وكالة مهر للأنباء - د. محجوب احمد قاهري*: لماذا تحرّشت إيران في هذا التوقيت، بعدوّها التاريخي؟ وهل في تهديد ترامب العسكري لإيران من الجدّية بمكان لإيذاء إيران وسحق سفنها؟
في اعتقادي، إيران تحرّشت بأمريكا لتذكّرها، بان ميزان القوى قد تغيّر. فإيران صارت أقوى، وهي ترسل القمر الاصطناعي العسكري، نور 1، الى مداره، وامريكا أصبحت الأضعف بعد هزيمتها المدوّية امام جائحتي كورونا وانهيار أسعار النفط. وما على أمريكا الاّ العودة الى الاتّفاق النّووي القديم ورفع العقوبات الاقتصادية على إيران.
إيران أصبحت قوّة علميّة واعدة في الشرق الأوسط وفي العالم. الحصار الاقتصادي علّمها التعويل على ذاتها، لصناعة دوائها وسلاحها وخبزها. فطبّيا، إيران أعلنت شفاء أكثر من 60 ألف من كوفيد 19 ثم أعلنت سيطرتها على هذا الوباء، بينما الامريكان لا زالوا يحصون جثثهم. إيران استعملت بلازما مرضى شفوا من المرض لعلاج آخرين، بينما غرق ترامب في الترويج لدواء الكلوروكين المثير للجدل. إيران انهت الحجر الصحّي وامريكا مدّدته لكثرة الإصابات. وعسكريا، إيران أصبحت ذات عقل نووي، وان لم تصنع سلاحها النووي بعدُ، وصنعت سفنها الحربية وصواريخها الباليستية، وأخيرا غزت الفضاء بعد ان صنعت وارسلت قمرها الاصطناعي، نور 1، من فوق أراضيها الإيرانية.
وفي الجانب الاخر امريكا أصبحت أضعف. جائحتا كورونا وانهيار أسواق النفط جعلا منها دولة أضعف، لا يمكنها فتح جبهات قتاليّة، فشلت في فتحها وهي تبدو اقوى.
كورونا عرّت النّظام الصحّي الأمريكي. كورونا أظهرت بانه ليس لأكبر دولة في العالم اسرّة ولا أجهزة تنفس اصطناعي كافية لمرضى كوفيد 19. وليس لها مستلزمات طبّية لحماية طواقمها الطبية، فالتجأت الى العربدة والاختطاف.
وكورنا ضربت البوارج الامريكية في عمق البحر، التي لم تضربها السفن الإيرانية، فأحالت بعضها الى البطالة والحجر، كما احالت آلاف الجنود الى الخروج عن الخدمة الى حين شفائهم. كما اثّر الحجر الصحّي، بسبب كورونا، تأثيرا عميقا في واقع الشعب الامريكي فأضاف الى معاناته أكثر من 26 مليون عاطلا عن العمل الى حدّ الان. وامّا انهيار أسعار النّفط بسبب الصراع الروسي-السعودي، تسبب في اغلاق شركات النّفط الأمريكيّة المتوسّطة والصغرى، وسرّح عمّالها، وعثّر بيع نفطها الحجري، ولن تلقى مكانا لتخزينه. كورونا والنفط جعلا أمريكا تغرق في مشاكلها الداخلية الى الحدّ الذي يجعلها تؤخّر او تمتنع عن أي نشاط عسكري مكلف خارج حدودها.
ونتفاجأ من زاوية أخرى ببعض المحللين الذين يروّجون لفكرة ان هذا التحرّش الأخير الذي قامت به إيران ضد السفن الامريكية، ليس سوى خطة متفق عليها بين الجانبين الإيراني والامريكي. وتهدف هذه الخطة الى محاولة إيجاد مبرر لرفع أسعار البترول، وهو ما سيستفيد منه الجانبان الا ان فرضيّة الاتفاق بين الطرفين، كما ذكرت، لا تصمد كثيرا امام الوقائع.
أولا، لان السبب في انهيار سوق النفط هو الإنتاج المشطّ لهذه المادة من طرف السعودية، ورفعه لا يتمّ الا بخفض الإنتاج. وثانيا، لان التحرش الإيراني بأمريكا لن تكون نتائجه الا ظرفية في المكان والزمان، ولن يكون سببا كما جرت العادة لرفع اسعار النفط، لان المشكل في الإنتاج المهول، وليس في ظروف نقل النفط.
ان إيران لا تعبث كثيرا، بل ان كل فعل ميداني منها ما هو الا رسالة مضمونة الوصول الى أمريكا او غيرها. إيران تحرشت بالسفن الامريكية في توقيت مهم جدا، اثناء اطلاقها قمرها الصناعي ومن فوق ارضها، لتقول لأمريكا انها الان اقوى من ذي قبل، وأنها قادرة على الفعل، خاصة وان أمريكا تكتّفها ازماتها الداخلية وتضعفها خارجيا، في ظلّ حُكم رئيس اقل ما يقال عنه، انه معتوه، خاصة وقد دعا الأمريكيين لشرب المعقمات حتى يشفوا من كورونا، وهو ما اثار سخط الامريكان عليه، وموجه استهزاء به غير مسبوقة.
إيران تتقدم على جميع الأصعدة برغم الحصار الجائر، وهي تسعى لأخذ زمام الأمور، بدعوتها أمريكا الى العودُ الى الاتفاق النووي الأوّل وبشروط إيرانية، او المضي دون أي اتفاقات نحو مصالحها الاستراتيجية.
فهل تتلقى أمريكا تحرش آخر؟ او تتلقى ضربة موجعة بيد أحد أذرع إيران في ظل الوضع الراهن؟ وليس امام أمريكا سوى ترك المنطقة لأهلها.. وهذا ما ستجيب عليه الأيام القادمة.
كاتب تونسي*