وكالة مهر للأنباء - زينب شريعتمدار: كشفت تصريحات مستشاري الرئيس الأمريكي جو بايدن في الأسابيع الأخيرة أن أهم أولويات الإدارة الأمريكية الجديدة في منطقة الشرق الأوسط، تتمثل في برامج إيران النووي، وكذلك تأمين الكيان الصهيوني وتعزيز التطبيع بين الدول العربية والكيان الصهيوني، وإنهاء الحروب في اليمن وليبيا، وتعزيز وضع حقوق الإنسان.
وفي ضوء مقارنة الأهداف والأولويات لكل من إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب وإدارة الرئيس الحالي جو بايدن، فإنها تتقاطع عند ثلاثة محاور، ما يطرح تساؤلا عن أوجه التغيير في سياسة أمريكا في الشرق الأوسط في عهد بايدن.
اما بالنسبة الى نتائج انسحاب واشنطن من الاتفاق على المجتمع الدولي، وتحليل الآثار المحتملة للسياسات التي ستتبعها في المستقبل، فقد وجهت الدول الأوروبية وفي مقدمتها ألمانيا وبريطانيا وفرنسا انتقادات كبيرة إلى واشنطن بسبب هذا القرار. وفي هذا السياق، وعند النظر إلى الحملات الأمريكية في السياسات الخارجية في الفترة الأخيرة، يلاحظ أن قرار الانسجاب الذي أعلنه ترامب أحدث تبايناً كبيراً في السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية.
وفي هذا الصدد اجرت وكالة مهر للأنباء حواراً صحفياً مع الاعلامي والباحث السياسي "حسان الزين"، واتى نص الحوار على الشكل التالي:
*ماهي استراتيجية الامبراطورية الامريكية على مرّ العصور؟
الاستراتيجية الامريكية مبنيّة على استراتيجية العصا والجزرة، فهذا الاسلوب هي تعتمده في امريكا اللاتينية واوروبا وفي الشرق الاوسط وفي غرب اسيا ومع الدول العظمى كالصين وروسيا وغيرها. هذا الامر مهم جدا لفهم ما يمكن ان تقوم به الولايات المتحدة الامريكية في المستقبل، لتفكيك العُقد لفهم عمق الاستراتيجية الامريكية، وبالتالي ادراك الخطوات التي تتخذها في شأن الاتفاق النووي.
الولايات المتحدة الامريكية تضع فقط مصالحها على رأس الاولويات، وفي اعلى اللائحة - لائحة طلباتها - بينما تضع المصالح الاخرى من اصدقاء في اسفل اللائحة وربما لا تضعها ضمن هذه اللائحة.
ان السياسة التي وضعها الرئيس السابق ترامب، من ضمن هذه السياسة مصلحة الانانية المطلقة للولايات المتحدة الامريكية، وهي انتجت انتاجات مهمة على الصعيد الاقتصادي، أو ما يمكن تسميتها "سرقة اموال الشعوب" ولكن بطريقة رومانسية، او بطريقة تهديد ووعيد، أو بطريقة المافيا او بطريقة الضريبة. الولايات المتحدة الامريكية وان كانت الدولة تريد ان تعيد الثقة لها داخلياً وخارجياً، الا ان اسلوب بايدن الان يتمتع بعدة امور:
ان اكثر شخص يمثل هذه السياسة - سياسة العصا والجزرة - هو الرئيس بايدن، حيث اعلن منذ توليه الحكم بان الديبلماسية الامريكية ستعود؛ بمعنى ان الدبلماسية الامريكية ستعود الى الواجهة وخاصة في العلاقات الخارجية.
وبالتالي حينما قال ذلك؛ كان يعلم ان الصدام العسكري الواضح في الشرق الاوسط سيؤدي فيه الى تفكك هذه القوة وهذه الامبراطورية، وهذا ما حصل في قاعدة عين الاسد في العراق، حيث دكّت الجمهورية الاسلامية الايرانية الامبراطورية الامريكية في قواعدها العسكرية دون ان تتلفّظ الولايات المتحدة الامريكية بشئ، وبالتالي ما كان من هذا المعكسر الا ان قام بتدمير هذه الامبراطوية الامريكية العسكرية وحطّم هيبتها.
ترامب لم يستطع بهذه المواجهة الفوز لانه يعلم منذ البداية ان هذه المواجهة خاسرة بالنسبة له، وستؤدي الى تداعيات كبرى في المنطقة يمكن ان تؤدي الى حرب كبرى في المنطقة يتمُّ من خلال القضاء على الكيان الصهيوني
هذه القضية تعتبر من اهم القضايا، فكان لجوء جو بايدن الى الدبلماسية ليس اعتباطياً انما عن دراسة الواقع لما له في العالم الان، وبالتالي ان اماكن القوة في منطقة الشرق الاوسط كمحور للمقاومة هي هدف من اهداف جو بايدن الذي يهدف الى تفكيكه واضعافه ان استطاع ذلك. ان جو بايدن ينظر الى مسار الامور من مبدأ نقاط القوة ونقاط الضعف، فهو يمتلك كلتا هذه النقاط، وبالتالي خصومه من محور المقاومة يمتلكون ايضاً نقاط قوة وضعف:
النقطة الاولى وهي التي تحدثنا عنها هي القوة العسكرية، ان تطور محور المقاومة وخاصة الجمهورية الاسلامية وتطور القوات الدفاعية والهجومية وصواريخها البالستية ومنظوماتها وغيرها من نقاط القوة للجمهورية الاسلامية الايرانية، فيها هدف استراتيجي لاضعافها من قبل جو بايدن.
ان ترامب لم يستطع بهذه المواجهة الفوز لانه يعلم منذ البداية ان هذه المواجهة خاسرة بالنسبة له، وستؤدي الى تداعيات كبرى في المنطقة يمكن ان تؤدي الى حرب كبرى في المنطقة يتمُّ من خلال القضاء على الكيان الصهيوني، وبالتالي ان سقوط حسابات الحرب العسكرية من قبل اجنداتهم، او جعل هذه الحسابات من غير اولوياتهم؛ لان الخسارة المتوقعة للحلف الامريكي وللامبارطورية الامريكية واضحة بالنسبة لهم، لذلك ذهبوا الى الدبلماسية او ما يسمى بدبلماسية النفاق او الى الالوان الرمادية او الى المنطقة الرمادية.
في التجارة العالمية يعتبر ان هناك استراتيجية المحيط الازرق المتعارف عليها في هذه الاستراتيجيات التجارية؛ بما يعني ان الاخرون يذهبون الى مناطق واضحة زرقاء لا يمكن التنافس بها او التنازع عليها، وبالتالي جو بايدن ذاهب الى هذه المنطقة لكي لا ينافسه احد او يقومون باضعافه والسيطرة عليه. وبالتالي هو يقول ويتوعد بان خياره سيكون الدبلماسية.
الجمهورية الاسلامية ترفض رفضاً باتا الجلوس مع الولايات المتحدة قبل تقوم برفع العقوبات الجائرة التي فرضتها عليها والقيام بالتزاماتها
فالذي خرج من الاتفاق النووي هو الطرف الامريكي وبالتالي فبقواعد اللعبة السياسية والدبلماسية والاتفاقيات الدولية فعلى الولايات المتحدة الامريكية ان تعلن التزامها وتعود الى الاتفاق دون شروط منها. لذلك عليها العودة اولا الى الاتفاق باسرع وقت ممكن كما يقول ويصرح المسؤولون الايرانيون او كما يصرح القانون الدولي حول ذلك.
النقطة الثانية؛ ان الدبلماسية الامريكية هي دبلماسية تعتمد على الالتفاف والخداع وبالتالي هي تطلب من الاتحاد الاوروبي ان يقوم بالمفاوضات. وفي الاساس ليس هناك مفاوضات مباشره بين الولايات المتحدة والجمهورية الاسلامية، وبالتالي فامريكا بحاجة الى طرف اخر، وان الجمهورية الاسلامية ترفض رفضاً باتا الجلوس مع الولايات المتحدة قبل تقوم برفع العقوبات الجائرة التي فرضتها عليها والقيام بالتزاماتها، وهذا دليل على ان الولايات المتحدة الامريكية تمارس سياسة واضحة هي سياسة الكذب والنفاق والخديعة.
*هل الوسيط الاوروبي نزيه؟ هل الوسيط الاوروبي مساعد؟
الدول الاوروبية متلهّفة الى انجاز الاتفاق النووي لان هذا الاتفاق سيساعد وسيساهم في تنمية الاقتصاد الاوروبي والاستثمارات المهمة
في العلاقات الاوروبية الايرانية لم يكن الاوروبي وسيطا نزيهاً بل كان هو من يساهم في تلطيف الضغوطات القصوى الامريكية على الجمهورية الاسلامية الايرانية، وبالتالي هو شريك مهم جدا في سياسة الضغوطات القصوى والعقوبات الجائرة، لانه لم يقم بالايفاء بالتزاماته ووعوده وبالتالي اتى التنبيه والتحذير الايراني من قبل وزير الخارجية ومن قبل بعض السياسيين وكبار الشخصيات منوّهين بان عليهم ان يلتزمو بوعودعم وان عليهم ان يلتزموا الشفافية بهذا الامر.
ومن الظاهر ان الطرف الاوروبي لا يستطيع ان يقاوم الولايات المتحدة الامريكية، حيث وصفت ترامب في كثير من المواقف بان اوروبا ضعيفة وهدّدهم بالخروج من الحلف الاطلسي. فالاوروبيون لا حولة لهم ولا قوة لهم على مقاومة الضغوطات الامريكية، وفي الحقيقة هم واقعون تحت الاحتلال الامريكي. اما فيما يخص الاوروبي فهو بحاجة الى الاتفاق النووي لان هذا الاتفاق سيساعد وسيساهم في تنمية الاقتصاد الاوروبي والاستثمارات المهمة.
*هل الحرب بين الولايات المتحدة الامريكية ومحور المقاومة هي فقط حرب على الاتفاق النووي؟
الكل يعلم ان الجمهورية الاسلامية لا تسعى الى امتلاك السلاح النووي، وذلك من منطلق الفكر الايماني والديني التي تتمتع به الجمهورية الاسلامية قيادةّ وشعباً، وبالتالي فان الحرب بين الولايات المتحدة الامريكية كمحور وما بين الجمهورية الاسلامية الايرانية كمحور اخر، هي في عمق الصميم هي حرب على السيادة والاستقلال.
حرب بين كلمتين ان تكون هذه الشعوب مستقلة وصاحبة سيادة وان تكون الولايات المتحدة مهيمنة. وهنا يطرح السؤال الاخر؛ ما هي اهمية الشركات الكبرى والعملاقة في هذه الحرب؟ هل هذا الدول هي مستقلة الان بسبب التراكم العالمي المالي الجديد ؟ هل هناك سعي لتفكيك هذا النظام بطريقة او بؤخرى (تفكيك الدلار والنظام الاقتصادي وتفكيك القوانين الدولية) التي هي بصالح امريكا والكيان الصهيوني؟
امريكا الان في حالة انهيار وتفكك وضعف للقوى الصاعدة، فهي بامس الحاجة الى هذه المعادلة النووية
من ضمن هذا السياق، كما صرّح قائد الثورة الاسلامية حول المقارنة اللطيفة ما بين الطاقة النووية والطاقة النفطية، وكما اكد سماحته انهم لو كانوا يمتلكون النفط لقطّروه بالقطرات، لذلك؛ اليوم بايدن لن يخرج من هذا الاطار، بل سيكمل ما بدأ به ترامب. لان الولايات المتحدة الامريكية ليس لديها رؤساء، انما الرئيس هو مُنتج وواجهة اعلامية لا غير.
فالاستراتيجية الامريكية تسعى ان لا يكون هناك كيانات متكاملة، لذلك نطرح السؤال: ماذا تفعل هذه الشعوب لخلق تكامل بين هذه الدول؟ (هذا السؤال يُوجّه الى السعودية)؛ لماذا تُقصين نفسك عن هذا التكامل حينما تطرح مشاريع السلام في المنطقة؟ اتذهبين الى مشرع سلام مع العدو الصهيوني ولا تذهبين الى مشرع سلام مع جارتك التي تعتبيرنا مصدر تهديد لك؟
النقطة الاهم في ذلك ان الولايات المتحدة الامريكية هي تعتبر في صميم سياستها ان الامن الصهيوني هو فوق كل الاعتبارات، وبالتالي فان المصالح الاقتصادية والامن الصهيوني هما الذين يحرّكون بايدن. ولفهم السياسة لذلك ستُطرح الامور بالمراوغة وبالنفاق ومن سيقوم بالاستسلام اولا.
ان الولايات المتحدة الامريكية قد تذهب الى الاتفاق النووي. امريكا الان في حالة انهيار وتفكك وضعف للقوى الصاعدة، هي تحجز الجمهورية الاسلامية استقلالها بشكل كامل بموقفها الحازم؟. "الولايات المتحدة الامريكية بامس الحاجة الى هذه المعادلة النووية".
لذلك فان اهم حقيقة هي ان الجمهورية الاسلامية الان تمثل عاملاً مهماً للاستقلال على مستوى الشعوب ونموذجاً واضحاً للسيادة على مستوى الشعوب. لذلك هم يخافون ويقلقلون من الجمهورية الاسلامية. ان المعركة على الملف النووي ليس محصورة على هذا الجانب فقط، انما هي معركة تسعى من خلالها امريكا الحفاظ على ماء وجهها امام دول العالم.
/انتهى/