وكالة مهر للأنباء - عبدالملك سام: كل شيء كان جميلا، والوضع كان مستقرا، والخير كان في الطريق، ولم يكن هناك داع لما أحدثه الناس من إضطرابات وبلبلة، كنا في أمن وآمان. بهذا المنطق الاستحماري أراد أحد الزملاء أن يقنعني بأن هذا هو الوضع قبل ثورة ال21 من سبتمبر، بل والأدهى أنه مازال مصرا أن الاستقلال كان موجودا، ولا يرى أن الأمريكيين كانوا يستعدون لدخول اليمن ثم احتلاله؛ وعليه فإن أبناء الشعب الذين خرجوا ثائرين كلهم كانوا مخطئين، فقط الأخ "الجهبذ" هو صاحب الموقف الحكيم، والمنطق السليم !.
مثل هذا الشخص يستغل المعاناة التي نمر بها اليوم بسبب العدوان والحصار ليعطي نفسه موقفا زائفا من القوة ليقارن بين أشياء انتقاها بحذر ليثبت أن ما يقوله صحيح، وفي الحقيقة أنه يملك ذاكرة ذبابة، والمشكلة أن هذه "الذبابة" تملك وسائل إعلام ومروجين، ويتعمد تزوير الحقائق.
ودعونا نعد قليلا للأحداث التي سبقت الثورة لنرى صحة إدعاءه، الفترة التي لم يكن للثوار يد فيها بعد. نحن نتحدث عن مرحلة التدمير الممنهج للجيش اليمني تمهيدا لاحتلال البلد، والذي منع حدوث كل هذا بالفعل هي ثورة ال21 من سبتمبر، وطبعا سرد الأحداث بالتفصيل سيحتاج الكثير من الوقت، لذا سأقوم بسرد مختصر فقط لتنشيط ذاكرة صديقنا الغائب عن الوعي، والذي يبدو أنه يعاني من "الزهايمر" أو أزمة في الضمير والإنتماء !.
المرحلة الأولى؛ بعد تصفير العداد لعفاش، واضطرابات سياسية واجتماعية واقتصادية، وانتشار القاعدة والبدء بمرحلة التدخلات الأمريكية العسكرية الصريحة، وتدمير أسلحة الدفاع الجوي والمنظومة الصاروخية المتواضعة سرا، ومطالبات بتحسين الأوضاع المتردية "النظام لا يكترث"، وخروج ثورة شعبية (11 فبراير) ضد الفساد وأرتفاع الأسعار وأنتشار البطالة، "النظام لا يبالي". والأعداد في ازدياد، والإصلاح يحاول ركوب الموجة (أزمة سياسية في نظام المحاصصة)، وتدخلات خارجية، واستخدام مفرط للقوة، ثم اندلاع مواجهات بين الفرقاء، والأعداد في ازدياد، وتصاعد المواجهات وبدء التصفيات، "الساحات تغلي"، والإعلام يؤجج التصادم، ثم اللجوء للخارج. والمبادرة الخليجية، ثم الاصلاح يتسلم الدفة ويسكت.
في المرحلة الثانية، أرجو منكم أن تركزوا على التدخل الخارجي الواضح وخطورته: الدنبوع يكلف باسندوة بتشكيل حكومة، وانتخابات بمرشح واحد، وتشكيل لجنة عسكرية وأمنية لهيكلة الجيش !. وفد أمريكي يصل صنعاء للاشراف على هيكلة الجيش !. وتسلم الأمريكيين لملفات تحتوي كل بيانات الجيش وتسليحه !.
والسفير يعلن وصول قوات المارينز إلى صنعاء، وطائرات "الدرونز" الأمريكية ترتكب مجازر في عدة محافظات، والدنبوع يصفها بالأعجوبة !، وتزايد عمليات الاغتيالات لعسكريين ومشائخ وسياسيين وأكاديميين. والقرار "2140" الخاص بوضع اليمن تحت الوصاية "البند السابع"، وتدمير 40 طائرة يمنية في عدة محافظات وفي ظروف غامضة !، واغتيالات متنقلة معظمها ضد أفراد وضباط عسكريين (خاصة الطيارين والدفاع الجوي)، والجرعة الإقتصادية ليلة العيد (تهنئة العيد!).
لاحظوا، إلى هنا لم تبدأ ثورة ال21 من سبتمبر بعد، وإذا ما أضفنا الانهيار المخيف للاوضاع الامنية، وانتشار عناصر "القاعدة"، واقتحامات لمؤسسات عسكرية وأمنية وحكومية جهارا نهارا، وترأس السفير الأمريكي لأهم الاجتماعات السياسية والعسكرية، وتدهور الاقتصاد، واغتيال ومقتل الآلآف من المواطنين والعسكريين (سجل عام 2013 فقط أكثر من 3 الآف قتيل)، واقتحام السجون وتهريب السجناء والمجرمين، وتفجيرات متنقلة شملت الاسواق والتجمعات وحتى المساجد، وغيرها من الاحداث المؤلمة والغريبة !.
إذا كان كل هذا لا يشكل خطورة تستدعي التحرك في مواجهتها، فماذا كان يجب على الناس أن يفعلوا وقد انعدم الأمن والأوضاع من سيء لاسواء ؟!، وإذا لم يكن هناك من داعي للثورة، فماذا كان يجب أن يفعل الشعب في الوقت الذي بات فيه الفرد العسكري لا يأمن أن يخرج لابسا زيه الرسمي ؟!، كان التحرك ضروريا، وثورة ال21 من سبتمبر هي ثورة شعبية قامت بحماية الشعب والبلد من المؤامرات، وأسست لمرحلة جديدة كانت كفيلة بلملمة شعث اليمنيين والنهوض باليمن، ولذلك فقد عاجل الأعداء في إستهدافها بعدوانهم الإجرامي بعد شهور قليلة من إنتصار الثورة، ولكن هيهات لهم أن ينالوا من ثورتنا وشعبنا وبلدنا العزيز.
/انتهى/