رأى الشيخ محمد الزعبي أنّ المقاومة قبل الجمهورية الإسلامية الإيرانية كانت موجودة، وكانت تقدّم بطولات وتضحيات، ولكنها في الغالب كانت أداءً للواجب أكثر منها حركة جادة تهدد كيان العدو في أصل وجوده الا ان ايران لها الفضل في التأسيس للمرحلة التالية من المقاومة.

وكالة مهر للأنباء - عبادة أمين: إن القدس ليست مجرد أرض محتلة يجب تحريرها واستعادتها، بل القدس أصبحت اليوم القضية الجامعة للأمة الإسلامية. وربما لو لم تكن القدس محتلة لكان العمل الرسالي والنهضوي أصعب. فقضية القدس اليوم أصبحت البوصلة التي تحرك وعي الأمة ووجدانها نحو النهضة والحرية والاستقلال، وهي التي ساهمت في دفع الحركة الرسالية.

اليوم قضية القدس تهمّ العالم وليس فقط الفلسطينيين أو العالم العربي، واحرار العالم يؤكدون "شرعية النضال الفلسطيني ضد الاحتلال الإسرائيلي". في هذا السياق ولدراسة أهمية يوم القدس واصدائها في العالم العربي والاسلامي اجرت وكالة مهر للأنباء حوارا مع عضو المجلس المركزي في تجمع العلماء المسلمين في لبنان الشيخ محمّد الزعبي. فيما يلي نص الحوار:

س: ما هو تاثير يوم القدس والمناسبات الاسلامية في تعزيز المقاومة الاسلامية؟
المقاومة قضية وثقافة وجهاد ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة» ولعل إطلاق يوم القدس العالمي من أعظم سنن عصرنا، فالإمام الخميني رضوان الله عليه له فضل كبير وأجر عظيم في هذه السنة العظيمة التي تكاد تكون ميزاناً وفرقاناً يميز حركة الإسلام الرسالي من حركات النفاق والعمالة. 
قد تجد دعوات ومنابر وحركات تسمت باسم الإسلام، ولكنها لم تجعل القدس في أولوياتها، هذه الأحزاب والمنابر وجدناها تحاصر نفسها في إطار مذهبي أوصلها إلى حالة من الخدمة المباشرة أو غير المباشرة لمصالح العدو الصهيوأمريكي. 
لقد أصبحت القدس وبالتالي يوم القدس العالمي هو حجة الله التي تدمغ كل من لم يقف في محور المقاومة. 
القدس اليوم كشفت أن الإسلام لا ينفصل عن المقاومة، فكل من وقف ضد المقاومة هو في المعسكر المعادي للإسلام. 

س: القدس أولوية إسلامية أو قضية عربية قومية؟
قال الله تعالى: (إنما المؤمنون إخوة) فالهوية الجامعة للأمة هي الإسلام، والعروبة تشبه حالة من القرابة، ولكنها لا تصلح لأن تكون هوية جامعة. وقضايا الأمة يجب أن تعالج على قاعدة الرابطة الكبرى التي حددها القرآن والسنة كما في حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمّى» فجرح القدس يجب أن تسري حرارته في أندونيسيا وماليزيا وإيران ومصر ولبنان والحجاز واليمن... ولكننا للأسف لا نجد هذا الجسد الإسلامي يتفاعل بكليته مع هذا الجرح. ما يشير إلى أن الحيوية الإسلامية لم تعد تتحرك إلا في بعض أعضاء الجسد الإسلامي كإيران ولبنان واليمن وسوريا... بينما تعمل الرجعية العربية على إماتة هذا الجسد من خلال تآمرها على المقاومة. 
وإذا كانت القدس قضية إسلامية فلا يعني ذلك رفض العمل القومي العربي لتحريرها، بل إن كل جهد يستهدف تحرير فلسطين، ومواجهة مشاريع العدو الصهيوأمريكي هو جهد مبارك ومشكور وهو جزء أساس في محور المقاومة ومشروع نهضة الأمة. 

س: هل تمكن ترامب من خلال صفقة القرن تغيير المعادلات لصالح اسرائيل؟
لا شك أن ترامب وكل رؤساء أمريكا منذ ورثت الاستعمار البريطاني يرون أن مصالح إسرائيل تقع في أولويات المصالح الأمريكية. وربما كان ترامب هو الأوقح في دعم إسرائيل.. لكن ما سميت بصفقة القرن هي في الحقيقة صفقة المأزومين، حيث كان كل من ترامب ونتنياهو يحتاجانها في الوضع الداخلي (ولم تحقق لهما ما أرادا). وأما على صعيد القضية الفلسطينية فهذه الصفقة لم تضعف مشروع المقاومة بل على العكس من ذلك، حيث عرّت الأنظمة العربية التي أيدت أو سكتت كالسعودية والإمارات وغيرهما، كما وأسقطت هذه الصفقة كل الرهانات على خيار السلام مع العدو الصهيوني، ولم يبقَ غيرُ المقاومة خياراً وحيداً لاسترداد الحقوق، وكذلك كشفت الوجه الحقيقي لأمريكا أنها في الطرف الإسرائيلي وليست وسيطاً نزيهاً...

س: ما هي دوافع وكواليس تسريع عملية التطبيع مع اسرائيل؟ هل يمكن اضفاء الشرعية على اسرائيل من خلال الاجراءات التطبيعية؟
التطبيع مع العدو الصهيوني سيسقط المطبعين ولن يسقط المقاومة. ولكن لا يجب أن نستهين بخطر التطبيع وتأثيره. هو حتى الآن لم يؤتِ ثماره، وما زال مستهجناً ومنبوذاً في وعي الأمة ووجدانها.. وحتى يستمر كذلك لا بد من أن نتابع ونرصد كل فعل تطبيعي، لنثير بكل طاقتنا غضب الأمة ضده، فعندما يتحدث إعلامي ساقط كفيصل قاسم بكل صفاقة أنه لم يعارض التطبيع منذ عشر سنين، وعندما ترحب الأوساط الإسرائيلية بمسلسل أم هارون السعودي فهذا يؤشر إلى محاولات ورصد ميزانيات لجعل الحقارة والنذالة والخيانة ثقافة مقبولة. 

س: ما هو هدف الامام الخميني من تسمية يوم القدس؟ هل هو مجرد مناسبة اسلامية لاقامة مسيرات او مخطط لاحباط المؤامرات الرامية الى اقصاء القدس؟
نحن نؤمن بأن الإمام المهدي عليه السلام يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، وهنا نهاية حركة التاريخ، بمعنى أن سيرورة التاريخ تتحرك إلى غاية هي تحقيق العدالة العالمية. ولا ننكر أن العالم أنجز الكثير على مستوى العدالة وحقوق الإنسان، ولكن ذلك بقي في الإطار الداخلي للدول الغربية ولم نجد أثراً لذلك في السياسات الخارجية لهذه الدول، فلا نسمع في الساحة الدولية غير صوت القوة والغطرسة والظلم. ولعل القدس من أكبر القضايا التي تكشف حقيقة الظلم العالمي (إضافة إلى الحصارات التي تفرضها أمريكا على كل من يرفض غطرستها وينادي بالعدالة العالمية كالجمهورية الإسلامية الإيرانية أو سوريا أو اليمن أو غزة...). ومن هنا جاء يوم القدس العالمي، جاء ليقول للعالم إن ميزان العدالة العالمية سيبقى مائلاً ما لم تتحرر القدس من الاحتلال الصهيوني. ولذلك يجب أن يكون يوماً عالمياً، وأن يحتفل به كل أحرار العالم وكل عاشق للعدل والحق أياً كان دينه أو عرقه أو انتماؤه. 
وكذلك حين أطلق الإمام الخميني رضوان الله عليه يوم القدس العالمي كان يرى أن ورقة التوت التي تتستر بها بعض الأنظمة العربية ستسقط يوماً، وسيكشفون عن خستهم وحقارتهم ونفاقهم وخيانتهم، ولذلك جاء تثبيت هذا اليوم ليبقى صفعة ضد أي صفقة، وليبقى البوصلة التي تقول لكل من أضاع وجهته: من هنا الطريق. 

س: كيف ترى مكانة القدس في السياسات الخارجية للدول العربية؟

معظم الدول العربية ترى قضية القدس عبئاً عليها. وهي قد سلمت بها للعدو الصهيوني سراً أو جهراً، وهي تبذل مالها وإعلامها وشيوخها وإرهابها لمحاربة المقاومة، ولإحلال ثقافة الخضوع والاستسلام، ولنشر الأحقاد والضغائن والجهل والتخلف. 
طبعاً هناك بعض الدول التي تصر على تحرير القدس وفلسطين، وتبذل مالها ورجالها وسلاحها وإعلامها لنصرة القضية الفلسطينية، ولمقاومة الاحتلال، والتصدي للغطرسة الأمريكية، وهي تزداد صموداً وصلابة رغم معاناة الحصار الظالم كالجمهورية الإسلامية الإيرانية أو سوريا أو اليمن... 
والواجب على حركات التحرر الإسلامي والعربي أن تتبنى قضية القدس كقضية حقيقية وليس كعنوان رافع لها تجني من خلاله مكاسب أو مواقع سياسية. وطبعاً لا أتهمها هنا، فأكثرها تتبنى قضية القدس بجد وصدق، ولكنني لا أستطيع أن أفهم مواقف بعض الحركات التي ترفع شعار تحرير فلسطين، ومقاومة العدو الصهيوني، لكنها في الوقت نفسه تعادي الجمهورية الإسلامية، أو تتودد لأنظمة التخاذل العربي. 

س: ما هي أهداف الكيان الصهيوني من تهويد القدس وعمليات الحفر وإحداث المستوطنات؟
الكيان الصهيوني يدرك أنه كيان لقيط لا تاريخ ولا شرعية له. ولذلك هو يبحث عن أي وهم، وهو يعرف أن المجتمع الدولي بقيادة الولايات المتحدة منحاز إليه. وكذلك هو مغتاظ جداً من وجود المسجد الأقصى في القدس، ومن الموقع الذي يحتله هذا المسجد في عقيدة المسلمين. وهو لا يجرؤ على هدمه، ولكنه يحاول ذلك بطريقة غير مباشرة من خلال الحفريات. 
وهو لم يستطع أن يسقط حق العودة ولذلك يحاول أن يفرض مستوطناته كأمر واقع. 

س: ما هو دور الشهيد قاسم سليماني في مواصلة وإكمال مسار تحرير القدس ومكافحة الارهاب؟
الشهيد قاسم سليماني من عظماء الأمة ومن كبار مجاهديها.. لو أنصف العالم لرأى فيه عظيماً من عظماء العالم، ولاتخذ قبره مزاراً ورمزاً للحرية والعدالة والأخلاق والإنسانية.. هذا الإنسان المؤمن الصادق المتواضع رغم ما تمتع به من عبقرية ومعرفة وقدرة لم يحرمه الله الشهادة العظيمة.. إن قتله على يد أكبر طاغية في التاريخ يؤكد أن هذا القائد الإمام قد خط لنا درب الجهاد الحقيقي، وهو المواجهة مع رأس الاستكبار.
لقد خاض قائد فيلق القدس الحرب على كافة الجبهات، وفي الصفوف الأمامية. وحكايات بطولاته وانتصاراته سيحفظها التاريخ في سجل العظماء الخالدين، كما سيحفظ أخبار زهده وتواضعه وصدقه وإخلاصه وعشقه وإيمانه.
المقاومة قبل الجمهورية الإسلامية الإيرانية كانت موجودة، وكانت تقدم بطولات وتضحيات، ولكنها في الغالب كانت أداءً للواجب أكثر منها حركة جادة تهدد كيان العدو في أصل وجوده (ومع ذلك لها الفضل طبعاً في التأسيس للمرحلة التالية من المقاومة). ولكنها بعد تبني الجمهورية الإسلامية الإيرانية لها (وبخاصة في مرحلة الشهيد سليماني) أصبحت يدها عليا، وأصبحت تفرض شروطها، وأصبح العدو يخشاها حقاً، بل أصبح يشك بقدرته على البقاء (وهذا ظهر في بعض مؤتمرات هرتسيليا مؤخراً)