افادت وكالة مهر للانباء-عبدالله مغامس: في ظل الاحداث المتوالية على الجمهورية اللبنانية التي وقعت بعد انفجار مرفأ بيروت الدولي، وسعي الحكومة الفرنسية الى استغلال الوضع اللبناني الراهن لصالها لاحقيّتها بلبنان على حدّ تعبيرها فهي تعتبر ان لبنان هو بلد اسّسه الفرنسيون، وتحذير الرئيس الفرنسي ماكرون لبعض الدول التي تسعى لاستغلال الوضع اللبناني، ومطالبة ماكرون جميع الدول الأوروبية "بإعادة دورها ومكانتها" في منطقة البحر المتوسط، وتأكيده على انه من الخطأ أن يترك الاتحاد الأوروبي الشرق المتوسط كوليمة سهلة المنال في أيدي تركيا وبعض الدول الاخرى التي تسعى الى فرض سيطرتها على المنطقة بعد الانسجاب التدريجي للولايات المتحدة من المنطقة.
فهناك بعض المحللين السياسين يرون بان ما تقوم به فرنسا ما هو الا محاولة لاعادة الانتداب الفرنسي ولكن بصورة مختلفة، نظراً لمحدودية قدرتها العسكرية والاقتصادية، فهي تسعى عن طريق دعم الدول الاوروبية لفرض سيادتها على المنطقة.
وفي هذا الصدد اجرى مراسل وكالة مهر للأنباء "عبدالله مغامس" حواراً صحفياً مع الكاتب والباحث في أكاديمية "باريس للجيوبوليتيك" الدكتور "فيصل جلول" الخبير بالشأن العربي المعاصر. واتى نص الحوار على الشكل التالي:
* هل ترى ان دولة لبنان ستكون مستعمره مره اخری من قبل فرنسا فی مئویة ولادتها کدوله "لبنان الکبیر" (ایلول 1920) ؟
انا لا اعتقد ان لبنان يمكن ان مستعمرة ثانية بعد مئة عام على تأسيسه من طرف فرنسا، اولاً، لان عهد الاستعمار قد ولّى ولم يعد قائماً.
هناك نوع من التبعيّة قد تكون نسبتها عالية جداً بحيث تقترب من الاستعمار، وقد تكون نسبتها منخفضة، ومع الاسف الشديد ان معظم دول العالم تابعة للقوى الكبرى.
لكن هناك فرق بين تبعية وتبعية اخرى، قد يكون لدى فرنسا نيّة في ان تستعيد دوراً اكبر في لبنان، لكن قضية الاستعمار لا اعتقد بانها مطروحة، بالاضافة الى انه لا يوجد في لبنان قابلية للاستعمار خاصةً بعد ان تمكن لبنان من تحرير ارضه من الاحتلال الصهيوني، وهو يصرّ على تحرير ما تبقى من الاراضي المحتلة.
اذا الاستعمار مسالة غير مطروحة، طرح بعض اللبنانيين عريضة تريد من فرنسا الانتداب على لبنان، لكن هذه العريضة جمعت مئات التوقيعات، في حين ان معظم الموقعين يعيشون في فرنسا والخارج، فأنا لا اعتقد ان العريضة تمثل قسم واسع من اللبنانيين، يمكن القول بانها تمثل عدد ضئيل جداً حيث لا يمكن لهذا العدد بان يفرض ارادته على لبنان واللبنانيين.
اذا الاستعمار باعتقادي في مئوية لبنان ليس مطروحاً بل ربّما المطروح شئ اخر بان يتمتّع للبنان باستقلال افضل ان تمكن من تحصيل الوسائل الاقتصادية التي تتيح له ذلك.
* برأیک هل تسعی فرنسا لفرض سیطرتها علی الحکومه اللبنانیه للضغط علی ملف حزب الله ؟
فرنسا ما زالت متمسّكة بموقفها من حزب الله، فهي تعتبر بان الجناح العسكري من حزب الله ارهابي، ولكن الجناح المدني والحزبي والبرلماني والسياسي ليس ارهابياً.
فرنسا ما زالت متمسّكة بموقفها من حزب الله، فهي تعتبر بان الجناح العسكري من حزب الله ارهابي، ولكن الجناح المدني والحزبي والبرلماني والسياسي ليس ارهابياً.
الولايات المتحدة وبريطانيا والمانيا صنّفوا حزب الله بكل فئاته، تنظيماً ارهابياً الا فرنسا لم تفعل ذلك، بل قالت بان الحزب بجناحه المدني هو حزب سياسي لبناني لديه شعبية ولديه مؤيدين.
فالموقف الفرنسي من حزب الله يمنع الاجماع الاوروبي لاصدار قرار اوروبي موحّد بتصنيف حزب الله بجناحيه السياسي والعسكري حزباً ارهابياً، هذا الامر يجب الانتباه اليه.
"لماذا تتّخذ فرنسا هذا الموقف؟"، لانها تريد ان يلعب حزب الله دوراً سياسياً في لبنان، ولان فرنسا تعرف جيداً انها اذا صنّفت حزب الله حزباً ارهابياً فلن يمكنها ان تلعب دورا في لبنان، لان الحزب طرف اساسي في الساحه اللبنانية.
بالاضافة الى ان حزب الله لن يقبل بان تتعامل لبنان مع دولة تصنّفه ارهابياً، خاصةً اذا كانت هذه الدولة كفرنسا التي تريد ان تلعب دوراً مهماً واساسياً في لبنان.
فرنسا لا تستطيع ان تسيطر على الحكومة اللبنانية، ببساطة لانها اذا ارادت فرض سيطرتها على لبنان ستصطدم بارادة قسم واسع من اللبنانيين الذين لا يريدون السيطرة الاجنبية على حكومتهم.
ونحن نعرف بان فرنسا في ثمانينات القرن الماضي حاولت ان تلعب دوراً معاديا لقسم من اللبنانيين ومؤيداً لقسم اخر، فما كان من محاولتها الا ان كسبت عداوة الشعب اللبناني، فقد تم قتل السفير الفرنسي في لبنان وتم تفجير مركز تابع للجيش الفرنسي في لبنان وتم اختطاف صحافيين وديبلوماسيين في ذلك الوقت.
واستطيع القول بانها كانت تجربة سيئة بالنسبة الى فرنسا، خاصةً بان هذه التجربة تزامنت مع الحرب العراقية الايرانية، وكان موقف فرنسا مؤيداً للعراق.
وبناءً على ما سبق، فانا لا اعتقد بان فرنسا اليوم تريد السيطرة على الحكومة اللبنانية، لكن تريد ان تلعب دورا في لبنان، فهي تعتبر ان لبنان هو بلد اسّسه الفرنسيون، ولذلك يجب ان يكون لها حضور في هذا البلد بارادة شعبه وليس ضد ارادتهم (هل تنجح؟، هذه المسألة قيد الاختبار).
* هل ترى ان لبنان سيكون من ضمن الدول المطبّعة مع الكيان الصهيوني في ظل الوجود الفرنسي؟
لا اعتقد ان لبنان يمكن ان يطبّع مع الكيان الصهيوني، من يجرؤ في لبنان بفتح الحديث عن التطبيع مع الكيان الصهيوني، لا اعتقد بان لبنان يمكن ان يلعب هذا الدور لا مع الوجود الفرنسي ولا مع وجود دول اخرى.
التطبيع مع الكيان الصهيوني ليس وارداً بالنسبة للبنان ولا للبنانيين، فالسياسيون اللبنانيين اكدوا على ان الجمهورية اللبنانية ستكون في وجه المخطط الصهيوني.
التطبيع مع الكيان الصهيوني ليس وارداً بالنسبة للبنان ولا للبنانيين، فالسياسيون اللبنانيين اكدوا على ان الجمهورية اللبنانية ستكون في وجه المخطط الصهيوني، وستتصدى له بكل قوتها.
حتى الان معظم الدول لا يريدون التطبيع مع الكيان المحتل، وبالنسبة الى لبنان فليس وارداً في هذا المجال بان يطبّع مع الكيان الصهيوني.
* هل تسعی فرنسا لاستغلال ضعف السیطرة الامریکیة علی المنطقة لفرض سیادتها ولاعادة هیبة الدول الاوروبیة، بعنوان ممثلة لاوروبا لتحسین صورت الاوروبیین فی المنطقة؟
نعم، يمكن لفرنسا ان تسعى لاستغلال الانسحاب الامريكي من الشرق الاوسط، كما تسعى قوى اقليمية كثيرة، فتركيا تريد فرض سيطرتها على المنطقة، وايران تسعى الى تعزيز حضورها في الشرق الاوسط، وفرنسا تعتقد بانها صاحبة مصلحة وحق في ان يكون لها نفوذ بعد انسحاب الولايات المتحدة الامريكية.
لكن السؤال المهم هو كيف سيكون هذا النفوذ؟ وبأي صورة سيتم؟ وبأي طريقة ؟، حتى الان لا يوجد اي افق واضح في هذا المجال.
برأيي ان فرنسا قد تسعى من خلال اوروبا كي يكون لاوروبا حضور في هذه المنطقة بعد انسحاب الولايات المتحدة الامريكية، لكن هذا يتطلّب وسائل اقتصادية ويتطلّب تحالفات.
حتى الان لا يوجد تحالفات عميقة تتيح لفرنسا الاستقرار في الشرق الاوسط، لانه اذا اردنا التحدث عن الوسائل الاقتصادية، فأنا ارى ان فرنسا لا تملك القدرة الاقتصادية الكافية لاغراء دول ومناطق في الشرق الاوسط لتكون تابعة لها، ولتكون مراكز نفوذ لها.
اما بالنسبة الى الوسائل العسكرية ففرنسا اضعف من ذي قبل، لذلك ربما تسعى فرنسا عبر الدول الاوروبية لكي تلعب مثل هذا الدور، وتدافع عن مصالحها في مواجهة تركيا التي تريد ان تتقدّم الى الامام مستفيدة من انسحاب الولايات المتحدة الامريكية التدريجي من الشرق الاوسط.
* هناک تصریحات للرئیس الفرنسي بعد اعلان زیارته للعراق بأنه سیخوض معرکة من اجل الحفاظ علی سیادة العراق، في حین انه هو من طالب بحل الحشد الشعبی بوقت سابق، وفي وقتها قال المالکي انذاک بان مطالبة فرنسا بحل الحشد الشعبي تمسّ سیادة العراق؟
اذا كان ماكرون يريد ان يلعب دوراً في العراق ويبدأ هذا الدور بحل الحشد الشعبي، فباعتقادي انه سيفشل فشلاً ذريعاً، فليست بهذه الطريقة يمكن ان يكون العراق سيد وحر ومستقل، وليس بهذه الطريقة يمكن ان يكون العراق قوي.
اظن لفرنسا مصلحة بان تكون لها علاقات جيدة مع العراق، وان تستثمر هذه العلاقات لمواجهة تركيا، لان فرنسا تعاني من التدخّل التركي في الشرق المتوسط.
بالاضافة الى مصلحتها بان تكون دولة مثل العراق او لبنان او سوريا بان تكون الى جانبها في المواجهة ضد تركيا.
فبرأيي إذا أراد ماكرون ان يكون لبلاده حضور في العراق، فلن يكون ذلك الحضور على حساب الحشد الشعبي او ان يكون مدخله هو حل الحشد الشعبي.
وهناك نقطة اخيرة مهمّة وهي ان الدخول الفرنسي او العودة الفرنسية الى لبنان والى العراق والى هذه المنطقة ليس مرهون فقط في انسحاب الولايات المتحدة الامريكية، وانما ايضاً بالهجوم التركي في الشرق المتوسط، ومحاولة كسر قواعد اللعبة الموجودة في هذه المنطقة من طرف الرئيس اردوغان، خاصةً انه نجح في ليبيا على حساب الفرنسيين الذين ساهموا في القضاء على النظام الليبي السابق وعلى حساب الروس لانهم على منافسة مع الروس في سوريا.
انا اعتقد ان الاندفاع الفرنسي الاخير مرتبط بهذا الامر، ومن مصلحة فرنسا ان يكون لديها حلفاء في المنطقة في هذه المجابهة.
/انتهى/