رأى الخبير الاستراتيجي محسن محمد صالح أن المقاومة تقوم بدور كبير في دعم الشعب الفلسطيني وهي تمثل خط الدفاع الأول عن الأمة وحقوقها من خلال منع تمدد الكيان الصهيوني وتحقيق تطلعاته التوسعية.

وكالة مهر لللأنباء - سمية خمارباقي: انّ الكيان الصهيوني رغم ما يبدو عليه من قوّة إستثنائية في مجالات عديدة وفِي مقدّمتها المجال العسكريّ والإقتصاديّ، وما يتمتّع به من دعم دولي غير مسبوق، إلا أنه يعاني من العديد من التحدّيات والمخاطر الاستراتيجية حيث نلاحظ بعد ٧٢ عامًا من نشاة هذا الكيان على أرض فلسطين، إشارات وعلامات من داخله، تدلّ بقوة على امكانية قرب تفكّكه وقرب زواله.

ربما تمتلك إسرائيل منظومة من الأسلحة التدميرية المخيفة تمكنها من تحقيق توازن كبير مع كل الأنظمة العربية سواء على المستوى النووي أو الأسلحة الإستراتيجية وتجعل من تأثير هذه الأسلحة على القرار العربي مرتكزاً أساسياً في عقيدتها الأمنية وهي ما تعرف بقوة الردع لكن هذه العقيدة فشلت تماماً مع المجموعات والقوى العسكرية الفلسطينية وظلت هذه الأسلحة عاجزة عن ردع الفلسطينيين وردع محور المقاومة الذي له دور كبير في إظهار هشاشة هذه القوة الصهيونية وأكدت القوة الفلسطينية المقاومة ومعها محور المقاومة أن هذا الكيان بمثابة " بيت العنكبوت ". في هذا السياق ولتسليط الضوء على انجازات المقاومة أجرت وكالة مهر للأنباء حوارا مع "محسن محمد صالح" بروفيسور في الدراسات الفلسطينية، الرئيس السابق لقسم التاريخ والحضارة في الجامعة الإسلامية الماليزية، والمدير التنفيذي السابق لمركز دراسات الشرق الأوسط في عمّان، وأستاذ ومحلل استراتيجي في الشأن الفلسطيني، ورئيس ومدير عام مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات . فيما يلي نص الحوار:

س: کیف تقیمون دور بريطانيا فی تأسیس الکیان الصهیوني وأیضا دور الولایات المتحدة في إستكمال مشروع الدولة الصهيونية ودعمه مالیا وعسکریا؟
كان الدور البريطاني جوهرياً في إقامة الكيان الصهيوني في فلسطين، فعلى مدى ثلاثين عاماً من الاحتلال العسكري والظلم والقهر للشعب الفلسطيني (1918-1948)، وفّر البريطانيون الحماية والرعاية للهجرة اليهودية فتضاعف عدد اليهود 13 ضعفاً (1300%) وسلموا اليهود مساحات واسعة من الأراضي الفلسطينية، وسمحوا لليهود بإنشاء القوات العسكرية والمؤسسات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والتعليمية، بينما قمعوا بقوة السلاح ثورات وانتفاضات الشعب الفلسطيني ومنعوه من ممارسة حقوقه السياسية وبناء مؤسساته الدستورية والحكومية. ولم يغادروا فلسطين إلا بعد أن تجهز الصهاينة لإقامة كيانهم، حيث قامت العصابات الصهيونية المدعومة دولياً بالمجازر في فلسطين وشردت نحو 58% من الشعب الفلسطيني، وسيطرت على 77% من فلسطين لتنشئ عليها الكيان الصهيوني. 
أما الدور الأمريكي فهو دور جوهري في تأسيس الكيان ودعمه بالسلاح والمال، وتوفير الغطاء الدولي له، وجعل "إسرائيل دولة فوق القانون" تمارس احتلالها وطغيانها بما يخالف القانون الدولي والقيم الإنسانية دونما حسيب أو رقيب. لقد دعم الأمريكان الكيان الصهيوني بأكثر من 130 مليار دولار، ويقدمون دعماً سنوياً مقداره ثلاثة مليارات و800 مليون دولار. ويدعمون الاقتصاد والتكنولوجيا وصناعة السلاح الإسرائيلية، ويضغطون على دول العالم للانفتاح السياسي والاقتصادي على الكيان الإسرائيلي، كما يدعمون مصادرة الأراضي من الفلسطينيين وتهويد القدس والمقدسات، وحرمان اللاجئين الفلسطينيين من حق العودة إلى أرضهم، كما يعطلون تنفيذ كل القرارات الدولية المتعلقة بحقوق الشعب الفلسطيني.


س: لقد مضى الآن 72 عاما على الاحتلال الإسرائيلي، کیف ترون الأوضاع السیاسیة، والإجتماعیة وحالة الهویة في الکیان الصهیوني بعد هذه السنوات؟
الكيان الصهيوني بعد 72 عاماً من الاحتلال يشعر بغرور القوة، فقد تمكّن من تجميع ستة ملايين و800 ألف يهودي من مختلف بقاع الأرض (47% من يهود العالم). ولديه قوة عسكرية متطورة تكفي نظرياً لهزيمة الجيوش العربية، ولديه اقتصاد متقدم ودخل فرد يصل إلى 43 ألف دولار سنوياً، والمنطقة العربية من حوله تعاني من أنظمة ضعيفة وفاسدة ومستبدة وترغب بالتطبيع معه، والسلطة الفلسطينية التي تقودها حركة فتح تمارس للأسف التنسيق الأمني مع الاحتلال وتحولت إلى كيان وظيفي يخدم الاحتلال.
ولكن في المقابل فإن الكيان الصهيوني يعاني من تحديات جوهرية ووجودية: فالشعب الفلسطيني ما زال صامداً على أرض فلسطين وأعداد الفلسطينيين تجاوزت أو تكاد تتجاوز أعداد اليهود في فلسطين التاريخية.
ومن ناحية ثانية فإن المقاومة الفلسطينية تقوى وتتصاعد ويزيد خطرها على الكيان بعد أن تمكنت المقاومة من تطوير سلاحها وخصوصاً السلاح الصاروخي. وما يزال الكيان الإسرائيلي يعد إيران والمقاومة التي يقودها حزب الله في لبنان خطراً استراتيجياً عليه.
ومن ناحية ثالثة فإن الشعوب العربية والإسلامية ترفض التطبيع مع الكيان الإسرائيلي، وتتعامل معه كسرطان، وتتطلع إلى مشروع إسلامي نهضوي يوحد الأمة ويحرر كل فلسطين. أي أن البيئة الاستراتيجية المحيطة بالكيان هي بيئة معادية، وليس لديه فرصة للتحول إلى كيان طبيعي لأنه يظل احتلالاً عنصرياً بغيضاً ضدّ حقوق الشعب الفلسطيني وضدّ حقوق الأمة في أرضها ومقدساتها. 
ومن ناحية رابعة فإن المجتمع اليهودي الصهيوني يعاني من أزمات اجتماعية مختلفة كالتفكك الأسري وعدم الرغبة في القتال وانتشار ثقافة العولمة والبحث عن اللذة والمتعة، ومن المشاكل بين المتديين والعلمانيين، وبين اليهود من أصول شرقية وغربية وغيرها.


س:على ما تدلّ الأزمة السیاسیة الحالية في الكيان الصهيونيوانعدام العمق الأمني وتصاعد الخلافات بین الأطراف السیاسیة في هذا الكيان؟
الأزمة السياسية الحالية تشير إلى أزمة في المنظومة السياسية وطريقة صناعة القرار، كما تشير إلى الفساد في رأس الهرم السياسي الصهيوني، وإلى عدم وجود رموز وقادة كبار يقودون هذا المجتمع. ولكن حتى الآن ما زال الصهاينة قادرين على إدارة خلافاتهم... لكن الاتجاه العام هو باتجاه تزايد أزماتهم.

س: يحاول الرئیس الأمريكي دونالد ترامب تنفيذ خطة نقل السفارة الأمریکیة من تل أبیب إلی القدس ضمن مشروعه المزعوم تحت عنوان "صفقة القرن"، کم إستطاعت هذه الإجراءات أن تغير الأوضاع لصالح الکیان الصهیوني وتعزیز شرعیته؟
خطة ترامب حاولت أن تفرض الشرعية للاحتلال الإسرائيلي والرؤية الإسرائيلية لما يسمى "التسوية السلمية"، من خلال السيطرة على القدس ومنع اللاجئين من العودة وحرمان الفلسطينيين من بناء دولة حقيقية مستقلة، والاكتفاء بحكم ذاتي تحت الهيمنة الصهيونية.
هذه الخطة لن تنجح بإذن الله، والشعب الفلسطيني والأمة متوحدون ومجمعون على رفضها وإسقاطها. وستنجح قوى المقاومة في إفشالها إن شاء الله.

س: نظرا إلی أزمات الهویة، النفسیة، الإجتماعیة وإنعدام الخلفیة التاریخیة .. ما هی وجهة نظرکم عن الأفق المستقبلي للنظام الصهیوني؟
الكيان الصهيوني ليس له مستقبل في المنطقة، فهو كيان قائم على الظلم ويسير عكس حركة التاريخ، وهو كيان فشل وسيفشل في أن يكون كياناً طبيعياً وما زالت شعوب المنطقة ترفضه وتعاديه. ولن يبقى هذا الكيان قوياً للأبد كما أن أبناء المنطقة لن يبقوا ضعافاً إلى الأبد، وسيأتي الوقت الذي يصعد فيه المشروع الحضاري النهضوي الإسلامي الوحدوي ليزيل هذا الكيان. وقد ذكرنا أن تيار المقاومة صاعد ويتقدم، كما أن الشعب الفلسطيني صامد على أرضه وتزيد أعداده عن مجموع اليهود في فلسطين المحتلة. والأمل بالله سبحانه كبير، وهو الذي وعد المؤمنين الصادقين بالنصر والتمكين.

س: کما نشاهد بعض الأنظمة العربیة تسارع في التطبیع مع الکیان الصهیوني وهذا الأمر لم يعد خفياً اليوم.. کیف تقیم هذه الإجراءات؟
تطبيع البلاد العربية مع الكيان الصهيوني هو تطبيع سطحي، يمثل فقط القشرة السياسية الفاسدة، ولا يمثل الشعوب ولا الأمة. وهو تطبيع فشل على مدى الأربعين عاماً الماضية. وكلما حاولوا أن يمضوا في التطبيع كلما قامت الشعوب بإفشاله. وما يحدث الآن هو مرحلة ضعف مؤقتة، وسرعان ما سيعود الخط الداعم للمقاومة ليفرض نفسه وإرادته، التي تعدُّ فلسطين والقدس والأقصى جزءاً من إيمانها وعقيدتها وثوابتها، ولا يمكن أن تتغير هذه العقيدة بفساد بعض الحكام وإجراءاتهم.

س: کیف ترى التوازن السیاسي والعسکري الذي احدثته الحركات والفصائل المقاومة في فلسطین و لبنان؟
المقاومة تقوم بدور كبير ومتصاعد، وهي تمثل خط الدفاع الأول عن الأمة وحقوقها، وهي تدعم صمود الشعب الفلسطيني على أرضه، وتمنع تمدد الكيان الصهيوني وتطلعاته التوسعية، وهي الأساس في حفظ هوية فلسطين العربية الإسلامية. كما أن مواجهة المشروع الصهيوني تتطلب دعم هذه المقاومة وإسنادها سياسياً ومالياً وعسكرياً وإعلامياً حتى تقوم بواجبها.