انتهى فجر اليوم الأحد الفصل “المادّي” الزّمني الأخير من “ملحمة” الأسرى الستّة، الذين حرّروا أنفسهم وفّروا بطَريقةٍ أُسطوريّة من سجن “جلبوع” الإسرائيلي، ولكن ملحمة المُقاومة التي مثّلوا، ويُمثّلون أرفع فُصولها، ما زالت مُستمرّة، وحافلة بالمُفاجآت “الإبداعيّة”، فضرع البُطولات لا ينضب.

وكالة مهر للأنباء، ان تسليم المُجاهدين أيهم نايف كممجي، والمُناضل يعقوب انفيعات لأنفسهما، بعد مُحاصرة المنزل الذي اختَبأوا فيه لمُدّة 13 يومًا في مخيّم جنين، حِرصًا على أرواح الأسرة المُقاومة الشّجاعة التي وفّرته لهم، يعني نهاية فصل، وبداية آخَر، ربّما أكثر إبداعًا، وحافِلًا بقصص البُطولة والفِداء، وأين في مخيّم جنين الذي سطّر شُهداؤه وأهله تاريخًا حافِلًا من انتِصارات تُشَكِّل كابوسًا لجيش الاحتِلال.

النّصر لأبطال العمليّة الإبداعيّة الستّة تُحَقِّق، والهزيمة المُهينة الفاضحة للعدوّ ترسّخت، وكتبت تفاصيلها بأحرف من العزّة والكرامة، وعلى لوحة بارزة في أرشيف البُطولات التّاريخي، وسيكون هذا النّصر وتفاصيله مرجعًا نادرًا يجري تدريسه في كُلّ أكاديميّات المُقاومة في العالم أجمع.

لم تحتفل المُؤسّسة الأمنيّة الإسرائيليّة باعتِقال الأسرى الستّة، وسيظل قادتها مُطاطِئي الرّؤوس خجلًا وعارًا، لأنّ فرارهم بالطّريقة التي تمّ عليها، نسف أساطيرهم الأمنيّة الكاذبة، أمام مُستوطنيهم أوّلًا، والعالم بأسْرِه ثانيًا، وأضاف أسبابًا جديدةً للرّعب والهلع في صُفوف الاحتِلال وحاضنته الاستيطانيّة العُنصريّة.

الأسرى الستّة، وأكثر من خمسة آلاف من زُملائهم المُقاومين الأبطال الذين يقبعون خلف قُضبان الاحتِلال، ويُواصِلون جهادهم بأشكاله كافّة في وجه السجّان، سيُحَرّرون يومًا ما، ولعلّه بات أكثر قُربًا، أفرادًا أو جماعات، في عمليّة تبادل أسرى، أو تحرير كامل للأرض، مثل أقرانهم على مدى فُصول تاريخ الانتِصارات على الامبراطوريّات الغاشمة المُتغطرسة، ولن تكون دولة الاحتِلال المُصطَنعة استِثناء، وسيكون احتِفالهم بعودة هؤلاء الأبطال عُرسًا وطنيًّا ضخمًا، يُردّدون فيه الأغاني الوطنيّة ويرقصون “الدّبكة” على أنغام المزمار الوطنيّ.

هزّتنا، وربّما الملايين مثلنا، الرّسالة القلبيّة المُعبّرة الخالدة التي كتبها المُجاهد محمود العارضة إلى والدته، وستَدخُل كُتب التّاريخ المُقاوم من أوسَع بوّاباته الأدبيّة الصّادقة، وقال فيها وهُنا نقتبس حرفيًّا “حاولت يا أمي المجيء لأعانقك، قبل أن تُغادري الدّنيا، لكنّ الله قدر لنا غير ذلك، أنت في القلب والوجدان، وأُبَشِّرّك بأنّي أكلت التّين، والصّبر، والرّمان، وأكلت المعروف والسمّاق والزّعتر البرّي، وأكلت الجوافة من أرضنا الطيّبة، بعد حرمان استمرّ 25 عامًا، وكان في جُعبتي علبة عسل هديّة لك”.

محمود العارضة قائد عمليّة التحرير البُطوليّة جنبًا إلى جنب مع زميله زكريا الزبيدي، لم يتمكّن من مُعانقة والدته الصّابرة المُرابطة، وربّما كان على بُعد مسافة قصيرة منها، ولكنّه عانَق التّاريخ، وكُلّ أبطاله، وشُهدائه، وسيأتي اليوم الذي سيُعانقها تحت رايات التّحرير والنّصر الأبدي وعلى أنقاضِ دحر الاحتِلال، حيث سيكون طعم التّين والعنب والزّعتر والجوافة والسمّاق ألذ طعمًا وأطيب.

تحيّة من القلب لشجرة التّين التي تباركت بإهداء بعض فاكهتها للأسير محمود العارضة، ورفاقه الخمسة المُحرّرين، وتحيّة لأرض فِلسطين المُباركة التي جادت عليهم برُمّانها وصَبرها وسمّاقها وجوافتها وزعترها البرّي، ورطّبت حُلوقهم بخيراتها، ونزلت إلى أمعائهم بردًا وسلامًا في ليالي صيف فِلسطيني مُنْعِشَة.

تتواصل الانتِصارات: نفق حُريّة إعجازي، وانتِصار مُشرّف لعمليّة “سيف القدس” ووصول “مازوت” كسر الحِصار الطّاهر إلى الأهل في لبنان في أقل من ثلاثة أشهر، أنّها بداية مرحلة جديدة تُوَثِّق بالبُطولات الإبداعيّة، بداية الهزائم للاحتِلال وكُلّ عُملائه.. والأيّام بيننا.

/انتهى/