يرأى الكاتب والباحث الاكاديمي في اكاديمية باريس للجيوبوليتيك الدكتور " فيصل محمد جلّول "، انه لا يوجد من يخيف الكيان الصهيوني سوى الجمهورية الاسلامية الايرانية.

وكالة مهر للأنباء - عبدالله مغامس : منذ ان عزمت الولايات المتحدة على إعادة فرض العقوبات الجائرة تدريجيا على الجمهورية الاسلامية الايرانية منذ انسحابها من الاتفاق النووي، يرى المحللون السياسيون أن هذه الخطوة التي قامت بها امريكا تستهدف القطاعات الأساسية للاقتصاد الإيراني، في حين كانت بريطانيا وفرنسا وألمانيا وروسيا والصين طرفا في اتفاق 2015 وأكدوا تمسكهم بهذا الاتفاق بعد انسحاب أمريكا، وقالوا بانهم سيسعون للعمل مع إيران لتجاوز العقوبات الأمريكية الجائرة على الشعب الايراني.

وفي صراع الولايات المتحدة مع إيران بدأت واشنطن المرحلة التالية من التصعيد واستهدفت العقوبات الجديدة قطاع تصدير النفط والقطاع المالي. هذا في حين تواجه أوروبا صعوبة في اتخاذ إجراءات مضادة ضد هذه العقوبات الجائرة، وقامت الولايات المتحدة بادخال حزمة جديدة من العقوبات الأميركية أحادية الجانب على إيران حيز التنفيد. هذه العقوبات الجديدة تستهدف قلب الاقتصاد الإيراني "قطاع تصدير النفط".

وعلى اثر هذا التصعيد الامريكي، حظرت امريكا جميع المعاملات النفطية مع شركات النفط الإيرانية، كما حظرت أيضاً التأمينات بجميع أنواعها، حتى تلك المتعلقة بنقل النفط، بالإضافة إلى ذلك، تم تشديد العقوبات المالية الحالية، والتي تشمل أيه معاملات مع البنك المركزي الإيراني أو مع أية بنوك إيرانية أخرى، ووصف دونالد ترامب العقوبات الامريكية بأنها "أقسى عقوبات على الإطلاق"، وترغب الإدارة الأمريكية إرجاع صادرات النفط الإيرانية إلى نقطة الصفر، حتى لو لم يكن ذلك ممكناً.

في ظل مسلسل العقوبات والحظر الامريكي على الشركات الايرانية، الذي كان اخرها منذ عدة ايام باعلان وزارة الخزانة الامريكية بفرض حظر على ايران بحجة ان الجمهورية الاسلامية تسعى لتعزيز قدراتها العسكرية، وهو ما سيسبب قلق ويزيد من المخاوف الامريكية.

وفي هذا الصدد أجرت وكالة مهر للأنباء حواراً صحفياً مع الكاتب والباحث الاكاديمي في اكاديمية باريس للجيوبوليتيك ( الجغرافيا السياسية ) الدكتور " فيصل محمد جلّول "، واتى نص الحوار على الشكل التالي: 

* برأيك هل سیغیر بایدن في سلوکه ضد ایران کما یدّعي الان ؟

ان ترامب معروف بنزعته الانتقامية وهذا الاجراء الاخير العقابي يدخل في هذا الإطار، اما بالنسبة الى بايدن وموقفه من ايران فقد اعلن ذلك خلال حملته الانتخابية ونحن نعرف ان الامريكيين لم ينتخبوا بايدن من اجل ان يطبق السياسة التي كان يعتمدها ترامب، هناك فارق بين السياستين واضح، صحيح انه يوجد اتفاق بين الطرفين على تأمن وتعزيز امن الكيان الصهيوني، لكن بذات الوقت هناك تباين في وجهات النظر حول خدمة الكيان الصهيوني.

جو بايدن قال بان الاتفاق النووي مع ايران يحقق امن الكيان الصهيوني، لذلك هناك اختلاف بين الطرفين، واعتقد ان بايدن سيكون له موقف مختلف عن موقف ترامب من الاتفاق النووي الايراني.

* کان ترامب سابقا یحاول ان یزید من اسلوبه العدائي والهمجي مع الشعب الايراني والمسلمین والسود والمهاجرین ویعتبرهم خطراً علی الولايات المتحدة، هل ترى ان بايدن سيقوم بتغيير هذا السلوك الامريكي ؟ 

بالتأكيد بايدن سيغير سياسة البيت الابيض المطبقة داخلياً وخارجياً، وسيعيد الاعتبار للعمل الدبلوماسي الدولي، وسيعود الى المنظمات ( منظمة الصحة العالمية - منظمات اليونسكو - وغيرها من المنظمات ) التي سحب ترامب العضوية الامريكية منها، وسيعيد العمل باتفاقية بارس للمناخ، ومن المؤكد انه سيعزز التعاون مع الاوروبيين ومع الحلف الاطلسي، وستكون له مواقف مشجعة "ان تعود الولايات المتحدة الامريكية الى العمل الديبلومسي الدولي"، وان تخرج من استراتيجية العزل والتفرد في اتخاذ القرارات التي اعتمدها ترامب.

اما على الصعيد الداخلي فبالتأكيد هناك نسبة كبيرة جدا من اصحاب البشرة السمراء انتخبوا جو بايدن، من اجل ان يغير من سياسة الولايات المتحدة الامريكية التي كانت في عهد ترامب، وهناك عدد كبير من ذوي الاصول الاسبانية انتخبوا بايدن.

طبعاً هناك بعض الكوبيين انتخلوا ترامب، وهناك ذوي الاصول الفنزويلية الذين يكرهون مادورو انتخبوا ترامب ايضاً، لكن الاكثرية الساحقة من غير ذوي الاصول الاوروبية الامريكية هؤلاء انتخبوا بمعضمهم جو بايدن، مراهنين على أنه سيعتمد سياسة مختلفة عن تلك التي اعتمدها ترامب، بدليل ان هناك اعلان ان هناك يزيد الحد الادنى للاجور للساعة الواحدة من 7.50$ في كل الولايات المتحدة الامريكية الى 15$، وهذا مهم جدا، وان يعيد العمل بقانون اوباما الذي كان يشكّل ضمانات صحية مهمة للفقراء الامريكيين. اذاً هناك تغيير جذري في سياسة امريكا الداخلية، ماهو حجم هذا التغيير ومستواه؟، سنراقب بايدن ان كان سيقوم بتنفيذ وتطبيق الوعود التي اطلقها لبناء الثقة مع الشعب الامريكي.

اذا اراد ان يطبق كل ما قاله واكد عليه خلال حملته، معنى ذلك ان الطبقة الوسطى ستعود للانتعاش من جديد في الولايات المتحدة الامريكية بعد ان تلقت ضربات قوية في عهد ترامب.

* من وجهة نظرك ما مدى تاثير المزيد من العقوبات والحظر الامريكي على الجمهورية الاسلامية، وماذا تهدف الادارة الامريكية باعلانها هذا الحظر الجائر ؟ وما تاثیر هذه العقوبات علی تنیمة طاقات ایران العسکریة والطبیة وغیرها ؟

الجمهورية الاسلامية الايرانية تمكنت من بناء قوة دفاعية عسكرية مهمة خلال فترة العقوبات، وحققت نجاحات مهمة على الصعيد النووي خلال فترة العقوبات

لقد تمكنت الجمهورية الاسلامية الايرانية من بناء قوة دفاعية عسكرية مهمة خلال فترة العقوبات، وبالتالي تمكنت من تحقيق نجاحات مهمة على الصعيد النووي خلال فترة العقوبات، وهذا يعني ان عقوبات جديدة لن تعيق ايران عن متابعة المسائل التي تعمل عليها في المجال العسكري او في المجال التنموي.

بالتأكيد ان العقوبات الامريكية ليست جيدة لايران وليست جيدة لأي شعب في العالم، لان العقوبات الامريكية وغير الامريكية سيّئه بالنسبة الى الشعوب والى الدول، فهي يمكن ان تعرقل مستوى نمو وتطور هذه الدول، ويمكن ان تقيّد عدد كبير من انشطتها.

الجمهورية الاسلامية الايرانية برهنت خلال السنوات الماضية ان العقوبات لم تعقّد مسائل التنمية ولم تستطع هذه العقوبات من منع ايران من تحقيق الانجازات في المجال الدفاعي (العسكري)، وان يكون لها دور واسع في اقليم الشرق الاوسط، فكل هذا وقع في زمن العقوبات.

وبالتالي فان العقوبات الجديدة من قبل امريكا لن تغير أي شيء جوهري في سياسة ايران الداخلية والخارجية.

* بالنسبه الی العقوبات الامريكية الجديدة التي فرضتها الولايات المتحدة الامريكية على ايران، هل امريكا بصدد خوض حرب ضد ايران وخاصة بعد موافقة الادارة الامريكية على بيع السلاح والمقاتلات الامريكية الى الامارات، ام انه محض ضجيج سياسي ؟

وعد بايدن خلال حملته الانتخابية بان يعود الى سكّة المفاوضات مع ايران حول الملف النووي، وهذا الموقف متناسب مع الموقف الذي اتخذه الاوروبيون، لذلك بايدن يرغب بقوة في العودة الى الملف النووي الايراني، ربما مع اجراء بعض التعديلات عليه، او ربما مع مفاوضات جديدة، او ربما بشروط اخرى، هذا الامر سيكون اكثر وضوحاً بعد ان يتولى منصبه ويتولى مهمّته.

أما بالنسبة الى سعي الولايات المتحدة الى ضمان امن واستقرار الكيان الصهيوني في المنطقة، هذا اكيد، اليوم في الشرق الاوسط هناك ثلاث قوى اساسية في المنطقة هي ايران وتركيا والكيان الصهيوني، وعندما يشعر الكيان الصهيوني بتهديد مباشر او غير مباشر من الجمهورية الاسلامية الايرانية، عندئذ ستتدخّل الولايات المتحدة الامريكية من اجل ان تضمن الامن الصهيوني بالمزيد من العقوبات على ايران وعزل الجمهورية الاسلامية والصراع معها. 

بالنسبة الى امريكا، الخطر على الكيان الصهيوني سياتي من الجمهورية الاسلامية، لذلك تحاصر ايران

هذا واضح لان سياسة امريكا التي تنتهجها في الشرق الاوسط تعتمد على ركائز اساسية، واهم هذه الركائز " الكيان الصهيوني " هو الركيزة الاولى، و" اثيوبيا " هي الركيزة الثانية، لكن ايران ليست ركيزة اساسية بالنسبة الى امريكا، الخطر على الكيان الصهيوني سياتي من الجمهورية الاسلامية، لذلك تحاصر ايران.

ومن الواضح ان بايدن لا يريد استمرار السياسة التي كان يعتمدها ترامب تجاه ايران، ويريد ايضاً اعادة الاعتبار الى السياسة الدولية لبدء العمل الدبلوماسي الدولي.

ترامب في منافساته مع هيلاري كلينتون عام 2016، كان احد بنود حملته الانتخابية كان الانسحاب من الاتفاق النووي الايراني، وقد طبّق ما التزم به، اما بالنسبة الى بايدن فان احد اهم بنوده الانتخابية هو العودة الى ملف الاتفاق النووي الايراني.

* لماذا كل هذا الخوف والرعب من الجانب الامريكي من الجمهورية الاسلامية الايرانية ؟ ام ان الكيان الصهيوني شعر بالخوف من ايران فدفع امريكا لفرض الكثير من العقوبات والحظر على ايران ؟

الكيان الصهيوني يخاف على امنه واستقراره في المنطقة من الجمهورية الاسلامية الايرانية، ومن اصدقاء ايران ومن محور المقاومة، لذلك الكيان الصهيوني يسعى بكل جهدٍ لمعاقبة ومحاصرة ايران، لكي تدفع ايران ثمناً لتأييدها ودعمها لمنظمات المقاومة

في الحقيقة لا يوجد من يخيف الكيان الصهيوني سوى ايران في المنطقة، عندما يتأمّل الكيان الصهيوني في جيوبوليتيك المنطقة (السياسة الجغرافية للمنطقة)، تجد امامها جميع دول الخليج الفارسي دول صديقة، وتجد ايضا الاردن من احد الدول الصديقة، فالاردن واحدة من الدول التي وقّعت مع الكيان الصهيوني اتفاق السلام، وتجد مصر دولة حدودية صديقة لها وكذلك هي واحدة من الدول التي وقعت اتفاقية سلام مع الكيان الصهيوني.

وعندما تنظر الى حدودها الجنوبية تجد حركة المقاومة الاسلامية حماس والجهاد الاسلامي وجميع الفصائل والمنظمات الفلسطينية التي تتلقى الدعم المباشر وغير المباشر وبشكل علني ومخفي من الجمهورية الاسلامية الايرانية، وعندما تلقي بنظرها الى الشمال تجد الجولان وسوريا حليفة ايران، وعندما تتأمل في الحدود اللبنانية تجد المقاومة اللبنانية حليفة ايران.

اذا بالتأكيد الكيان الصهيوني يخاف على امنه واستقراره في المنطقة من الجمهورية الاسلامية الايرانية، ومن اصدقاء ايران ومن محور المقاومة، لذلك الكيان الصهيوني يسعى بكل جهدٍ لمعاقبة ومحاصرة ايران، وان تدفع ايران ثمناً لتأييدها ودعمها لمنظمات المقاومة.

الكيان الصهيوني على يقين تام بان العقوبات ليست حلاً جذرياً لحل قضية الصراع على الارض، فالشعوب لا تتنازل عن ارضها وعن حقوقها بواسطة العقوبات.

* بالنسبة للاوروبين كيف سيكون ردهم او موقفهم من هذه العقوبات الظالمة ؟

لا اعتقد ان الاوروبيين يستطيعون عزل او مواجهة ترامب، اوروبا تتلقى الحماية من الولايات المتحدة الامريكية، وعندما تتم حمايتك من اعظم قوة في العالم لا يمكن لك ان تعزلها او ان تواجهها.

من وجهة نظري لا اعتقد ان اوروبا كانت قادرة على عزل ترامب، صحيح انها تتمنى ان تأتي ادارة جديدة بسياسة مختلفة عن تلك التي اعتمدها ترامب، ومن الواضح الان انه توجد سياسة جديدة، لكن السؤال الاهم هل هذه التشكيلة الاوروبية تستطيع بان تقف في وجهه العقوبات الامريكية المفروضة على ايران ؟.

لقد اظهرت التجارب السابقة في عهد ترامب ان هذا الامر صعب، لم تتمكن اوروبا من منع ترامب من فرض عقوبات على الجمهورية الاسلامية، الان هي لا ترحب بهذه العقوبات، لكن لم نسمع صوتاً عالياً ضد هذه العقوبات، اعتقد ان  اوروبا تنتظر كما ينتظر العالم كله ان يأتي ويتسلّم بايدن الحكم وان يبدأ سياسة جديدة تجاه الشرق الاوسط وبالخصوص تجاه الجمهورية الاسلامية.

* كيف تقيّم موقف بعض الدول العربية من التقرب والتودد الى المحور الاستكباري الغربي ؟

من المعروف ان جميع دول الخليج الفارسي أنشأتها القوى الغربية، فالولايات المتحدة الامريكية هي التي ضمنت حماية المملكة العربية السعودية، وهناك اتفاق حماية مشترك فيما بينهما مقابل النفط السعودي ( امدادات النفط السعودي بشروط امريكية ).

ان جميع دول الخليج الفارسي انشأتها بريطانيا، وبالتالي موقف هذه الدول من الغرب موقف مؤيد تماماً وتحت السقف الغربي تماماً لذلك علاقتهم بايران في عهد الشاه كانت علاقة جيدة، وكان الشاه حليف امريكا، بل كان يعتبر " درك الخليج الفارسي" أو " شرطي الخليج الفارسي"، وكان هذا  الشرطي يتعامل مع دول الخليج بما يناسبه وبما يناسب الغرب.

ان تكوين مثل هذه العلاقات مع الكيان الصهيوني ليس خياراً حكيماً وليس فعالاً ولن يكون لهذه العلاقات ايّة منفعة للمنطقة بل سيزيد التوتّر بين الدول وبين الشعوب، وعلى المدى الطويل يمكن لهذه العلاقات ان تسيء لهذه الدول ويمكن ان يفقدها شرعيّتها

اذاً من الواضح تماماً ان هذه الدول لن تغير سياستها تجاه الغرب، وكذلك ليست لديها القدرة للتغيير، بل بالعكس تماما هي توغّلت اكثر.

اما بالنسبة الى الغرب فالان لم يعد كافياً بالنسبة للغرب ان تبقى احد حلفائه، بل يتم اجبار هذه الدول من قبل القوى الغربية ومن قبل ترامب على ان تكون حليفة للكيان الصهيوني ايضاً، وان تتبادل العلاقات الدبلوماسية مع الكيان المحتل.

لكن هذا الخط الذي تسير عليه دول الخليج الفارسي، اعتقد انه سيستضم بنهاية المطاف بالثقافة السياسية لشعوبها وبالثقافة السياسية للمنطقة التي تلفظ مثل هذه العلاقات وترفض مثل هذه التحالفات المخالفة للطبيعة، فكيف يمكن لدولة خليجية ان تمضي بعيداً في التطبيع مع الكيان الصهيوني ضد شعوب تدافع عن ارضها وتريد استعادة حقها وارضها.

باعتقادي ان تكوين مثل هذه العلاقات مع الكيان الصهيوني ليس خياراً حكيماً وليس فعالاً ولن يكون لهذه العلاقات ايّة منفعة للمنطقة بل سيزيد التوتّر بين الدول وبين الشعوب، وعلى المدى الطويل يمكن لهذه العلاقات ان تسيء لهذه الدول ويمكن ان يفقدها شرعيّتها.

/انتهى/