يرى المحلل والباحث السياسي اللبناني الدكتور "ناصر قنديل" ان فرنسا تسعى لملئ الفراغ الذي خلّفته الولايات المتحدة بعد ان ضعفت سلطتها في منطقة الشرق الاوسط خوفاً من ان تقوم ايران وتركيا والصين وروسيا بملئه بالمجّان.

افادت وكالة مهر-عبدالله مغامس: في ظل الاحداث الكارثية المتتالية التي تتساقط وتنهمر على الجمهورية اللبنانية في الفترة الاخيرة وما تتعرّض له من حصار ودمار وضغط بسبب الاوضاع الداخلية والخارجية للبلاد وما سببته ازمة كورونا وانفجار مرفأ بيروت الدولي من تدهور اقتصادي للبلاد، تسعى فرنسا جاهدةً الى ايجاد دور لها في لبنان من خلال استغلال الوضع اللبناني الراهن.

يرى المحلل والباحث السياسي اللبناني الدكتور "ناصر قنديل" انه بعدما ضعف الموقف الامريكي في الشرق الاوسط وضعفت السياسية الخارجية الاوروبية، تسعى فرنسا الى ملئ هذا الفراغ، لكي لا تقوم ايران وتركيا والصين وروسيا بملئه، وهذا الأمر ان حدث سيعرقل المشاريع الأميركية والصهيونية في المنطقة. 

*المشروع الجديد (العصر الجديد)

دعوة بكركي وخطاب البطريرك يتمّ تقديمهما كقراءة لمستقبل لبنان بمناسبة مئوية لبنان الكبير، ومشروع عقد سياسي جديد، يستفيد من تجارب الماضي ومخاطر الحاضر، ومن المستغرب أن يشير البطريرك إلى خشية من أن يكون المقصود بالعقد الجديد دعوة للمثالثة سبق ورفضها الرئيس بري قبل عقود، ورفض حزب الله عروضاً طائفية أكثر سخاء لمقايضة قوته المقلقة لأمن كيان الاحتلال بها، ويؤكد الطرفان تمسكهما بالحفاظ على مكانة ودور المسيحيين في لبنان والمنطقة بصفته وجوداً تأسيسياً للشرق لا تقرره أعداد المسيحيين فيه، وتجب طمأنته بكل عناصر الاستقرار الوجودي، لما يمثل من قيمة مضافة يفقد الشرق الكثير من ميزاته بخسارة هذا الوجود أو إضعافه، وليس خافياً أن الفريقين المعنيين ضمناً بتهمة المثالثة، يربطان كل دعوة لإلغاء الطائفية بالشراكة المسيحية الإيجابية والمطمئنة بها، من جهة، وبضمانات تحقق الاطمئنان الوجودي للمسيحيين من جهة مقابلة. والنقاش حول عقد سياسي جديد هو نقاش مطلوب بين اللبنانيين على قاعدة هذه الثنائية، كيفية التقدم نحو دولة ديمقراطية لا تقيّدها فدرالية المحميات الطائفية، وتوفير الضمانات لعدم تحوّل الديمقراطية إلى أداة لغلبة طائفية أو لزعزعة التوازنات بين الطوائف، وعناصر الاطمئنان الوجودي لديها.

بعد مئة عام على قيام لبنان السياسيّ الذي نعيش في ظله يبدو مفيداً أن نعود إلى ما كتبه مفكران لبنانيّان مسيحيّان كبيران، كان لهما عظيم الأثر في التنظير للبنان الكيان، وصولاً للحديث عن قومية لبنانية، ويحاول كل متحدث مسيحي في السياسة أن ينتسب إلى إرثهما وأن يربط مواقفه بما نسب إليهما، والمقصود طبعاً شارل مالك وميشال شيحا، اللذان رسما صورة الكيان اللبناني وقواعد نموه السياسي والاقتصادي.

* تغيير موازين القوى في المنطقة

خلال ثلاثة شهور سيغيب الأميركيون عن المنطقة عملياً، وسيتصاعد الصراع الفرنسي التركي في المتوسط، وستقف روسيا وإيران وسورية وقوى المقاومة، في منتصف الطريق لتلقي العروض الأفضل ورفع سقوف الطلبات، باعتبار موقعها الجيواستراتيجي هو المرجّح، وموقفها هو بيضة القبان في هذا الصراع، وخلال ثلاثة شهور سيكون بيد المقاومة في لبنان قدرة تأثير إقليميّة فاعلة بما يتناسب مع المعادلات والمتغيرات، يمثلها حق الرد الذي أكدت المقاومة الالتزام به مجدداً، وبأن تكون حصيلته قتل جندي صهيوني على الأقل، والردّ صالح للتحوّل إلى ما هو أكبر، وفقاً لطبيعة الهدف، وخلال ثلاثة شهور سيكون القتال على الجبهة اليمنية الخليجية مرشحاً للتصعيد، وبعد التطبيع الإماراتي الصهيوني انتقلت الإمارات من موقع الصديق المطلوب مراعاته بالنسبة لإيران إلى موقع العدو المطلوب عقابه، وبالتالي زالت الوساطة الإيرانيّة التي كانت تمنح الإمارات استثناء من العقاب الذي نالت السعودية منه النصيب الوافر، واستهداف منشآت حيوية في الإمارات التي وصفها اليمنيون بمدن الزجاج سينقل التعامل مع التطبيع من مستوى إلى آخر في الخليج والمنطقة.

* محاولة فرنسا لاستعادة حلمها الاستعماري

فتح ماكرون باب البحث باستئناف الشراكة الممنوعة منذ استخدام مظلة انتفاضة تشرين لإسقاطها تمهيداً للفوضى والفراغ كأساس لحملة الضغط القصوى، وجاءت حكومة الرئيس حسان دياب جداراً بوجه جدار، تفتح الباب لمواجهة التصعيد بالتصعيد، وتواجه الحصار بالاستعداد لجسور بديلة، فيما بدت المقاومة جاهزة لملاقاة التلويح بالفوضى بتعميمها على الوضع الإقليمي عبر الحدود من بوابة الردّ على الاستهداف وفقاً لمعادلة القتل ثلاثاً، والشراكة التي تنطلق من مبادرة ماكرون هي عكس الاتجاه الذي بُنيت السياسات الغربية عليه وبُنيت رهانات محلية على أساسها. وعنوان المبادرة ثلاثية هي، دور حزب الله أساسي في التركيبة اللبنانية وعلى أي خطة للإنقاذ أن تنفتح عليه وعلى مشاركته في العمل الحكومي، والحكومة المطلوبة هي حكومة جامعة يشترك فيها أوسع طيف سياسي من دون وضع المقاطعة من أي مكون على الطاولة تحت أي ذريعة، والقضايا الخلافية خصوصاً مستقبل سلاح المقاومة والدعوة للانتخابات المبكرة ودعوات الحياد، يمكنها أن تنتظر ولم تعد من الأولويات، ولا يمكن قبول ربط أي خطة إنقاذيّة بها.

 هكذا تحوّلت صرخات كثيرة كانت تعتقد أنها تشكل العنوان المقبل للإدارة السياسية للقضية اللبنانية إلى مجرد صراخ في واد عميق، ومنها خطاب بكركي القائم على اعتبار الأزمة اللبنانيّة المالية والاقتصادية نتاج الحصار الذي وقع تحته لبنان عربياً ودولياً بسبب حزب الله، ليحضر ماكرون ويقول ضمناً، إن الانفتاح الجاري نحو لبنان هو بشكل ما انفتاح على حزب الله، ومثلها تحولت الاستقالات النيابية إلى مأزق لأصحابها، فبدلاً من أن تكون مدخلاً لكرة ثلج تكبر لتبرر الانتخابات المبكرة بات النواب المستقيلون يبحثون عن موعد الانتخابات الفرعيّة ليقوموا بإعادة ترشيح أنفسهم عن المقاعد التي تخلوا عنها طوعاً، وفجأة التقط البعض من بين كلمات الرئيس الفرنسي حديثه عن عقد سياسي جديد، ليضعوا بين كلمات البطريرك فزاعة المثالثة، بديلاً عن خطاب الحياد الذي انتهت صلاحيته.

/انتهى/