كتب الكاتب الصحفي الأستاذ "شوقي عواضة": الإمام الخميني استلم منهجية جده رسول الله (ص) وخرج رافعاً شعار الثورة الحسينية للإصلاح وليس سعياً للملك والسلطة.

سجّل التاريخُ العديد من الشّخصيات التي غيّرت وأثّرت في حركته وفي مصير الشعوب والقضايا الكبرى بالرّغم من حضاراتهم وأديانهم وحركاتهم السّياسية التي تركت بصمةً في جميع مجالات الحياة، من سياسةٍ، ودينٍ، وفكرٍ، وفلسفةٍ، وأدبٍ، وغيرها من العلوم الإنسانيّة، وكان لها الدور الأكبر في تغيير مجرى التاريخ. بعض تلك الشّخصيات كان لها الأثر الأكبر والتمايز عن غيرها بحضورها وتأثيرها الأكبر لا سيّما على مستوى الأمم والشعوب والقضايا المصيرية. من بين تلك الشّخصيات الفذّة والفريدة شخصية مفجّر الثّورة الإسلامية في إيران اية الله روح الله الموسوي الخميني. تلك الشّخصية الدّينية التي كانت استثنائيّةً برمزيتها وفكرها ومنهجيتها وانتاجيتها. فالإمام الخميني عالم الدين المجدّد الذي استلهم من منهجية جدّه رسول الله وثورة الإمام الحسين، خرج رافعاً شعار الثّورة الحسينية للإصلاح الذي كان عبر التاريخ منطلق حركة الإصلاح السّياسيّ والفكري والاجتماعي للأنبياء والأولياء وليس سعياً للملك أو السلطة، فقام مجدّداً وأحدث انقلاباً في مفهوم الإسلام وعلماء الدين.

كان انتصاره الأوّل من خلال إخراج الإسلام من المفهوم النمطي ومن القيود التي كبّله بها بعض فقهاء السلطة ورجال السياسة وتحويله إلى إسلامٍ حركيٍّ وحيويٍّ ثائرٍ ومنتفضٍ على الظلم ومناصر للقضايا الإنسانيّة وللمستضعفين في العالم ضمن رؤيته لوحدة الدين والسياسة لإصلاح المجتمع والدولة. لذلك لم يكن عند الإمام فصلٌ بين الدين والسّياسة ولا بين السياسة والعرفان في فكره. فأنجز وبذلك استطاع إخراج رجال الدين وتحريرهم من نمطيّة الدور العبادي إلى حركيّة الدور النّضاليّ والجهادي وبدأ مسيرته الإصلاحيّة من خلال التعبئة داخل المجتمع وتحريره من العبودية وتحريره من غياهب الظلم وإخراجه إلى نور الحريّة والسيادة والاستقلال، معلناً عن انطلاق الثّورة الأولى ضدّ الشاه محمد رضا بهلوي الأولى في 15 خرداد/ حزيران – يونيو 1963، التي قمعها شاه إيران متهماً الرئيس جمال عبد الناصر بتمويله واعتقل نظام الشاهنشاه الإمام الخميني وحكم عليه بالإعدام، لكن موقف الحوزة العلميّة في قم وكبار المراجع بإعلانهم بأنّ الخميني يملك شروط المرجعية وبناءً عليه يمنع إعدام المرجع قام النّظام بنفيه إلى تركيا ومنها إلى العراق فاستقرّ في النجف (1964… حتى نفاه صدام حسين عام 1978 فقصد  مدينة (نوفل لوشاتو)  الفرنسية ليعود إلى إيران مع انتصار الثورة فجر 1- 2 – 1979، وفي العاشر من شباط عام 1979 اهتزّ العالم بأسره على وقع إعلان محقّق حلم الأنبياء الإمام الخميني انتصار الثورة الإسلامية في إيران، فكانت الولايات المتحدة أولى المنهزمين لسقوط حليفها الأقوى شاه إيران تلاها في استشعار الخطر الكيان الصّهيوني حين وصف رئيس وزراء الكيان الصهيوني حينها إسحاق رابين الانتصار بالزلزال الذي سيدمّر الكيان الصّهيوني.

بدأتِ المؤامرة على الثورة الوليدة بأموالٍ خليجيّةٍ بالأساليب والأدوات نفسها التي حاربوا فيها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، إذ استدرجوا إيران لحربٍ مع العراق كما استدرجوا مصر عبد الناصر، واتهموها بتصدير الثورة كما اتهموا مصر، وبالرغم من ذلك فشلوا في القضاء على الثورة أو إسقاطها لأنها بُنيت على أسس الحقّ المتين ولأنّ الإمام الخميني وضع في أولويات الثورة قضية فلسطين ونصرة المستضعفين في العالم.

أغلقتِ السّفارة الاسرائيلية في طهران وافتتحت أوّل سفارةٍ لدولة فلسطين في إيران، وبدأ التركيز على دعم القضية الفلسطينيّة وفصائل المقاومة في لبنان إبّان الاحتلال الصّهيوني التي حقّقت هزيمة جيش الاحتلال شرّ هزيمة. ذلك هو الإمام الخميني المتجلّي بعرفانيته كما تجلّى بمقاومته لكلّ أنواع الظّلم والاستبداد. اليوم وفي الذكرى الواحدة والثلاثين لرحيله لا زالت إيران هي إيران مؤسّسها ومفجّر ثورتها الإمام الخميني الذي تميّز بمقارعة أميركا التي أطلق عليها أمّ الاستكبار العالمي والشيطان الأكبر والعدوّ لجميع الأديان في العالم بما فيها المسيحيّة، وهي لا تعير أيةّ أهمية للأديان ولا تفكر سوى بمصالحها، ولا تسعى حتى لتحقيق مصالح الأميركيين أنفسهم، بل تسعى لتحقيق مصالح الحكومة الأمريكية فقط، وبالتالي فإنّ مواجهتنا معها هي مواجهة الحقّ للباطل وعلى نهج روح الله يكمل سماحة السيد علي الخامنئي المسيرة بكلّ بأس وعزم عاملاً بوصايا الإمام الراحل مستلهماً من شخصيته ومستنيراً من فكره وفقاً لما جاء في كلمته أول أمس بمناسبة رحيل الإمام الخميني. فقد أشار السّيد الخامنئي إلى التحوّل الأهمّ الذي أوجده الإمام الخميني هو النظرة إلى القوّة الاستكبارية حيث أثبت أنّ القوى الكبرى قابلةٌ للخسارة والاندحار، مشيراً إلى أنّنا في الجمهورية الإسلاميّة نحن اليوم بحاجة إلى التغيير في كثير من الأمور وإيران استطاعت الاستمرار في مسار التحوّلات.

في المقابل فإنّ تطوّرنا في العديد من المجالات تراجعت الكثير من الثورات إلى الخلف وما يجري اليوم في الولايات المتحدة الاميركية ما هو إلا بروز للحقائق التي كانت مخفيةً وهي ليست بجديدةٍ، وما قامت به الشرطة الأميركية بحقّ الشاب الذي قتل هو ما تمارسه أميركا بحقّ الشعوب من سورية إلى العراق واليمن وغيرها من الدول.

تلك هي إيران الثورة، إيران الإمام الخميني المفكّر والمجدّد والملهم والقائد الزاهد الذي لم يورث أحداً من عائلته ثروةً ولا عقاراتٍ ولا حتى إرثاً سياسيّاً، ذلك هو الرجل الأمّة الذي غاب وهو الحاضر الأكبر بفكره وعقله وثوريته التي ما زالت تشعّ على المستضعفين وتلهم المقاومين المزيد من الإصرار والعزم الذي لا ينثني.

المصدر: البناء

/انتهى/