کتب الدکتور حسن أحمد حسن باحث متخصص بالجيوبولتيك والدراسات الاستراتيجية مقالا حول الاوضاع الراهنة الجاریة في الولایات المتحدة بعد الانتخابات الرئاسیة وعدم تخلي الرئیس المنتهیة صلاحیته عن منصبه والفوضی في امریکا مما ادی الی شرخ داخلي وانقسام الصف الامریکي.

وکالة مهر للأنباء _  کتب الدکتور حسن أحمد حسن باحث متخصص بالجيوبولتيك والدراسات الاستراتيجية مقالا حول الاوضاع الراهنة الجاریة في الولایات المتحدة بعد الانتخابات الرئاسیة وعدم تخلي الرئیس المنتهیة صلاحیته عن منصبه والفوضی في امریکا مما ادی الی شرخ داخلي وانقسام الصف الامریکي ویأتي نص مقاله کما یلي:

لم يكن يتوقع أكثر المتفائلين من محور المقاومة أن عناد ترامب وتفاقم عجز إدارته عن مصادرة إرادة أقطاب محور المقاومة ستفرز تداعيات تصل إلى اتساع الشرخ الداخلي الأمريكي، وانقسام الصف بطريقة تنذر بكوارث متتالية على المستوى الاستراتيجي، وقد بدأت الشواهد تتضح بالتدريج منذ الإعلان عن أول عمليات فرز الأصوات في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وفي كل مرحلة كانت تزداد الأمور سوءاً وتتجه نحو المجهول شيئاً فشيئاً إلى أن جاء السادس من الشهر الحالي، حيث التقى ترامب أنصاره وحفَّزهم لاقتحام مبنى الكابيتول ومنع الكونغرس من التصويت على فوز جو بايدن، وحدث ما حدث بدلالاته وتداعياته التي مهدت لتوقع التوجه نحو التصويت في مجلس النواب الأمريكي بالموافقة على عزل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي تنتهي ولايته في 20/1/2021 أي بعد أسبوع واحد فقط، ومن حق كل المتضررين من عدائية ترامب وظلمه وعنجهيته وعربداته التي لم تتوقف، بل ازدادت كثافة في الأيام الأخيرة من ولايته  ـ من حقهم ـ أن يفرحوا بالقرار المتخذ بعزله، وأن يعبروا عن يقينهم بأن لعنة الشعوب المظلومة التي استهدفها ترامب بسياساته الاستعلائية القهرية قد قذفت به إلى أسوأ مصير يمكن أن يناله رئيس أمريكي، وأن طهارة دماء الشهيد الفريق قاسم سليماني والشهيد أبي مهدي المهندس ورفاقهما قد ألقت بترامب إلى مزابل التاريخ، كما أنه ببركة بقية الدماء الطاهرة التي سفكت بالسياسات العدوانية للإدارات الأمريكية المتعاقبة ستكون واشنطن أمام متوالية هندسية من الخيبات المتراكمة والمتفاقمة القادمة بشكل حتمي لأنهم " يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ".

لم يكن يتوقع أكثر المتفائلين من محور المقاومة أن عناد ترامب وتفاقم عجز إدارته عن مصادرة إرادة أقطاب محور المقاومة ستفرز تداعيات تصل إلى اتساع الشرخ الداخلي الأمريكي، وانقسام الصف بطريقة تنذر بكوارث متتالية على المستوى الاستراتيجي

لا شك أن وسائل الإعلام المتنوعة ومن ضمنها وسائل التواصل الاجتماعي ستغضّ بالمقالات والتحليلات والآراء التي تتحدث عن قرار العزل من زوايا متعددة وفق تموضع ووجهة نظر كل كاتب، وفي خضم المزيج المتعدد والمتناقض مما سيتم تداوله قد يكون من المهم تناول الموضوع بطريقة تبدو مختلفة بعض الشيء عن الأمنيات والرغبة المشروعة برؤية تحطم الصلف الأمريكي، وهذا يتطلب التوقف عند بعض النقاط المهمة التي قد تساعد على اتضاح الصورة بشكل أفضل، ومنها:

•    إقدام أنصار ترامب على اقتحام مبنى الكابيتول في السادس من الشهر الجاري أظهر بعض معالم الشخصية الأمريكية العدوانية على حقيقتها، وحديث ترامب مع تلك الحشود الهائجة قبل بدء الاقتحام ومتابعته عبر نافذته لما يقدمون عليه يؤكد مسؤوليته المباشرة والكاملة عن كل ما خلَّفه عنف الاقتحام ودلالاته الكارثية.

•    افتضاح كذبة الديمقراطية الأمريكية المتناقضة مع كل ما تم الترويج له عبر عقود، وتبلور حقيقة الادعاء برفض العنف والخضوع للقانون وفق الواقع القائم المتناقض بالفعل مع كل ما تم ترويجه والتعامل معه على أنه من المسلمات، فثبت أن لا مسلمات قائمة عن سلمية أي حراك أمريكي، بل تناقضات عمودية وأفقية لا يستطيع عاقل منصف غض البصر عن أخطارها وتداعياتها المفتوحة على المجهول.

•    وصول أنصار ترامب إلى مبنى الكابيتول ودخوله والعبث بمحتوياته لا يمكن أن يتم إلا برضا السلطات المختصة العاملة هناك، ولاسيما أنه تم الإعلان رسميا عن عزم أنصار ترامب على منع الكونغرس من إقرار نتائج الانتخابات الأمريكية التي حُسِمَتْ لصالح جو بايدن بشكل نهائي، ولولا الرضا الضمني بالعملية لما كان بإمكان المتظاهرين الوصول إلى المنطقة أو دخولها بالمطلق، فلماذا لم يتم منعهم من ذلك؟

•    رفع سقف التهديدات العسكرية الأمريكية ضد إيران، وتوجه البوارج والغواصات العملاقة، والقاذفات الاستراتيجية "ب 52" إلى مسرح العمليات المفترض، وتكرار الاعتداءات العسكرية الإسرائيلية المباشرة على الداخل السوري كان شكلاً من أنواع الحرب النفسية السافرة التي أدت إلى نتائج عكسية من جهة، كما أخفق مهندسوها في تحقيق هدفهم المشبوه بدفع أطراف المقاومة لرد يحدد العدو زمانه ومكانه وطبيعته، لتحميل المحور المقاوم المسؤولية الأخلاقية والإنسانية والتاريخية عن اشتعال المنطقة، وعندما فشلت كل تلك المحاولات في توجيه الأحداث بما يخدم أهداف أصحاب الرؤوس الحامية، ويساهم في تصدير الأزمات الداخلية المتراكمة في إدارة ترامب وحكومة نتنياهو، كان التوجه لحدث دراماتيكي يفرض اتخاذ إجراءات عالية السقوف، فهل جاءت عملية اقتحام الكابيتول لخلط الأوراق ووضع المنطقة والعالم أمام سيناريوهات متداخلة ومتناقضة بآن معاً؟

•    لو أن قرار العزل يستند بحق للتخوف والخشية من إقدام ترامب بشخصيته المتهورة والمكابرة بعناد على ارتكاب حماقة ما، كتوجيه ضربة نووية لإيران، لما كان بإمكان الديمقراطيين منع ذلك على امتداد السنوات الأربع من حكم ترامب وزبانيته، والتساؤل المشروع هنا هو: هل غاب عن مفاصل صنع القرار الأمريكي أن مجرد الإعلان عن  التفكير بإجراءات العزل تمنح ترامب الحافز الإضافي، والوقت الكافي لتنفيذ ما ادعوا أنهم يخشون حدوثه، وأنهم لا يريدون توريط الولايات المتحدة الأمريكية بحرب مجهولة النتائج في منطقة ترتج على برميل بارود منذ سنوات، فكم من الوقت يحتاج ترامب للضغط على أزرار الحقيبة النووية؟

استناداً لما تقدم، وانطلاقاً من أهمية العمل على تقديم أجوبة مقنعة على التساؤلات المطروحة آنفاً يجد الباحث المهتم نفسه أمام ضرورة التأني في القراءة، والتفكير الجدي ببعض الأهداف التي يمكن أن تكون مخفية بخبث وراء اتخاذ قرار العزل، ويمكن باختصار الإشارة إلى بعضها، ومنها:

1-    محاولة ترميم التشوهات الجوهرية التي أصابت الشخصية الأمريكية بعد تبلور حقيقتها العدوانية القائمة على العنف والتخريب وخرق القوانين، والاحتكام إلى شريعة الغاب عبر الغوغاء الرعاع المستعدين لتدمير كل شيء إرضاء لعنادهم وعقد نقصهم التي تصور لهم أنهم الأفضل والأقوى والأجدر والأحق بكل ما يريدونه بغض النظر عن حقائق الواقع ومعطياته.

2-    التقليل ما أمكن من تداعيات الشرخ العميق والانقسام الحاد في المجتمع الأمريكي أفقياً وعمودياً، بعد صدور نتائج الانتخابات الرئاسية، وما تلاها من مواقف تم تتويجها باقتحام مبنى الكابيتول، لتظهر الولايات المتحدة الأمريكية بجبروتها كإحدى جمهوريات الموز وفق التوصيف الأمريكي.

3-    التخوف المشروع من ذهاب أمريكا إلى المجهول أو دخولها في حرب أهلية، فيما لو أصر ترامب على رفض النتائج المعلنة للانتخابات، وإمكانية إقدامه على خطوات تتراكم قبل الوصول إلى تاريخ 20/1/2021م.

4-    تصدير رسالة لأنصار ترامب بأنه أصبح ورقة محروقة، ولا جدوى من أية خطوة يتخذونها طالما أن قرار العزل قد اتخذ في مجلس النواب وستستكمل الخطوات المطلوبة تباعاً.

5-    ماذا لو كانت "الدولة العميقة" تستهدف حشر ترامب في الزاوية الضيقة تمهيداً لدفعه دفعاً لارتكاب حماقة مبرمجة بدقة يتم تحميل مسؤوليتها المباشرة لترامب شخصياً، وتفتح المجال لإدارة بايدن لشطب كل الجرائم الأمريكية المرتكبة في المنطقة، وتصدير صورة مناقضة مفادها أن الولايات المتحدة الأمريكية تبقى القوة الأعظم القادرة على التدمير والإفناء، وفي الوقت نفسه هي الحريصة على الالتزام بالقانون، وبما توقع عليه من اتفاقات، وأن عهد ترامب لا يعدو أن يكون صفحة سوداء تم طيها، ولا ضير في نزعها من السجل الأمريكي؟

إيران لا تجلس القرفصاء حزينة كاليتيمة، وتندب حظها منتظرة راعي البقر الأمريكي ليمطرها بصواريخه وآلة تدميره، بل أعدت ما يمكّنها من الدفاع المشرف، وإرغام المقامرين والمتغطرسين على إعادة الحسابات أكثر من مرة

قد يكون هناك الكثير مما يمكن قوله ضمن أية فكرة من الأفكار السابقة، ويبقى من ثوابت التفكير الاستراتيجي أنه لا يجوز الاستبعاد المطلق لأي سيناريو مهما كان احتمال حدوثه متدنياً، وهذا لا ينفي اليقين التام لدى مفاصل صنع القرار الأمريكي أن إيران لا تجلس القرفصاء حزينة كاليتيمة، وتندب حظها منتظرة راعي البقر الأمريكي ليمطرها بصواريخه وآلة تدميره، بل أعدت ما يمكّنها من الدفاع المشرف، وإرغام المقامرين والمتغطرسين على إعادة الحسابات أكثر من مرة، فمنطقة الخليج وما بعدها تحت مرمى النيران الإيرانية، وقد يكون في الجمهورية الإسلامية الإيرانية من يتمنى إقدام واشنطن على خطوة كهذه لتفريغ بعض المستودعات التي تغص وتكاد تضيق بشتى أنواع الصواريخ المُصَمَّمَة لقدوم مثل ذاك الوقت الذي قد يفكر فيه ترامب أو غيره بأية مغامرة غير محسوبة النتائج، وعندها بكل تأكيد ستتسع جغرافية مسرح العمليات وتمتد ويطول زمن الحرب، وتلفح ألسنة لهيبها من لا طاقة لهم بتحمل التداعيات، وعندما تتضاعف أعداد التوابيت التي تعبر مياه المحيط باتجاه الأراضي الأمريكية، وتتعطل دورة الحياة برمتها في داخل الكيان الصهيوني، وعواصم الزواحف الذين يتمسحون بأحذية سيدهم ومالك أمرهم المايسترو الصهيو ـ أمريكي عندها يدرك الجميع دقة القول المأثور"وعلى نفسها وأهلها جنت براقش"، فجميع السيناريوهات المعروفة والمجهولة موضوعة على الطاولة بل على شاشة عرض المسؤولين عن التعامل مع أية تداعيات مفاجئة.  

/انتهی/