدولة العثمانية بعد انهيار هذه الدولة ،وبالتالي كان احد اهم منطلقات التدخلات العسكرية والسياسية التركية بعد ما بدأ ما يسمى بالربيع العربي ، هو اعادة الهيمنة العثمانية بطريقة أو بأخرى لذلك هم دعموا وصول الإخوان المسلمين في مصر للوصول إلى السلطة ، وايضا دعموا حركة النهضة في تونس ، وحزب العدالة والتنمية في المغرب ، ودعموا جبهة الإصلاح او حركة الإصلاح في اليمن ، وحاولوا الإطاحة بالنظام في السوري واستبداله بـ نظام إخواني أو نظام تهيمن عليه تركيا وهكذا...

إذا احياء النزعة العثمانية كانت في صلب السياسات الخارجية التركية الجديدة في عهد حزب العدالة والتنمية  وهذه السياسات لاتزال تطبع بطابعها معظم التدخلات التركية خارج الحدود التركية  سواء في سوريا و لاسيما  في شمالها والآن في ليبيا التي قال عنها رجب طيب اردوغان أنها آمانة عثمانية او من خلال الصراعات مع القوى الأخرى ، المعارضة لهذه السياسات لتركية كما هو الامر في السعودية والامارات بمواجهة قطر ومعها تركيا.

 2-  تركيا متهمة اليوم من جانب شعوب شمال افريقيا بنقل الارهابيين  ليقاتلوا في ليبيا لتتخلص من تواجدهم داخل تركيا وأيضا على حدودها ، وهل هذا صحيح أم لاء وماغاية تركيا من ذلك ؟

التدخل العسكري التركي في ليبيا هو يهدف إلى اكثر من غاية :

    أولا، يتصل بمسألة الصراع في شرق المتوسط بين تركيا و قبرص التركية من جهة ، وباقي القوى التي أسست مايسمى بـ " منتدى غاز الشرق المتوسط " و الذي يضم ( مصر وإسرائيل و قبرص اليونانية و اليونان وإيطاليا ) ويهدف إلى تكتيل هذه القوى والاستفادة من النفط والغاز المستخرج وتصديره إلى أوروبا عبر خط أنبوب من مناطق ونفط وغاز هذا المنتدى وصولا إلى ايطاليا ومنه الى اوروبا مع تجاهل تام لموقع تركيا في شرق المتوسط وايضا ممررا و  موزع للغاز القادم من قوقاز ، من قزوين ، من روسيا ، من ايران ، من العراق ، ومن مناطق اخرى في الشرق الاوسط وبالتالي هذا الخط تراه تركيا تهديدا لأمنها الطاقوي و لدورها ولوظيفتها ويضعفها بشكل أو بـ آخر.

في إيطار هذا الصراع  دفعت تركيا ونجحت في توقيع إتفاقية ترسيم الحدود المنطقة الإقتصادية الخالصة البحرية بينها وبين ليبيا بـ  إتفاق مع حكومة " فايز السراج" المعترف بها دوليا ولكنها لاتسيطر سوى على طرابلس وبعض مناطق الشمال الساحل الليبي مثل مصراته و الزاوية وهذ الإتفاق يعتبر ضربة موجعة لخطط منتدى غاز الشرق المتوسط لتجاهل تركيا وتصدير نفطها إلى اوروبا لأن المنطقة الاقتصادية التركية الخالصة البحرية تتصل بالمنطقة نفسها المقابلة التابعة لـ ليبا وبالتالي هي تقطع هذه المنطقة البحرية المشتركة بين تركيا وليبيا البحر المتوسط من الشمال إلى الجنوب .

     ثانيا ، تركيا ترسل مقاتلين إلى ليبيا منذ وقت طويل وليس منذ أسابيع ، ومعضمهم هم في حلب وترسلهم تركيا إلى ليبيا بـ مئات و آلاف والآن بعد توقيع إتفاقية أمنية بين أنقرة ،طرابلس الغرب أي حكومة "فايز السراج" وموافقة البرلمان التركي أعلن الرئيس التركي "أردوغان"  رسميا أنه بدأ بإرسال قوات إلى ليبيا .

 الهدف الأول من هذه عملية التدخل هو حماية و إبقاء حكومة " فايز السراج" على قدميها لأن الحكومة التي وقعت مع تركيا إتفاق ترسيم الحدود البحرية وهذا الإتفاق مهم جدا لتركيا في حصولها على النفوذ والنفط في شرق المتوسط .

وثانيا ، إرسال مثل هذه القوات لتقوية حكومة " فايز السراج" المدعومة من الإخوان المسلمين ،هو يشكل مركز إنطلاق لنفوذ التركي الميداني في تركيا في مواجهة قوات اللواء  "خليفة حفتر " المدعوم من السعودية ومن الإمارات ومن مصر وبالتالي إرسال هذه القوات إلى ليبيا هو تحويل ليبيا إلى منطقة صدام وصراع نفوذ بين تركيا من جهة وقوى الدول العربية المعارضة لسياسة تركيا الإخوانية في مقدمهم مصر والسعودية والامارات ، وبالتالي تركيا نجحت بهذه الخطوة إلى نقل المعركة اذا جاز التعبير إلى البيت العربي وإلى ليبيا تحديدا ، مع إن هذه  الخطوة لا تزال في بدايتها ومن غير المعروف كيف يمكن أن تتطور الأمور هناك.

لكن هذه الخطوة مهمة جدا وخطيرة جدا في الوقت نفسه ، وهي مؤشر على أن ليبيا إن لم تنجح الجهود السياسية بـ إيجاد حل سياسي وسلمي هناك بين الأطراف المتصارعة ، مؤشر على أن ليبيا ستتحول إلى مقر للنفوذ العسكري التركي وربما لـ للآلاف أو عشرات الآلاف من المسلحيين الذين تستخدمهم تركيا إلى ليبيا ، وهذا يأجج الصراع الداخلي في ليبيا ويجعل ليبيا منطلقا لـتهديد كل الدول المجاورة لـ ليبيا من تونس والجزائر ومصر في أولها سلم هذه التهديدات .

3- ما الهدف من زيارة الرئيس التركي "اردوغان " الى تونس والجزائر وماذا نتج عن هذه الزيارة ؟ ماهي الخطوات المشتركة التي قد تجمعهم في الصراع الليبي؟

إن تركيا تحاول في هذه المعركة أن تستقطب قدر الإمكان دول على جوار حدودي مباشر مع ليبيا مثل تونس والجزائر ، من هنا كانت زيارة اردوغان لـ تونس  والآن زيارة وزير الخارجية التركي إلى الجزائر ولقاءه هناك رئيس حكومة طرابلس "فايز السراج" وفي تونس كانت هنالك لقاءات أردوغان مع بعض العشائر الليبية في تكرار واضح لطريقة تدخل تركيا في سوريا والتواصل مع جماعات خارج سيطرة الدولة السورية ،وفي ليبيا يفعلون الأمر نفسه.

وخاصة ان تركيا بعيدة و ليست على حدود جغرافي مباشر مع ليبيا وهذا احد نقاط ضعف التدخل التركي ، بل يمكن لتركيا أن تصل هناك فقط بحرا أو جوا ومباشرة الى سواحل ليبيا الغير مؤمونة ،وبالتالي السفن التركية معرضة للخطر وايضا الطائرات التركية معرضة للخطر .

من هنا يحاول الرئيس التركي "اردوغان" إن كان في تونس أو في الجزائر أن تقنع هذه الدول بأن تستخدم تركيا  أراضيها من أجل أن تكون منطلق للطائرات والسفن التركية التي متوجهة إلى ليبيا سوى بمساعدات عسكرية أوبما ذلك...

لكن حتى الآن تونس رفضت بجهود رئيسها "قيس سعيد" ورغم أن البرلمان في تونس  بيد اللإخوان المسلمين أي حركة النهضة ورغم أن الحكومة ايضا معظمها يقف وراءها حركة النهضة .

اما بالجزائر لم يصدر موقف واضح ولكن من المستبعد أن تتجاوب الجزائر مع أى مساعي تركية من هذا النوع .

4- من وجهة نظرك ماهي استراتيجية تركيا في مابعد إستشهاد سليماني ؟

نعرف ان تركيا و إيران تحكمهما علاقات و جدلية التعاون والتنافس ، فهما يتعاونان ثنائيا إلى اقصى حد ، ويتنافسان في الساحات الثالثة : " في سوريا ، في العراق ، في المنطقة العربية ، في القوقاز ، يتنازاعان إلى أقصى حد في هذه الساحات " .

أعتقد أن رىت فعل تركيا على إستشهاد حاج قاسم سليماني و أبو مهدي المهندس ومن معهما كانت تعكس ضمنا الموقف العميق لـ السلطة التركية بقيادة حزب العدالة والتنمية ، فردت الفعل التركية كانت بـ الإجمال سلبية لم يدن الرئيس التركي ولا الناطق بإسمه ولا وزارة الخارجية ولا حزب العدالة والتنمية في كل البيانات التي أصدروها مساء الجمعة ، لم يدينوا عملية الإغتيال ، بل إكتفوا بالتعبير عن القلق من هذه العملية ، داعين إلى وقف أي تصعيد .

هذا يعني أن تركيا ضمنا ليست منزعجة من إغتيال قاسم سليماني ومن معه ، على اعتبار أنه الرجل الذي يوصف في تركيا وفي وسائل إعلام حزب العدالة والتنمية على انه الرجل الذي وقف بقوة مع النظام في سوريا ضد المعارضة وضد التدخل التركي في سوريا لذلك صورة  سليماني في وسائل حزب العدالة والتنمية ولدى مسؤوليه هي صورة العدو بشكل عام لذلك هم ليسوا منزعجين من إغتياله .

وبالتالي هم مع إضعاف ايران ، إن كان على يد الولايات المتحدة او على يد أي بلد آخر من دون الوصول إلى مرحلة كسر الإيرانيين أو ايران بشكل كامل ، لأن إضعاف ايران يقوي تركيا في الساحات الأخرى مثل سوريا والعراق ، ولكن كسر ايران بشكل كامل يجعل تركيا مكشوفة امام الولايات المتحدة الأمركية وبالتالي امكانية استفراد امريكا في ما بعد بتركيا ، لذلك تركيا تتابع بحذر ماجرى من عملية  استهداف "قاسم سليماني".

وبالتالي الصراع القائم الآن بين ايران وامريكا ، تستفيد منه تركيا بحيث انها تظهر على انها بحاجة إلى الغرب وبحاجة إلى الولايات المتحدة وبحاجة إلى حلف الشمال الأطلسي ،لكن هي بقدر مايريحها إضعاف ايران بقدر ماتحاول دبلوماسيا أن تقوم بدور الوسيط اذا امكن لها ذلك ، او تهدءت  الامور بحيث لا تنزلق الامور تدرجيا وتتوسع جبهة الصراع و بالتالي تطال شظاياها تركيا من حيث لاتدري وتغير قواعد اللعبة التي نجحت تركيا الى حد كبير في رسمها في سوريا وفي شمال سوريا وحتى في مناطق العراق وفي اكثر من مكان.