ستّة أسباب تَقِف وراء انهِيار الحِوار الفِلسطيني في القاهرة.. لماذا اختار عبّاس “المُقاطعة” وإغضاب المِصريين وفصائل المُقاومة معًا؟ وما هي شُروط “حماس” التي أغضبته؟ وكيف سيكون الرّد المِصري على انسِحاب رئيس السّلطة في رام الله؟

وكالة مهر للأنباء، ان مُقاطعة الرئيس الفِلسطيني محمود عبّاس لجلسات الحِوار الفِلسطيني الشّامل التي كان مُقرَّرًا بدئها في القاهرة الأُسبوع المُقبل بمُبادرةٍ مِصريّة تعود بالدّرجة الأولى إلى رفضه الاعتراف بانتِصار فصائل المُقاومة بقيادة حركة “حماس” و”الجهاد الإسلامي” في حرب غزّة الأخيرة، وبدء السّلطات المِصريّة فورًا في عمليّة إعادة الإعمار في قطاع غزّة دون إشراف السّلطة المُباشر عليها، الأمر الذي كان له وقعًا سلبيًّا في أوساط القِيادة المِصريّة، واتّخاذها قرارًا بتأجيل الحِوار إلى أجلٍ غير مُسمّى، في خطوةٍ عكست حالةً من الغضب حسب تفسير بعض المُحلِّلين.

الرئيس عبّاس الذي يُراهِن على الدّورين الأمريكي والإسرائيلي الدّاعمين له، ولا يُعير في الوقت نفسه أيّ اهتِمام فيما يبدو للأدوار العربيّة الأُخرى، حسب وصف مصدر مسؤول في أحد فصائل المُقاومة الكُبرى في غزّة، يَرفُض مُشاركة أحد له في القرار الفِلسطيني، ويُصِر على أن يكون المرجعيّة المُطلقة لهذا القرار، مثلما يَرفُض التّسليم بالمُتغيّرات الجديدة التي تتكرّس على الأرض بعد انتِصار المُقاومة في حرب غزّة، ويتمسّك بالسّلطة الفِلسطينيّة واتّفاقات أوسلو، وإبقاء الوضع الفِلسطيني على ما هو عليه دون أيّ تغيير، ويُخَطِّط لتشكيل حُكومة وحدة وطنيّة شكليّة بقِيادة أحد رجاله للإشراف على عمليّة الإعمار والتّحكّم بكُل الأموال التي ستُمَوِّل هذه العمليّة بِما في ذلك المِصريّة منها.

الرئيس عبّاس يُراهِن على الدّورين الأمريكي والإسرائيلي الدّاعمين له، ولا يُعير في الوقت نفسه أيّ اهتِمام فيما يبدو للأدوار العربيّة الأُخرى

مصدر فِلسطيني حضَر اللّقاءات التّمهيديّة التي انعقدت في القاهرة في الأيّام القليلة الماضية، سواءً بشَقّها الفِلسطيني الفِلسطيني، أو الفِلسطيني المِصري، وكان من أبرز المُشاركين فيها كُل من السيّد إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، والسيّد زياد النخالة أمين عام الجهاد الإسلامي، هذا المصدر قال لنا إنّ هُناك عدّة أسباب كانت وراء فشَل حِوار القاهرة، ومُقاطعة الرئيس عبّاس لها:

أوّلًا: رفض الرئيس عبّاس مُشاركة فصائل مُقاومة من قِطاع غزّة، مِثل لجان المُقاومة الشعبيّة في الحِوار أصرّت عليها حركة “حماس”، وهُناك من لا يَستبعِد أن الرّفض جاء أيضًا لاقتِراحٍ بمُشاركة تيّار محمد دحلان، العُضو المَفصول من حركة “فتح”.

ثانيًا: اشتِراط السيّد يحيى السنوار قائد حركة “حماس” في قطاع غزّة على وفد حركته إلى حوار القاهرة أن يتم الإصرار على إعادة بِناء المُؤسّسات الوطنيّة، وخاصّةً منظّمة التحرير من الأعلى إلى الأسفل، وفي أسرعِ وقتٍ مُمكن وإعطاء الأولويّة المُطلقة لإعادة ترتيب البيت الفِلسطيني في إطار المُنظّمة فقط.

ثالثًا: حتميّة مُشاركة الرئيس عبّاس شخصيًّا في جميع جولات الحِوار، ورفض إنابة أيّ شخص عنه من البِداية حتّى النّهاية.

رابعًا: تشكيل مجلس وطني جديد بالتّوافق تتولّى اختيار أعضائه لجنة وطنيّة خاصّة، ويكون المجلس مُؤقَّتًا لمُدَّة عامين ويتولّى تشكيل هيئات المُنظّمة مِثل المجلس المركزي واللّجنة التنفيذيّة حسب حجم كُلّ فصيلٍ في الشّارع الفِلسطيني.

خامسًا: تشكيل قِيادة وطنيّة عُليا مُؤقّتة للشّعب الفِلسطيني تشرع فورًا في قِيادة السّاحة الوطنيّة بنفسها و”دُون غيرها” حتّى الانتِهاء من تشكيل المجلس الوطني والهيئات المُنبثقة عنه على أن تَنبَثِق عن هذه القِيادة لجنة ميدانيّة مُوحَّدة للمُقاومة الشعبيّة تقود الاشتِباك مع الاحتِلال في كُلِّ مكان.

سادسًا: إلغاء أو تجميد التّنسيق الأمني كُلِّيًّا مع الاحتِلال الإسرائيلي، وكُل التّفاهمات الأُخرى المُنبثقة عن اتّفاقات أوسلو.

المعلومات المُتَوفِّرة لهذه الصّحيفة تُؤكِّد أنّه لا يُوجد في الوقت الحالي أيّ نوايا لدى السّلطات المِصريّة لتحديد موعد جديد لجولات الحِوار الفِلسطيني المُقبلة، وأنّ تركيزها يَنصَبُّ حاليًّا على إعادة الإعمار في قِطاع غزّة، بالتّنسيق مع قِيادة حركة “حماس” والفصائل الأُخرى، وقال أحد المُهندسين الفِلسطينيين إنّ خطط الإعمار المِصريّة لا تقتصر على إعادة بناء ما تهدّم، وإنّما إعادة بِناء مُدن قِطاع غزّة وتحديثها، وإقامة طُرُق وجُسور على الطّراز العالمي الحديث على غِرار المُدن المِصريّة التي تم تشييدها مُؤخَّرًا.

إسرائيل والسّلطة في رام الله، هُما أكبر الخاسِرين من انتِصار غزّة الكبير، وهُناك مُؤشِّرات تُؤكِّد أنّ قِطار ترتيب البيت الفِلسطيني قد يَنْطَلِق بُدونها، فقبل حرب غزّة الأخيرة شَيءْ، وبعدها شَيءٌ آخَر

السّلطة الفِلسطينيّة، وبعد الانسِحاب من حِوار القاهرة بهذه الطّريقة “النّزقة”، باتت شِبه معزولة ومُهَمَّشة، وتسود حالة من الارتِباك والانقِسام في صُفوفها، وتَشعُر بعض رموزها أنّ فصائل المُقاومة في القِطاع سحبت البِساط القيادي من تحت أقدامها، حسب رأي شخص مُقرَّب من دهاليزها، ولعلَّ من أبرز علاماته، تصريحات المُتحدّث باسمها الذي طالب بحِمايةٍ دوليّة للشّعب الفِلسطيني بعد “إعدام” اثنين من ضبّاط مُخابراتها العسكريّة وأسير مُحَرَّر في هُجومٍ للقوّات الإسرائيليّة على قاعدةٍ لها في مدينة جنين قبل يومين، وعلّق أحد قادة المقاومة في القِطاع على هذه المُطالبة بالحِماية الدوليّة قائلًا “كيف تُطالب السّلطة بحِماية للشّعب الفِلسطيني وقوّات أمنها تُوَفِّر الحِماية للمُستوطنين اليهود، الذين يَقتُلون وقوّاتهم هذا الشّعب، فالأَوْلى بها أن تُقَدِّم الحِماية لشعبها أوَّلًا، وأن تثأر قوّاتها الأمنيّة لعناصرها من قتلتهم”.

الانتِفاضة الأُولى عام 1987 انطلقت شرارتها في قِطاع غزّة لاستِشهاد أربعة فِلسطينيين بشاحنةٍ إسرائيليّة، فهل تنطلق الانتِفاضة الثّالثة في الضفّة باستِشهاد الثّلاثة في مدينة جنين أو “جنينغراد” فِلسطين مثلما كان يُسَمِّيها الرئيس الشّهيد ياسر عرفات؟ يسأل أحد رُموز هذه الانتِفاضة.

الأيّام والأسابيع المُقبلة قد تَحمِل الإجابة، لكن ما يُمكِن أن نقوله، وباختِصارٍ شديد، إنّ إسرائيل والسّلطة في رام الله، هُما أكبر الخاسِرين من انتِصار غزّة الكبير، وهُناك مُؤشِّرات تُؤكِّد أنّ قِطار ترتيب البيت الفِلسطيني قد يَنْطَلِق بُدونها، فقبل حرب غزّة الأخيرة شَيءْ، وبعدها شَيءٌ آخَر.. واللُه أعلم.

/انتهى/

سمات