لا زالت الحرب تحمل أوزارها وتُلقي بحممها، فالعدو المجرم يواصل صبَ حمم قذائفه المُدّمرة من الجو والبر والبحر على قطاع غزة؛ فيقتل البشر، ويحرق الشجر، ويدمر الحجر... والمقاومة الباسلة تدك مدن المستوطنة الصهيونية من شمال فلسطين إلى جنوبها لترسم خريطة فلسطين بالنار.

وكالة مهر للأنباء، الدكتور وليد القططي (عضو المكتب السياسي لحركة الجهاد): قبل أن تضع الحرب أوزارها وتُفرغ حممها، وتنتهي هذه الجولة من الحرب، فيتوّقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، ويعود سيف القدس إلى جرابه، فقد لاح من بين دخان الحرب السوداء خيوط الضوء البيضاء، ويُمكن التقاط بعضها؛ في محاولة لفك شيفرتها، ومنها :

أولا: معركة سيف القدس، هي الحرب الأولى فلسطينيا التي تُقرر المقاومة الفلسطينية المبادرة بالحرب، وتحدد ساعة الصفر لانطلاقها، وهي الحرب الثانية عربيا بعد حرب أكتوبر 1973 م التي يبدأ بها العرب، وجميع الحروب الأخرى كانت بمبادرة الكيان الصهيوني ابتداء من حرب النكبة والعدوان الثلاثي والنكسة، وانتهاء بحروب غزة الثلاثة وآخرها حرب 2014م، ومرورا بحرب لبنان الأولى عام 1982 م، وحرب لبنان الثانية عام 2006 م، إضافة لعشرات المعارك والعمليات العسكرية الأخرى، وهذه المبادرة بالحرب للمقاومة الفلسطينية بجناحيها الأساسيين : حماس والجهاد، تعني تراجع الردع الإسرائيلي، وزيادة الثقة بالنفس، وشجاعة قرار الحرب.

ثانيا: معركة سيف القدس، هي الحرب الأولى التي تخوض فيها المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة الحرب لأسباب غير متعلقة بالوضع الميداني الغزاوي كالعدوان العسكري والحصار الاقتصادي، وغير ناتجة بتدحرج الأحداث المتبادلة بين المقاومة والاحتلال، بل اندلعت بسبب أهم مفردات القضية الفلسطينية، وهي القدس والمسجد الأقصى، باعتبارها قضية إجماع وطني فلسطيني، بعد تواصل انتهاكات المستوطنين لحُرمة المسجد الأقصى وتخطيطهم لاقتحامه، وتواصل بطش جيش الاحتلال واستباحة الدم الفلسطيني في باحات المسجد الأقصى وعلى أبوابه، طوال شهر رمضان المبارك. وهذا يدل على أنَ المقاومة الفلسطينية رغم اهتمامها بتوفير الحياة الكريمة لشعبها وحاضنتها لدعم صمودهم، فإنها تضع في أولوياتها القضية الوطنية بكل مفرداتها : القدس والتحرير والعودة وغيرها.

وهذا يدل على أنَ المقاومة الفلسطينية رغم اهتمامها بتوفير الحياة الكريمة لشعبها وحاضنتها لدعم صمودهم، فإنها تضع في أولوياتها القضية الوطنية بكل مفرداتها : القدس والتحرير والعودة وغيرها.

ثالثا: معركة سيف القدس، باسمها وأسبابها وهدفها، تدل على أنَ القدس هي مركز الصراع بين الكيان الصهيوني من جهة والشعب الفلسطيني والأمة العربية والإسلامية من جهة أخرى، وهي تُلّخص طبيعة الصراع الإحلالي الاستيطاني من خلال ما يحدث في حي الشيخ جراح من محاولات طرد وتفريغ الحي من سكانه الفلسطينيين لإحلال وتوطين مستوطنين يهود مكانهم. وهي تُلّخص طبيعة الصراع الديني الحضاري من خلال ما يحدث في المسجد الأقصى وبيت المقدس وأكنافهما، من محاولات السيطرة الجغرافية ماديا وفعليا، ومحاولات السيطرة التاريخية معنويا ورمزيا، لتكون الرواية الجغرافية والتاريخية رواية يهودية صهيونية... وهذه التسمية والأسباب والأهداف لمعركة ( سيف القدس) تدل على محورية الصراع في القدس وأكنافها بين الحق والباطل.

رابعا: معركة سيف القدس، بعنوانها ومضمونها، المتمحور حول القدس، عنوان وحدة فلسطين، ومضمون الوحدة تتجسد في وحدة الشعب والأرض والقضية، فالشعب توّحد خلف القدس وسيفها في كافة أماكن تواجده، لا سيما في فلسطين المُحتلة، لا فرق بين سكان قطاع غزة رغم معاناة الحصار وآلام العقوبات، وبين سكان الضفة رغم معاناة الاحتلال والاستيطان وبطش أجهزة التنسيق الأمني، وسكان الأرض المحتلة عام النكبة رغم معاناة التمييز العنصري ومحاولات الأسرلة، ووهم المواطنة، وأكذوبة التعايش في (مجتمع إسرائيلي) واحد!. ووحدة الأرض الفلسطينية التي رسمت معالمها صواريخ المقاومة من شمال فلسطين إلى جنوبها، ووحدة القضية الفلسطينية كقضية تحرير وعودة واستقلال محورها القدس.

خامسا: معركة سيف القدس، أنهت الجدل العقيم حول مهزلة الانتخابات من جانبين: أولهما وهم السيادة على القدس الذي من أجله أُلغيت الانتخابات بعد رفض الاحتلال لإجرائها في القدس، فجاءت المقاومة الشعبية من أهل القدس وفلسطين المحتلة عام النكبة، لتقول أنَ السيادة على القدس تفرضها المقاومة وليس الانتخابات، فتُعّدل خط سير (مسيرة الأعلام) للمستوطنين، ثم لتأتي صواريخ المقاومة من غزة فوق رؤوس المستوطنين لتفرض على الاحتلال والمستوطنين إلغاء المسيرة فورا والهروب بطريقة مُذّلة. وثانيها وهم الشرعية عبر الانتخابات تحت الاحتلال لتعيد الشرعية إلى أصلها المنتزع بالمقاومة والدم والعرق، فالشعب يُعطي الشرعية للمقاومة في مرحلة التحرير الوطني.

سادسا: معركة سيف القدس، حتى الآن بما تبين من القدرة على اتخاذ قرار الحرب، وإدارتها بتنظيم وانضباط وهدوء ، وتطور قدراتها الصاروخية كماً ونوعاً ومسافة واستمرارية، تُعتبر محطة تحول كبرى مفصلية في تاريخ الصراع بين الكيان والأمة عامة، وبين الكيان والمقاومة خاصة، فقد تجاوزنا مرحلة الانتصارات الإسرائيلية في الحروب الثلاثة الأولى : النكبة والعدوان الثلاثي والنكسة، وتجاوزنا مرحلة اختلاط النصر بالتعادل والهزيمة للكيان في حربي أكتوبر ولبنان الأولى، وتجاوزنا المرحلة الثالثة التي حققت فيها المقاومة الإنجازات من خلال الدفاع، فأخرجت الجيش والمستوطنين من غزة عام 2005، وأخرجت الجيش من لبنان مدحوراً مذعوراً عام 2000، ومنعت الكيان الصهيوني من تحقيق النصر في حروب غزة الثلاثة، إيذاناً ببدء المرحلة الرابعة بانطلاق الصلية الأولى من صواريخ المقاومة من غزة فوق رؤوس المستوطنين المستعدين لاقتحام المسجد الأقصى في القدس، وهي مرحلة المبادرة بالهجوم، أو الآن نغزوهم ولا يغزونا.

معركة سيف القدس، حتى الآن بما تبين من القدرة على اتخاذ قرار الحرب، وإدارتها بتنظيم وانضباط وهدوء ، وتطور قدراتها الصاروخية كماً ونوعاً ومسافة واستمرارية، تُعتبر محطة تحول كبرى مفصلية في تاريخ الصراع بين الكيان والأمة عامة،

خُلاصة الأمر أنَ معركة (سيف القدس) تشكل محطة تحوّل كبرى مفصلية في تاريخ الثورة الفلسطينية في صراعها مع مُحتل أرضها ومُهجّر شعبها وقاتل أهلها، وفي تاريخ الصراع بين الأمة الإسلامية والكيان الصهيوني، وهي مرحلة نغزوهم ولا يغزونا، بمعنى المبادرة باتخاذ وتنفيذ قرار الحرب التحريرية الشاملة في محطة إساءة وجوه بني إسرائيل في حروب المقاومة، وهو الممر الإجباري والتمهيدي لمحطة دخول المسجد الأقصى وتتبير علو دولة الإرهاب والإفساد، وتحرير فلسطين، وما بين المحطتين الكثير من إنجازات النصر، وآلام المعاناة، حتى يأذن الله تعالى بالنصر المبين، وحينئذ يفرح المؤمنون بنصر الله.

/انتهى/