وكالة مهر للأنباء - عوض أبو دقة: أجمع محللون وخبراء سياسيون وعسكريون، أن عملية اغتيال العالِم النووي الإيراني الدكتور محسن فخري زادة، تحمل بصمات صهيونية، وهي تريد بذلك استدراج إيران لرد عسكري عليها، يُشكِّل ذريعةً لخوض حرب يستفيد منها كلاً من رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، والرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب.
** كيف وصلوا له؟!
قال الخبير السياسي الدكتور عادل سمارة في حديث خاص لدنيا الوطن :" إذا توقفنا عند حادثة الاغتيال، فهنا نتحدث عن حرب مستمرة ودائمة ضد كل مقاوم"، معرباً عن استغرابه الشديد كيف استطاعوا الوصول لهذه الشخصية الرفيعة؟!، وأضاف: "هذا صادم، ومؤسف، ومؤلم، رجلٌ بهذه الأهمية والمكانة يجب ألا يخرج من المكان الذي يعمل فيه"، متسائلاً في السياق: "لماذا ينالوا منا، ولا ننال منهم؟!".
ونوه الدكتور سمارة إلى أن أحد الأسباب الرئيسية في الوصول لهذا العالِم، هم العملاء، داعياً إلى الانتباه من خطرهم، وعدم الشعور التام بالأمان، حتى لو كنت في أعلى هرم السلطة.
ولفت إلى الأمريكان عندما كانوا يحتلون الصومال، ويطاردون محمد فرح عيديد، رصدوا مبلغ 25 مليون دولار لمن يدلي بمعلومات تقودهم إليه، مستذكراً بهذا الصدد ما نشرته صحيفة "واشنطن بوست"، من أنهم يستطيعون تصوير والوصول لكل مكان يريدونه عبر الأقمار الصناعية، لكنهم لا يستطيعون تصوير أو الوصول لشخص يبحثون عنه، لذا يجب تجنيد عملاء للوصول إليه، ويجب أن يكون عملاؤهم مثقفين، إلا أنهم فشلوا بالإمساك به، كونهم - ببساطة- لم يجدوا عميلاً مثقفاً في الصومال.
وأعرب الدكتور سمارة عن اعتقاده أن العملية لا تخلو من أيادٍ عميلة تعملُ في صفوف المعارضة الإيرانية، وقد يكون بعضهم مزروعين في العمل مع العالِم محسن زادة.
ويُقدر الخبير السياسي أن من نفذ عملية الاغتيال ربما يريد الاكتفاء بها، مع إدراكه أنها جاءت في توقيت حساس، في إشارةٍ منه للفترة الانتقالية التي تسبق مغادرة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للبيت الأبيض.
وبحسب الدكتور سمارة فإنه "ليس من مصلحة الكيان الصهيوني شن حرب في هذه المرحلة"، موضحاً أنه "عندما يكون بمقدورهم ذلك لن يترددوا لحظةً واحدة".
وبيَّن أن هناك مبدأً قائماً عند الكيان الصهيوني، يتمثل في أنها كل يوم يمكن أن تقوم بحرب، ولكن حين لا تقوم بذلك، فذلك معناه، أنها ستخسر كثيراً.
وتوقع الدكتور سمارة أن تمتص إيران الضربة، على اعتبار أن الرد العسكري عليها سيكون مغامرة.
** طهران لن تمررها
بدوره، قال الخبير العسكري الدكتور واصف عريقات:" سياسة الكيان الصهيوني واضحة ومعلنة، وهي ليست خافيةً على أحد، بأنها لا ولن تقبل سلاحاً يضاهي أو حتى يوازي السلاح الصهيوني في المنطقة"، مضيفاً أنها ضد أي تطور عسكري، ولعل ذلك يتجلى بوضوح شديد في عقيدة "بيغن" التي تقوم على المنع بالقوة العسكرية لأي تطور في المجال النووي أو في مجال التسلح لأي دولة أو جهة في الشرق الأوسط.
وذكَّر اللواء عريقات في حديث خاص مع "دنيا الوطن"، بقصف الكيان الصهيوني للمشروع النووي السوري الذي كان يُبنى بالتعاون مع كوريا الشمالية في دير الزور عام 2006، وكذلك قصفها للمشروع النووي العراقي المُفترض عام 1981.
وأشار إلى أن نتنياهو يقف ضد تطور البرنامج النووي الإيراني، حتى أنه يرفض تماماً فكرة أن هذا المشروع يخدم أغراض سلمية.
أصابع الاتهام في عملية اغتيال العالم النووي الإيراني الدكتور محسن فخري زادة، تشير إلى نتنياهو وترامب، واتهام إيران لهما وتحديداً لنتنياهو في مكانه الصحيح، فهو يريد استغلال الفترة الانتقالية قبل مغادرة ترامب للبيت الأبيض لضرب إيران.
وأوضح اللواء عريقات قائلاً :" أصابع الاتهام في عملية اغتيال العالم النووي الإيراني الدكتور محسن فخري زادة، تشير إلى نتنياهو وترامب، وأجزم أن اتهام إيران لهما وتحديداً لنتنياهو في مكانه الصحيح".
وتابع "واضح أن نتنياهو يريد استغلال الفترة الانتقالية قبل مغادرة ترامب للبيت الأبيض لضرب إيران".
وأوضح اللواء عريقات، أن نتنياهو يريد استدراج إيران للرد على جريمة اغتيال العالم النووي، لافتاً في السياق إلى أن كل تحركاته الأخيرة تشي بذلك بوضوح.
ونوه إلى تحليق قاذفة القنابل الاستراتيجية بعيدة المدى B52 فوق أجواء المنطقة، ومحاولة نتنياهو الإيحاء بأن المنطقة ذاهبة باتجاه حدث ما، وطلبه من جيش الاحتلال الصهيوني أن يستعد لاحتمال ضربة أمريكية لإيران.
ووفقاً للواء عريقات "معروف ضمناً لأي خبير ومراقب أن نتنياهو وترامب لن يفوتا الفرصة الانتقالية حتى 20 من كانون الثاني/ يناير المقبل، والكل يتوقع حرباً"، مستشهداً في السياق بإقالة ترامب مؤخراً لوزير الدفاع الأمريكي مارك إسبر.
ورأى أن طهران لن تمرر الاغتيال بهذه السهولة، رغم إدراكها أن العملية فيها استدراجٌ لها لكي ترد.
وتوقع اللواء عريقات أن تتعامل إيران بعناية، وتمرر هذه الفترة الانتقالية دون رد، مع احتفاظها بحق الرد، كما فعل حزب الله مؤخراً بعد اغتيال أحد مقاتليه قرب مطار دمشق.
ووفقاً لتقديرات الخبير العسكري عريقات فإن هناك الآن اجتماعات لخلية الأزمة، ولأعلى المستويات الأمنية والعسكرية في إيران، لدراسة الموقف بأدق التفاصيل، مضيفاً "ليس سهلاً على إيران أن تتخذ قراراً في هذه المرحلة".
واستطرد قائلاً: "نتنياهو يريد التصعيد، ليستفيد منه، وترامب هو الآخر يريد التصعيد، ويستفيد منه، لاسيما وأنه متشبث بكرسي الحكم، ولا يعترف بالهزيمة"، منوهاً إلى أنه عازم على وضع خليفته جو بايدن في مأزق، حتى لا يكون أمامه مجال للعودة للاتفاق النووي مع إيران.
** لن تكون الأخيرة
من ناحيته، قال رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة الأزهر - غزة الدكتور مخيمر أبو سعدة :" بتقديري أن كل المؤشرات تقول: في اليوم الذي سيتسلم فيه جو بايدن المنصب بتاريخ 20 كانون الثاني/ يناير، سيعمل على إعادة العمل بالاتفاق النووي، الذي تم التوصل له عام 2015، حينما كان نائباً للرئيس الأمريكي آنذاك باراك أوباما".
الكيان الصهيوني أراد بعملية الاغتيال هذه استباق الأمور، وقطع الطريق على بايدن للعودة للاتفاق النووي مع إيران.
وتابع في حديث خاص مع "دنيا الوطن :"الكيان الصهيوني أراد بعملية الاغتيال هذه استباق الأمور، وقطع الطريق على بايدن للعودة للاتفاق النووي مع إيران".
وحذّر الدكتور أبو سعدة من أن ما جرى قد يكون استفزازاً لجر إيران لمواجهة عسكرية، مقدراً بأن طهران ستكون متنبهة لذلك.
ونبّه إلى أن عملية الاغتيال هذه ليست الأولى، ولن تكون الأخيرة، متوقعاً أن تشهد الفترة الانتقالية مزيداً من تلك العمليات.
وتحدَّث الدكتور أبو سعدة عن كون نتنياهو المأزوم - الذي يواجه تهم فساد، والذي تخرج ضده مظاهرات شبه يومية تنادي باستقالته، حتى أن إيهود باراك اتهمه بأنه لا يختلف كثيراً عن الزعماء الفاشيين - يحاول تطبيق نظرية "افتعال الأزمات الخارجية"، بتوجيهه أنظار الرأي العام الصهيوني لإيران وبرنامجها النووي.
ولفت إلى أن الرأي العام الصهيوني في طبيعته يعشق القتل والانتقام - وهذا ليس غريباً عليهم- وبالتالي جاءت عملية الاغتيال هذه بهذا السياق، بهدف لفت الأنظار عن قضايا الفساد التي تواجه نتنياهو، ولتتحسن شعبيته وشعبية حزب "الليكود" الذي يتزعمه، في مقابل الصعود اللافت لنفتالي بينت، وحزبه الناشئ "يمينا".
/انتهى/