افادت وكالة مهر للانباء-عبدالله مغامس: ان عمليات التشويه للاحاديث والسلوكيات الحسينية التي يقوم بها بعض ممّن يعتلي المنابر المحمّدية في ايام عاشوراء من كل سنة، ما هدفها الا تشويه نقاء مذهب آل البيت واصالته وعقلانيته.
ويرى الباحث والمحلل السياسي الدكتور "علي المؤمن" انه من الواجب ذكر مصاديق الإساءة والانحراف والتخريف في مراسيم إحياء ذكرى الإمام الحسين (ع) سواء المتعلّقة بالمفاهيم أو وقائع النهضة أو الشعائر والطقوس الدينية.
ويقول "علي المؤمن" "ان الذين يتقوّلون على آل البيت ويمارسون السلوكيات الانحرافية هم أقلية ذات صوت عال ووسائل تعبير هائلة، لكنهم لم ولن يستطيعوا اختطاف الحسين ونهضته، بل سيتحوّلون بمرور الزمن الى فرق ضالة إذا أصرّوا على تنفيذ أجنداتهم التخريبية، حالهم كحال الشخصيات والفرق التي سبق أن انحرفت عن التشيع".
وأكيد الباحث والمحلل السياسي أن المحرفين والمغالين ليس من الضروري أن يكونوا مرتبطين بمخططات أجنبية معادية للمذهب، ومع وجود أمثال هؤلاء المرتبطين دون شك، بل أن أغلبية التحريفيين تنساق وراء المناهج المتطرفة والمتحجرة والسطحية للفهم الديني والتاريخي، أو التعصب والعواطف والعناد والعقل الجمعي.
ويرى المحلل السياسي ان التحريف والتخريف المقصود والمذكور يشتمل على ثلاثة اقسام:
1- التحريف في الوقائع التاريخية لنهضة الإمام الحسين عبر الروايات الموضوعة أو الأقوال المختلقة.
2- التحريف والتخريف في بعض الطقوس التي تحوّل التشيّع الى فُرجة مقزّزة لايرضى بها الله ورسوله وآل بيته.
3- التحريف في أهداف نهضة الإمام الحسين، وتجزأتها وتفكيكها، وتحويلها من نهضة إصلاحية دينية مفصلية في مسار الإسلام، هدفها إعادة العقيدة الى واقع الأمة وإقامة حكم الإسلام وتطبيق شريعة رسول الله، الى مشهديات طقسية أو تضحوية أو ثورية، أو سرديات خرافية، أو تماهيات مع التفسيرات التجزيئية الوضعية.
ونوّه المحلل السياسي على ان مصاديق التحريفات والتخريفات للأقسام الثلاثة السالفة والأدلة عليها فهي كثيرة جداً، وقد ذكرتُ بعضها في الكتاب الذي أعكف عليه الآن: ((الحسين نهضة وليس ثورة )).
وتابع: "وكما تحدث عنها وتصدى لها عشرات المصلحين من المراجع والمفكرين والباحثين وكبار الخطباء، كالسيد "محسن الأمين" والشيخ "محمد حسين كاشف الغطاء" والسيد "ابو الحسن الإصفهاني" والسيد "محسن الحكيم" والإمام الخميني والشيخ المطهري والسيد الصدر والشيخ الوائلي والسيد الخامنئي والسيد السيستاني وآخرون من الفقهاء والمفكرين والباحثين، ولايعني هذا وجود تطابق في التوجيهات والفتاوى بين مراجع المذهب ومفكريه، فكل منهم ينظر الى إصلاح المنبر والتاريخ والشعائر من زوايته، لكنها في المجموع تتّفق على الخطوط العامة، وإن تنوعت المصاديق".
واشار على ان ذكر المصاديق ربما يحتاج الى جهد واسع وأحاديث مطولة، وتدوين مجلدات، وعرض تسجيلات صوتية وصور ومشاهد فيديو، لأن المصاديق والأدلة بالمئات، وهي واضحة وضوح الشمس للمطلعين، وكما أن من يقوم بأعمال التحريف والتشويه ومن يدعمها ومن يقف ورائها معروفون أيضاً، لكن مما لا شك فيه أن نشر هذه المصاديق والأدلة بتلك الصيغ والكثافة، هو عمل لاينسجم مع المصلحة العامة، وخاصة في ظل تشابك المؤامرات ضد مدرسة آل البيت وأتباعها في كل مكان، إذ سيساهم هذا النشر والترويج والتشهير في تشويه صورة مدرسة آل البيت أيضاً، ويعمل على دق إسفين الفتنة المجتمعية بين أتباعها.
وعليه، فإن من يريد اكتشاف المصاديق والأدلة، يجب عليه التعرّف ابتداءً على المعايير الحاكمة التي حدّدها القرآن الكريم والصحيح من سنة الرسول وآل بيته، لأنها الميزان الذي نزن فيه الغلو والخرافة والإساءة للمذهب ولشعائر آل البيت، صحيح أن مفاهيم الغلو والانحراف والتجهيل والدّس هي مفاهيم عامة فضفاضة مفتوحة، ولكن يمكن تحديدها بما يتّفق، ومن خلال عرض مصاديقها الكلية والتفصيلية على هذه المحدّدات، فإذا تطابق المصداق مع المعيار المحدّد أو قاربه، سنعرف حينها ماهو الشرعي وماهو اللاشرعي، وماهي الشعائر وماهي الطقوس، وماهو الأصيل وماهو الدخيل، وماهو المستقيم وماهو المحرّف، وماهي المختلقات والخرافات وماهي الحقائق والوقائع، وماهي المصالح وماهي المفاسد.
الطقوس الاجتماعية المنسوبة الشعيرة الدينية هي نتاجات إنسانية، وليست شعائر بالمعنى العقدي والفقهي، ويطلق عليها المجتمع "شعائر" مجازاً وتسامحاً، كونها منسوبة الى الشعيرة.
واشار الدكتور "علي المؤمن" الى ان هناك فرق جوهري بين الشعيرة الدينية والطقس الاجتماعي المنسوب الى الشعيرة، فالشعيرة المنصوص عليها بنص صريح صحيح هي توقيفية تعبدية، أما الطقوس الاجتماعية المنسوبة اليها، والتي أسسها عموم الشيعة في مختلف بلدان العالم، عبر السنين، فهي نتاجات إنسانية، وليست شعائر بالمعنى العقدي والفقهي، ويطلق عليها المجتمع "شعائر" مجازاً وتسامحاً، كونها منسوبة الى الشعيرة، وبالتالي: فهي بحاجة الى موقف الشرع، إثباتاً أو نقضاً بالعنوان الأولي أو العنوان الثانوي أو حكم الحاكم الشرعي.
واكد ان الفعل التصحيحي لمراسيم إحياء أمر آل البيت وسيرتهم هو الأصل، وليس الخطاب الإنفعالي في الرد على التحريف والتخريف والإساءات والتشويه التي يتسبّب فيه بعضهم، ولذلك يحتاج النظام الاجتماعي الديني الشيعي الى نهضة شاملة في مجال التصحيح والاصلاح وإعادة المسارات، تتوزّع على خمسة محاور نهضوية فرعية تكمل بعضها:
1- نهضة إرشادية وفتوائية دينية: وهي نهضة تخصّصية تقودها المرجعية الدينية وتنفّذها أجهزة الحوزة العلمية والوكلاء والمعتمدون والخطباء المجازون من الحوزة العلمية.
2- نهضة علمية وبحثية: وتتضمن التحقيق الدقيق في سيرة آل البيت وأحاديتهم وما روي عن أفعالهم وتقريراتهم، لتكون النتائج ملزمة لجميع أتباعهم، وحجة على الجميع، بمن فيهم دعاة الخرافة والتحريف، كما تتضمن معاهد وكليات لإعداد الخطباء والمبلغين والشعراء والرواديد، بإشراف الحوزة العلمية، وإجازات تمنحها لهذا الغرض.
3- نهضة إعلامية وأدبية: وتتضمن إطلاق وسائل إعلام وفضائيات وبرامج ومواد إعلامية ووثائقية ومؤتمرات ومحاضرات ومجلات وقصائد وقصص وروايات وأشعار بالعامية والفصحى، وجميعها تعتمد على نتائج النهضة العلمية والبحثية وتوجيهات المرجعية العليا.
4- نهضة فنية: وتشتمل على إنتاج الأفلام والمسلسلات والأناشيد والموسيقى والمواد الفنية وإقامة المهرجانات، بالاعتماد على نتائج النهضة العلمية والبحثية وتوجيهات المرجعية العليا.
5- نهضة اجتماعية ثفافية: وتشتمل على بث الوعي الجماهيري المركّز والمكثف، وتنظيم الشعائر والممارسات والسلوكيات العامة، وفق توجيهات المرجعية العليا.
واسترسل الدكتور قائلاً: "بما أن الطقوس الاجتماعية المنسوبة الى الشعيرة الدينية هي شأن اجتماعي عام وليس شأناً خاصاً، وأنها تمثل مظاهر اجتماعية وليست فردية، ولذلك فهي تقع في إطار الأمور الحسبية التي يترتب عليها حفظ النظام الاجتماعي الديني الشيعي، وجلب المصالح له ودرء المفاسد عنه، ولايمكن لهذا الدور الرأسي أو القيادي الاجتماعي الديني أن يقوم به جميع المراجع والفقهاء في الزمان والمكان نفسيهما، لأن التزاحم واختلاف الرأي بين الفقهاء في الشأن العام سينتج عنه فوضى مجتمعية ومفاسد كبيرة تطيح بالنظام الاجتماعي الديني الشيعي".
وتابع: "يكون من البديهي حصر إصدار الأحكام الثانوية والولائية الخاصة بشرعنة ممارسات إحياء أمر آل البيت والطقوس الاجتماعية المتعلقة بها، بالفقيه المتصدي أو المرجع الأعلم الحي في كل زمان، وهو الذي يحدد شرعية بعض المراسيم والعادات والطقوس المختلف عليها أوعدم شرعيتها، و صلاحها أو عدم صلاحها".
ووضّح انه حيال الفقهاء الآخرين الذين أوصلهم اجتهادهم الى رؤى فقهية مختلفة أو متعارضة مع رؤى المرجع الأعلى أو الفقيه المتصدي للحسبة والحكم، ويرون تكليفهم في صيغ أخرى، فإن مصلحة المجتمع الشيعي ووحدة مساره وأمنه، تقتضي عدم مزاحمة المرجع الأعلى أو الولي الفقيه في تطبيق رؤاه اجتماعياً.
ويرى الدكتور انه على مستوى العراق والمساحات الشيعية الأخرى المرتبطة بالنجف، فإن هذا الدور الرأسي هو بعهدة المرجع الأعلى الحي سماحة الإمام السيستاني، و رؤيته في تشخيص المصالح والمفاسد العامة، ولعل توجيهاته التي يصدرها بنفسه أو عبر مكتبه ووكلائه في المواسم العاشورائية، هي الفيصل في هذا المجال.
/انتهى/