وكالة مهر للأنباء - أربعةُ عقودٍ مرّت على انتصار الثورة الإيرانية عام 1979، بقيادة الإمام الخميني، هذا الانتصار كَسَرَ عصر احتكار السلطة من قبل الحكّام المدعومين أميركياً (الشاه محمد رضا بهلوي). بعد أشهرٍ من الانتصار وتحديداً في 7 آب/أغسطس 1979، تم افتتاح سفارةٍ فلسطينية في طهران، والتي كانت أول سفارةٍ لدولة فلسطين في العالم، تأسست على أنقاض السفارة الإسرائيلية، ومن هنا كانت انطلاقة حضور المقاومة في إيران، على صعيد الدعم بكل أشكاله.
آمن قادة الثورة بضرورة دعم حركات المقاومة، بعيداً عن الانتماءات الدينية أو الاختلافات الضيقة، أو التوزع الجغرافي، فدعمت تأسيس حزب الله في لبنان، ودافعت عن القضية الفلسطينية ودعمت حركات المقاومة فيها، وبنت علاقة استراتيجية مع سوريا التي كانت الحاضرة الأبرز عربياً في دعم المقاومة وتبنيها، وأكملت ذلك عندما ساندت العراق خلال السنوات الماضية في إنهاء "داعش"، بالإضافة إلى حضورها في دعم اليمن بوجه العدوان السعودي عليه، كما دعمت حركات المقاومة في البوسنة الهرسك والشيشان وأفغانستان وفنزويلا وغيرها.
*كيف دعمت إيران تأسيس حركات المقاومة؟
** حرس الثورة يؤسس المدماك الأول لمحور المقاومة
عام 1980 أسس ثلّةٌ من ضبّاط حرس الثورة الإيرانية المدماك الأول لما يُعرف اليوم بمحور المقاومة. أشرف هؤلاء الضباط على تدريب الدفعات الأُولى من شباب حزب الله في منطقة البقاع شرق لبنان.
أسس حزب الله أيدولوجيته السياسية على أساس مقاومة الاحتلال الإسرائيلي للبنان، وقد اكتسب شرعيته المحلية والإقليمية عن طريق المقاومة العسكرية لـ "إسرائيل"، ولاسيما بعد اجتياح بيروت عام 1982، وكلل الحزب عمله السياسي والعسكري بإجبار "إسرائيل" على الانسحاب من الجنوب اللبناني في أيار/مايو من عام 2000، مروراً بانتصاره عام 2006 في حرب تموز، وكل ذلك بدعم إيراني وحضور لأبرز قادتها العسكريين على الأرض للمساعدة والتخطيط.
** القضية الفلسطينية بوصلة ايران
بعد افتتاح سفارة فلسطين في طهران التقى فيها الرئيس الفلسطيني السابق ياسر عرفات والإمام الخميني، الذي عمل منذ البدايات على جعل القضية الفلسطينية بمثابة الهدف والأساس، حيث أطلق عام 1979، يوم القدس العالمي والذي قال عنه: "يوم القدس هو يوم مواجهة المستضعفين مع المستكبرين ويوم مواجهة الشعوب التي عانت من ظلم أميركا وغيرها".
لم يقتصر الدعم الإيراني على حركات المقاومة الشبيهة بأيديولجيتها فقط، فإيران تمدّ حركات المقاومة الفلسطينية منذ التأسيس وإلى اليوم بالسلاح والمال والدعم السياسي
لم يقتصر الدعم الإيراني على حركات المقاومة الشبيهة بأيديولجيتها فقط، فإيران تمدّ حركات المقاومة الفلسطينية منذ التأسيس وإلى اليوم بالسلاح والمال والدعم السياسي مثل: (حماس - الجهاد – فتح وغيرها)، من أجل مواجهة الاحتلال الإسرائيلي.
الأمر الذي أشاد به رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية، بعد انتصار المقاومة في معركة "سيف القدس" الأخيرة، قائلاً: "المقاومة في قطاع غزّة تشكر الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي لم تبخل عليها بالمال والسلاح"، ومثل هذه التصريحات دائماً ما تتكرر على ألسنة قادة المقاومة الفلسطينية.
** الخميني والاسد نظرة استراتيجية واحدة
جمعت النظرة الاستراتيجية التي تميّز بها الإمام الخميني والرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، العلاقات "الإيرانية - السورية" منذ عام 1980، هذه النظرة ساهمت بأن تكون سوريا نقطة الوصل بين إيران ولبنان وفلسطين.
وقال الرئيس الراحل حافظ الأسد، عندما سُئل من قبل وسيلة صحفية: لماذا تحالفت مع إيران ضد صدام حسين في الحرب الإيرانية - العراقية؟، قال: "نحن نقف معهم (إيران) اليوم كأشقاء، وندعمهم بكل إمكانياتنا، وسيأتي يوم هم الوحيدون الذين سيقفون معنا، ويتخلى عنا الأشقاء الحقيقيون".
عام 2011 ونتيجةً لمواقف سوريا المبدئية الملتزمة بالمقاومة كفكر، وبالقومية العربية كمبدأ، والمؤيدة لفلسطين ولكل حركات التحرر، تعرّضت دمشق لأبشع مؤامرة أميركية وغربية بتمويل من بعض الدول العربية، بهدف النيل منها لدفعها نحو التخلي عن فلسطين وحركات المقاومة.
منذ الأشهر الأولى للحرب على سوريا أيقنت إيران أن سوريا تتعرض لمؤامرة تهدف النيل من مواقفها وموقعهاK فقامت بإرسال مستشارين للمساعدة في نقل الخبرات العسكرية والميدانية، ثم ساهمت في كسر الحصار الاقتصادي عن دمشق
منذ الأشهر الأولى للحرب على سوريا أيقنت إيران أن سوريا تتعرض لمؤامرة تهدف النيل من مواقفها وموقعها، فانخرطت في دعم سياسي للحكومة السورية بادئ الأمر، ولكن سرعان ما أخذت الأمور طابع العسكرة وبدأت الدول الغربية وبعض العربية ترسل السلاح والمال لمجموعات مسلحة في سوريا، فقامت بإرسال مستشارين للمساعدة في نقل الخبرات العسكرية والميدانية، ثم ساهمت في كسر الحصار الاقتصادي عن دمشق، عدا عن الدعم الدبلوماسي والسياسي في المحافل الدولية، وذلك كله ضمن الاتفاقيات الموقعة بين البلدين.
وفي أكثر من خطاب شكر الرئيس الأسد إيران و"حزب الله" على اصطفافهم إلى جانب الجيش السوري.
** العراق وتحويل التهديدات الى فرص
عام 2003 ومع دخول الاحتلال الأميركي للعراق وسقوط نظام صدام حسين، استثمرت إيران الفرصة وحولت التهديدات الأميركية ووجودها على الحدود العراقية الإيرانية إلى فرصة، فدعمت القوى والأحزاب العراقية من أجل كسر الوجود الأميركي وحاولت دعم حركات المقاومة، وقد حققت هذه الفصائل ضربات قوية ومركزة ضد الوجود الأميركي، وكان لها الفضل في تغيير حسابات أميركا في العراق.
لكن الوجود الأميركي في العراق ترك المجال وهيأ المناخ لنمو الحركات المتطرفة وأبرزها تنظيم "داعش" الذي قتل العراقيين ودمر البنى التحتية، وعندما حسم العراقيون خيارهم بمواجهة التنظيم، كانت إيران الداعم على الأرض من خلال حضور المستشارين الذين دربوا مقاتلي الحشد الشعبي، وقدموا لهم السلاح اللازم للمعركة.
** محور المقاومة يُنهي "داعش"
الشهيد سليماني كان حاضراً طيلة فترة المواجهة على الخطوط الأمامية يوجه المعارك
عام 2013 ظهر تنظيم "داعش" وتوسّع بسرعةٍ، وفي غضون 6 أشهر من وجوده سيطر على مساحة شاسعة داخل العراق وسوريا، وكان الفضل في إنهاء وجود هذا التنظيم الأشد دموية لمقاتلي محور المقاومة في العراق وسوريا ولبنان وإيران، بقيادة الفريق الشهيد قاسم سليماني، حيث صرّح الشهيد سليماني عام 2016 بأن تنظيم "داعش" لم يتأسس للحرب في سوريا بل لمواجهة إيران وكل محور المقاومة.
وكان الشهيد سليماني حاضراً طيلة فترة المواجهة على الخطوط الأمامية يوجه المعارك مع التنظيم، ويحفز المقاتلين، ويدفعهم للاستبسال في المواجهة، ولازالت مناطق كثير في العراق وسوريا حتى اليوم تذكر هذا القائد، وتطلق اسمه على مناطق كثيرة، كان له الفضل الأكبر في تحريرها من قيد الإرهاب.
** إيران تسعى لرفع الحصار عن اليمن
دعمت طهران المقاومة اليمنية وحاولت رفع الحصار البري والجوي والبحري عن اليمن
تسعى إيران للتخفيف من وطأة الحرب المفروضة من قبل التحالف السعودي ضد اليمن منذ عام 2015. دعمت طهران في سبيل ذلك المقاومة اليمنية، وحاولت رفع الحصار البري والجوي والبحري عن اليمن، كما تسعى إلى دعم مبادرات السلام المحقة التي تنهي العدوان والاحتلال وترفع الحصار عن اليمنيين.
وفي وقتٍ سابق من شهر نيسان 2021، توجه عبد الملك الحوثي زعيم جماعة "أنصار الله" خلال كلمة له بمناسبة "اليوم الوطني للصمود" بالشكر لإيران وحزب الله، وسلطنة عمان، لأنهم نصروا الشعب اليمني في مظلوميته.
حلف القدس اليوم أقوى من أي زمنٍ مضى فهو يضم كلاً من إيران والعراق وسوريا ولبنان وصولاً إلى فلسطين واليمن والكثير من الشعوب في دول عربية كثيرة على رأسها تونس والجزائر. بالإضافة إلى حضور الكثير من الدول في أميركا اللاتينية وغيرها، هذا الحلف يعمل وفق أسسٍ واضحة من أجل هزيمة المشروع "الأميركي – الإسرائيلي"، ولا شك يمثل الحضور الإيراني في قلب هذا الحلف قوة كبيرة ودعماً معنوياً وفعليا./انتهى/