وكالة مهرللانباء _ فاطمة بنت حزام الكُلَّابيَّة المعروفة باسم أم البنين هي زوجة امير المؤمنين علي بن أبي طالب والتي تزوَّجها بعد استشهاد السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام. فأنجبت أربعة بنين كان أكبرهم أبو الفضل العباس قائد قوَّات الإمام الحسين بن علي عليه السلام في معركة كربلاء.
یذکر أنها بنت حزام بن خالد بن ربيعة بن عامر بن صعصعة الكلابية ويرجح أن ولادتها كانت بين عام (5 - هـ). وأمها تمامة بنت سهل بن عامر.
وُلدت أم البنين من بيت عريق في العروبة والشجاعة، وليس في العرب أشجع من أبائها وأصل كريم. فتعتبر قبيلتها من أشرف القبائل العربية شرفاً، وأجمعهم للمآثر الكريمة التي تفتخر بها سادات العرب، ويعترف لها بالسيادة، لكثرة النوابغ من الرجال المبرزين والزعماء الممتازين بأكمل الصفات الكريمة وأتم الخصال الممدوحة، كالكرم والشجاعة والفصاحة وغير ذلك.
فهي من النساءِ الفاضلاتِ، العارفات بحق أهل البيت، وكانت فصيحة، بليغةً، ورعة، ذات زهدٍ وتقىً وعبادة، ولجلالتها زارتها زينبُ الكبرى بعد منصرفها مِن واقعة الطف، كما كانت تزورها أيام العيد.
وقد تميزت هذه المرأة الطاهرة بخصائصها الأخلاقية، وإن مِن صفاتها الظاهرة المعروفة فيها هو الوفاء فعاشت مع أميرِ المؤمنين في صفاءٍ وإخلاص، وعاشتْ بعد شهادته مدّة طويلةً لم تتزوج من غيره، إذ خطبها أبو الهياج بن أبي سفيان بن الحارث، فامتنعت.
وذكر بعض أصحاب السير أن شفقتها على أولاد الزهراء سلام الله علیها وعنايتها بهم كانت أكثر من شفقتها وعنايتها بأولادها الأربعة اي العباس وأخوته بل هي التي دفعتهم لنصرة إمامهم وأخيهم أبي عبد الله الحسين عليه السلام، والتضحية دونه والاستشهاد بين يديه.
قيل في تسميتها بأم البنين أنها كان ذلك بطلب منها لزوجها بإن لا يناديها بفاطمة حتى لا يشعر أبناء السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام بالحزن عند سماع اسم امهم في كل مرة وطلبت منه منادتها بأم البنين تفاؤلا بالبنين بعد ولادتها.
ولما وصل خبر استشهادهم إلى أمهم - أم البنين - في المدينة المنورة بكتهم بكاءً مرّاً، لكن كان بكاؤها لهم أقل من بكائها على الحسين عليه السلام وذلك في قصة مشهورة؛ ذكر العلامة المامقاني (قده) في تنقيحه، أن بشراً قال: رأيت امرأة كبيرة تحمل على عاتقها طفلاً وهي تشق الصفوف نحوي، فلما وصلت قالت: يا هذا أخبرني عن سيدي الحسين، فعلمت أنها ذاهلة، لأني أنادي: قتل الحسين، وهي تسألني عنه، فسألت عنها، فقيل لي: هذه أم البنين، فأشفقت عليها وخفت أن أخبرها بأولادها مرة واحدة. فقلت لها: عظم الله لك الأجر بولدك عبد الله. فقالت: ما سألتك عن عبد الله، أخبرني عن الحسين، قال، فقلت لها: عظم الله لك الأجر بولدك عثمان. فقالت: ما سألتك عن عثمان، أخبرني عن الحسين. قلت لها: عظم الله لك الأجر بولدك جعفر. قالت: ما سألتك عن جعفر، فإن ولدي وما أظلته السماء فداء للحسين، أخبرني عن الحسين. قلت لها: عظم الله لك الأجر بولدك أبي الفضل العباس.
▪ قال: بشر، لقد رأيتها وقد وضعت يديها على خاصرتها وسقط الطفل من على عاتقها، وقالت: لقد والله قطعت نياط قلبي، أخبرني عن الحسين. قال، فقلت لها: عظم الله لك الأجر بمصاب مولانا أبي عبد الله الحسين
وفاتها: وبعد عمرٍ طاهر قضته أم البنين بين عبادةٍ لله جل وعلا وأحزانٍ طويلةٍ على فقد أولياء الله سبحانه، وفجائع مذهلة بشهادة أربعة أولادٍ لها في ساعةٍ واحدة مع الحسين. وكذلك بعد شهادة زوجها أمير المؤمنين عليه السلام في محرابه. بعد ذلك كله وخدمتها لسيد الأوصياء وولديه سبطَي رسول الله صلى الله عليه وآله وخدمتها لعقيلة بني هاشم زينب الكبرى أقبل الأجَلُ الذي لابُدَّ منه، وحان موعدُ الحِمام النازل على ابن آدم. فكانتْ وفاتُها المؤلمة في الثالث عشر مِن جمادى الآخرة سنة ( 64 هـ ).
فسلامٌ على تلك المرأة النجيبة الطاهرة، الوفيّة المخلصة، التي واست الزهراءعليها السلام في فاجعتها بالحسين عليه السلام، ونابت عنها في إقامة المآتم عليها فهنيئاً لها ولكل من اقتدت بها من المؤمنات الصالحات.
عظم الله اجورنا واجوركم بذكرى وفاة سيدتنا ومولاتنا أم البنين صلوات الله وسلامه عليها فمهما قيل من كلمات في حقها فإنها لاتعدل قطره من بحر كراماتها، فهذه قصيدة في رثاءها بقلم الشاعر العزيزحميد حلمي البغدادي:
الى اللهِ أرفَعُ ما أشعرُ
من الوجدِ بل كلَّ ما اَزفِرُ
عجبتُ لصبركِ اُمَّ البنينَ
وفي صبركِ العجبُ المُبهِرُ
تقولُ فداً للامامِ الحسين
نفسي ورهطيَ والمَنحرُ
وكلُّ نفيسِ لنهضتهِ
وِقاءٌ ووُلْدِي هم المَظهرُ
أَبو الفضلِ رائدُهُم للحُتُوف
يشقُّ الصفوفَ ولايُقهَرُ
ورايَتُهُ تستحِثُّ الاُباة
لكي يستقيموا لكي ينصُرُوا
فذلك شأنُ الذين سعَوا
الى المكرُماتِ ولم يَخسَروا
سلُوا كربلاءَ ستُنبئْكُمُ
ببأسِ السُّراةِ وما سطَّروا
ملاحمَ تبقى طوالَ السنين
شُموعاً تنيرُ هدىً تنشُرُ
واُمُّ البنينِ مُربِّيةٌ
أَعدَّتْ كُماةً هم الأقمُرُ
تربَّوا بحجرٍ كريمٍ طَهور
مِنِ امٍّ فَدَتْ وأبٍ يُكْبَرُ
أبوهُمْ عليٌّ زعيمُ التقى
ونفسُ محمدَ والمَفخَرُ
لهذا بَنُوهُ نجومٌ زهَتْ
واَكبرُهُم قمَرٌ أزهَرُ
واُمُّهُمُ دُرَّةُ السالِكينَ
أفاضَ تُقاها بِما يُثْمِرُ
سلامٌ على حُرَّةٍ لم تَحِدْ
لبيتِ الرِّسالةِ تستَنْصِرُ
وفي رَكبِ آلِ الفِداءِ العظيم
تزفُّ بَنيها ولا تُخْسِرُ
الى الخلدِ مَعْ دمعةٍ طُهْرةٍ
تواسي بها فاطماً تَنذُرُ
كأَنّي بفاطمةٍ أطرقَتْ
بحزنٍ مريرٍ فلا تنظُرُ
وتذرفُ أدمُعَها لَوعةً
تعزّي بها اُختَها تشكُرُ
وتمنحُ أُمَّ البنينَ النّوال
شأناً يُعَزُّ بهِ الصُبَّرُ
سلامٌ عليها بقلبٍ حزين
يَرى قبرَها حاسِراً يُنحَرُ
كأنَّ بني الجهلِ في يومِنا
يوَدُّون لو أنّهُ مُضْمَرُ
فلا اُمةُ الخيرِ يعرِفْنَها
ولا مجدُها في الورى يُذكَرُ
وإنّا وإنْ لامَ باغٍ هناك
وأرضُ النبوّةِ تستنفِرُ
نحُجُّ إليها بأدمُعِنا
ونندبُها حيثما تُذكَرُ
ونندبُ عبّاسَها والسُّراة
بَنيها وهم قممٌ تُؤسِرُ
سلامٌ على اُمّهاتِ العراق
يواسينَها بفِداً يُظفِرُ
ببذلِ البنينَ كأُمِّ البنين
لحِفظِ مراقدَ مَنْ طُهِّرُوا
وتكرارِ تضحيةِ الصابرين
وإنَّ العراقَ لمُستنفَرُ
أحاطَ به كلُّ باغٍ عنيد
يقوِّضُ سِلماً ويستهتِرُ
ولكنَّ أبناءَ ساقي الفُرات
فِداً زاحفون ولم يُدبِروا
فهم للحسينِ العظيمِ وِقاً
وأرواحُهُم دُونَهُ تُصْهَر
/انتهى/