وكالة مهر للأنباء - نقلا عن الميادين: تواصل فنزويلا استقبالها الناقلات الإيرانية المحملة بالوقود للشعب الفنزويلي، فالناقلة الثانية وصلت إلى إحدى المصافي الفنزويلية. وفي هذا السياق اجرت مراسلة قناة الميادين حوارا مع السفير الإيراني لدى فنزويلا، حجة الله سلطاني.
اليكم نص الحوار:
الصحافية مادلين غارسيا: حقيقة هذا التعاون المهم للغاية، والأهم من ذلك كي نعرف هل من رسالة وُجّهت إلى العالم من خلال هذا التعاون، وخصوصاً الولايات المتحدة، وكنا قد تحدثنا معكم حول أهمية هذا الأمر قبل أن نبحر لملاقاة ومواكبة الناقلة الإيرانية الأولى "فورتيون" التي وصلت إلى البلاد!
السفير: الأهمية الأولى تكمن في الرد الصارم الذي أعلناه على الملأ، وأمام العالم بأسره، أقصد في هذه الحالة إيران وفنزويلا، في وجه السياسات الأحادية الجانب من قبل الولايات المتحدة. الولايات المتحدة تريد ممارسة الضغط وفرض سياساتها وإرادتها على الدول، فأتت إيران وفنزويلا لتقولا "كلا" نيابة عن العديد من دول العالم. إن حق تقرير المصير والحق في التجارة الحرة والعبور الحر، هو لجميع بلدان العالم.. ولجميع البلدان أن تستفيد منه، وأن تمارس هذا الحق. ماذا فعلت إيران وفنزويلا؟ لقد أظهرتا أن هذا الحق موجود، وأن بالإمكان الاستفادة منه، وهذا عامل مهم للغاية بالنسبة إلى جميع البلدان، فالولايات المتحدة لم تعد تسيطر على العالم، ولا يمكنها أن تقول لبلدان العالم ماذا يجب أن تفعل أو ماذا يجب ألا تفعل، فالحكومات ذات السيادة هي التي تتخذ القرارات بحرية، وبالطريقة التي تريدها، ومع الدول الأخرى التي تختارها.
مادلين غارسيا: فعلاً كان حدثًا عالميًا، إلا أن وسائل الإعلام ركّزت على نقطة أن فنزويلا وإيران تتحديان الولايات المتحدة. هل فعلاً كان فعل تحد أم أنها مجرد ممارسة لحق يمنحه القانون الدولي؟
السفير: لطالما كانت الولايات المتحدة واحدة من أكبر منتهكي القانون الدولي والاتفاقيات الدولية في العالم. واليوم، عندما تلتزم في هذه الحالة بإحدى مسؤولياتها والتزاماتها في إطار الحقوق والاتفاقيات الدولية، فإنها بطريقة ما، تكون قد تحدّت نفسها في ما اعتادت على فعله في السابق من انتهاك للقوانين الدولية. ما حدث اليوم، هو أن الولايات المتحدة أُجْبرت على الامتثال للحد الأدنى من المسؤولية التي تتحملها، وعلى احترام الاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها. لقد اعتادت الولايات المتحدة على انتهاك كل الاتفاقيات الدولية، وعدم أخذ أيّ كان بالاعتبار، وعدم الرجوع إلى أي كان، ولكنها الآن تعلّمت أن عليها أن تحترم ذلك، وهذا التصرف بحد ذاته هو بمثابة تحدّ لنفسها ولما جرت العادة أن تقوم به الولايات المتحدة نفسها.
ماديلين غارسيا: لقد كانت اللحظة ذات رمزية عالية جداً، إضافة إلى كونها لحظة تاريخية، فعندما يتوجه زورق حربي تابع للبحرية الفنزويلية إلى المياه الدولية، أي أنه لم يبق في نطاق المياه الفنزويلية، بل اجتازها ليلاقي ويرحب بأول ناقلة، وهذا ما يواصل القيام به حالياً في استقبال الناقلات التي تصل تباعاً.. ماذا يعني ذلك بالضبط سعادة السفير؟ هل في التوجه إلى المياه الدولية رسالة أخرى أيضاً؟
السفير: نعم، هذا يعني أنه أصبح لدى البلدان الثورية وشعوبها فعلياً المزيد من الثقة في قدراتها الذاتية، وأصبحت واقعاً أكثر اطلاعاً حول حقوقها، وأكثر استعدادًا للنضال من أجل انتزاع هذه الحقوق التي هي ملكها. فإيران وفنزويلا مارستا حقهما، وهناك العديد من البلدان الأخرى ستبدأ تطالب منذ الآن بحقوقها، ولن تطلب الإذن من الولايات المتحدة، كما كان الحال في العقود السابقة، عندما كانت تتقبل كل ما تقوله لها الولايات المتحدة.. الآن، بدأ العالم يطالب بحقوقه، ويجب على الولايات المتحدة أن تستجيب، وأن تحترم حقوق الدول الأخرى.
مادلين غارسيا: ولكن يجري الحديث أيضاً عن شجاعة إيران، وكيف أنها انطلقت من محيطها.. من قارتها، وأبحرت، فاجتازت العالم كله ناقلةً البنزين، وسط الكثير من التهديد، بفعل ما كانت تشيعه الولايات المتحدة من وعيد قائلةً: "حاصرنا الناقلات، وفنزويلا باتت محاصرة"، وإلى ما هناك. وعلى الرغم من ذلك، فقد واصلت الناقلات إبحارها.. هل حصل تقاطع ما في عرض البحر، هل لديكم أية معلومات حول اقتراب قارب ما ليعيق مسار الناقلات أم أنها مجرد أخبار على الشبكات والحقيقة في مكان آخر؟
السفير: لم تواجه السفن في مسارها أي مشاكل أو صعوبات، ولم يزعجها أحد أو يعوق إبحارها. يمكن للأميركيين أن يقولوا ما يريدون، لكن أكاذيبهم لن تغيّر الواقع، والحقيقة هي أن السفن الإيرانية أصبحت الآن موجودة بالفعل في فنزويلا، أي في أميركا الجنوبية، وللمرة الأولى. بطبيعة الحال، كانت إيران قد اتخذت قبل الإبحار إجراءاتها الاستباقية، وأصدرت أيضًا التحذيرات الرسمية للولايات المتحدة من خلال الأمم المتحدة، مؤكدةً أن على الولايات المتحدة الامتثال لالتزاماتها الدولية، ومنها احترام الحق بالتجارة الحرة والعبور الحر. لذا يمكن للأميركيين أن ينشروا أية أكذوبة أو أي خبر مختلق، فليفعلوا ما يريدون، لكنهم لن يغيروا الواقع.
مادلين غارسيا: إذن، كل شيء كان يحصل بشكل طبيعي!
السفير: صحيح، ولو أننا كنا يقظين بعض الشيء مما يمكن أن يحصل خلال المسار في البحر، أحيانًا تحصل أفعال وتتخذ قرارات غير منطقية من قبل بعض حكام الولايات المتحدة، لكن إيران لديها القدرة التي تتميز بها، وهي على يقين وثقة بقوتها، ونحن فعلياً لدينا خبرة في الماضي، وقد أثبتنا أمام العالم أن إيران لا تمزح في ما تقوله، وهي تنفذ ما تقوله. الحمد لله أن الولايات المتحدة تعلّمت بالفعل هذا الدرس، وأنها ملزمة باحترام المواثيق الدولية التي تنص على حقوق متساوية لجميع الدول، فهكذا فقط يمكن للجميع أن يكونوا أكثر هدوءًا وراحة وأكثر أمانًا، وهذا الإنجاز ليس فقط لإيران وفنزويلا، بل إنه للعالم كله. وعلى هذا الأساس، الجميع، مادلين، سوف يكونون أكثر أمانًا وهدوءًا.
مادلين غارسيا: كنت سأسألك سعادة السفير عن تلك الرسالة الأخرى، فمن يقرأ التحاليل السياسية يرَ أنهم يقولون: حسنًا إيران تغادر قارتها ومحيطها، بل وأكثر من ذلك، فهي ترسل سفنها إلى منطقة البحر الكاريبي، إلى أميركا اللاتينية، التي تعتبرها الولايات المتحدة حديقتها الخلفية، كيف نقرأ ذلك؟
السفير: ما قالته الولايات المتحدة عن أميركا اللاتينية بأنها فناؤها الخلفي، كان في إطار عقيدة اعتنقها في العام 1825. لقد مر قرنان من الزمن تقريباً منذ ذلك الوقت، وقد تغير العالم كثيرًا، وتغيرت البلدان كلياً، وأنا أطرح السؤال على الشكل التالي: كيف ترسل الولايات المتحدة قواتها وحاملات طائراتها ومدمراتها وقطعها الحربية وجيوشها إلى الخليج الفارسي والشرق الأوسط والعديد من البلدان الأخرى في العالم؟ وماذا كانت نتيجة الوجود العسكري الأميركي في تلك البلدان غير البؤس والموت والدم؟ كيف يكون من حق الولايات المتحدة أن تذهب الى قارات أخرى ومناطق أخرى، بينما البلدان الأخرى، كإيران مثلاً، لا يحق لها أن تقوم بتجارة مشروعة في إطار الاتفاقيات الدولية المعمول بها، أو أن تبحر الى أميركا اللاتينية؟ يوجد في القانون الدولي مبدأ مهم للغاية ينص على "المساواة في سيادة الدول"، بصرف النظر عن عدد سكان كل دولة وقوتها، وبالتالي فإن الدول متساوية في هذا الحق.
لكل بلد صوت واحد في المنظمات الدولية، وذلك بالتساوي بين الدول. إيران تغادر محيطها لأن مصالحنا تتطلب منا أن نسافر من قارتنا الى أماكن أخرى، والعديد من البلدان في العالم تغادر محيطها قاصدة مناطق أخرى لهذه الأهداف، ولتبحث عن فرص عمل جديدة في قارات أخرى، وهذا حق راسخ لجميع دول العالم. علينا أن نفكر ونأخذ بالاعتبار أن لدينا اتفاقات دولية، ومن الضروري احترامها والامتثال لنصوصها، هل هذا الأمر جيد أم لا؟ إذا كان جيدًا، فيجب أن يكون هذا الحق للجميع، وإذا لم يكن جيدًا، فيجب أن يكون ممنوعاً على الجميع أيضًا. لا يمكن للولايات المتحدة أن تخرج لتقول إنها تسمح بتطبيق تلك القوانين التي تفي بمصالحها الوطنية.
أما حين يكون تطبيق القوانين والاتفاقيات الأخرى غير مناسب لمصالحها، عندها تريد أن تفرض على العالم أن يتراجع عن ممارسة حقه الذي تنص عليه تلك الاتفاقيات الدولية.. هذا الأسلوب غير منطقي. والعالم لا يقبل بهذا التعاطي مع القوانين الدولية. العالم يطالب بحقوقه، العالم تغير كلياً، والآن انظري إلى الوضع في الولايات المتحدة، فهم يعيشون في حالة بائسة مع هذا الفيروس كورونا. لديهم أسوأ حالة في العالم على مستوى مكافحة هذا الوباء هناك.. وليس لدى للولايات المتحدة القوة الأخلاقية لتملي على الدول الأخرى ما يجب أن تفعله أو ما يجب الامتناع عن القيام به، فالدول والشعوب لهم الحق في تقرير المصير. وبهذه الطريقة، يتعين على الولايات المتحدة التأقلم والتعود على احترام هذا التغيير الجديد على المستوى الدولي.
مادلين غارسيا: ماذا تعني تلك اللحظة التي اقترب فيها الزورق الحربي "ايغوانا"، التابع لسلاح دوريات المحيطات في البحرية الفنزويلية، من أول ناقلة نفط إيرانية "فورتيون"؟ ماذا كان يُكْتب في تلك اللحظة من التاريخ بالتحديد؟ ماذا عن هذا اللقاء في المياه الدولية لهاتين السفينتين؟ هل انتصر بهما العالم المتعدد الأقطاب؟ هل هو انتصار للسلام؟
السفير: كلاهما على حد سواء، فقد انتصرت التعددية، وانتصر السلام أيضاً، انتصرت الأخوة والصداقة بين إيران وفنزويلا، كشعبين وحكومتين ذات سيادة، إضافة إلى التعاطف والمحبة على المستوى الدولي تجاه مسألة وصول الناقلات الإيرانية إلى فنزويلا، إلى أميركا اللاتينية... أما على الصعيد الثنائي، فقد أعطى هذا الإنجاز مزيداً من التضامن والتعاون بين إيران وفنزويلا كبلدين يملكان قرارهما ويتمتعان بالاستقلال والسيادة. اليوم، نرى أن الشعب الإيراني ممتن للغاية لما قامت به القوات المسلحة الفنزويلية في عرض البحر من مرافقة ومواكبة لهذه الناقلات. هذا عمل بطولي من قبل القوات المسلحة الفنزويلية، فقد حلّقت طائرات مقاتلة، وأبحرت فرقاطات ومدمرات فنزويلية لترحب بالسفن الإيرانية، ولكي يشعر القبطان والطاقم الإيراني بالأمان والسلام، ولا يشعر أحد من الطواقم بأي قلق، قائلين لهم: "نحن هنا لمواصلة نضالنا المشترك". ومن ناحية أخرى، أظهرت إيران للعالم، من خلال وصول ناقلاتها البحرية إلى فنزويلا، أنها لن تبيع الصداقة التي تربطها بشعب فنزويلا وحكومتها لأي شخص كان، وبأي ثمن على الإطلاق.. وأن الشعب الإيراني والحكومة الإيرانية سوف يكونان دائماً إلى جانب الشعب والحكومة في فنزويلا الصديقة، مهما كان الثمن.
مادلين غارسيا: أيضاً أود أن أطلب منك في هذا السياق أن تشرح لنا نقطة ربما من الواجب أن نسلّط الضوء عليها أيضًا، وهي أن حكومة إيران أو الجمهورية الإسلامية ليس لديها فائض من الوقود. نعلم أن لديكم اكتفاء ذاتيًا، ولكن نود أن نعرف كيف ذهبت هذه المبادرة إلى أبعد من ذلك تحديداً، فباتت لفتة تضامن إنساني، على قاعدة أن ليس لدي فائض من هذه المادة، ولكنني سأتقاسمها معكم. حدثنا كيف هو الوضع من حيث توفر مادة الوقود داخلياً في البلاد؟
السفير: الحمد لله، إيران اليوم مكتفية، وتغطي حاجتها من الوقود.. ولدينا الكثير للتصدير.. عملياً، نحن نصدر ما يلزم للسوق الدولية، وخصوصاً في منطقة الخليج الفارسي والبلدان المجاورة، وهذا يعني أن ما نصدره إلى فنزويلا لن يؤثر في حاجتنا للاستهلاك المحلي، ولكن في أي حال من الأحوال، إذا كان من الضروري إرسال الوقود إلى فنزويلا، وخفض حجم الاستهلاك المحلي في إيران بعض الشيء، فلا شك في أن الحكومة الإيرانية والشعب الإيراني مستعدان لذلك. فنزويلا تضامنت معنا في العام 2008، ونحن لم ننس، ولن ننسى أبدًا عندما كانت إيران تعاني من شح في الوقود في العام 2008 بسبب العقوبات غير العادلة من قبل الولايات المتحدة، كيف هبت فنزويلا بتوجيهات من الرئيس شافيز لترسل لنا الوقود التي كنا بحاجة إليها. هناك قول جميل بأن الحب لا يقابل إلا بالحب، واليوم أكرر أنه لو دعت الضرورة أن نخصص جزءاً من وقود السوق المحلية الإيرانية كي نرسله إلى فنزويلا، فكنا سنفعل، لكن الحمد لله لم نضطر إلى ذلك، باعتبار أن لدينا ما يكفي من الإنتاج المحلي، ونحن نصدّر لبلدان مجاورة وللسوق الدولي، حتى إننا مستعدون لتعليق إرسال الوقود لبعض الزبائن التقليديين كي نؤمن ما تحتاجه فنزويلا.
مادلين غارسيا: بصفتكم سفيراً لبلادكم، نود أن نعرف ما هو نطاق هذا التعاون فعلياً؟ إضافة إلى البنزين، يوجد على متن هذه السفن مواد ومكونات أخرى لدعم صناعة النفط، وقد قيل لي إن صناعة النفط اليوم ستنشط بمساعدة من إيران.
السفير: لقد تضررت مصافي فنزويلا جراء العقوبات الجائرة واللاإنسانية التي تفرضها الولايات المتحدة، وتحتاج تلك المصافي إلى مواد ومحفزات لإنتاج الوقود. منذ ما يقارب ثلاثة أسابيع، أرسلت إيران إلى فنزويلا شحنة من تلك المحفزات، واليوم نحن نرسل الوقود لمساعدتها. إن جلب الوقود هو لتأمين حل لجزء من الاحتياجات الملحة في السوق الفنزويلي، أما الهدف فهو مساعدة فنزويلا على زيادة إنتاجها الخاص، بحيث تكون مستقلة ومكتفية من خلال ما تنتجه.. لذلك، نحن في هذا السياق، وبهذا المعنى، على أتم الاستعداد لمساعدة الأصدقاء الفنزويليين في المجالات التي تحتاج فيها فنزويلا لمساعدة إيران.