تاريخ النشر: ٢٢ أغسطس ٢٠٢٠ - ١٥:٠٨

إن نهضة عاشوراء بوصفها نهضة دينية وحركة سياسية، تعد من أكثر النهضات رسوخا في الثقافة السياسية للشيعة، إذ تركت نتائجها وآثارها ليس في التطورات والثورات التي وقعت إبان حكم الامويين وسقوط حكومة بني أمية فحسب بل اعتبرت طوال التاريخ عاملا مؤثرا في ترسيخ الدافع للنضال لدى الشيعة لمواجهة حكام الظلم.

لماذا اصطحب الإمام الحسين علیه السلام  معه النساء والأبناء؟
إن دراسة كلام الامام الحسين علیه السلام  يوضح أنه كان على علم تام بالمصير والقدر الذي كان ينتظره.1 كما إن سبب إصطحابه للنساء والأطفال في قافلته، لن يتضح من دون الإهتمام بدوافع هذا الإمام المعصوم علیه السلام .
وعندما بادر الإمام إلى هذا الاجراء الذي تخللته الشهادة والتضحية، كان يعرف أنه سيستشهد وستقع أسرته في الأسر، لكن ورغم وذلك، فان هذا الإجراء وحده كان كفيلا بمؤازرته لتحقيق هدفه. إن الإمام الحسين علیه السلام  وعلما منه بمدى ماهية ووحشية القوى الرجعية، كان يعرف أن الأمويين وبعد استشهاده سيأخذون النساء والأطفال سبايا ويمضون بهم في الطريق بين الكوفة والشام. إن قافلة أسرى ذرية الرسول الأكرم صلی الله كانت تروج وتبلغ رسالة الحسين علیه السلام  وتستحث قلوب المسلمين على التفكير بشأن هذه الفاجعة، وهذا الموضوع دفعهم إلى التفكير بالأمر بمجمله، وأيقظ ضميرهم. وكان هذا بالضبط الشئ الذي حدث. وبذلك فان الإمام الحسين نجح في تحقيق هدفه.2

دور النساء في ملحمة عاشوراء وكيفية إدامة الرسالة...
لقد كانت نساء عاشوراء في جبهة النضال تارة ، وفي هيئة العناية والمؤازرة تارة، وتبليغ الرسالة وايصالها تارة أخرى و... لذلك فانهن تحملن في أي موقع مناسب، المسؤولية الجسيمة لمواصلة الرسالة بالوسيلة التي تلائم تلك الظروف.

مشاركة المرأة في النضال والجهاد والشهادة
إن مشاركة المرأة في جبهة النضال ومواكبة نهضة الإمام الحسين علیه السلام  والمساهمة في أبعادها المختلفة، تعد من مظاهر حضور المرأة في نهضة عاشوراء وديمومتها. إن تعاون سيدات بمن فيهن طوعة في «الكوفة» مع نهضة مسلم بن عقيل، ومواكبة زوجات بعض شهداء «كربلاء» ونضالاتهن بمن فيهم زوجة مسلم بن عوسجة (أم خلف) وزوجة عبد الله بن عمير الكلبي (أم وهب) وزوجة جنادة بن كعب الأنصاري (أم عمرو بن جنادة) وحتى نيل بعض هذه النسوة الشهادة مثل أم وهب وكذلك تجشيع رجالهن على مواصلة النضال والجهاد والشهادة وتعزيزهن لمعنويات الصحابة وافراد القافلة وكذلك احتجاج وانتقاد بعض زوجات جند الكوفة على الجرائم التي اقترفها أزواجهن في جيش بني أمية، مثل زوجة الخولي و...، تعد من مصاديق حضور المرأة في جبهة النضال والجهاد والشهادة. وهذا النضال الذي خاضته النساء أستمر حتى بعد واقعة كربلاء. ويمكن مشاهدة هذا النضال في إيواء زوجة حارث لطفلي مسلم ونهضة درة الصدف صفية بنت عبد الله بن عفيف الأزدي و... .

تعليم الصبر والمقاومة وتعزيز المعنويات
إن روح المقاومة والتحمل لدى النساء بسبب استشهاد أعزائهن في كربلاء، يمثل درسا أخر لنهضة عاشوراء، وتجسدت ذروة هذا الصبر والإستقامة في سلوك السيدة زينب الكبرى علیها السلام.
وفي المقابل، نرى دناءة وحقارة العدو في نهب وسلب الخيام وإضرام النار فيها، بعد استشهاد أبي عبد الله الحسين علیه السلام  وأصحابه الميامين، وضرب النساء والأطفال ودوس الأعداء باحصنتهم على الأجساد الطاهرة للشهداء ومشاهدة هذه المشاهد من قبل النساء والأطفال، وأسر أهل البيت ووحدة الاطفال ومرور قافلة الأسرى على مكان استشهاد الشهداء، وآلام ومعاناة السفر في الأسر، والمرور على ميادين الكوفة والحضور في مجلس إبن زياد والسفر إلى «الشام» والحضور في بلاط يزيد وهم مكبلون بالقيود والسلاسل، وكل ذلك يحصل والعزاء والامل الوحيد للنساء والأطفال المفجوعين والمضطهدين، تمثل في صبر ومقاومة النساء تأسيا بصبر ومقاومة السيدة زينب علیها السلام وباقي نساء أهل البيت علیها السلام  بمن فيهن أم كلثوم و... وذلك بعد الأمل والإتكال على الله تعالى.

العناية والرعاية والحماية
ومن الأدوار والواجبات التي أدتها النساء في عاشوراء لاسيما دور السيدة زينب علیها السلام تمثل في جمع الأطفال الذين تفرقوا في الصحراء وتهدئة الأطفال والعناية بالمرضى ومداواة الجرحى والعناية بالإمام السجاد علیه السلام 3 الذي مرض ورقد في الفراش تزامنا مع واقعة عاشوراء، وحمايته في مواجهة العدو وكذلك حماية النساء في مواجهة تطاولات الاخرين عليهن وعلى الأطفال.
ونظرا إلى أن معظم أشخاص قافلة أسرى كربلاء، كانوا من النساء والأطفال، وكان عدد الرجال فيها محدودا جدا واقتصر على شخصين أو ثلاثة أشخاص، لذلك فان نساء هذه القافلة بقيادة السيدة زينب علیها السلام تولين مسؤولية جسيمة.

القيادة والإدارة
وأعطت السيدة زينب علیها السلام في نهضة عاشوراء والإشراف على قافلة الأسرى، درسا في «الإدارة في ظروف الأزمة». فقد وجهت المجموعة المتبقية بإتجاه أهداف النهضة وتصدت لأي إجراء اتبعه العدو لإفشال نتائج عاشوراء واحبطت بالتالي مخططات العدو.4
وعندما إنفضح يزيد بعد خطبة السيدة زينب علیها السلام والإمام السجاد علیه السلام  واضطر لإبداء الندم على الجرائم التي اقترفها وحمل إبن زياد مسؤولية وذنب ما وقع، وأصبح بصدد إستعطاف واستمالة ذرية النبي. لذلك عرض على الإمام السجاد علیه السلام  أن يبقى في الشام بكرامة واحترام أو أن يعود إلى موطنه المدينة. فقال الإمام السجاد علیه السلام : «يجب أن أستشير عمتي زينب في هذا الخصوص لانها تعنتي باليتامى وترعى أحوال الأسرى.» وبما أنه تحدث إلى السيدة زينب علیها السلام في هذا الخصوص، اقترحت إقامة مجلس عزاء5 ولذلك يمكن إعتبار إقامة مجلس عزاء على قتلى كربلاء والذي يعد فرصة اخرى لإيصال رسالة نهضة عاشوراء وديمومتها، على أنه مظهر من مظاهر تدبر السيدة زينب علیها السلام في مجال القيادة والإدارة.

حماية القيم الدينية
والمهمة الاخرى التي تولتها النساء الشجاعات في كربلاء هي حماية وحفظ القيم الدينية والإحتجاج على هتك حرمة ذرية النبوة ومراعاة العفاف والحجاب أمام الأعين والانظار المدنسة والملوثة. ورغم أن نساء أهل البيت علیها السلام  كن أسرى ونهبت ملابسهن وخيمهن وأصبحن في وضع غير مناسب أمام أنظار الاخرين، لكنهن أكدن بقوة على حفظ العفاف. وصرخت أم كلثوم في الكوفة: ألا تخجلوا من تجمعكم للتفرج على أهل بيت النبوة؟ وعندما اعتقلن في الكوفة في أحد البيوت، لم يسمحن سوى للخادمات أن يدخل أحد إلى البيت.

تقديم القدوة والنموذج
إن هؤلاء النسوة بقيادة السيدة زينب علیها السلام حملن على أكتفاهن راية الشهادة المفعمة بالفخر والإعتزاز وتولين تأدية مهمة قيادة الإعلام والعمليات المضادة للحكم الأموي، وحوّلن فترة الأسر إلى حقبة الحرية والتحرر، وأعطين في إطار الأسر، للأسرى درس الحرية والتحرر. وبذلك قدمن قدوة ونموذجا صحيحا عن المرأة التي تربت ونشأت في أحضان الاسلام ومدرسة الحسين علیه السلام . إن خطب السيدة زينب علیها السلام وأم كلثوم وفاطمة بنت الحسين6 أربكت مجلس إبن زياد وبلاط يزيد، وهذه الخطب النارية تقدم النموذج عن هذه القدوات والأسوات.

دور النساء في استمرار نهضة عاشوراء
إن زوجات وبنات وأهل بيت الائمة علیها السلام  والنساء المضحيات اللواتي حضرن في كربلاء وتحملن مع قادتهن المصائب والمصاعب، كن يحملن أيضا رسائل وكلمات وأقوال هؤلاء العظام. سيدات مثل زينب الكبرى علیها السلام بكلماتها البليغة والفصحية وخطبتها النارية ، قلبت بلاط إبن زياد ويزيد رأسا على عقب، ودفعت هذين العنصرين لحكومة الطاغوت إلى العجز والإنفعال، وكن يحملن رسالة إمامي زمانهن، أو إنهن شكلن نماذج ومثالا للذين تتلمذوا في محضر إمام زمانهن واضطلعن بدور مهم في رواية المعرفة وحفظ ذكرى أسرة العصمة والطهارة في عصر الظلام الذي ساد حكومة بني أمية. لذلك فان هؤلاء النسوة واستخداما منهن للقريحة الأدبية التي كانت سائدة في المجتمع العربي آنذاك والتحدث بفصاحة وبلاغة، واستخدام أهم عناصر الإعلام والدعاية أي القاء الخطب والكلمات البليغة وتلاوة الأشعار ورواية الحديث وكذلك إقامة مجالس العزاء والحداد لذكر مصائب سيد الشهداء علیه السلام  ونقل حوادث كربلاء والتي سنأتي على ذكرها في الصفحات التالية، اضطلعن من خلال نقل الاحكام الإسلامية ونقل كلام وسلوك وفضائل المعصومين واهل بيت العصمة والطهارة وكذلك إيصال رسالة نهضة عاشوراء ونهضة الإمام الحسين علیه السلام ، بدور مهم في فضح حكومة بني أمية وإحياء ذكرى أهل البيت علیها السلام ، وأثرن بذلك على الرجال والسناء الذين لم يشهدوا كربلاء ليمهدن الأرضية للنهضات اللاحقة وزعزعة أسس واركان الحكم الأموي.

الهوامش:
1. التشيع في مسار التاريخ، ص 221.
2. المصدر السابق، ص 242.
3. «تاريخ الطبري»، ج 7، ص 3017؛ «الكامل في التاريخ»، ج 5، ص 193؛ «دروس الإمداد والإغاثة في نهضة عاشوراء»، محدثي، جواد، مجلة بيام هلال، العدد 27، شهريور 1369ش.
4. «ثقافة عاشوراء»، ص 213.
5. «زينب عقيلة بني هاشم»، ص 108.
6. «ناسخ التواريخ»، ج أحوال سيد الشهداء، ج 3، ص 143؛ «فيض الدموع»، صص 214–218.
/انتهی/