درس سماحة الإمام في مدينة خُمين حتى سن التاسعة عشر مقدّمات العلوم، بما فيها اللغة العربية والمنطق والأصول والفقه، لدى أساتذة معروفين. وفي عام 1339 للهجرة (1921 م) التحق بالحوزة العلمية في مدينة آراك، وبعد أن مكث فيها عاماً، هاجر الى مدينة قم لمواصلة الدراسة في حوزتها. وهناك، وفضلاً عن مواصلة دراسته على يد فقهاء ومجتهدي عصره، اهتم بدراسة علم الرياضيات والهيئة والفلسفة. وفي الوقت الذي اهتم فيه بكسب العلوم، حرص على المشاركة في دروس الأخلاق والعرفان النظري والعملي في أعلى مستوياته لدى المرحوم آية الله الميرزا محمد علي شاه آبادي، على مدى ست سنوات. وفي عام 1347 هـ (1929 م) بدأ الإمام الخميني (قده) بمزاولة التدريس، أي منذ أن بلغ سن السابعة والعشرين من عمره،إذ درّس سماحته بحوث الفلسفة الإسلامية، والعرفان النظري والعملي، وأصول الفقه، والأخلاق الإسلامية.
اقترن روح الله بـ (خديجة هانم)، كريمة المرحوم آية الله ثقفي، لتكون زوجاً ورفيقاً لدربه. وكانت ثمرة هذه الزيجة:
* الشهيد آية الله السيد مصطفى الخميني (1309 ـ 1356 هجري شمسي).
* صديقة مصطفوي (قرينة المرحوم آية الله اشراقي).
* فريدة مصطفوي (قرينة السيد اعرابي).
* فهيمة ـ زهراء ـ مصطفوي (قرينة الدكتور محمود بروجردي).
* المرحوم حجة الاسلام السيد احمد الخميني (1324 ـ 1373 هجري شمسي).
ابتدأ الإمام الخميني(قدس سره) جهاده في عنفوان شبابه، وواصله طوال فترة الدراسة بأساليب مختلفة، بما فيهما مقارعته للمفاسد الاجتماعية والانحرافات الفكرية والأخلاقية. نظام الشاه فقد رأى أنّ الحل الأمثل يكمن في نفي الإمام الى خارج إيران. ومرة أخري حاصرت المئات من القوات الخاصة والمظليين منزل الإمام، وذلك في يوم الثالث من تشرين الثاني عام 1964 م. وبعد اعتقال سماحته، اقتيد مباشرة الى مطار مهر آباد بطهران، ومن هناك، وطبقاً للاتفاق المسبّق، تم نفيه أولاً الى مدينة أنقرة (تركيا)، ومن ثم الى مدينة بورسا التركية. وقامت قوات الأمن الإيراني والتركي المكلّفة بمراقبة سماحة الإمام، بمنعه من ممارسة أي نشاط سياسي أو اجتماعي.
استغرقت إقامة الإمام بتركيا أحد عشر شهراً. وخلال هذه الفترة، عمل نظام الشاه بقسوة لم يسبق لها مثيل على تصفية بقايا المقاومة في إيران. مثّلت الإقامة الجبرية في تركيا فرصة اغتنمها الإمام في تدوين كتابه المهم (تحرير الوسيله)، حيث تطرّق لأول مرة آنذاك في كتابه هذا - الذي يمثّل الرسالة العملية لسماحته - الى الأحكام المتعلقة بالجهاد، والدفاع، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والمسائل المعاصرة. وفي يوم 5/10/1965 م يُنقَل سماحة الإمام برفقة ابنه السيد مصطفى، من تركيا الى منفاه الثاني بالعراق، ليقيم في مدينة النجف الأشرف. ومن منفاه في النجف كان سماحة الإمام، فضلاً عن انشغاله بتدريس الفقه لمرحلة البحث الخارج وعرضه للأسس النظرية لمبدأ الحكومة الإسلامية التي حملت عنوان ولاية الفقيه، كان يتابع بدقة الأحداث السياسية التي تشهدها إيران والعالم الإسلامي رغم كل الصعوبات الموجودة، وكان حريصاً على إنشاء قنوات الاتصال مع الثوريين في إيران.
وفي 24/9/1978م قامت قوات الأمن العراقية بمحاصرة بيت الإمام الخميني في النجف الأشرف، واشترطت على الإمام أن يوقف نشاطه السياسي، ويعلن عن تراجعه عن المواجهة، كشرط لبقائه في العراق. لكن الإمام قرر الاستمرار في المواجهة، فنفي للمرة الثالثة خلال ثلاثة عشر عام وذلك يوم 4/10/1978م فغادر النجف قاصداً الكويت، لكن الكويت امتنعت عن استقبال الإمام امتثالاً للضغوط الملكية الإيرانية. عندها دقق الإمام الخميني في أوضاع الدول الإسلامية، وبعد مشورة ابنه السيد أحمد قرر الهجرة إلى باريس، فوصلها يوم 6/10/1978م، وفي اليوم التالي استقر في منـزل أحد الإيرانيين في ضاحية »نوفل لوشاتو«، وسرعان ما حضر مندوبو قصر الاليزة ليبلغوا الإمام الخميني ان الرئيس الفرنسي »ديستان« يؤكد ضرورة امتناع الإمام عن مزاولة أي نشاط سياسي، ورد الإمام بصراحة وبشدة أن مثل هذه القيود تتعارض مع ادعاء الديمقراطية، وانه حتى لو اضطر إلى التنقل من مطار لآخر، ومن بلد إلى آخر، فإنه سوف لن يتنازل عن أهدافه. وهكذا فإن إقامة الإمام الخميني مدة أربعة أشهر في هذه الضاحية الباريسية جعل منها محط أنظار العالم، وأهم مركز أخبار في العالم. وكان لإلقاء الإمام المحاضرات المتعددة واللقاءات الكثيرة مع الوفود التي انهالت من أنحاء العالم الدور المهم في افهام العالم آرائه حول الحكومة الإسلامية، وأهداف ثورته.
والشعب الإيراني بدوره كان يصعّد من تحركه وثورته مع وصول توجيهات الإمام الخميني، فانتشرت المظاهرات، وعمّت الاضرابات التي شلّت المؤسسات الحكومية، واستبدل الملك رؤساء وزرائه الواحد تلو الآخر، ثم أعلن توبته عن ما ارتكبه من مخالفات، وقدم بعضاَ من أعوانه القدماء للمحاكمة، واطلق بعض السجناء السياسيين، لكن كل تلك الأعمال لم تمنع الثورة من الاتساع والاشتداد.
وعيّن الإمام الخميني شورى الثورة، وهرب الملك يوم 16/1/1979م تحت حجة المرض وحاجته للاستراحة، فأدى هروبه إلى انبعاث الفرح والسرور عند أبناء الشعب، وشد من عزمهم على النضال حتى اسقاط النظام. وجاء قرار الإمام الخميني بعزمه على العودة إلى إيران، ليفجّر الفرح والسرور والأمل في قلوب أبناء الشعب، ودفع أعداء الثورة إلى اظهار ردود فعل متسرعة، فقام النظام بالتشاور مع أمريكا وقررا إغلاق مطارات البلاد بوجه الرحلات الأجنبية. فتوجهت الجموع من أنحاء البلاد نحو طهران لتشارك مع أهالي طهران في تظاهرات مليونية تطالب بفتح المطارات، فرضخ النظام إلى ذلك وفتح مطار طهران الدولي، فهبطت الطائرة التي أقلت الإمام يوم 1/2/1979م بعد أربعة عشر عاماَ قضاها في المنفى.
لم يكن تحقق وعود الإمام الخميني (قده) وانتصار الثورة الإسلامية في إيران، مجرّد حادثة داخلية قادت الى تغيير النظام السياسي، بل كانت الثورة الإسلامية زلزالاً مدمراً للعالم الغربي، لم يمضِ سوى شهرين على انتصار الثورة حتى أعلن الشعب الإيراني، في واحدة من أكثر الانتخابات حرية في تاريخ إيران، عن تأييده بنسبة 98.2 بالمئة لإقامة نظام الجمهورية الإسلامية في إيران.
وخلال عشرة اعوام واربعة اشهر من حياته بعد اقامة نظام الجمهورية الاسلامية في ايران تمكن الامام الخميني من قيادة هذا النظام والشعب الايراني على احسن وجه في مواجهة تحديات كبرى وابرزها الحرب التي فرضها النظام البعثي العراقي على ايران لمدة ثماني سنوات.
عند الساعة 22:20 من يوم السبت في الثالث من حزيران عام 1989م انتلقت روح الإمام الخميني لتتصل بالملكوت الأعلى عن عمر يناهز 87 عاماً. وورى الإمام الثرى بالقرب من جنة الزهراء (بهشت زهراء) إلى جانب ضريح شهداء الثورة الإسلامية، المكان الذي أصبح يسمى فيما بعد حرم الإمام الخميني (قدس سره).
ترك الإمام تراث قيماً من المؤلفات منها وصيته السياسية ومجموعة مؤلفة من 22 جزءاً باسم "صحيفة الإمام الخميني" كذلك جمعت أشعار الإمام في "ديوان الإمام" كما جمعت دروس الإمام في الحوزة العلمية تحت عنوان "تقريرات الإمام الخميني". وغير ذلك من الكتب القيمة في المجالات الفلسفية والسياسية والأخلاقية والأصولية والعرفانية والاجتماعية.
المصدر :موقع تنظيم ونشر تراث الامام الخميني