وكالة مهر للأنباء - زينب شريعتمدار: تقترب عقارب الساعة من الذكرى السنوية الاولى لفاجعة العصر الاليمة، وتخفق القلوب حزناً، وتضطرب العقول ذهولاً، وتجري المدامع سيولاً، إنها ذكرى الارتقاء الى السماء لسيد شهداء محور المقاومة الشهيد الحاج قاسم سليماني ورفيق دربه وحبيب عمره مهندس الانتصارت الشهيد الحاج ابو مهدي المهندس رضوان الله تعالى عليهما.
ليس من الغرابة والعجب أن نفرح بالانتصارات التي يحققها أبطالنا الشرفاء في كل الجبهات ( العلمية والعسكرية والجهادية والوطنية )، ومن حق كل عربي وسلم وحر أن يبتهج بهذا النصر وان يتوجه بالشكر لله عز وجل قولا وفعلا وعملا، وان للجمهورية الاسلامية الايرانية فضلاً لا يمكن انكاره لما قدّمته في سبيل هذا النصر العظيم ولمجاهديها الشرفاء الاحرار، في كل المجالات، ويجب ان يكون التعاطي مع هذه الانتصارات بعين الشكر لله والتقديس له واستشعار التقصير في ميادين العمل وتكثيف الجهود حتى لا تصبح تفاعلاتنا مع هذه الانتصارات روتين نتعود عليه وكأنها صفقات تجارية ارصدتها مضمونة وارباحها أكيدة.
وفي هذا الصدد اوضحت كريمة الامین العام السابق لحزب الله "بتول عباس الموسوی"، في حوارٍ صحفي مع مراسلة وكالة مهر للأنباء، عدّة نقاط كان اهمها:
** الحاج قاسم سليماني
الحاج قاسم سلیماني قضی حیاته في ساحات الجهاد موجها ملهما وقائدا بین المجاهدین، ان دوره الجهادي حتی بشهادته لم ینتهي بعد، مازال دمه یثمر وینتج، وببرکة دماءه الطاهرة ودماء الحاج ابومهدي سننتصر علی اعدائنا
بدايةً قال امامنا الحسین (ع) قبل خروجه الی العراق، عبارةً حیةً في قلوبنا ونفوسنا، وما زالت مستمرة الى يومنا الحالي، لاننا في کل یوم نسمعها كثيراً من قادتنا ومجهادينا، عندما قال الامام الحسین (ع): «فانَّ من لَحِقَ بی منکم اُسْتُشْهِد و مَن تَخلَّف لم یَبْلُغ الفتحَ و السلام» ، ونحن نعتقد بان الشهادة درجة عظیمة، وفوز کبیر، والمؤمن علی ایمان تام بان وراء هذا العالم عالم افضل، ونؤمن ان طریق الحق الذي نسیر به، هو الوحید الذي یوصلنا الی رضا الله، ورضا رسوله، واهل بیته واله المعصومین علیهم السلام.
نعرف جیدا ان قادتنا کلهم طلاب شهادة وهذا ما نراه في خطاباتهم وکلماتهم، نری قادتنا اغلبهم شهداء ومنهم جرحی.
الشهید الکبیر الحاج قاسم سلیماني رحمة الله علیه قضی حیاته في ساحات الجهاد موجها ملهما وقائدا کما نری في سیرة حیاته، قضی حیاته بین المجاهدین وقضا اغلب اصدقاءه شهداء وجرحی وکان من طلاب الشهادة وکان یدعو ان یرزقه الشهادة کما نسمع في خطاباته ولقائاته، وکان علی یقین بان الله ادّخره الی هذا الوقت لنیل الشهادة، لان دوره الجهادي لم ینتهي بعد، حتی بشهادته مازال دمه یثمر وینتج وببرکة دماءه الطاهرة ودماء الحاج ابومهدي سننتصر علی اعدائنا.
** اللقاء مع الحاج قاسم سليماني
التقيت بالحاج قاسم رحمة الله علیه خمس مرات؛ لقاءين كانا بایران وثلاث لقاءات في لبنان. واول لقائي مع الشهید رحمة الله علیه كان في طهران، ولمست روح عشقه المتوقة الى الشهادة.
یومها اهداني سبحة وطلب مني ان اواظب علی اقامة الصلاة، وان اتم الصلاة علی محمد وآل محمد في کل یوم الف مرة، واوصاني ان تدفن معه یوم استشهاده في القبر، عندما دعت احدی الاخوات الحاضرات بطول العمر اعترض علیها بکل محبة لکونه منتظراً لهذه الشهادة.
زارنا الحاج قاسم سليماني ثلاث مرات؛ مرتین في بیت اخي السید یاسر، ومرة زارني في منزلي وکان یومها مناسبة عید الغدیر،کانت زیارته شرف عظیم لي ولاخي السید یاسر ولسائر اخوتي، وفیض من الله علینا من انسان کان عالما وشهیدا حتی قبل شهادته.
کل لحظة من تلک اللقائات کانت هدیة من الله لنا وغنیمة حقیقة، کنت اشعر بأن الله یحبنا فجمعنا بهذا الانسان العظیم، طبعا هو توفیق من الله، وفي اخر لقاء مع الحاج کنا في جمع قلیل من عوائل شهداء لبنان کان في محضر السید القائد آية الله العظمى الامام علي الخامنئي اطال الله في عمره الشریف، وکان الحاج الشهید رحمة الله علیه حاضرا فی هذا اللقاء.
في اخر اللقاءات بعد ما ودعنا قائد الثورة، اقترب الحاج سلیماني وسلّم علینا وقدّم لنا الهدايا جمیعا ( قدّم لنا خواتم )، لکل اخت خاتم من السید القائد وخاتم من الشهید، وطلب من المصور ان یاخذ لنا معه صورة تذکاریة، وشیّعنا ماشیاً حتی وصلنا لباب الخروج عند السید القائد حتی ظننت ان الحاج قاسم یرید مغادرة بیت القائد فوقفت جانبا حتی لا اعبر امامه احتراما وتقدیرا له واذ به یلتفت الي ویقول انا باق هنا تعجبت لشدة تواضعه.
** شخصية الحاج قاسم سليماني
باعتقادی؛ الحاج قاسم سليماني يمثل الشخصیة المتواضعة، والروح الثائرة کالبرکان الذي لا يهدأ. فالشهيد لم یرتح او يتخلى عن العمل الجهادي طیلة حیاته. نراه حیث ما يناديه الواجب، نراه في ایران وسوریا والعراق وفي لبنان، لا ادری روحه تحوم حول فلسطین "تحریر فلسطین والمسجد الاقصی والقدس الشریف"، لا اعلم الی کل مکان یامره فیه الواجب الجهادي.
اعتقد الان ارتاح، عندما استشهد وجاور اولیاء الله وجاور الله عزوجل، ونراه صاحب المواقف الجریئة والشجاعة والثابته من خلال لقائاتنا القلیلة بالحاج قاسم لمست العدید منه العدید من الصفات الواضحة فی شخصیته، کانه الله زرع في قلبه الرحمة والرأفة وکانه ینظر بعین الله ویوزّع علی کل من یجالسه هذه الرحمة، هو بصدق انسان الهی عطوف محب یدخل حبه في القلوب بدون استئذان، عطفه اشد من عطف الأباء بالاخص مع ابناء وعوائل الشهداء.
** صفات الحاج قاسم سليماني
کان الحاج قاسم سليماني یملک بصیرة حادة. وانا علی یقین انه کان یری ویسمع ویتکلم بنور الله، کان یترک في کل لقاء اثراً کبیراً، وهذا ما رایته قبل شهادته بسبب بعض الکلمات والنظرات والهدایا التي یذکرنا بها، اوبعض التوصیات الخاصة التي کان مثلا یوصینا بها وفي کل مرة کان یزورنا کان یهدیني سبحة ویخصصني بدون ان اطلبها منه، ولي قصة مع مسابح الحاج سبحان الله. هو انسان متواضع جدا یحادث الصغیر والکبیر، یسال عن ادق التفاصیل، یدابر بتقدیم اي خدمة وان لم نطلبها او نحتاج الیها.
کان جلیاً جداً حبه وعشقه للمجاهدین والشهداء ولعوائل الشهداء بالرغم من وضعه الامني الحساس، ان الحاج قاسم سليماني لم یکن یعرف والدي الشهید السيد عباس الموسوي معرفة شخصیة ولم یکن یعرفنا الی ان زرته مع احدی الاخوات في اول زیارةٍ لي لطهران لتعزیته بوفاة والدته، ومن بعدها زارنا في لبنان بزیاراته المشرفة، وکنا انا واخوتي وازواجنا واولادنا نخاف علیه، لانه شخص مستهدف من قبل العدو، فکانت زیاراته الثلاث دائماً سریة للغایة، ولایعلم بها احد غیرنا، وکنا ندعو له دائماً بالسلامة وطول العمر، لانه بصدق شخصیة ممیزة واستثنائیة بالنسبة لنا، وکان دائما یقصدنا بالهدایا وکنا نخجل منه حقیقة، وکان یظهر لي ولاخوتي الکثیر من المحبة الصادقة النابعة من روحه وعشقه للشهادة والشهداء.
في اخر لقاء قبل عروج روحه رحمة الله علیه الی الملکوت الاعلی وقبل فوزه بالشهادة. عندها تذکرت والدي الشهید السید عباس الموسوي، وکم الحاج قاسم یشبهه في العدید من الصفات. حتی في طریقة اغتیاله واستشهاده، هنیئا للشیهد الحاج قاسم سلیماني، هنیئا له هذه الشهادة، هذا تکریم من الله عزوجل، کم نفتقده، روحه حیة في قلوبنا.
** اغتيال القادة
اغتیال الحاج قاسم لیس الاول ولن یکون الاخیر. ان هذه العملیة التي نفذتها امریکا ستندم لارتکابها، هذا الجرم الکبیر سیکون عقابته وخيمة، هنیئا له هذه الشهادة، اقتلونا فان شعبنا سیعي اکثر فاکثر
في کل مرة یرحل قائدا حتی غدت قافلة من الشهداء، کلهم اختاروا طریق سید الشهداء الامام الحسین علیه السلام، اختیار الاحرار، کلهم آمنوا بالهدف الذي اراده الله لنا، في شهادتهم تتحول دمائهم الی ارادة وعزیمة لنتمسک نحن بطریق الحق، هذا هو سر الشهادة، اقتلونا فان شعبنا سیعي اکثر فاکثر.
اغتیال الحاج قاسم لیس الاول ولن یکون الاخیر، لانه بحق ارعب الاعداء ورفع راية الاسلام ونصر المسلمین في کل مکان. ان هذه العملیة التي نفذتها امریکا ستندم لارتکابها، هذا الجرم الکبیر سیکون عقابته وخيمة، وهذا ما سنراه عاجلا ام آجلا.
دماء الشهید وکل الشهداء مازالت تزهر نصراً، وترسم ملامح المشهد النهائي لزوال کل طواغیت العالم وعلی رأسهم الشیطان الاکبر امریکا والكيان الصهيوني، هذه الدماء الطاهرة من العلامات المبشرات بالنصر الحاسم.
نقول للحاج قاسم سلیماني لسید شهداء محور المقاومة، ولمهندس الانتصارات الحاج ابو مهدي المهندس ولکل الشهداء: "سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ".
** ثقافة الشهادة
الحمدلله دیننا ومعتقدنا فیه التاثیر الایجابي من ناحیة المساعدة في التعامل مع الازمات، مثل الموت او الاستشهاد من ناحیة تقبل الامر والایمان التام بما بعد الانتقال الی العالم الاخر خاصة في الحدیث عن ثقافة الشهادة والشهداء، ومعنى ان یُقتل الانسان في سبیل هدف سامي ونبیل في طاعة الله، هو احدی الطرق للوصول لنیل رضاه سبحانه وتعالی من خلال اداء التکلیف الالهي بحفظ کرامة الامة، واعراضهم، ومقدساتهم، والشهادة نعمة الهیة لاینالها الا من توفّرت فیه صفات الشهید، لیکون اهل للشهادة، کما یقول امامنا روح الله الخمیني قدس سره: " هم قادة المسیرة وهم المعلمون في دنیا الجهاد وعلینا ان نستفید منهم ".
الشهيد الحاج قاسم سليماني اجتمعت فیه کل الصفات التي یحبها الله، انه قائد عسکري یشهد تاریخه الجهادي له طیلة مسیرة حیاته. ولایمکن ان تکون خاتمة حیاته الا بنیله الشهادة، التي انتظرها سنین طویلة.
** ذكريات
اذکر تلک اللیلة عندما نظرت الی شاشة التلفاز وهم یذیعون نبأ استشهاد الحاج رحمة الله علیه وانا لم اصدق هول الخبر. کان وقع الخبر کبیر علي، وصرت في ذهول وصمت رهیبین، رغم انني کنت متوقعة ان یختم الله حیاة الحاج بالشهادة، واغرورت عیني بالدموع، وبقیت لیالي وایام لا استطیع بقیام اي شيء، ان کان في البیت او خارج البیت، والذي خفّف عني کان هو زیارتي للامام الرضا سلام الله علیه بعد ایام قلیلة، فقد کنت کیفما اتجهت اری صورة الحاج قاسم رضوان الله تعالی علیه امام عینيي، حتی شعرت ان روحه لاتفارقني من شدة الحزن والتفکر به، والبکاء علی فراقه، وذهبت بي الروح الی الیوم الذي استشهد فیه والداي واخي، طریقة استشهادهم، اشلاء مقطعة، قصف صاروخي، والفارق هو المکان والزمان.
نحن الذین التقینا بالحاج مرات قلیلة کان حزننا عمیقاً كبيراً، فکیف حال عائلته؟، کیف حال السید القائد؟، ما مدی حزنه وحزن السید حسن نصرالله حفظهما الله؟، ما مدی حزن امام الزمان عجّل الله تعالی فرجه الشریف؟
وطیلة الوقت کنت افکر بعائلة الحاج قاسم، بحال زوجته، بحال اولاده، بحال ابنته. کنت افکر بحال ابنته زینب. کنت اقول في نفسي اذا نحن الذین التقینا بالحاج مرات قلیلة کان حزننا عمیقاً لهذه الدرجة فکیف حال عائلته؟، کیف حال السید القائد؟، ما مدی حزنه وحزن السید حسن نصرالله حفظهما الله؟، ما مدی حزن امام الزمان عجّل الله تعالی فرجه الشریف؟. فتمنیت ان روحي وروح اولادي وروح زوجي وکل ما املک ولو ان ارواح العالم کلها وفدیناه بانفسنا وبقي الحاج قاسم. لکن ارادة الله فوق کل شيء، اصبحت ادعو لعائلته بان یربّط الله علی قلوبهم، ان یلهمهم الصبر ویلهم السید القائد والسید حسن ویربّط الله علی قلوبهم ویصبرهم.
فکان وقعُ الخبر مفجع علی کل محبي الحاج، وعلى محور وشباب المقاومة في کل مکان في لبنان وسوریا وایران والعراق واليمن وفلسطين، من الذین التقو بالحاج او من الذین رأوه فقط بالصورة، ولکن محبة الحاج التي زرعها الله في قلوبنا وحّدت المصیبة، عزّیت نفسي، عزیت کل المحبین، وانهالت عليّ الاتصالات ممن اعرفهم لیعزونني، کنا نعزي انفسنا ونعزیهم، کان المصاب مصابا واحدا، ولان الذي غادر الدنیا ساکنن في قلوبنا الی الابد، لانه کان عاشقا لله وعاشقا لمحمد وآل محمد (ص)، الذي طافوا باشلائهم من النجف عند امیرالمومنین علیه السلام الی کربلاء الحسین والعباس علیهما السلام ومن ثم الی مشهد الامام الرؤوف علي بن موسی الرضا سلام الله علیهم اجمعین.
نعم اقول لنفسي ولکل عوائل الشهداء وخاصة عوائل شهداء مدافعي الحرم الزینبي ولعائلة الشهید الحاج قاسم سید شهداء محور المقاومة رضوان الله تعالی علیه، وعائلة الشهید البطل مهندس الانتصارات ابو مهدي المهندس، صبرکم وصبرنا اوجب و یوجب تنزل الصلوات علینا وعلیکم من الله " أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ "، والشهید قادر علی مساعدتنا في عالم الدنیا اذا توسلنا به الی الله عند الوقوع في المشاکل، وسیکون بانتظارنا وسنجده شفیعاً لنا عند رحیلنا عن هذا العالم.
واجبنا ان ننشر فکر وثقافة الحاج لتصل الی کل قلب، والی کل محب، ونکون ممن یخلد ذکراه، ویحفظ وصیته ووصیة کل شهداءنا الابرار لتبقی حیة علی مر السنین.
/انتهى/