بالتزامن مع مرور الذكرى الأولى على اغتيال قائد قوة القدس قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي أبو مهدي المهندس عند مطار بغداد الدولي، تتكشّف عدة حقائق وصورٌ لمسيرة سليماني.

وكالة مهر ـــ محمد زيني: بات مكشوفاً وواضحاً أنّ الدور الكبير الذي قام به الشهيد سليماني في دعم وتمويل وتدريب وتسليح مختلف الفصائل الفلسطينية لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي، إضافةً إلى ما كشفه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله على قناة الميادين في "حوار العام"، كان أمراً يؤكّد جديّة سليماني وقوّة القدس وإيران في محاربة "إسرائيل" وقتالها ودعم المقاومة، لاسيما عندما ذكر نصر الله أنّ الشهيد سليماني، هو من طلب أن تصل صواريخ الكورنيت التي اشترتها وزارة الدفاع السورية للمقاومة اللبنانية، ثم وافقت دمشق على إيصال الصواريخ إلى غزة. وفعلاً بجهد سليماني، امتلكت مقاومة غزة بمختلف مسمّياتها، صواريخ الكورنيت المتطوّرة التي حوّلت المعادلة لصالح الفلسطيني.

ربما يكون هذا أحد عشرات أو مئات الأعمال التي قام بها سليماني لدعم وتمكين المقاومة الفلسطينية، وبذلك يكون سليماني قد دخل فعلاً التاريخ عندما وصفه الفلسطينيون بـ"شهيد القدس"، وعُلّقت صوره ومعه المهندس في شوارع غزة. وما أظهره الفلسطينيون من حبّ وحسرة على فقدان سليماني، وتأكيداً على مواصلة نهجه، يعطي صورةً تكسر حواجز الطائفية المصطنعة.

ومن الواضح أنّ جليد الطائفية التي عملت عليها بعض الأنظمة العربية من خلال الدفع بالتكفيريين والمفخخات والتخوين والدعوة إلى قتله من خلال إنفاق الأموال، وإيجاد فتاوى مشبوهة تحرّض على الانقسام الطائفي، من الجليّ أنّ هذا الجليد ذاب، فاليوم يبادر الفلسطيني ربما قبل غيره للحديث عن أهمية وقوة وتأثير سليماني وكم افتقدته فلسطين.

سليماني والسعودية

في وقتٍ سابقٍ، كشف المساعد الخاص لرئيس مجلس الشورى الإيراني حسين أمير عبداللهيان، أنّ الشهيد سليماني كان قلقاً على مستقبل السعودية ووحدتها، في ظلّ حالة العداء التي تكنّها الرياض لطهران. كان سليماني يرى أنّ السعودية يجب أن يُبعدَ عنها خطر التقسيم، وهو خطرٌ حقيقيٌّ، وتبقى وحدةً واحدة كدولةٍ إسلامية. وكشف رئيس الوزراء السابق في العراق عادل عبد المهدي، حادثةً تؤكّد حرص إيران على إقامة علاقة طيبة والتقارب مع الرياض. أورد أنه عندما كان السيد عبد المهدي مع فريقٍ حكومي في زيارةٍ إلى الصين، اتصل به الشهيد سليماني وطلب منه أمراً في غاية الضرورة، وهو أن يكون وسيطاً لفتح صفحةٍ جديدة مع السعودية.

ذهب عبد المهدي والتقى الملك السعودي وولي العهد، وعلى حدّ قوله، بالرغم من الغضب السعودي، كانت الرياض مرحبة بالعرض، فطلب منهم عبد المهدي كتابة رسالةٍ إلى ايران والأخيرة ستردّ. وصلت الرسالة السعودية وأصبح الردّ الإيراني مكتوباً جاهزاً عليها وكان من المفترض أن يسلمه الشهيد سليماني لعبد المهدي، وبدوره إلى الرياض، لكنّ الرسالة لم تصل لأنّ سليماني قد استشهد قبل ذلك بساعات.

من كلام السيد عبد المهدي، يبدو أن بوادر حلحلةٍ للأزمة بين الرياض وطهران، بدأها سليماني حرصاً منه على الوحدة والتقارب، لكنّ ما عرقل ذلك هو اغتياله، ويبقى سؤالاً كبيراً: هل أن الرسالة والمساعي من قبل سليماني كان أحد الأسباب التي دفعت الولايات المتحدة لتكون حاجزاً أمام أيّ تواصلٍ سعوديٍّ إيراني؟

الردّ على اغتيال سليماني والمهندس

إيران ما زالت تؤكّد أنّ قصف قاعدة عين الأسد ما هي إلاّ صفعةً للأميركي وأنّ الردع مستمرٌ وأنّ إيران سوف لن تتنازل عن ردّها على استشهاد سليماني، وأنّ قائد قوة القدس الآن العميد إسماعيل قاآني قد أوحى عن طبيعة القوة الإيرانية، عندما ذكر أنّ ردّ إيران قد يكون في عقر دارهم.

وهنا صورةٌ أخرى يمكن تصوّرها حول طبيعة المواجهة الأميركية الإيرانية. الواضح والثابت هي حقيقةٌ واحدة (إيران تجهّز لشيءٍ ما)، لكنّ طبيعة وحدود هذا الشيء غير واضحٍ لغاية الآن، لأن وزير الدفاع الإيراني أمير حاتمي خاطب 60 وزير دفاعٍ حول العالم، برسالةٍ عن تورّط "إسرائيل" في اغتيال العالِم الإيراني محسن فخري زاده، وتصميم الايرانيين على طرد القوات الأميركية من المنطقة، بالاضافة إلى أنّه قبل أيام، كان مصدرٌ إيراني رفيع، لم يذكر اسمه لوكالة الأنباء الإيرانية، قد كشف أنّ "إسرائيل" أساءت فهم سياسة إيران في المنطقة وراحت صوب مزيدٍ من التوتر، وهذا التوجّه الإسرائيلي جعل من المواجهة معها مطلباً قومياً ووطنياً في إيران.

إنّ هذه المعطيات لا تدلّ على تقاعسٍ إيراني في ردّها على اغتيال سليماني وزاده والمهندس، فبغداد تعيش أزمةً حقيقيةً على خلفية تصاعد الضربات ضد المصالح الأميركية في العراق، ويبدو أنّ نذر المواجهة ليست ببعيدة عن التوقّعات.

وأما حقيقة ما صرّح به الرئيس الأميركي دونالد ترامب، "العالم أفضل من دون سليماني"، وتقييماً لهذا التصريح الذي جاء بعد اغتيال الشهيد قاسم، فهل فعلاً العالم اليوم أفضل؟ بطبيعة الحال، حجم الخطر المتصاعد لا يوحي بأنّ العالم من دون سليماني أفضل، وعلى لسان الأميركيين وقادة أغلب دول العالم، وإثر تحريض ترامب أنصاره على دخول الكونغرس وإثارة القلاقل الأمنية، ربما الحقيقة التي باتت أكيدةً هي أنّ العالم من دون ترامب أفضل./انتهى/

المصدر: الميادين