وكالة مهر للأنباء - طلال عتريسي: ثمة اسئلة لا بد ان تطرح حول ما جرى يوم الخميس الأسود في الطيونة وعين الرمانة؛ والمقصود من استخدام الخميس الأسود هو تكريس المصطلح للتذكير بالسبت الأسود.
فهل فعلا كان المقصود هو جر البلاد الى حرب أهلية؟، وهل الوضع الإقليمي والدولي اليوم مهيأ لمثل هذا القرار؟، وما هي طبيعة الجبهات التي ستتشكل في مثل هذه الحرب، مسلمين ومسيحيين ؟، أم شيعة ومسيحيين ؟، وهل يمكن أن يجرّ جعجع المسيحيين الى مثل هذه الحرب مع الشيعة أو مع حزب الله ؟، ربما تكون الإجابة عن مثل هذه التساؤلات هي النفي، ليس فقط لان حزب الله لن يستجيب لمثل هذه المحاولة بل لان المسيحيين انفسهم (خارج بيئة القوات) لا يشعرون بأي تهديد من الشيعة او من الحزب.
** إذاً ما هو المقصود من القتل المتعمد الذي حصل يوم الخميس الأسود ؟، الأرجح أن جعجع كان يقصد التالي:
- إما ان يكون هناك رد فعل، فيدخل شباب حركة امل وحزب الله الى عين الرمانة وما سيليه من هرج ومرج واعتداء وحرق وربما قتل وغير ذلك مما سيلصق حصراً بحزب الله وسلاحه، ما يعني احراج التيار الوطني الحر، وتحويل السلاح الى تهديد داخلي فعلي وليس مجرد اتهامات.
والإعلام المعادي للحزب جاهز ومستعد أتم الإستعداد، وهكذا يكسب جعجع محلياً وانتخابياً ومسيحياً في مواجهة التيار، كما يقدم جعجع في القوت نفسه الى القوى الإقليمية والى الولايات المتحدة بأنه هو وحده من يقدر على مواجهة حزب الله وتحديه وتوريطه، وهكذا يكسب جعجع أيضاً ثقة هذه القوى الخارجية.
- وإما ان لا يتورط الحزب كما حصل ولا يدخل الى المناطق المسيحية ويسكت عن الغدر الذي تعرض اليه وعن الشهداء الذين سقطوا ولا يرد عسكرياً على ما حصل؛ وفي هذا أيضاً بنظر جعجع خسارة للحزب، وربما ساعد جعجع على هذا التفكير وعلى هذا التجرؤ ما حصل أكثر من مرة من اعتداء وان كانت الظروف والملابسات مختلفة على جمهور الحزب ولم يرد الحزب للإعتبارات نفسها بالحرص على السلم الأهلي (حادثة خلدة).
والسؤال الاهم الذي يطرح نفسه هو: ما هي الاحتمالات وكيف ستكون سمات المرحلة المقبلة في التعاطي مع هذا الإعتداء طالما أن الحزب قد اتهم القوات علناً بارتكاب هذه المجزرة؟، وكيف سيتعاطى الحزب مع القوات في المجلس النيابي وفي الحياة السياسية؟، وكيف سيتعاطى الحزب مع احتمال تكرار مثل هذا الإعتداء على قاعدة الحرص على أولوية السلم الأهلي ؟.
يمكن القول ان جعجع ربح تكتيكياً، لكن لا يعني ذلك انه ربح المعركة ضد حزب الله، كما يحاول أن يسوّق ذلك في الداخل المسيحي وفي الخارج (للملكة السعودية وللولايات المتحدة).
خسر جعجع الصلة الدافئة التي كانت تربطه بالرئيس بري، وبعد هذه المجزرة بات جعجع والقوات عدواً لحركة أمل، أي أن جعجع خسر هو ومن راهن من قوى اقليمية ودولية على الانقسام الشيعي الشيعي
اولاً على الصعيد الداخلي: خسر جعجع الصلة الدافئة التي كانت تربطه بالرئيس بري، وبعد هذه المجزرة بات جعجع والقوات عدواً لحركة أمل، أي أن جعجع خسر هو ومن راهن من قوى اقليمية ودولية على الانقسام الشيعي الشيعي، وبات الشيعة بعد الخميس الأسود في حالة واحدة عاطفية ونفسية وسياسية وتعبوية ضد القوات اللبنانية، وهذه ليست خسارة بسيطة بالنسبة الى من يراهن على الانقسام الشيعي، لقد طويت هذه الصفحة.
ثانياً على الصعيد المسيحي: لا يستطيع جعجع تبرير حرب يخوضها مع الشيعة في لبنان، فليس في التاريخ المعاصر اي عداوة او اي كراهية تبرر هذا التخويف من الشيعة الى حد الحرب بينهما، اما نتيجة ما يمكن ان يحصل من حرب مماثلة فلن تكون سوى المزيد من هجرة المسيحيين، مع ما يعني ذلك من مزيد من تقلّص الدور المسيحي في لبنان، لكن السؤال يبقى هو كيف سيرد حزب الله ؟.
فهل يشدد الحزب على دور القضاء والاجهزة الامنية، وهذه استراتيجيته في مواجهة مثل هذه الحالات حرصاً على الدولة ومؤسساتها، لكن ما يعرفه حزب الله أيضاً ان القضاء لن يذهب الى اتهام القوات اللبنانية مباشرة بعمليات القتل والقنص التي حصلت.
وقد تستمر التحقيقات بضعة أشهر وما التحقيق في تفجير المرفأ ببعيد ولا في اعتداءات خلدة كذلك، فكيف سيتصرف الحزب مع القوات في مجلس النواب على سبيل المثال وفي اللجان المشتركة، وهم من يمثل القتلة بالنسبة إليه ؟، وكيف سيعمل من جهة ثانية لمنع مثل هذه الإعتداءات وعمليات الغدر والقتل ان تتكرر من دون ان يعرّض السلم الاهلي للخطر، ومن ان يتورط في المواجهة المباشرة داخلياً التي يريدها له الخصوم والأعداء ؟، وهل سيكون الرد على الاصيل وليس على الوكيل ؟، اي في الاقليم وليس في لبنان ؟، أو هل سيصعّد ضد السفارة والسفيرة الأميركية في لبنان ؟.
يمكن من جهة ثانية ان نعتبر ان عدم توّرط الحزب في فتنة داخلية متعمدة، هو فشل لهذا المشروع، فماذا سيفعل جعجع بعد ذلك ؟، هل سينكفئ ام سيبحث عن ذريعة جديدة للمواجهة والإشتباك قبل الإنتحابات النيابية ؟ ام انه ادى ما عليه وانتهى الأمر ؟.
يحتاج تفجير الحرب الاهلية الى قرار اميركي اقليمي، فهل مثل هذا القرار متوفر في ظل سياسات الانسحاب الاميركي من المنطقة ؟، وفي ظل الرغبة السعودية في الخروج من مأزق الحرب في اليمن، لا توجد مؤشرات جديّة على مشروع حرب أهلية، ولا معطيات خارجية تُشجّع على مثل هذا المشروع
- يحتاج تفجير الحرب الاهلية الى قرار اميركي اقليمي، فهل مثل هذا القرار متوفر في ظل سياسات الانسحاب الاميركي من المنطقة ؟، وفي ظل الرغبة السعودية في الخروج من مأزق الحرب في اليمن وفي الحوار مع ايران ومع مؤشرات عودة العلاقات بين البلدين ؟، لا مؤشرات جديّة على مشروع حرب أهلية، ولا معطيات خارجية تشجع على مثل هذا المشروع.
ومن منظور المصلحة المسيحية سيكون ذلك مشروعاً انتحارياً، ثمة محاولة من القوات اللبنانية ومن زعيمها سمير جعجع لتحقيق انتصارات جزئية تتيح له أن يقدم نفسه أقوى طرف في المعادلة الداخلية المسيحية واقوى من يعتمد عليه خارجياً لمواجهة حزب الله أو توريطه في نزاعات داخلية.
السؤال هو: هل سينجح حزب الله في جعل القوات المتهم المباشر في ما حصل ؟، وكيف سيمنع حزب الله التمادي في مثل هذه العمليات من القتل والإعتداء ؟، وكيف سيوفّق بين دعواته لدور القضاء والأجهزة الأمنية وبين معرفته بأن مثل هذا القضاء فقد الكثير من الثقة التي يُعتمد عليها ؟، لا يرد حزب الله دئماً بشكل مباشر، ولا يؤخذ بالإنفعال، وهولا يجعل من مشاريع التوريط الداخلية أهدافاً استراتيجية، وقد لا يعلن عن كيفية الرد، هو ينظر في الوقت نفسه من خلال الإقليم الى لبنان.
وقد قاتل في الإقليم لحماية استقرار لبنان وحماية المقاومة في لبنان، هذا هو التحدي الذي يواجهه حزب الله اليوم؛ أن يردع من تجرأ على سفك دماء الأبرياء، وأن يحفظ مرجعية القضاء، والعلاقة مع الجيش والقوى الأمنية، وأن تبقى بوصلته واستراتيجيته العدو الإسرائيلي وكسر الهيمنة الأميركية، ليست المهمة سهلة، ولكنها ليست أصعب أو أخطر مما عرفه الحزب وتعامل معه من تحديات وتهديدات طيلة السنوات العشر الماضية./انتهى/