تُشكّل الأسرة محور المجتمع الإسلاميّ وخليّته الأولى لدى الإسلاميّين، فهي، كما جاء في وثيقة السياسات العامّة للأسرة في الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة، "الوحدة البنويّة والحجر الأساس للمجتمع الإسلاميّ ومركز رشد الإنسان وتعاليه. وهي دعامة السلامة والاقتدار والتسامي المعنويّ للبلاد والنظام".

وأفادت وكالة مهر للأنباء، ان الباحثة الإسلامية السيدة "أميرة برغل" كتبت مقالاً تتحدّث فيه حول رؤية الإمام الخامنئي للأسرة من مختلف الزوايا ودورها في المجتمع والدور الأساسي الذي تلعبه المرأة في تماسك هذا البناء، المقال فيما يلي:     

مقدّمة: القائد وإشكاليّة تضعضع مؤسّسة الأسرة

تُشكّل الأسرة محور المجتمع الإسلاميّ وخليّته الأولى لدى الإسلاميّين، فهي، كما جاء في وثيقة السياسات العامّة للأسرة في الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة، "الوحدة البنويّة والحجر الأساس للمجتمع الإسلاميّ ومركز رشد الإنسان وتعاليه. وهي دعامة السلامة والاقتدار والتسامي المعنويّ للبلاد والنظام".

ونظرًا لكثرة التهديدات التي تتعرّض لها الأسرة، كمؤسّسة في زماننا الحاضر، وضع السيّد القائد معالجة إشكاليّة تضعضع مؤسّسة الأسرة في أولى أولويّات الجمهوريّة الإسلاميّة، وخصّص اللّقاء الإستراتيجيّ الثالث(1) لمناقشة موضوع المرأة والأسرة بالخصوص. وقد قدّم سماحته في هذا اللقاء أفكارًا بالغة في الأهميّة، تصلح لحلّ الإشكاليّة المعاصرة لمؤسّسة الأسرة، في العالم الإسلاميّ بأكمله. وقد حمَّل سماحته، في هذا اللقاء، الرجال والنساء، ولا سيمّا الحقوقيّين والمثقّفين منهم، مسؤوليّة تقديم النموذج المشرق للحياة الأسريّة في الإسلام بغية إنقاذ العالم من التسافل القيمي الذي يسير في اتجاهه.

لذا، ومن موقع مسؤوليتي، كباحثة إسلاميّة ومستشارة تربويّة وأسريّة، رأيت من واجبي تظهير هذه الرؤية والدعوة لتفعيلها في العالم الإسلاميّ، حيث أنّها تشكّل المدخل الرئيس لإنقاذ مؤسّسة الأسرة من الأذى الذي لحق بها بسبب الطروحات الناقصة أو الهدّامة، النابعة من النظرة التعصبيّة، ذكوريّة كانت أم نسويّة، التي تلحظ المصالح الفرديّة الأنانيّة على حساب المصالح الاجتماعيّة الإنسانيّة، والتي أفضت إلى تقويض مؤسّسة الأسرة وسلب السكينة والمودّة والرحمة من بين أفرادها.

أولًا: ما يميّز رؤية السيّد القائد حول الأسرة:

تتميّز رؤية سماحته بأنّها تجمع بين الجِدّة والأصالة في آن واحد، فهي رؤية تتّسم بـ:

1.    الأصالة الإسلاميّة، لأنّها:

·    منطلقة من الرؤية القرآنيّة والثابت من السُّنّة النبويّة.

·    وملتزمة بالأحكام الشرعيّة.

2- النظرة الواقعيّة، لأنّها:

·    تراعي التحوّلات الاجتماعيّة والاقتصاديّة.

·    وتراعي الفروقات الخَلقيّة بين الجنسين.

3- الرؤية الشاملة، لأنّها:

·    تراعي المصالح الاجتماعيّة والفرديّة.

·    وتراعي مصالح كلا الجنسين.

4- المنطلق الإنسانيّ، لأنّها:

·    تحترم المساواة في القيمة والكرامة الإنسانيّة لكلا الجنسين.

·    وتحترم العدالة في الحقوق الإنسانيّة المشتركة لكلا الجنسين.

ثانيًا: رؤية السيّد القائد للحفاظ على مؤسّسة الأسرة في مجتمعاتنا المعاصرة

انسجامًا مع منطلقاته الإسلاميّة والإنسانيّة ومع نظرته الواقعيّة الشاملة، الآخذة بعين الاعتبار المصالح الفرديّة والاجتماعيّة على حدٍ سواء، يرى سماحته أنَّ تأسيس مجتمع بمحوريّة الأسرة، في ظلّ التحوّلات الاجتماعيّة والاقتصاديّة التي طرأت مؤخّرًا في العالم، يحتاج إلى خطّة متكاملة على أصعدة عدّة: ثقافيّة وإعلاميّة وقانونيّة وتشريعيّة....

ومن خلال ما ورد في توجيهات القائد في اللّقاء الإستراتيجيّ الثالث، وما صدَّق عليه سماحته في الوثيقة العامّة لسياسات الأسرة في الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة، وما ورد في خطب سماحته المتفرّقة في جلسات عقد القران، يمكننا تلخيص رؤية سماحته للحفاظ على مؤسّسة الأسرة في مجتمعنا المعاصر بالنقاط الخمس التالية:

1.الحفاظ على أجواء العفّة والطهارة في المجتمع ومنع نشر البرامج المخلّة بالقيم الأسريّة.(2)

2.تشجيع الزواج الناجح والبسيط وتسهيله لجميع الفتيات والفتيان في السنّ المناسبة للزواج وتشكيل أسرة والدفاع عن عزّة الزواج وكرامته، وعن دور الأمّ وربّة المنزل، وعن الدور الأبويّ والاقتصادي للرجل.(3)

3.تمتين الأسرة ورفع رصيدها الاجتماعيّ على أساس الرضى والإنصاف والخدمة والاحترام والمودّة والرحمة والإحساس بالمسؤوليّة التربويّة والمعنويّة للرجال والنساء، ويتطلّب ذلك في رأي سماحته:

   أ- أن تُخْلص المرأة لدوري الزوجيّة والأمومة وتقدّمهما على غيرهما من الأدوار الاجتماعيّة الأخرى في حال تعارضهما.

يقول السيّد القائد :"إن لم تقمن بتربية أبنائكنّ في المنزل أو لم تقمن بفكّ عقد خيوط عواطف الطفل الظريفة جدًّا -والتي هي أنعم من خيوط الحرير- بأنفسكنّ كي لا يتعقّد عاطفيًّا، لا يمكن لأي أحد آخر أن يقوم بهذا العمل. لا أبوه، ولا غيره بطريق أولى؛ إنّه عمل الأم فقط. هذه الأعمال هي بيد الأم. أمّا ذلك الشغل الذي لديكنّ في الخارج، فإن لم تقمن به أنتنّ فإنَّ هناك عشرة أشخاص آخرين سيقومون بهذا العمل. بناء على هذا، فإنّ الأولويّة هي للعمل الذي لا بديل عنكنّ فيه، هذا هو المطلوب والمُتعيّن".(4)

   ب- أن يقدِّر الرجل تضحيات المرأة داخل الأسرة ويُخلص لزوجته وأسرته ولا يصرف عواطفه خارج أسرته.

يقول سماحته "إذا كان للمرأة في داخل الأسرة أمن نفسي وأمن أخلاقيّ وراحة وسكينة، وكان الزوج لباساً لها بشكل حقيقيّ – كما أنّها لباس للزوج – وكما أراد القرآن أن يكون بينهما مودّة ورحمة وإذا تمّ الالتزام بـ ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ في الأسرة – هذه الأمور التي هي أصول كليّة وأساسيّة حينها ستكون مشكلات المرأة خارج الأسرة قابلة للتحمّل، وستتمكّن المرأة من التغلّب على هذه المشكلات. إذا تمكّنت المرأة من تخفيف هذه المشكلات في مركز استراحتها وفي متراسها الأساسيّ، فستتمكّن بلا شكّ، من أن تفعل ذلك في ساحة المجتمع".(5) 

ج- أن تحفظ القوانينُ للمرأة أمنَها الاجتماعيّ والاقتصادي في مقابل تضحياتها لأسرتها.

يرى سماحة السيّد القائد أنَّ حسن التبعّل لا يقلّ صعوبة في مجاهدة النفس عن جهاد الرجال في سوح الجهاد ويقول: "بالتأكيد إنّ التبعّل أمر صعب جدًّا، مع توقعّاتهم، انتظاراتهم، مع سوء أخلاقهم، وصوتهم المرتفع وطولهم الفارع؛ حسنًا، تستطيع امرأة مع هذه الظروف أن تحافظ على محيط المنزل دافئًا وهانئًا وحنونًا، وفيه سكينة وهدوء... فهذا فنّ كبير. هذا حقًّا جهاد. هذا فرع من ذلك الجهاد الأكبر الذي تكلّموا عنه. جهاد مع النفس".(6)

ويطالب من أجل ذلك بإصلاح القوانين المساعدة، يقول سماحته: "حيث أنّ بعض القوانين التي تخصّ الرجل والمرأة تتطلّب الإصلاح، وهذا يفرض على ذوي الاختصاص دراسة تلك القوانين وإصلاحها".(7)

4- تشريع القوانين التي تحترم الحقوق الإنسانيّة لكلا الجنسين وتساعد النساء والرجال على الجمع ما أمكن بين مهامهم الأسريّة ومسؤولياتهم الاجتماعيّة، وتمكّنهما معًا من مواصلة العلم والعمل بعد الزواج.

يشرح السيّد القائد رأيه حول عمل المرأة قائلًا: "من جملة المسائل التي تطرح، مسألة عمل السيّدات. إنّ عمل السيّدات هو من جملة الأشياء التي نوافق عليها. إنّني موافق على أنواع المشاركة سواء كان من نوع العمل الاقتصاديّ أو من نوع العمل السياسيّ والاجتماعيّ والأنشطة الخيريّة وأمثالها؛ فهي جيّدة أيضًا. النساء نصف المجتمع، وأمر جيّد جدًّا أن نتمكّن من الاستفادة من نصف المجتمع هذا في المجالات المتنوّعة. ولكن خلاصة القول إنّ هناك أصلين أو ثلاثة أصول ينبغي رعايتها وعدم تجاهلها: أوّلها، هو أن لا يُلقي هذا العمل بظلاله على العمل الأساسي - و الذي هو عمل  الأسرة والزوجيّة والأمومة والتدبير المنزلي".

5- تأسيس المحاكم الخاصّة بالأسرة والتي تقوم بدوري الإرشاد والتحكيم الليّن والعادل في النزاعات الأسريّة، عند حدوثها.(9)

خاتمة حول أهميّة تفعيل هذه الرؤية في المجتمعات الإسلاميّة

تشكّل هذه الرؤية، من وجهة نظرنا، منطلقًا فكريًّا مُهمًّا في مقابل الطروحات الجندريّة المتطرّفة التي أدّت إلى تقويض مؤسّسة الأسرة التقليديّة وزهدَّت الشباب فيها.

ونراها المدخل الواقعيّ الوحيد الذي يُمكن من خلاله إعادة تشكيل أسرة متماسكة في ظلّ التحوّلات الاجتماعيّة والاقتصاديّة الراهنة، أسرة يتحمّس لها الذكور والإناث على حدٍّ سواء، ويشعر كلّ واحدٍ منهما بأنّ جهوده وتضحياته مقدّرة ومحفوظة.

لذا نأمل أن تكون هذه الرؤية محلّ عناية واهتمام جميع المعنيّين بالشأن التربويّ والأسريّ، خاصّة الإسلاميّين منهم. 

الهوامش:

  1- انعقد هذا اللقاء في 2012 م

2- انظر الوثيقة العامة لسياسات الأسرة في الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة

3- ن م

4- انظر اللقاء الاستراتيجي الثالث حول المرأة والأسرة.

5- ن م

6- ن م

7- من خطبة في ذكرى ولادة الزهراء (ع) في طهران عام 1428 هــ

8- ن م

9- انظر الوثيقة العامّة لسياسات الأسرة في الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة

/انتهى/