اعتبر محلل سياسي لبنانی بان عندما تقرر واشنطن الانسحاب من المنطقة وتتعثر بعقدة الأمن الكيان الصهيوني يتحول التجاذب إلى قطبين متقابلين، واشنطن في ضفة ويقف حزب الله على الضفة المقابلة، بصفته القوة الممسكة بالتهديد الأكبر على أمن الكيان الصهيوني.

وكالة مهر للأنباء _ ناصر قنديل: عندما يكون الصراع على زعامة أميركا للعالم من الطبيعي أن يكون القطب المقابل في الصراع كلاً من روسيا والصين، وعندما يتحوّل الصراع إلى عنوان مستقبل الهيمنة الأميركية على آسيا من الطبيعي أن تبرز إيران كقطب مقابل، لكن عندما تقرر واشنطن الانسحاب من المنطقة وتتعثر بعقدة الأمن الإسرائيلي، وتتركز عندها كل خيوط الحركة الأميركية في آسيا واستطراداً بوجه روسيا والصين، يتحول التجاذب إلى قطبين متقابلين، واشنطن في ضفة ويقف حزب الله على الضفة المقابلة، بصفته القوة الممسكة بالتهديد الأكبر على أمن “إسرائيل”.

ويتعقد كل المشهد الإقليمي والدولي عند هذه النقطة، وتصير كل قراءة سياسية مدعوة للتوقف أمام المفردات التي يتشكل منها مشهد التجاذب والصراع بين واشنطن وحزب الله، وتصر التفاصيل اللبنانية التي لا تقدم ولا تؤخر في الحسابات الدولية، ذات أهمية استثنائية في هذه الحسابات، فتقرر واشنطن تجميد مفاعيل قانون قيصر للعقوبات على سورية، لتسجيل نقطة في السباق التنافسي الذي أطلقه حزب الله مع سفن كسر الحصار.

الحرب الأهلية فهي ليست قراراً يتخذه طرف، ما دام الآخرون غير مستعدين للاستجابة

ينطلق الفريقان في هذا الصراع من مسلمة استحالة حسمه بالضربة القاضية خصوصاً من الجانب الأميركي، طالما أن حزب الله لا يتطلع إلى الضربة القاضية في المواجهة مع السياسات الأميركية ولا يزعم قدرته على ذلك، لكن المهم أن واشنطن كقوة عاملية عظمى تلاقي الحزب على التسليم بنتيجة مشابهة في ما يخص مواجهتها معه، فكثيرة هي الدراسات والتحليلات التي تتحدث عن استحالة إلحاق هزيمة ساحقة بالحزب، سواء عبر الحرب أو عبر المسارات البديلة.

لحروب جانبية، فسقف الرهان الأميركي على تجييش اللبنانيين بنتيجة الدفع نحو الانهيار الاقتصادي هو إضعاف الحليف المسيحي لحزب الله الذي يمثله التيار الوطني الحر في الانتخابات النيابية كما قال جيفري فيلتمان في قراءته لانتفاضة 17 تشرين التي تحولت إلى برنامج عمل أميركي منذ ذلك التاريخ، والرهان الذي ترجمه الاعتماد على تشكيلات المجتمع المدني وحزبي الكتائب والقوات اللبنانية للاستثمار بهذا الاتجاه، وهو ما يسميه حزب القوات بنقل الغالبية النيابية من ضفة إلى ضفة، وهذا إن حصل لا يغير كثيراً في التوازنات الحاكمة، فالكل يعترف أن أكبر إنجازات حزب الله في فرض إرادته في مؤسسات الدولة كان الفوز بالمجيء بالعماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، وهذا حدث عندما كانت الغالبية النيابية عند حلف مناوئ لحزب الله.

الحدثان الكبيران المحيطان بالتجاذبات اللبنانية الداخلية لا يصلح أي منهما لتشكيل المنصة التي سيظهر عليها حاصل التوازنات المتنازع على ترسميها بالنقاط، بعد التسليم بسقوط فرضية الضربة القاضية، فقضية التحقيق التي يقودها المحقق العدلي قاضي بيطار وتشكل محور اشتباك كبير بين واشنطن وحزب الله.

واستحضار مخاطرة دفع البلد نحو الحرب الأهلية، التي أطلت بقرنيها من بوابة مجزرة الطيونة، منصتان خطيرتان لكنهما لا تصلان إلى حد تمثيل إحداهما المنصة الرئيسية لتسييل التوازنات، فالذي يعرفه الأميركيون أن سقف كل من هاتين المنصتين مشاغلة حزب الله، من دون القدرة على فرض أي تنازلات عليه، والتحقيق القضائي لو بلغ ذروته بتوجيه الاتهام لحزب الله، وهو أمر إشكالي كبير يبطل كل منهج القاضي القائم على استبعاد جرم تفجير وتركيز الملاحقة على التقصير والإهمال، وليس لحزب الله مسؤول حكومي معني بالمرفأ يمكن ملاحقة الحزب من خلاله، وفتح ملف النترات ومن جلبها ومن استعملها سيسقط قيمة الملاحقات الحالية ويظهر كيديتها.

ويمنح حزب الله فرصة الخوض في ملفات موثقة لديه حول مصدر النترات ووجهتها ومن استفاد منها، وفي أسوأ الأحوال إن سار القاضي نحو الاتهام، فلن يكون أشد خطورة من حكم صادر عن محكمة دولية يتهم الحزب باغتيال الرئيس رفيق الحريري، لم يغير شيئاً في التوازنات ولم يفتح باباً لتفاوض وتنازلات، أما الحرب الأهلية فهي ليست قراراً يتخذه طرف، ما دام الآخرون غير مستعدين للاستجابة، وسقف الممكن هو المخاطرة بميني حرب أهلية قابلة للتكرار، وهذا يسغل بال حزب الله، لكنه ليس منصة الربح بالنقاط على حزب الله لفتح باب المساومات المفترض أميركياً.

فهو لن يكون أشد خطورة في إشغال واستنزاف حزب الله مما مثلته الحرب على سورية بسعتها وامتدادها وجدية ما أتاحته من فرص حشد مقدرات يمكن الرهان عليها لقلب الموازين بوجه حزب الله.

المنصة الوحيدة التي تصلح لتشكيل محور التجاذب، والتي لا تغيب عن خطابات السيد نصرالله هي منصة ثروات النفط والغاز، وهي التي تشكل المحور الأشد أهمية لدى الأميركي، والتي يعتقد الأميركيون أن صرف أي توازنات داخلية لبنانية يتم على منصتها، فعلى هذه المنصة يراهن الأميركيون أن يتم التوصل بشأنها إلى تسوية تتيح استثمار ثروات النفط والغاز على طرفي الحدود، وخلق مناخ اقتصادي يخلق ظروفاً ضاغطة تحول دون التورط في الحروب، التي تخشى واشنطن منها على أمن إسرائيل بعد الانسحاب من المنطقة، طالما أن تحصيل أي تنازلات من حزب الله لضمان أمن إسرائيل صار أعلى مرتبة من المستحيلات.

قضية التحقيق التي يقودها المحقق العدلي قاضي بيطار، تشكل محور اشتباك كبير بين واشنطن وحزب الله

وهذا معنى وصول المبعوث الأميركي لتهيئة ظروف العودة للتفاوض حول ترسيم الحدود البحرية، فما شهدناه ونشهده في قضيتي التحقيق ومجزرة الطيونة، بالونات اختبار لقياس مدى قدرة حزب الله على تجاوز المطبات الخطيرة، وقياس مدى توافر فرص لخلق مناخ داخلي لتمرير تسوية بخصوص الترسيم، لا تحمل إسرائيل أكلافاً باهظة، بعدما قرر الأميركي السير بخيار السعي لفكفكة العقد التي صنعها أملاً بإضعاف حزب الله، وباتت اليوم عبئاً يجب التراجع عنه، لكن بأقل الأكلاف، تماماً كما جرى في الملف الحكومي، فجرى فك الحظر عن ولادتها، لكن لم يفك الحظر عن شروط نجاحها.

قرأ الأميركيون جيداً سلوك حزب الله تجاه ملفي التحقيق ومجزرة الطيونة، وتمعنوا في كلام السيد نصرالله وما بين السطور، وسيحاول موفدهم حول ترسيم الحدود إنعاش التفاوض، وسيحاولون الوصول إلى تسوية يقبلها لبنان، وضمناً حزب الله، وربما يحمل المبعوث الأميركي مسعى القبول بخط الـ860 كلم الذي رفضه سلفه فريديريك هوف وعرض على لبنان نصف المساحة.

ويبقى تقدير ما يراه لبنان بتوازناته وحساباته مقبولاً أمراً معلقاً لحين سماع العرض الأميركي، وحتى لو تم التوصل إلى تفاهم فهذا لا يعني أن الأميركي سيترك لبنان سيرتاح، فسيعاود العرقلة في مسار التنقيب، وستبقى المواجهة سجال، ولذلك لا يبدو حزب الله مستعجلاً على حسم الترسيم قبل الرحيل الأميركي من المنطقة، من دون أن يشترك بالسجال حول خطوط الترسيم، أو المراسيم.

/انتهى/