وكالة مهر للأنباء - حسن لافي: اختلفت ردود فعل الكيان الصهيوني على عمليّة اغتيال العالِم النووي الإيراني "محسن فخري زاده" عن الردّ الصهيوني السّابق يوم عمليّة اغتيال الفريق "قاسم سليماني"، حيث حملت الردود الصهيونية في طيّاتها هذه المرة العديد من الإشارات الإعلامية المقصودة، التي تشير إلى تورّط "الكيان الصهيوني" في عمليّة الاغتيال، مصحوبةً بحالةٍ استفزازيّةٍ من التّفاخر الصهيوني تجاه إيران، بدأها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي ألمح عن مسؤولية "الكيان الصهيوني" في الاغتيال بطريقة غير مباشرةٍ، من خلال فيديو نشره على حسابه على تويتر، بعد أقلّ من نصف ساعةٍ من عملية الإغتيال.
وكان الردّ الصهيوني هذه المرّة بعكس حالة الصّمت والإنكار الصهيوني التي تلت عمليّة اغتيال سليماني في بدايات العام الجاري، هذا السلوك المشين للكيان الصهيوني المغاير يدفعنا للتساؤل عن الدافع الحقيقي الذي يقف خلف السلوك الهمجي للكيان المحتل على عملية اغتيال العالم الايراني محسن زاده أبو المشروع النووي الإيراني كما وصفه نتنياهو.
الكيان الصهيوني بقدراته المحدود لا يستطيع خوض مواجه شرسة مع الجمهورية الاسلامية لادراكة انه في حال شن هجمة عسكرية على ايران سوف يكون الرد الايراني مخيف وغير قابل للتوقع والذي سيترتب عليه زوال الكيان الصهيوني عن بكرة ابيه
وارتكزت خطة الكيان الصهيوني في مواجهة الجمهورية الاسلامية ومشروعها النووي في الأساس على شخص الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب أكثر من اعتمادها على قدرة "الكيان الصهيوني" في إحداث إجماعٍ أمريكيٍّ داخل كلا الحزبين الحاكمين تجاه السياسة التي يجب اتباعها ضد ايران، ناهيك من عدم إمكانية "الكيان الصهيوني" خوض تلك المواجهة بقدرتها الذاتية، لذلك، بنى رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو خطّته على مسارين متكاملين:
الأول، سياسة ترامب الصّدامية تجاه إيران، الذي تمثّلت بالإنسحاب الأميركي من الإتفاق، بالإضافة إلى انتهاج أسلوب العقوبات الخانقة ضد الإقتصاد الإيراني، واقتصادات محور المقاومة بكاملها من خلال قانون "قيصر".
الكيان الصهيوني يحاول حصار على الجمهورية الاسلامية من خلال دول الخليج الفارسي لفتح اكثر من جبهة ضد ايران ومحاصرتها لخلق حالة من الاستنزاف الدائم لايران ولشركاء ايران في محور المقاومة
أما بالنسبة الى المسار الثاني، فكان من خلال تشكيل حلفٍ صهيوني مع دول التطبيع الخليجي في المنطقة برعايةٍ أميركية تحت عنوان الخطر الإيراني المشترك، الأمر الذي يساعد في عملية فتح أكثر من جبهة ضد إيران، ومحاصرتها، لخلق حالة من حالات الإستنزاف الدائم لها ولشركائها في محور المقاومة.
فمثّلت خسارة دونالد ترامب في الإنتخابات الأميركية فشلاً استراتيجياً لخطة الكيان الصهيوني تجاه إيران ومشروعها النووي، كون نتنياهو يدرك بشكلٍ قاطعٍ أن إدارة الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن تتبنى سياساتٍ لا تتوافق إلى حدّ كبير مع الرؤية الصهيونية لمواجهة إيران ومشروعها النووي، حيث تؤكّد تصريحات بايدن نيّته في العودة إلى الإتفاق النووي مع إيران، بما يترافق ذلك من رفعٍ للعقوبات من جهة، ومن جهة أخرى تُبدي إدارة بايدن تحّفظاتٍ جوهريّةٍ ازاء وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان، أهمّ ركائز التحالف الصهيوعربي، الأمر الذي سيعيق تشكيل التحالف الصهيوخليجي على الأقل لفترة من الزمن.
اللوبي الصهيوني يحاول وضع وخلق وقائع سياسيةٍ في الشرق الأوسط تمنع بايدن من العودة إلى الإتفاق النووي الإيراني لرتفاع منسوب التوتّر الأمني في المنطقة لدفع امريكا لتوجيه ضربة عسكرية ضد ايران في ما تبقى من فترة ترامب
وعلى ضوء نتائج الإنتخابات الأميركية، لم يتبقَّ أمام نتنياهو إلاّ العمل على الاستفادة مما تبقى من فترة الرئيس دونالد ترامب في وضع العراقيل أمام إدارة بايدن، لكن بطريقةٍ مغايرة لسياسة ممارسة الضغط على بايدن، من خلال اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة الأميركية، كون تلك السياسة فشلت سابقاً مع الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، لذلك يحاول نتنياهو انتهاج سياسة الأمر الواقع من خلال خلق وقائع سياسيةٍ في الشرق الأوسط تمنع بايدن من العودة إلى الإتفاق النووي الإيراني، الأمر الذي يفسّر ارتفاع منسوب التوتّر الأمني في المنطقة بعد الإنتخابات الأميركية، والحديث المتزايد في الكيان الصهيوني عن توجيه ضربةٍ عسكريةٍ أميركيةٍ ضد إيران، في ما تبقى من فترة ترامب، كنبوءةٍ يهودية، لكن من الواضح أن المؤسسة الأميركية العميقة، وجنرالات وزارة الدفاع الأميركية أحالوا دون تحقيق تلك النبوءة.
وان تحييد ترامب يجبر نتنياهو على الإعتماد على الفعل الصهيوني الذاتي، لكن في الوقت ذاته، يدرك نتنياهو محدودية القدرة الصهيونية على الفعل العسكري العلني المباشر ضد المشروع النووي الإيراني، والمخاطر المترتّبة على إقدام "الكيان الصهيوني" على مهاجمة الجمهورية الاسلامية.
وبناءً على ذلك يسعى نتنياهو من خلال تنسيق خطواته مع شركائه في حلف التطبيع الصهيوخليجي على إبراز أيّ فعلٍ عدائيٍّ ضد المشروع الإيراني وكأنه صادرٌ عن محور حلفاء أميركا في المنطقة وليس عن "الكيان الصهيوني" وحده، مما يجعل أيّ ردٍّ إيرانيٍّ عسكريٍّ مباشرٍ على أيٍّ من حلفاء أميركا في المنطقة بمثابة الضوء الأخضر لإدارة ترامب في توجيه ضربةٍ عسكريةٍ لإيران، الأمر الذي يُعيد خلط أوراق السياسة الخارجية الأميركية تجاه إيران من جديد، ويقطع الطريق أمام عودة إدارة بايدن إلى الإتفاق النووي الإيراني، أو على الأقل يزيد من صعوبتها.
ان عمليّة اغتيال العالِم النووي الإيراني محسن فخري زاده، ما هي الا فشل إستراتيجي من قبل المحور الصهيو أمريكي، الذي لم تستطع إنهاء المشروع النووي الإيرانيوإن الذي أصدر أمر الإغتيال، يسعى إلى خلط أوراق المنطقة أكثر من تعطيل المشروع النووي الإيراني، مستغلاً الأيام القليلة المتبقّية لترامب في البيت الأبيض، إدراكاً منه أن الفشل الإستراتيجي هو المحصّلة النهائية لما حقّقه المحور الأميركي طوال فترة ترامب، التي لم تستطع إنهاء المشروع النووي الإيراني، ولم تنتج العقوبات الإقتصادية انقلاباً شعبياً على مبادىء الثورة الإسلامية في إيران، ولم تمنع تمركز محور المقاومة في سوريا، ولم تحدّ من تعاظم قدراته العسكرية على امتداد جبهاته الجغرافية، بل استطاعت إيران ومحور المقاومة تجاوزها، رغم ما حملته سياسة الإغتيالات من خسائر على المستوى التكتيكي.
إلا أنه وكما كتب "باراك رافيد" المحلل السياسي الصهيوني معلّقاً على عملية اغتيال زاده "إنه لأمرٌ رائعٌ أنّ فخري زادة بالفعل مع حور العين، لكن لا ينبغي للمرء أن يعيش في وهمٍ أن البرنامج النووي الإيراني قد تمّ القضاء عليه اليوم كما يروّج العديد من المسؤولين الحكوميين.. حيث لم نشهد مغادرة الإيرانيين سوريا بعد جنازة قاسم سليماني".
/انتهى/