وكالة مهر للأنباء - صلاح الدين المصري: قال تعالى في كتابه الكريم، ﴿ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾، صدق الله العظيم. في الذكرى السنوية الأولى لاستشهاد قادة النصر الحاج اللواء قاسم سليماني والحاج أبو مهدي المهندس و رفاقهم، الذين رحلوا على أيدي المعتدين الظالمين المحتلين ذوي الحقيقة الشيطانية ( أمريكا والكيان الصهيوني )، رحلوا في وقتٍ كانت فيه الأمة العربية والإسلامية في أشد الحاجة إلى هذه النماذج القيادية الإيمانية الربانية، فما هي طبيعة الانتصارات التي حققها هؤلاء القادة؟، وما مدى واقعيتها وانتمائها إلى الأمة العربية والإسلامية؟، وماهي أهم الخصائص المعنوية لهذا الزمن الجديد؟.
** أخلاقه السياسية والعسكرية
تحققت الكثير من الانتصارات العسكرية والسياسية في تاريخ الأمة العربية والإسلامية، ولم تخلو الساحة مطلقا من المعارك السياسية المختلفة، وتأثر غالبيتها بنموذج الفصل بين الأخلاق والسياسة، والفصل المطلق بين العمل العسكري والقيم الأخلاقية، وسادت النظرة المادية الشاملة للصراع السياسي التي تلغي الأبعاد الروحية والمعنوية، فكانت الثورة الإسلامية بقيادة فقيه متخلّق مؤمن عارف مجاهد تمثّل تغييراً جذرياً وعميقاً وزلزالا غير مسبوق في العالم المعاصر، حيث تميّزت هذه الثورة بطرح قيمة العدل والقسط والإيمان في مجال المواقف السياسية.
إن الشهيد القائد قاسم سليماني، قام باستكمال رسالة الامام الخميني رحمه الله، حيث بنى الحاج قاسم جميع مواقفه على مكارم الأخلاق في مواجهة جميع الظالمين وفي السعي للمصالحة بين جميع ابناء الأمة الإسلامية، وقد شهد له كل من عرفه بالحرص الشديد على حفظ القيم، ونجح في حفظ ارواح عشرات الآلاف من المدنيين العراقيين والسوريين من اضرار الحرب، وكانت ظاهرة الحافلات الخضراء التي تقوم بترحيل الجماعات الإرهابية مثالاً فريداً في بذل أقصى الجهد حتى يحمي حياة المدنيين الذين كانوا رهائن عند عصابات الإرهاب. ولم يكن الحاج قاسم سليماني يقاتلهم تعصبا لنفسه او طلبا لمجد شخصي، وانما حرصا على الأمة الإسلامية وحقوقها وكرامتها.
** تحرير الأرض والإنسان
ان اول مافعلته الجمهورية الاسلامية بعد انتصار ثورتها قامت بطرد السفير الصهيوني من اراضيها وتحويل السفارة الصهيونية الى سفارة فلسطينية في طهران، حيث طرد منها الصهاينة في 17فيفري1979، بعد اسبوع من انتصار الثورة الإسلامية، وتم تسليمها الى منظمة التحرير الفلسطينية
بعد مسيرته مع حرس الثورة الإسلامية في حرب الدفاع المقدس، وبعد مشاركته الواسعة في مقاومة تهريب الممنوعات ومحاولة زعزعة امن واستقرار البلاد، اكتسب الحاج قاسم سليماني مكانةً فريدةً في محور المقاومة، حيث تم تكليفه بقيادة فيلق القدس سنة 1998، وهو التشكيلة العسكرية والسياسية التي تعبّر عن أهم هوية في الثورة الإسلامية، حيث تعتبر قضية القدس وفلسطين احد الثوابت العقائدية والاستراتيجية التي لا يمكن التنازل عنها او المساس بها.
يجب العمل على دعم محور المقاومة لتحقيق التحرير الشامل لأرض فلسطين كلها من بحرها إلى نهرها، و يجب التذكير بأن اول مافعلته الجمهورية الاسلامية بعد انتصار ثورتها قامت بطرد السفير الصهيوني من اراضيها وتحويل السفارة الصهيونية الى سفارة فلسطينية في طهران، حيث طرد منها الصهاينة في 17فيفري1979، بعد اسبوع من انتصار الثورة الإسلامية، وتم تسليمها الى منظمة التحرير الفلسطينية.
واستكمل الحاج قاسم سليماني هذه المسيرة ليقترن اسمه بالانتصارات الكبرى التي حققتها المقاومة في لبنان والنجاح الاستثنائي في مايو 2000، بعد عامين فقط من استلامه قيادة فيلق القدس،وتتكررت الهزيمة النكراء للعدو الصهيوني عندما حاول ثانية في صيف 2006، فأصيب العدو بشلل معنوي ونفسي، بينما تحررت الأمة العربية والإسلامية من عقدة الجيش الصهيوني وتصويره على انه الجيش الذي لا يقهر ولا يهزم.
تحررت الارض العربية في جنوب لبنان، وتأسست حقيقة جديدة أطلق عليها رجال الله: إنّ الكيان الصهيوني أوهن من بيت العنكبوت، و تحول الحلم بزوال الكيان الصهيوني الذي ابتعد عن الخيال لعقود بسبب التخاذل العربي الرسمي وبسبب الهزائم المتتالية، الى هدف واقعي وحقيقة ثابته يمكن بناء الخطط الميدانية لأجل إنجازه، كان الحاج الشهيد القائد سليماني في عمق عملية التحرير الكبرى وصناعة الزمن المقاوم الجديد يهدف الى اعلاء كلمة الله،
و لم يكن يسعى وراء المجد الشخصي، فكان راضيا ان يكون بعيدا عن الأضواء مع رفاقه القادة العسكريين، وفي مقدمة هؤلاء القائد الشهيد الحاج عماد مغنية.
** صناعة الوحدة
اعتمد المحتل البريطاني والفرنسي والامريكي والصهيوني طيلة العقود والقرون السابقة الخطة البسيطة المعروفة بصناعة الفُرقة والانقسامات والصراعات داخل الأمة العربية والإسلامية، فهي أفضل السبل التي تبقي الشعوب المستضعفة ضعيفة عاجزة، حيث بلغ الحد أن تقتنع غالبية القوى السياسية في لبنان، بجملة سياسية عجيبة من حيث دلالتها على الهوان والمذلة، حيث توافقوا على قاعدة " لبنان قوي بضعفه"، ونفس الظاهرة في الساحة الفلسطينية وباقي الساحات العربية، فقد واجه القائد الشهيد سليماني واقع التشتت الكبير في مختلف الساحات التي شارك فيها في مواجهة المحتلين، واستطاع أن يكون سببا أساسيا في توحيد المقاومين من لبنان الى فلسطين الى العراق واليمن وسوريا.
ان ما قام به الحاج قاسم سليماني بتوحيد الصفوف كان أكبر من المواجهة المباشرة مع العدو، والجهاد فيها هو الجهاد الأكبر حيث يعتمد على النفس الطويل والأخلاق العالية ومهارات التواصل والحكمة الميدانية في تفكيك الألغام اللامتناهية التي يصنعها العدو، فالانتصارات دائماً ما تكون مهدّدة بأن تسقط تحت مطرقة الصراعات والانقسامات، ويعتبر الشهيد مدرسة في صناعة الوحدة وتعطيل مفاعيل الفتنة والحرب الأهلية.
** تحويل التهديدات إلى فرص حقيقية
عندما اقتحمت الجيوش الأمريكية بوابات العاصمة العراقية بغداد في أبريل 2003، تحولت إيران كلها الى وضع الدولة المحاصرة أمريكيا من الشرق ومن الغرب، ثم توجّه وزير الخارجية كولن باول إلى دمشق ليوجّه تهديداً واضحاً إلى الرئيس بشار الأسد، خيف قال له: "يجب التسليم بالقيادة الأمريكية للعالم وللمنطقة، ويجب إنهاء جميع تنظيمات المقاومة في فلسطين ومحيطها".
العدو الأمريكي لم يجد أيّ حلٍ أمام هزيمة كلفته ٧ تريليون دولار، وأمام تحول عميق في المنطقة أنجزه الجنرال سليماني، إلا الاغتيال الغادر تنفيساً عن علقم الهزيمة الذي تجرّعته امريكا في مرات عديدة، حيث كانت جميع خطط الولايات المتحدة ترتد عليها بفضل الحكمة والشجاعة والتضحية والصدق والإخلاص الذي تميّز به الشهيد الحاج قاسم ورفاقه
لكن رجال الله وفي طليعتهم الشهيد القائد سليماني رأوا غير ذلك، وتذكروا أن أمريكا والكيان الصهيوني كانوا يوما في بيروت واستطاعت المقاومة انذلك أن تذيقهم مرارة الهزيمة النكراء عندما فجرت لهم مقر المارينز في 23 اكتوبر 1983 و قتلت منهم اكثر من 200 عسكري في عملية واحدة مما دفعهم الى الفرار، وقبل ما انجزه طلبة خط الامام عندما اقتحموا وكر الجاسوسية الأمريكية في طهران وتسببوا في اكبر فضيحة للدبلوماسية الأمريكية، وبقدر ما كان ظاهر الأمور هو الغطرسة الأمريكية والهيمنة العالمية فان الواقع الميداني أخذ في التحول التدريجي فغرقت الجيوش الأمريكية في أوحال المنطقة وصارت بمثابة رهائن.
كان الحاج الشهيد سليماني مسؤولاً عن هذه المواجهة المباشرة الكبرى فقد اعترف المحتل الأمريكي بذلك، واعتمد الاسلوب التقليدي في تحريكه للفتن وللعصابات الإرهابية في مختلف المدن العراقية لعلها تحرق الأخضر واليابس في وجه سليماني ورفاقه، وامتدت الحرب لتنتقل الى سوريا وتتم السيطرة على اجزاء كبيرة من الجغرافيا الممتدة والتي تمثل الفضاء الحيوي والضروري في مواجهة المشروع الصهيوني، فبعد تجربة الاحتلال المباشرة، جاءت عملية عدوان مختلفة تحت مسمى الثورة، التي تحولت بسرعة جنونية الى دولة داعش الكبرى.
في الشهر السادس عام 2014، وقفت داعش تطرق أبواب بغداد وابواب دمشق، والجميع يعرف أن داعش صناعة أمريكية، فالتهديد كما وصفه السيد حسن نصر الله شبيه بنكبة 1948، والاعلان عن تأسيس الكيان الصهيوني.
إن الشهيد سليماني لم يتصدّ للعدوان الأمريكي الداعشي فقط وانما استطاع أن يحوّل هذا التهديد إلى أعظم فرصة، حيث جعله المناسبة الكبرى لتثبيت واقع فعلي جديد يرسّخ مقولة "محور المقاومة"، وتم اسقاط حدود سايكس بيكو، ضمن مشروع وحدة الأمة في مواجهة المحتلين وانهار مخطط سايكس بيكو الجديد الأمريكي الذي كان يريد تفتيت سوريا والعراق ولبنان والمنطقة بأكملها.
لم يجد العدو الأمريكي أيّ حلٍ أمام هزيمة كلفته ٧ تريليون دولار، وأمام تحول عميق في المنطقة أنجزه الجنرال سليماني، إلا الاغتيال الغادر تنفيساً عن علقم الهزيمة الذي تجرّعته امريكا في مرات عديدة، حيث كانت جميع خطط الولايات المتحدة ترتد عليها بفضل الحكمة والشجاعة والتضحية والصدق والإخلاص الذي تميّز به الشهيد الحاج قاسم ورفاقه.
** تأسيس النموذج العالمي
لقد كانت قيادة الشهيد القائد سليماني لفيلق القدس طيلة 22سنة، مليئة بالمعارك، والصراعات، ومواجهة الفتن المتنقلة، ومليئة بالانتصارات، فقد كان الشهيد في موقع القيادة المباشرة لحروب عالمية، ويدرك المتابعون أن احتلال العراق وحرب 2006 وحرب سوريا الكبرى وحرب داعش والحروب الثلاثة ضد غزة والعدوان السعودي الأمريكي ضد اليمن، كلها تعبير عن إرادة الأمة الإسلامية في تغيير وجه العالم المعاصر وبناء واقع العدالة العالمية الجديدة، سيشهد التاريخ أن الشهيد القائد قاسم سليماني هو المؤسّس الميداني لهذا النموذج العالمي الجديد، ويجب أن يحمل ابناء الأمة الإسلامية وجميع المستضعفين هذه الأمانة العظيمة التي تركها القادة الشهداء، وفي طليعتهم الشهيد سليماني.
فرسالته كانت في غاية الروعة والجمال والوضوح: " نحن أقوياء بانتمائنا إلى الحق، سنصنع قوتنا وسنجبر المحتلين الظالمين على الرحيل من أوطاننا وسنمهّد لبناء جيلٍ لا يعرف المستحيل ويصنع مستقبلة بيدية ، لا مستقبل يفرض عليه، بسم الله الرحمن الرحيم: ﴿ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾، صدق الله العظيم.
/انتهى/