وكالة مهر للأنباء - حسان الزين: أطاح الرئيس المخلوع دونالد ترامب باكثر من أحد عشر اتفاقية دولية فلم يبقي للدبلوماسية الامريكية الاّ لغة الاستعلاء والعصا، وكأنه يتمثل بيت الشاعر المتنبي: " لا تشترى العبد إلا والعصا معه ... إن العبيد لأنجاس مناكيد ". فقام ترامب بضرب عبيد الولايات المتحدة وقام بِصَفْع الاصدقاء قبل الاعداء، حتى بدا المشهد مضحكا مبكياً. هكذا يتعامل متزعم العصابة ترامب مع اوروبا العجوز.
امريكا تمهّد لإعادة ترتيب النظام العالمي الجديد بسبب صعود قوى عالمية جديدة واقتصادية عملاقة.فقد هشّم حاكم البيت الابيض عظام الاتحاد الاوروبي بِدَعمِه لحيلفته المفضلة بريطانيا العظمى، وخاصة في عملية البريكس والانفصال عن الاتحاد، لقد باركها حيث اتهمه القادة الاروبيون بالمساهمة في تمزيق اوروبا. وطالب ترامب الحلف الاطلسي بالدفع مبالغ باهظة مرات عديدة، هي كلمة كان يستأنس بها تاجر واشنطن فَيَرمِي بأحرفها في حلّه وترحاله، فَتُراه يُوبِّخ الامراء والملوك قائلاً؛ "ادفعوا لنا لكي نحمي عروشكم"، فقد كانت سياسية المتزعّم ترامب تُعبّر عن استراتيجية الادارة الامريكية العميقة بكل تفاصيلها، فلم يكن يخرج عن حدوده المرسومة له والتي نلاحظ بعض معالمها:
- اولا فهي تهدف الى تفكيك المجتمع الدولي وخاصة الاتفاقيات الكبرى مع اغلب دول العالم والمؤسسات والمنظمات الدولية، حتى منظمة الصحة العالمية لم تسلم من مراهقاته، وكأنه يمهّد لإعادة ترتيب النظام العالمي بسبب صعود قوى عالمية جديدة واقتصادية عملاقة أهمها الصين.
- ثانيا فهو يقصد بهذا التكتيك ان يُفلت من دفع المستحقات المطلوبة منه، وكأنّ هذا الانزواء السياسي له مكاسب اقتصادية وعلاوة على ذلك فهو سيجني المليارات من خلال استثمارات من جيوب الاصدقاء قبل الاعداء بهذا التفلُّت المُتعمّد قائلين؛ "لا تزعل يا عم ترامب رضاك والجنة"، هكذا كان يردد اغلب زعماء العالم.
قال الدكتور حسان الزين: "لعلّ امريكا بحاجة الى دراسة علم الاخلاق السياسي لكي تكمل البقاء على الحياة لعله التحدي الاهم امام صنّاع القرار الامريكي
واتى "جون بايدن" باستراتيجية اطلق عليها الدبلوماسية الامريكية اقتناعاً منه بأن واشنطن فقدت الثقة داخلياً وخارجياً، فلقد هشّم دونالد ترامب اضلع الدبلوماسية الامريكية، فامريكا الان بحاجة الى إعادة الثقة مع الحلفاء قبل الخصوم، فترى أن الرئيس الجديد ذهب الى أوروبا لترميم أضلع الحلف الاطلسي المكسور ليس بسبب ترامب، بل لعدة تراكمات كبرى فالمشكلة الامريكية ليست مع ايران والاتفاق النووي.
فالامبراطورية العظمى لديها قائمة من التحديات الكبرى فهي لديها مشكلات اتفاقات الصواريخ المتوسطة المدى مع روسيا ولديها مشكلات مع الصين ولديها مشكلات مع تركيا ولديها مشكلات مع اليابان وولديها خلافات مع المانيا ولديها حتى مع الكيان الصهيوني، وفي السياق لديها مشكلات مع ايران لعل امريكا بحاجة الى دراسة علم الاخلاق السياسي لكي تكمل البقاء على الحياة لعله التحدي الاهم امام صنّاع القرار الامريكي.
** انهيار امريكا
كان اللجوء الامريكي الى المساعدة من قبل الاوروبي في الملف النووي الايراني خطوة ناقصة، وكما كان اعلان الخارجية الامريكية بسحب المشروع من الامم المتحدة حول المزيد من العقوبات يظهر مدى التخبط الامريكي حول هذا الملف السهل الصعب، ولكن يضع السؤال الاساسي من سينزل امريكا من أعلى الشجرة؛ الاوروبيون أم الروس أم الصينيون. لعل النزول دفعة واحدة سيخلع رقبة الدبلوماسية الامريكية اذناً كيف الهبوط الآمن؟.
الاوروبيون أمالروس أم الصينيون؛ من منهم سيُسقط امريكا؟
الادارة الامريكية تسعى للرجوع الى الاتفاق النووي، ولكن في حال تراجعت مرة واحدة تكون قد استسلمت للشروط الايرانية، وهذا ما سيظهر بان الدبلوماسية الايرانية قد وجّهت صفعة مؤلمة لاستراتيجية جون بايدن منذ بداية تسلّمه الحكم.
ومن الظاهر ان الامريكي سينزل غصنا غصنا ليصل الى ساحة الاتفاق ببعض ماء الوجه او دون تهشيم عظامه، ومن الملاحَظ ان الايراني يفهم حركات امريكا التكتيكية، فلذلك لا يذهب الى التصعيد دفعة واحدة، بل يتدرّج درجة درجة كما حصل معه في الاتفاق الاخير مع الوكالة الذرية، حيث ترك باب الدبلوماسية مفتوحا فهو ألغى البرتوكول الاضافي وأبقى على بعض الابواب مشرّعة ايمانا منه بان الخروج الكلي من الاتفاق النووي يعني نقل المواجهة الى اماكن أخرى وليس في التوقيت المناسب.
يحاول المفاوض الامريكي ان يضع شروط الحفاظ على امن الكيان الصهيوني والصواريخ الباليستية وملفات عديدة على الطاولة، ويحاول الامريكي ان يربط الملف النووي باضلع امريكا الخائفة في المنطقة بحيث يريد المفاوض في واشنطن أن يفرض السلّة الواحدة ألا وهي سلّة الشرق الاوسط كاملة، وهذا ما ترفضه الجمهورية الاسلامية، وذلك باتباع استراتيجة الاضلع المُتباعدة والمُتفرقة. فقد طرح المفاوض الايراني ثلاثة اشهر في مفاوضته مع الوكالة الذرية. من سينجح في دبلوماسية الوقت؟.
/انتهى/